المختصر/ عبد العزيز المبارك لـ «الشرق الأوسط»: «الترجمات» الحالية للقرآن مليئة بالأخطاء وكثيرا ما تعارض نصوصه
الشرق الأوسط / صدر أخيراً ما يمكن وصفه بأول ترجمة لمعاني القرآن الكريم، مقاربة للنص، حيث تمكن باحث سعودي هو الباحث والدّاعية الإسلامي عبد العزيز بن فهد المبارك، وعبر أكثر من ثلاث سنوات، من وضع ترجمة هي أكثر التصاقاً بدقة النصّ القرآني الكريم، وفي حواره مع «الشرق الأوسط» يقول المبارك، إنه ـ وبعد دراسة مستفيضة ـ وجد أن الترجمات الحالية لـ«معاني» القرآن الكريم غير متطابقة مع النصّ أو المعنى القرآني ويستدل على وجود ألفاظ تؤدي معاني معاكسة للنصّ تارة وهزيلة لا تلائم روح النصّ القرآني.
وبالرغم من جهده الخاص في العمل على وضع هذه الترجمة، فإن المبارك يتطلع إلى أن تكون ترجمته باعثاً على مراجعة التراجم الحالية، وإيجاد لجنة علمية ضليعة باللغتين الإنجليزية والعربية معاً تراجع ترجمته، أو تثريها بغية الوصول إلى ترجمة صحيحة للقرآن الكريم.
ولد المبارك في الأحساء شرق السعودية، وعمل في شركة النفط المعروفة (أرامكو) ودرس في لبنان والولايات المتحدة الأميركية، وبعد تقاعده في السبعينات عكف على البحث والتأليف فوضع مصنفاً علمياً اسمه «النظام العالمي المستقبلي» The Future World Order.
«الشرق الأوسط» التقت بعبد العزيز المبارك في الظهران شرق السعودية وأجرت معه الحوار التالي:
> كيف بدأت فكرة وضع ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم مقاربة للنص؟
ـ بدأت فكرة وضع ترجمة جديدة لمعاني القرآن الكريم مقاربة للنص، فور اكتشافي الذي أذهلني أنه لا توجد ترجمة نصية للقرآن المجيد، خصوصاً في ضوء الحديث الصحيح: «نضّر الله امرءا سمع مقالتي فوعاها ثم نقلها كما سمعها، لربما ناقل فقه لمن هو أفقه منه». فإذا كان ذلك بالنسبة للحديث، فكلام الله من باب أولى! وعليه عقدت النية واستعنت بالله وبدأت.
> ما هي أخطاء التراجم الحالية؟ أليست هي ترجمات لمعاني القرآن الكريم؟ ـ لاحظت أن أخطاء التراجم الحالية هي، كما يقال: حـدّث ولا حرج! الحقـيقة أنّها جميعاً ليسـت بـ«تـراجم» بالمعنى الدقيق للكلمة. وأصحابها أنفسهم لم يسـموا أعمالهم تلك بـ«تـراجم»، لذا اصطلحوا على تسميتها بـ«معاني القرآن»، الاسم الّذي في الحقيقة فيـه نـظر! نعم للـقرآن مـن المعاني ما لا يكاد يُحصى، ولكن هل هذه «الترجمة» أو تلك هي ترجمة لتلك المعاني جميعها؟ الجواب كالشمس الساطعة! إذاً كيف يتأتى بنا القول والسكون إلى هذا القول، أي «ترجمة معاني القرآن»! إنّه لقول فارغ من المعنى الدقيق! > ما هي ملاحظاتك الفنية على هذه التراجم الموجودة في الأسواق؟ ـ تلك الـ«تراجم» جميعاً، تنقصها الدّقة والالتزام بنصوص القرآن المجيد! إنك تكـاد لا تـجد في أي من تلك «التراجم» جـملة واحـدة من كلمـتين فأكثر تتـطابق تـرجمتها مع النـص القرآني الكريم، من حيث: صيغة الفعل، الاسم، الحرف، الصفة، بل وحتى المعنى، إذ جميعها وبلا استثناء، حذفت كلمة أو كلمات من النص الكريم وأضافت كلمة أو كلمات بما لم يرد في النص المجيد، وحورت كلمة أو كلمات بما لا يتلاءم مع النص الشريف. بل أبعد من ذلك كله أتت بنقيض (أي ضدّ) ما يقوله القرآن! مثلا عندما استبدلت (كلها جميعاً) كلمة «نعم» في محل كلمة «بلى»، أينما وجدت كلمة «بلى» في القرآن! طبعاً بغير عمد من القائمين على تلك «التراجم»، ذلك لأنه لا توجد كلمة في الإنجليزية تقابل «بلى»! وجهلا بالمعنى الدقيق لـكلمة «بلى» وغيرها الكثير. وعليه كان الاستبدال الفظيع لـ «بلى» بـ«نعم». فمثلا جاء في ترجمة قوله تعالى (ألست بربكم.. قالوا «نعم»)! نستغفر الله ونتوب إليه من هذا الذي، أقل ما يقال فيه إنه لا يليق ولا يصلح أبداً! > ماذا ينقص هذه التراجم.. هل لك أن تعطي أمثلة؟
ـ هي كلّها لا تصلح جملة وتفصيلا، ذلك لأن جُلّ أصحاب تلك «الترجمات» ليسوا من ذوى اللسان العربي ونهجوا نهجاً عمّته بل استحوذت عليه نقائص قاتلة! والقليل، القليل منهم من ذوي اللسان العـربي لم يـوفق لأحسـن من سـواه حيث ضاهوا )قلّدوا( من ســبقهم! فوقعوا في نفس الأحبولة! مثلا يقولون: «كتـاب لا شــك فيـه» بدلا من «كتـاب لا ريب فيه» أو يترجمون: «وأنتم الأعلون» بـ«ينبغي أن تكسبوا السيادة عليهم»، أو «وجعلنا بينهما زرعاً» بـ«وجعلنا بينهما حقول ذرة»، أو «ربنا اقبل منـا» بدلا من: «ربـنا تقبّل مـنا» أو: «يَذبَحُون أبناءكم» بدلا من: «يُذَبِّحُون أبناءكم». وقس على ذلك الكثير! وعلى أي حال لا يفوتنا في هذا الصدد أن نشدّ على يدي كل من قام بأيِّ من تلك «التراجم» ونبارك له عمله وندعو الله له بكلّ خير، على عمله، حيث أنه اجتهد قدر طاقته، فهو على خير وأجر إن شاء الله. حيث أنّ المجتهد له أجران إن أصاب وله أجر عند الخطأ! > ماذا تضيف الترجمة الجديدة التي قمتم بوضعها؟ ما الذي يميزها عن سابقيها؟
ـ إن هذه الترجمة الجديدة للقرآن المجيد إلى اللغة الإنجليزية هي حقاً، قطعاً وبلا أيَّ جدالِِ «تاريخية» و«فريدة» من نوعها. إذ لم يسبق لها مثيل أبداً، حيث أنها تختلف عن سواها جملة وتفصيلا!.
ذلك أنّ هذه الترجمة، هي حقاً ترجمة، إذ أنّها تحاكي النّص الكريم من حيث الدِّقة بمنتهى الأمانة والصِّدق! ففيها لن تجد كلمة لم ترد في القرآن الكريم، وهي لم تحذف كلمة وردت في القرآن المجيد، وكذلك فإنّك لن تجد فيها أي تحوير (تغيير) لمفردة أو جملة من القرآن العظيم، بما في ذلك صيغة النّص الكريم.
> ما هو المنهج الذي اعتمدتم عليه في وضع هذه الترجمة؟
ـ انطلاقاً من مبدأ أن القرآن الكريم كامل متكامل، ليس فيه زيادة ولا نقص ولا مترادف في مفرداته، وأنّ صيغة الكلمة فيه مقصودة بعينها: فالاسم والصفة والفعل ـ المبني للمعلوم والمبني للمجهول ـ، وكذلك الأحرف والضمائر كلّها محكمة المبنى لحكمة سامية ولفطنة صائبة مستوخاة! وعليه فترجمة القرآن لا بد أن تلتزم بدقة اللفظ ومتوخية لمراميه! ولا بد أن تلتزم بعدم التحوير (التغيير) لأي كلمة أو جملة فيه، متقيِّدة بمفرداته وصيغها.
> هل ثمة أسس رأيت أنها ضرورية للاعتماد عليها في الترجمة؟
ـ هناك أربعة أسس رئيسة وفروع ثلاثة لها، هي بمثابة نتائج طبيعية ومنطقية لتلك الأسس. أيضاً لا بد من التقيد بتلك الأسس وفروعها لترجمة القرآن المجيد أو الحديث الصحيح / الحسن. فالأسس الأربعة هي:
1) «إنا جـعلنـاه قرآنـا عربـيا» (الزخـرف: 3)، أي أنّ كـل كلمة في القـرآن الكـريم لـها مفـهـوم معـين بالنسبة للعرب. فعند اللزوم ينبغي الرجوع إلى قواميس اللغة العربية للبت في هذه الكلمة أو تلك.
