انتشار التقانة والتجربة الإيرانية
بقلم: بسام العسلي
|
أحمدى نجاد ووزير الدفاع الإيراني |
لابد من القول، قبل كل شيء، أن حصول (إيران) على تقانة السلاح المتطورة،
أو إنتاج منظومات أسلحة حديثة ذات قيمة استراتيجية، على أرض إيران، يجب
-نظرياً على الأقل- ألا يشكل قضية عربية أو إسلامية أو إقليمية، إذ يعتبر
حصول أي عربي أو إسلامي على ذلك مكسباً عربياً أو إسلامياً أو حتى عالمي،
في ظل التوازنات الدولية والصراعات العالمية.. ولكن القضية، في كل أبعادها
وتطوراتها، هي قضية المخططات والنوايا الموجهة لاقتحام دوائر سباق التسلح
(إقليمياً وعالميا) وأهداف استخدام هذه التقانة والتسلح في إطار (سياسات
الحروب) وتفجير الصراعات المسلحة. وإذا كان لإيران الحق -كل الحق- لامتلاك
تقانة التسلح، أو حتى إنتاج المنظومات المتطورة، فليس لها الحق أبداً في
توظيف مثل هذه القدرات لزج أقاليم الوطن العربي مباشرة أو غير مباشرة عبر
تنظيماتها المسلحة، في حروب مجهولة النتائج أو في صراعات لا تخدم أهداف
الشعوب العربية والإسلامية في تطوير قدراتها الذاتية، أو تعمل على تدمير
واستنزاف قدرات الشعوب العربية والإسلامية.
1 - تطور مثير في انتشار التقانة:
عملت
كثير من دول العالم على ممارسة تجارب (إقامة صناعات حربية) وأمكن لعدد
منها تحقيق نجاحات في أنواع من الانتاج الحربي، فيما كان الفشل والاحباط
من نصيب تجارب أخرى. وكان نقل التقانة وتطويرها في طليعة عوامل النجاح أو
الفشل. وتعتبر (التجربة الاسرائيلية) من التجارب المميزة في هذا المضمار
إذ عملت سلطات الاستعمار البريطاني في فلسطين على تنظيم الهجرة اليهودية
وتشكيل المهاجرين في تنظيمات قتالية وكان لزاماً إقامة (ورش) أو (مصانع
صغيرة) لتأمين المتطلبات الضرورية لتلك التنظيمات، فكان (رشاش عوزي) و
(القنابل اليدوية) وذخائر الأسلحة الفردية والخفيفة، وحتى بعض قنابل
المدفعية من نماذج تلك البدايات التي تطورت بعد قيام كيان الدولة
الاسرائيلية سنة 1948. وأحيطت تلك التطورات بنوع منظم من الدعاية التي
جعلت من اسرائيل نموذجاً صناعياً ينافس الدول الصناعية الكبرى، من صناعة
للدبابات (مركافا) والطائرات (ومنها الطائرات بدون طيار) والزوارق الحربية
(ساعر) ونهاية بأنواع من الاسلحة الصاروخية (أرو - السهم) وسرعان ما
تساقطت الأقنعة بعد حرب 1973، حيث تبين، عبر الجسر الجوي الأمريكي، أن
الصناعات الحربية الاسرائيلية هي مجرد فروع لمصانع غربية أو أمريكية، تنتج
اسرائيل بعض قطعها البسيطة بنسب محددة، والهدف الأول لهذه الصناعة هو
اقتحام أسواق السلاح العالمية -وبصورة خاصة الأسواق الافريقية -التي لا
تريد أمريكا الدخول فيها لأسباب سياسية، وهذا إلى الجانب أهداف اقتصادية،
منها: تأمين متطلبات الصيانة والتحديث لترسانة الأسلحة الاسرائيلية. وكان
ذلك تأكيداً أن عمليات إنتاج الأسلحة وصناعتها وتجارتها بلغت درجة من
التعقيد، وبصورة خاصة في إطار المنافسة العالمية، لغزو اسواق السلاح في
العالم، وفي ظل التسارع المذهل للتقانة ومتطلبات مراكز الأبحاث والتصميم
الخ... مما حمل عدداً كبيراً من دول العالم على التركيز لإنتاج أنواع
محددة من المنظومات أو الأسلحة ذات التقانة المتطورة، أو امتلاك قدرة
للتحديث والتطوير، للمنظومات والاسلحة التي يتم الحصول عليها دونما عناء
من الأسواق الصناعية. وقد حاولت دول عربية إقامة صناعات حربية لتحقيق
الاكتفاء الذاتي من الأسلحة والمتطلبات القتالية، ولدعم القدرات الذاتية
القتالية واختارت في النهاية من الصناعات ما يتناسب وقدراتها وإمكاناتها
مع التركيز بخاصة على الصناعات ذات الاستخدام المزدوج (للأغراض المدنية
والعسكرية) وهو ما يتوافر للصناعات الالكترونية بكل أنواعها.
