معارك دموية في قمة إيدسون
لقد سميت معركة غوادالقنال بعملية ( كاكتوس ) . لقد كانت معركة غوادالقنال من أشد معارك الباسيفيك و أكثرها غموضاً ، وكان على الأميركيين أن يقاتلوا فيها اليابانيين و أخطار الطبيعة أيضاً .
عندما غادرت الفرقة الأولى للرماة البحريين للنزول في جزيرة غوادالقنال ، كانت المقاومة ضعيفة ، لم يلبث اليابانيون حتى ضاعفوا مقاومتهم فأصبحت عنيفة شديدة و مع أن أياً من الجانبين لم يحرز نصراً تاماً .
غادرت السفن الأميركية المعرضة للهجوم و التي هزمت في معركة جزيرة سافو البحرية ، تاركةً الرجال الباقين على الجزيرة في موقفٍ صعب ، كما تعرضت الجزيرة لقصفٍ ليلي من السفن اليابانية و هجمات انتحارية على مطار هندرسن .
كان على مشاة البحرية الأميركية أن يدافعوا عن جزيرة غوادالقنال بموارد ضئيلة جداً ، أصيب ثمانية آلاف رجل بداء الملاريا ، و لكن ثلاثة فقط ماتوا بسببها ، حارب اليابانيون المرض أيضاً ، و لكن بسبب نقص الأدوية توفي تسعة آلاف رجل .
في 2/9/1942م بدأ اليابانيون بقصف المواقع الأميركية في جزيرة غوادالقنال عن طريق السفن الحربية اليابانية .
و بعد يومين شن اليابانيون هجوماً انتحارياً واسع النطاق عن طريق القمم الجبلية القريبة من مطار هندرسن حيث كان اليابانيون مهرة جداً في إصابة الهدف ، لم يكن عدد قوات مشاة البحرية كافياً لشن هجومٍ مضاد ، و كان عليهم تحمل عمليات القصف و الاحتلال ، لقد قضى بعض الرماة البحارة الأميركيين 19 يوماً في الغابات .
خاض اليابانيون و الأميركيون أعنف المعارك في قمة إيدسون ، إحدى القمم الجبلية القريبة من مطار هندرسن ، في شهر سبتمبر .
في البر خاض الرماة البحريون مواجهات و معارك قاسية و قد تنافس المراسلون الحربيون في وصف هذه المعارك الرهيبة ، فتحدثوا طويلاً عن كثافة النيران و الأوبئة و أمراض المناخ الإستوائي و التذابح العجيب بين الجنود الأميركيين و اليابانيين و اشتباكات الدبابات و فنون من البطولة و الشجاعة و الخوف و الضجر و الوحدة في الغابات الإستوائية الرهيبة حيث تشيع ظلمة دائمة .
و يؤكد أحد المراسلين الحربيين و هو يتحدث عن تلك الأيام القاسية : (( إن المتعادين من الجنود كانوا في بعض الأوقات يتواجهون عن قرب في الليل و النهار ، أما في الليل فإن أحد الفريقين يسمع همسات الفريق الآخر و وشوشاته و أما في النهار فإن مظاهر القسوة الرهيبة تحول الجنود إلى مجانين أو أنصاف مجانين ، يضاف إلى ذلك البرد و الحرارة و الوحل و القذر و البرغش و أنواع مختلفة من الحشرات و الألوف من الجثث التي تخشبت عبر الوديان و الجبال و السهول ، و قد يصاب الأحياء من الجنود بحالة من الإعياء و الرهق بحيث أنهم كانوا يتمنون أن يكونوا بين الأموات )) .
و يضيف آخر : (( إن الآلام التي تكبدها الأميركيون و المتاعب التي واجهوها هي أشد كثيراً من الخسائر في الأرواح )) .
عودة إلى هجمات اليابانيين على مطار هندرسن
كاد اليابانيون عدة مرات أن يستولوا على المطار و أن يحطموا طائراته و مستودعات الوقود فيه و مدرجاته وورشات الإصلاح و إن كانوا قد دخلوا فيه و أحدثوا بعض التخريبات ، لقد واجه الأميركيون عدواً يفضل الانتحار على الاستسلام .