2) «وهذا لسان عربي» (النحل: 103). «اللسـان العربـي» هـو أن تضع كلمة عربـية مع كلـمة عربية أخرى والمعنى يكون ليس هذه الكلمة ولا تلك! فمثلا: «ابن السبيل» فابن السبيل ليس بابن وليــس بالسبيل! «ابن السبيل» هو: المسافر! وخذ مثلا آخر: «يأكـل لحم أخـيه» يعـني: يغتاب! فليـس هناك أكل ولا لحم ولا أخ، بالمعنى الحرفي للكلمة! وهنا يرجع إلى معاجم التراكيب والعبارات والاصطلاحات.
3) «وكذلك أنزلناه حكما عربيا» (الرعد: 37). «حكماً عربياً» أي أنّ نظم القـرآن وسـياقه يتطابق مع قوانين الصرف والنحو للغة العرب! فمـثلا: «وما خـلقت الجـنّ والإنــس إلاّ ليعبدون»، «تـلك الرســـل»، «لعل الساعة قريب». فبالنسبة لـ«يعبدون»، أين ضـمير المتحدُّث، وهـو الـ«ي»؟ الـجواب هـو: الـ«ن» في «يعـبدون» تســمى نون الوقاية أو العماد، حـيث لا يُســتَغنى عنها، ووجـودهـا يـعني حـذف الـ«ي» كضمير للمتكلّم! أمّا «تـلك الرســل» فكـلمة «تلك» هي إشـارة للمؤنث، وكلمة «الرسـل« مذكّر، فـكيف بكلمة «تلك» يشار بها إلى المذكّر؟ الجواب: نعم، لأنّ كلمة «الرسل» هي جمع تكسير، فيشار للرسل بـ«تلك». أمّا بالنسبة لـ«لعل الساعة قريب» بدلا من «لعل الساعة قريبة» ذلك لأنّ المرمى المقصود هو: البعث أو وقت الساعة أو وقوع الساعة. وكل من البعث والوقت والوقوع مذكّر. ولمعرفة كـل ما ذكر في هذا الصدد ينبغي الرجوع إلى كتب إعراب القرآن وما شاكله، كـ«الدّر المصون» للحلبي، وغيره الكثير! 4) وطبعاً هنـاك المعنى الشـرعي للكلمة، فـمثلا: الصلاة لـغة تعني الـدعاء أما شــرعاً فهي الاغتــسال أو الوضوء والدخول فيها بتـكبيرة الإحرام والخروج منها بـ«السـلام عليكم ورحمة الله». وطبعاً لا بد من الرجوع إلى جمع من التفاسير المعتمدة، كل يفسِّـر من وجهة معينة، ولا ضير، إذ كل يفسـّر بقدر ما آتاه الله من الفهم والعلم وقوة الاستنباط والبيان! والقرآن معين لا ينضب.
> كيف توائم بين النصّ القرآني العربي بنصّ إنجليزي قد لا يتطابق مع معناه في الترجمة؟
ـ حاولتُ ذلك من خلال فروع ثلاثة، هي: 1) أجلـنزة الـكلمة. فاللـغة العـربية بـطبيعتها بنائية منطقية، أي أنّـك فـي الأغـلب تبـني الكلمة ومشتقاتها على أساس منطقي، على خلاف اللغة الإنجليزية، التي في غالبها صمّاء، أي بـلا جذور قـابلة للتصريف واشـتقاق الفعل المناسـب والاسم المطلـوب. فـفي الإنجليزية مـن الصـعب إيجاد اسم الفاعل ومن الأصـعب جداً إيجاد اسم المفعول! أمّا في العربية فيسـهل اشتقاق اسم المفعول به والمفعول فيه والمفعول معه والمفعول لأجله وقـس على ذلك! كذلك فإن اللغة العربية غنية جداً بالمفردات الدقيقة، التي تصور المقصود بدقة متناهية، خصوصاً بالنسبة لمفردات القرآن، التي غير اللّبيب يرى بعضها من المترادف وليس الأمر كذلك! فعند الترجمة، كـثيراً ما تواجه المتـرجـم صعـوبة، إن لـم تـكن استحالة إيـجاد المـفردة المناسبة في الإنجليزية لما يقـابلها فـي العـربية! فـفي حالة الاستحالة لا بد من أجلنزة الكلمة، أي أن تكتَب الكلمة العربية بالأحرف الإنجليزية معقوفة وبين قوسـين يشرح المقصود! مثلا كلمة «بعل». لا تـوجد في الإنجليزية كلمة مقابلة! فإذا أردت أن تترجم: «هذا بعلي» تقول: This (is) my ba’al (master, owner, husband). وكلمة is غير موجودة في النص القرآني، فمن أين جئنا بها؟ جئنا بها لأنّ الصيغة السّويّة للجملة الإنجليزية لا تستقيم إلاّ بذلك! وعليه فكلمة is وضعت بين قوسين وبأحرف معقوفة لتبيان أنّ كلّ ما بين قوسين هو ليس من النص القرآني، ولكن اقتـضته سلامة النّص في اللغة الإنجليزية فحسـب! 