ويمكن على
ضوء ذلك قراءة التجربة الإيرانية الحديثة في خطوطها العامة ففي يوم 22
أيلول -سبتمبر- 2007 جرى عرض عسكري في (طهران) ألقى فيه الرئيس الإيراني
(محمود أحمدي نجاد) كلمة، وتخلل العرض كشف النقاب عن أسلحة جديدة، إذ تم
استعراض صاروخ أطلق عليه اسم (قدر) يصل مداه إلى 1800 كيلو متر، وهو على
الأرجح نموذج مطور عن صاروخ (شهاب 3) الذي أعلنت إيران عن إنتاجه منذ
سنوات.. كما اخترقت سماء العرض طائرات من نموذج أطلق عليه اسم (الصاعقة)
وذكر أنها طائرة مقاتلة- فائقة التطور. وفي يوم 72 تشرين الثاني -نوفمبر- 2007 أعلن وزير الدفاع الإيراني (العميد مصطفى محمد نجار) ما يلي: «أنجزت
مصانع وزارة الدفاع الإيرانية صاروخاً بالستيا يبلغ مداه ألفي كيلو متر
إضافة الى إنتاج غواصة من طراز (الغدير) وجرى تسليمها للقوات البحرية وقد
أطلقت القيادة على الصاروخ اسم عاشوراء. هذا بالإضافة إلى تنفيذ مشروع
انتاج مدمرات قاذفات للصواريخ وسيتم قريباً تجهيز القوات البحرية بها،
وذلك في إطار تحقيق الاكتفاء الذاتي...».
بعد ذلك وفي يوم 81 كانون
الاول -ديسمبر- 2007- وبعد أسبوع من إعلان موسكو أنها سلمت طهران شحنات
الوقود النووي لتشغيل مفاعلات (بوشهر)- تم كشف النقاب في طهران عما يلي:
«تجري مفاوضات إيرانية - روسية في موسكو لتسليم معدات عسكرية روسية
لايران، تشمل محركات لطائرات روسية لإيران، ومحركات طائرات مروحية
-حوامات- وقد طلبت إيران تزويدها بمحركات (ار - دي - 32) لتجهيز طائرات
تحل محل الطائرات المقاتلة الأمريكية اف - 5، وستعمل روسيا أيضاً على
تحديث الطائرة المروحية (كاي -ايه- 33) التي تريد ايران أن تعمل على
تجميعها في بلادها».