و بعد الهجمات التي قام بها اليابانيون خلال شهري أغسطس و سبتمبر توقفوا على مشارف مطار هندرسن بعد معارك رهيبة ، فليس بعيداً عن المنطق و الواقع أن نفسر البطولات الخارقة التي قام بها الرماة البحريون للدفاع عن مطار هندرسن و التي كانت تحدث في بعض الأوقات على أنها الوسيلة الوحيدة التي كان يتخلص بها الجندي الخائف المتعب من حياته البائسة آنذاك .
لكن اليابانيون تابعوا معركتهم للسيطرة على الجزيرة التي لم تسقط كلياً ، إلا بعد أن احتلها الأميركيون بنحو عام .
لقد أطلق الأميرال الياباني ريزو تناكا أسطوله الكبير من الطرادات و ناقلات الجند في الفترة من 12 إلى 15/11/1942م ، وسط جزر السالمون لغرض إرهاق الأميركيين و تموين الجيش الياباني البري في جزيرة غوادالقنال و تدعيمه . لكن القاذفات و المدمرات الأميركية هاجمت سفن تناكا أثناء عودتها فأمطرتها بالقنابل و شنت هجوماً عنيفاً على القوات اليابانية الهابطة فكبدتها بعض الخسائر .
لقد كان عدد السفن المغرقة لدى الطرفين كبيراً بحيث أن الرماة أطلقوا على المياه المجاورة لجزيرة غوادالقنال اسم ( الخليج ذو الأعماق الفولاذية ) .
إخلاء القوات اليابانية من الجزيرة
الحالة في جزيرة غوادالقنال أن الطرفين قد أصيبا بخسائر كبيرة ، إن الفترة الطويلة التي قضاها الطرفان و التي استمرت من شهر أغسطس 1942م إلى شهر يناير 1943م قد تخللتها معارك كبيرة في بر الجزيرة ، فقد تعرض اليابانيون و الرماة البحريين لخسائر دامية خلال معارك قاسية سجلت أسماؤها في التاريخ العسكري : معارك مطار هندرسن ، قمة إيدسون و نهر ماتانيكو .
حينما نقلت إلى الرماة البحريين الأميركيين نجدات جديدة من المشاة كان على رأسها القائد الأميركي الجديد ألكسندر باتش الذي وكلت إليه قيادة كل القوات البرية بينما أقيل الأميرال الأميركي غورملي ليأتي مكانه الأميرال الأميركي وليم بول هالسي .
قام المشاة و الرماة البحريون الأميركيون بهجوم منذ نهاية شهر يناير عام 1943م حتى بداية شهر فبراير من ذلك العام و انتهى بإنسحاب اليابانيين من الجزيرة الذي جاء بمثابة الفرج للأميركيين .
هكذا لم يبق أمام اليابانيين سوى الموت أو الإستسلام أو الإنسحاب . لقد اختار بعضهم الكفاح حتى الموت ، و اختار آخرون القيام بحملات انتحارية و هم ينشدون النشيد الإمبراطوري دون أن يطمحوا إلى أي غرض غير الموت بنار الأميركيين ، و كان بعض الجنود اليابانيين يحرقون أنفسهم أحياء إنفةً من الإستسلام ، و كانوا يستميتون في قتالهم و في دفاعهم عن مواقعهم إلى حد التصميم على الانتحار إذا جاز التعبير .
في النهاية قام الأميرال الياباني تناكا و اقتحم الحصار الذي ضربه الأميركيون في بحر جزر السالمون من حوله و استمرت المحاولة ثلاث ليالٍ من 7 إلى 9/2/1943م فنجح نجاحاً باهراً في نقل 16000 ألف ياباني من جزيرة غوادالقنال ، و انتهت المعركة و سقطت جزيرة غوادالقنال بأيدي الأميركيين .