2) تذكير وتأنيث الكلمة. في العربية كل كلمة إمّا مذكّر أو مؤنث! أمّا في الإنجليزية فالكلمة حيادية. أي لا مذكّر ولا مؤنث، إلاّ ما ندر بالنسبة لحفنة من الضمائر! فلتذكير وتأنيث الكلمة في الإنجليزية كي تحاكي مقابلها في العربية لا بد من ترميز الكلمة الإنجليزية! مثلا: الشجرة = treew، والقلم = penx. فكل كلمة إنجليزية عليها رمز w تكون لتأنيث الكلمة المعنية، وتذكير الكلمة يتم برمز x عليها! 3) تحديد الضمائر. كما ذكرنا آنفاً في الإنجليزية الكلمة حيادية! مثلا كلمة: you، تصلح لأنت، وأنتم، وأنتِ، وأنتنّ! والكلمة في القرآن، الضمير وغيره، محدد وبمنتهى الدّقة، أي لا يمكن اللبس فيه! فمن أجل ذلك رمّزت الضمائر لتحديد هويتها! فمثلا: yous=أنت، وyouf=أنتم، وyouy=أنتِ، وyoug=ضمير المخاطَب المتّصل، كأن تقول مثلا: إنّك=verily youg، أو الضمير المستتر، كما في: قل=let-say [yous]. وهكذا دواليك لمجموعة أخرى من اثني عشر من مختلف الكلمات المرمّزة كفت لاكتناف كل ما يحتاج إليه في كامل القرآن الكريم! وبما أنّها تتكرر على صفحات هذه الترجمة فسرعان ما يألفها، بل ويستحسنها القارئ لجميل وظيفتها التي تزيل الالتباس وتحدد بوضوح ومن أول وهلة الأمر المعني! > كيف كان تعاون المؤسسات الدينية في الدول الإسلامية وكذلك العلماء والمترجمين معكم في وضع هذه الترجمة؟
ـ طرقتُ كل باب ممكن، في المؤسسات الدينية بالدول الإسلامية وأيضاً غير الإسلامية، وكذلك العلماء والمترجمين في وضع هذه الترجمة، فقد بعثت تلك الترجمة لكل من: مجمّع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم في المدينة المنورة، وإلى الأزهر في القاهرة، وكذلك إلى سورية والأردن (جامعة الزرقاء)! بعد فترة ليست قصيرة تسلّمت خطاباً رسمياً برقم وتاريخ من مجمّع الملك فهد لطباعة القرآن الكريم فيه اعتذار، إذ ليس لديهم «من يمكنه القيام بالمراجعة في الوقت الحاضر». أما من الأزهر فإن النتيجة أدهى وأمر، خلاصتها أن «فاقد الشيء لا يعطيه» وسورية كان الردّ لا يسمن ولا يغني من جوع! وأمّا من الأردن فبعد طول مراسلة، أفادوني بأنه بعد النظر في تلك الترجمة ومراجعها المذكورة فيها، لا بد لنا من فترة لا تقل عن ثلاث سنوات كي نستطيع انتقاد هذه الترجمة! > كيف تطور مفهوم الترجمة لآيات القرآن الكريم؟
ـ لسوء الحظ لم يتطوّر البتة، حتى هذه الترجمة لمعاني القرآن المجيد مقاربة للنص، التي نحن بصددها الآن! والسبب في ذلك، حسب ظنّي، «خرافة» لم أجد لها أصلا في كتاب الله ولا في سنة رسوله ولا في أي مصدر علمي معتمد ويعتد به! هذه الـ«خرافة» استحوذت على ساحة الترجمة للقرآن الكريم ردحا طويلا من الزمن، حتى الآن، إذ أرجو من الله أنها انقشعت وولت إلى الأبد. مفاد الخرافة أن القرآن لا يترجم! > حالياً بعد صدور هذه الترجمة، هل لديكم فكرة أن تؤسسوا مركزاً، يتولى الإشراف عليها، أو أن تودعوها لمؤسسة تتولى نشرها؟
ـ الآن وقد نشرت في بيروت، فنحن نسعى إلى نشرها في بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية قريباً إن شاء الله. وطبعاً لدينا فكرة تأسيس «مركز خدمة ترجمة معاني القرآن المجيد، مقاربة للنص». أرجو من الله أن يوفقنا لإظهار هذا المركز في هذا البلد. وكم تمنيت أن تطبع وتنشر أول ما تطبع وأول ما تنشر هذه الترجمة في هذا البلد العزيز علي بطبيعة الحال! ولكن «تجري الرياح بما لا تشتهي السفن».