ومع التطور العالمي للتقانة، فقد كان من المتوقع
أن تعمل طهران على ارتياد آفاق وسائط الحرب الالكترونية. وهذا ما أعلنه
وزير الدفاع الإيراني (العميد مصطفى محمد نجار) يوم 3 شباط -فبراير- 8002
بقوله: «دشنت إيران اليوم خمسة أنظمة مراقبة أرضية وجوية ذكية في مصانع
شركة -مصا إيران- للصناعات البصرية، وتشمل هذه المنظومات الخمسة: خط انتاج
- كاميرات (عقاب) لتصوير الفيديو- وكاميرات (شاهين) للتصوير الفوتوغرافي،
اللتين يمكن تركيبهما على مختلف أنواع الطائرات التي تعمل بدون طيار وكذلك
الحوامات على اختلاف أنواعها، مما يمكنها من استطلاع ورصد الأهداف الثابتة
والمتحركة في كل الأحوال الجوية وفي كل الأوقات، وتشمل المنظومات الثلاث
الأخرى: خط إنتاج أجهزة رصد وضبط نيران المدافع (32 و 53 و 67 و 100ملم)
إضافة إلى إنتاج أجهزة رصد وضبط الاسلحة الصاروخية، والكاميرات الذكية
للمراقبة والرصد لمدى بعيد للأهداف الجوية والبحرية والبرية...». ولم
تتأخر (طهران) بعد ذلك عن الإعلان (يوم 4 شباط -فبراير- 2008) عن إطلاق
أول منظومة فضائية علمية محلية الصنع- حيث تضمن الإعلان مايلي: «أطلقت
إيران منظومة فضائية محلية الصنع- حيث تمت تجربة إطلاق صاروخ سفير الذي
سيحمل الأقمار الصناعية (أوميد - أمل 1). وتشمل المنظومة: القمر الصناعي
ومحطات تحت الأرض، ومحطات إطلاق فضائية».
وجاءت ردود فعل عالمية كثيرة-
ليست في مصلحة طهران -وكان أولها رد الفعل الامريكي- ففي يوم 5 شباط
-فبراير- 2008، صرحت المتحدثة باسم البيت الأبيض (دانا بيرينو) بما يلي:
«إن التجربة الإيرانية لإطلاق صاروخ إلى الفضاء هي أمر مؤسف، ولا بد من
التحذير بأن ذلك سيزيد من عزلة إيران عن المجتمع الدولي... إن نوع
التكنولوجيا المستخدمة في الصاروخ البالستي والامكانيات الضرورية لإطلاق
مركبة فضائية الى المدار هي ذاتها التي تستخدم لاطلاق صواريخ بالستية
بعيدة المدى».
وأضافت ايران يوم 8 شباط -فبراير- 2008 الى ما سبق
اعلاناً عن ابتكار (روبوت - ايراني) هو الأول من نوعه في العالم. -بحسب ما
أعلنته وكالة الأنباء الإيرانية- لاستكشاف أعماق البحار -حتى عمق 051
متراً. وهو مزود بأجهزة تصوير ويمكن التحكم بتوجيهه عن بعد. وقد أثارت هذه
التوجهات لإيران كثيراً من التساؤلات: فهل ارتياد اعماق البحار والفضاء
الخارجي لإيران هو جهد مستقل عن التوجه العالمي نحو الآفاق الجديدة في
أعماق المحيطات وأعالي ال فضاء؟
2 - التقانة والاستقطاب الدولي:
شكلت
تجارة الأسلحة قاعدة الأحلاف العسكرية في عصر الحرب الباردة. ومع تعاظم
أهمية هذه التجارة، وارتفاع مردودها المادي والمعنوي ظهر تطور جديد هو
(تجارة التقانة). وبقيت إسرائيل هي النموذج المبكر لنشر تقانة التسلح، غير
أن تطور التقانة في التسلح بالقوى الاستراتيجية (وبخاصة منها أسلحة الدمار
الشامل - النووية- والقدرات البحرية، والأسلحة الصاروخية) قد فرض قيوداً
جديدة؛ إذ من المعروف أن بريطانيا العظمى قد أقامت امبراطوريتها العظمى
طوال العصر الاستعماري على قاعدة (تفوق القدرة البحرية) وقد خاضت بريطانيا
معظم حروبها لتدمير أية قوة بحرية منافسة (ومن نماذجها الشهيرة: معركة
النيل - أو معركة أبي قير سنة 1798 عندما دمر الأميرال نلسون أسطول فرنسا
الذي نقل الجيش الفرنسي الى مصر، وكذلك معركة الطرف الأغر في 12 تشرين
الاول - أكتوبر- 1805- التي دمر فيها الاميرال نيلسون البريطاني قوات
الأسطولين الفرنسي والاسباني).
وورثت امريكا هذه السياسة الاستراتيجية
وطورتها بعد الحرب العالمية الثانية، فنشرت أساطيلها وقواعدها البحرية في
كل المحيطات والبحار. وكذلك أكدت أمريكا حرصها على الاحتفاظ بتفوقها في
مجال (أسلحة الدمار الشامل) واعتبرت أن أسلحة الدمار الشامل والقدرات
البحرية الامريكية - هي قاعدة بناء الامبراطورية الامريكية. ولكن ومع
تجاوز كل التحولات فقد انطلقت روسيا منذ عام 1805 بشكل واضح لتطوير
سياساتها الاستراتيجية الدولية وفرض التحديات على امريكا في مجال الانتشار
النووي ومجال القدرة البحرية.
ويعني ذلك ببساطة أن (استراتيجية
الاستقطاب الجديدة) قد وضعت التوجه الايراني في دائرة الحرب المباشرة ضد
امريكا، ومن السهل على ضوء هذا الواقع اعتبار أن الانذارات الامريكية
الموجهة إلى إيران هي ايضاً إنذارات غير مباشرة ضد السياسات العسكرية
الروسية. وهذا مما وضع منطقة الوطن العربي (دول الخليج بخاصة) في مواقع
الجبهة المتقدمة في أي حرب محتملة.
وقد يكون من الضروري هنا إلقاء نظرة
عجلى على التحديات الروسية - الموازية للتحديات الايرانية- في محيط
الاستقطاب الدولي (والتحالف الاستراتيجي) ففي يوم 4 تشرين الثاني -نوفمبر- 2007 - أعلنت موسكو- مايلي: «عاد أسطول بحر قزوين بقيادة (اللواء البحري
فكتور كرافتشوك) إلى قواعده بعد زيارة استمرت أسبوعين للموانئ الايرانية-
وهي الزيارة الأولى منذ ثلاثين عاماً. وقد ضم الاسطول عدداً من السفن،
وجرى تنسيق الزيارة مع وزارات الدفاع في دول بحر قزوين». وكان يوم 21
كانون الثاني -يناير-2008 يوماً مثيراً في مجال التحديات البحرية، حيث
ظهر تحرك روسي في البحر الأبيض المتوسط اقترن بتحرك استفزازي لثلاثة زوارق
إيرانية مسلحة في مواجهة بارجة امريكية عند (مضيق هرمز).
وفي موضوع
التحرك البحري الروسي إعلن في موسكو مايلي: «غادر الطراد الصاروخي -موسكو-
القاعدة الرئيسية للأسطول الروسي في سيفاستوبول -في البحر الأسود- متوجهاً
إلى البحر الأبيض المتوسط -بقيادة الاميرال كونداكوف- وسينضم الطراد موسكو
إلى مجموعة القطع البحرية الروسية التي وصلت إلى البحر المتوسط والمكونة
من حاملة الطائرات الاميرال كوزنتسوف والبارجتان الاميرال ليفتشينكو
والاميرال تشاباتينكو، وثلاث سفن دعم».
أما في موضوع استفزازات الزوارق
المسلحة الايرانية للبارجة الأمريكية عند مضيق هرمز فقد أعلن أن ثلاثة
زوارق إيرانية مسلحة اقتربت بسرعة من البارجة التي اضطرت لتوجيه مدافعها
نحو السفن الايرانية، فعملت هذه الزوارق على الانسحاب بسرعة. وعلى الأثر
صرح رئيس أركان الجيوش الامريكية (الاميرال مايكل مولين) بما يلي: «يتعين
علينا بعد حادث هرمز أن نتذكر مدى التهديد الذي تمثله إيران- ومدى
استعدادنا للدفاع ضده عن أنفسنا باستماتة. نحن لا نريد حسابات خاطئة
للأمر، ونحن غير راغبين بالتأكيد في خوض قتال ضدهم. لكن عليهم ألا يفسروا
ضبط النفس من جهتنا على أنه نقص قي قدرتنا».
ومضت ثلاثة أيام على حادثي
هرمز وبداية مناورات الأسطول الروسي في مياه الأطلسي. وصدر بيان عن موسكو
(يوم 12 كانون الثاني -يناير-2008) جاء فيه: «جرت المناورات في منطقة
محددة في المحيط الأطلسي، تم اغلاقها أمام الملاحة البحرية، وحركة
الطيران، وقام الطراد (موسكو) خلال المناورات بإطلاق صواريخ مجنحة يصل
مداها إلى خمسمئة كيلو متر، وقامت طائرات وحوامات من أنواع مختلفة بتمارين
الاقلاع والهبوط فوق حاملة الطائرات الاميرال كوزتسوف». وقد صرح رئيس هيئة
الاركان العامة للقوات الروسية المسلحة (الجنرال يوري بالويسكي) بما يلي:
«ليس من المستبعد أن تشن موسكو هجمات وقائية يستخدم فيها السلاح النووي
إذا ما تعرضت روسيا لخطر كبير، ويجب على الجميع في العالم أن يفهموا أنه
في سبيل الدفاع عن سيادة روسيا ووحدة أراضيها وعن حلفائها، فإنها لن تتردد
في اللجوء الى القوة العسكرية، بما في ذلك استخدام الأسلحة النووية في
هجمات وقائية».
وتابعت روسيا سياساتها العسكرية في الجو والبحر، وأعلنت
(يوم 4 شباط -فبراير-2008) بأنها ستدعم وجودها البحري في البحر الأبيض
المتوسط وفي المحيط الأطلسي، مستفيدة في ذلك من قواعدها البحرية في
المتوسط- وفي طليعتها قواعد اللاذقية وطرطوس على الساحل السوري. ويعتبر
ذلك نوعاً من الحماية ضد هجمات امريكية، ولكن ذلك قد يكون في الوقت ذاته
سبباً للحرب.
3 - الاكتفاء الذاتي والحروب الحديثة:
لقد أعلنت طهران
في عدد من المناسبات أنها تعمل لتحقيق الاكتفاء الذاتي في الانتاج الحربي
وامتلاك التقانة وتطوير قدراتها الذاتية. وهذا مما يثير تساؤلات كثيرة
منها: ما هي حدود الاكتفاء الذاتي؟ وهل يعني ذلك تحويل المجتمع الإيراني
إلى مجتمع حرب مسلح حتى الأسنان؟ وإذا ما تم لطهران ذلك فمن هو العدو الذي
ستحاربه إيران؟ وهل هو (الشيطان الأكبر) أم مجموعة الشياطين بحسب الاصطلاح
الإيراني؟ وهل امتلاك التقانة والتسلح سيحل مشكلة إيران - عبر سياسات
الحروب-؟ أم إن كل تظاهرات القوة الإيرانية هي بخدمة مخطط دولي يدعم
اتجاهات الحرب في الوطن العربي وعلى تخومه؟
وعودة لاستقراء بعض ملامح
التجربة الاسرائيلية - والمتطابقة مع خلاصة تجارب مماثلة بدأت في التاريخ
أيام الاسبارطيين واستمرت حتى الأزمنة الحديثة: أزمة التقانة في عصر أسلحة
الدمار الشامل -النووية بخاصة- حيث يمكن التوقف بعض النقاط المثيرة، ومن
ذلك:
? أولاً: قد يكون من طبيعة الأمور- بعدما حدث من تطورات في الحروب
الحديثة، بسبب تضافر عدد من العوامل، أولها تقانة التسلح وثانيها
الاستهلاك الكبير للأسلحة والوسائط القتالية، وثالثها تضخم حجم الجيوش
والقوات المسلحة في الدول التي تعيش في غمرة الحروب...- أن تحصل كل دولة
على قدر من تقانة التسلح بحسب ما تتطلبه صيانة الأسلحة والوسائط القتالية
واجراء الاصلاحات والتحديث الضروري للأسلحة. ولهذا لم يعد من الغريب أن
تقترن عقود تجارة الاسلحة المتنوعة بصورة عامة بإقامة مصانع صغرى (بمثابة
ورشات صيانة متطورة) بالاضافة الى الصناعات الحربية الضرورية مثل بعض
الاسلحة التقليدية والذخائر، غير أن ذلك كله لاعلاقة له باقامة صناعات
حربية (دعائية أو إعلامية) أو لا تحقق أهداف دعم القدرات الذاتية. ولا
سيما عندما يكون الحصول على المتطلبات الدفاعية، أكثر سهولة وأفضل استجابة
لمتطلبات المعركة الحديثة ذات التقانة العالية.
? ثانيا: لقد أعطت
اسرائيل، منذ تنظيم عصاباتها في جيش نظامي، اسم (جيش الدفاع الاسرائيلي-
تساهل). وأخذ كثير من قيادات العالم (العسكرية والسياسية) باطلاق صفة
(الدفاع) على جيوشها وتنظيماتها القتالية وتسلحها وتقانتها بما في ذلك
التقانة النووية وتقانة أسلحة الدمار الشامل. غير أن محاولات التضليل
والخداع باطلاق صفة الدفاع على كل ما يتعلق بسياسات الحروب، سواء في مجال
التنظيمات القتالية أو في مجال التسلح والتقانة والصناعات الحربية، لم يعد
من الممكن قبولها أو الاعتراف بها ما لم تقترن بالممارسات العملية، وما لم
تكن النوايا صادقة (شفافية التعامل)، وعلى سبيل المثال فقد أصبح كل إنسان
في العالم يعرف أن (جيش الدفاع الاسرائيلي) هو جيش الحروب الوحشية
والأعمال التدميرية والأداة التنفيذية لكل جرائم الحرب. وبالتالي: فإن عدم
الالتزام بوضع التقانة في إطارها الصحيح من موقع بناء القدرة الذاتية
الدفاعية من شأنه استثارة دول المحيط الجغرافي للدولة المشاركة أو العاملة
في مجال (سياسة الحروب) ويدفعها إلى محاكاة نهج (نشر التقانة) مما يبطل
فاعلية التقانة. ولقد قدمت (الهند وباكستان) نموذجاً لذلك، فقد بذلت
الدولتان جهوداً جبارة للحصول على تقانة التسلح النووي. وأمكن لهما ذلك
ولكن سرعان ما تبين لهما عدم جدوى امتلاك هذا السلاح الذي تحول الى عبء
يرهق كاهلهما، مثلما بات التسلح النووي الاسرائيلي عبئاً على إسرائيل.
ثالثاً:
إن ارتباط التسلح والتقانة قد جعل انتشار التقانة مرتبطاً بروابط وثيقة
بالسياسات الدولية والأحلاف واستراتيجيات الاستقطاب، على نحو ما أكدته
تجارب الصراع العربي الاسرائيلي وتجارب حروب الخليج (وأولها الايرانية
العراقية) مما جعل الصناعات الحربية والتسلح وانتشار التقانة موجها بصورة
تلقائية لتفجير الصراعات الاقليمية (الحروب بالوكالة) وقد صدرت عن
القيادات الايرانية (السياسية والدينية والعسكرية) تهديدات واضحة الى
المحيط الجغرافي لإيران (وبخاصة لدول الخليج العربي) مما أثار ردود فعل
عنيفة تجاوزت حدود الاحتجاجات ضد السياسات الإيرانية، وقد أكد ذلك حقيقة
أن اقتران انتشار التقانة بسياسات الدول المصدرة للتقانة لن يكون أبداً
بمصلحة الدول المستوردة لها، سواء في حدود العلاقات المباشرة، أو في حدود
بناء علاقات المستقبل، التي يجب لها أن تكون على قاعدة السلم والتوازن
وعدم استعداء دول الجوار أو إثارة العداء. وإذا كانت اسرائيل قد نجحت في
(استعداء العرب والمسلمين) وهي الكيان الغريب عن المنطقة، الذي سيبقى
غريباً، فهل من مصلحة إيران الانتقال الى الموقع ذاته؟..
وبإيجاز شديد
فإن انتشار التقانة، سواء في التسلح التقليدي أو في أفق أسلحة الدمار
الشامل، قد شكل تياراً متطوراً في إعادة تنظيم العلاقات الدولية مع عودة
استطالات عصر الحرب الباردة. وفي إطار (الاستقطاب الدولي). وإن بحث إيران
عن دور محوري، أو دور مركزي، أو دور متطور ومتجدد لدور قديم تمثل في دور
(شرطي الخليج)، عبر سياسات (تقانة التسلح)، يتطلب من إيران إعادة النظر في
تجربتها الجديدة على ضوء تجارب تاريخ المنطقة - القديم منه والحديث.
4 - التقانة والسلام:
يظهر
من خلال ما سبق أن قضية (انتشار التقانة) التي شكلت جانبا من (سباق التسلح
- العالمي والإقليمي) ليست بالتأكيد قضية إيرانية فدول العالم كبيرها
وصغيرها تحصل على ما تريده من وسائط بناء قدراتها الذاتية وامتلاك ما
تريده من التقانة والتسلح، وتعتبر ذلك حقاً من حقوقها -وهو كذلك حقاً-.
ولكن القضية هي قضية استخدام التقانة لخدمة (أغراض السلام) أو (لأهداف
الحرب). وقد زاد من حجم هذه القضية الاستخدام المزدوج للتقانة، فثورة
الاتصالات، وثورة المعلوماتية، قد انطلقت كلتاهما من سباق التسلح ومشاريع
حرب الفضاء، وأصبحت إحدى أبرز ظواهر الأزمنة الحديثة في استخداماتها
المدنية (الفضائيات وما تفرع عنها من إنجازات الاتصالات) وفي مجال (القدرة
النووية) أصبحت الاستخدامات المدنية -السلمية- شائعة في كل المجالات
الصناعية والحياتية والطبية. وليس هناك من يستطيع معارضة إيران مثلاً في
الاستخدام السلمي للطاقة. ولقد حاولت دول الخليج العربي مساعدة إيران على
حل مشكتها عبر اقامة مشروع لإنتاج اليورانيوم خارج ايران وخارج دول الخليج
العربي وفي البلد الذي تختاره إيران، غير أنها رفضت العرض. وكان ذلك في حد
ذاته مؤشراً على رغبة إيران في استخدام (غير سلمي) للقدرة النووية وشكل
ذلك دعماً اضافيا للمخاوف المحيطة بالتسلح الايراني وحصول إيران على تقانة
صناعات حربية.
وعلى كل حال؛ فإن التسلح والحصول على التقانة ليسا من
المكونات الحديثة في علاقات دول الوطن العربي بعضها مع بعض، وجميعها مع
محيطها الجغرافي، وكان من أخطر انحرافاتها انعكاساتها على سياسات الدول
العربية، وتوجيه قدراتها على غير الاتجاهات وعلى غير الأهداف التي أرادها
الشعب العربي والشعوب الإسلامية من خلال بناء قدراتها العسكرية الذاتية.
فكان من تلك الانحرافات، -وأخطرها- محاولة فتح القدس وتحرير فلسطين عن
طريق اليمن، ثم عن طريق الكويت، وأخيراً عن طريق جنوب لبنان. وقد فشلت كل
هذه الانحرافات لأنها لم تحقق الاستجابة الصحيحة ضد التحديات المفروضة ذات
الهدف الواضح والاتجاه المحدد، وإن استعراض نتائج هذه التجارب بمجموعها قد
أكد حقيقة واحدة: وهي أن تلك الانحرافات قد دمرت الوسيلة والهدف معاً فغاب
هدف التسلح الحقيقي، وسقطت وسيلة التسلح ومعها السعي نحو التقانة. وكان
(تجار السلاح والتقانة) و (الدول الصناعية) هم الطرف الوحيد الذي حصد
مغانم التسلح والتقانة والحروب.
من هنا قد تظهر التجربة الإيرانية
الحديثة بأنها غريبة كل الغرابة عن تيار الزمن وعن تيار الأحداث
والتطورات، فقد عاشت إيران كل هذه التجارب، وشاركت في جانب من أحداثها.
ويشكل ذلك عامل ردع قوي لتجنب مآسي التجارب التي شكلت بنتائجها واقع مأساة
الشعب العربي والشعوب الإسلام ية؛ فقضية التسلح والتقانة والصناعة الحربية
هي قضية مقترنة بسياسات الحروب، فهل يمكن بعد كل تجارب الحروب في منطقة
الوطن العربي وعلى تخومه، قبول قيام أي قطر عربي بأخذ سياسة خاصة للحرب
بعيداً عن أقطار الوطن العربي؟ وهل يمكن بناء قدرة ثابتة حقيقية لكل قطر
عربي بمعزل عن بقية الأقطار العربية، أم لا بد من بناء قدرات متكاملة في
ظل سياسة متكاملة لمجابهة تحديات السلم والحرب وتلبية متطلبات بناء
المستقبل؟ وإذن، فحق للناس في كل أرجاء الدنيا التساؤل عن هيجانات الحروب
التي أثارتها عواصف إقبال إيران على اقتحام المجال النووي والسعي لامتلاك
تقانة التسلح، وعن مصير إيران ومستقبلها، وما قد يحدث من تطورات فهل ستصل
هذه الهيجانات إلى النهاية التي أثارتها سياسات الحروب الألمانية وتفوق
التقانة والتسلح؟ أم سنقف عند حدود إيران كما جاءت حرب التحالف على العراق؟
لقد
عرف قادة المملكة العربية السعودية، برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك
عبدالله بن عبدالعزيز، أخطار الذهاب بعيداً في سياسات الحروب وما يلازمها
من تسلح وصناعات حربية، فعملوا على التعامل مع (القضية الإيرانية) بكل
أبعادها، وبالتعاون والتنسيق مع قادة دول مجلس التعاون الخليجي، فكان من
ذلك زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للمملكة يوم 3 -آذار- مارس- 2007. وكان من ذلك دعوة الرئيس الإيراني للحج (1428هـ - 2007م)، وكان من
ذلك أيضا دعوة الرئيس الإيراني لحضور القمة الثامنة والعشرين لقادة دول
مجلس التعاون الخليجي (في عاصمة قطر - الدوحة - يوم 4/21/2007) علاوة على
تكثيف الاتصالات (الثنائية) بهدف ضمان أمن المنطقة واستقرارها لما فيه
مصلحة جميع شعوب المنطقة وأولها الشعب الإيراني؛ إذ يبقى طريق السلام هو
طريق البناء والتقدم والتطور، فيما يبقى طريق الحرب هو طريق الدمار
والتقهقر والانهيار. وتبقى (الشورى) ولغة الحوار هي الوسيلة الأفضل لبقاء
إيران في محيطها العربي والإسلامي عضواً فاعلاً ومنفعلاً لتطوير العمل
المشترك على طريق بناء المستقبل.