كان غزو الفلبين هو الوحيد الذي استغرق أطول مما توقعت اليابان، بدأت اليابان إنزال قوات في الفلبين في 10 ديسمبر 1941م، وكانت القوات الأمريكية والفلبينية يقودها الجنرال الأمريكي ماك آرثر تدافع عن مانيلا. وفي أواخر ديسمبر سلمت قوات ماك آرثر مانيلا عاصمة الفلبين، وانسحبت إلى قرب شبه جزيرة باتان. ورغم ما كانوا يعانونه من نقص التغذية والمرض، فقد قاوموا الهجوم الياباني لمدة أكثر من ثلاثة شهور.
أمر الرئيس روزفلت ماك آرثر أن يتجه إلى أستراليا ويترك الفلبين في مارس 1942م، ووعد ماك آرثر الفلبينيين بقوله: "سوف أعود". وفي 9 أبريل استسلم حوالي 75 ألف من قوات الولايات المتحدة المنهكة عند باتان لليابانيين، وقد اضطر معظمهم أن يسير حوالي 105كم إلى معسكرات اعتقال، ومات كثير من الأسرى من المرض، وسوء المعاملة أثناء ما عرف بمسيرة الموت في باتان، وبقي بعض الجنود يقاومون عند جزيرة كوريجدور قرب باتان حتى 6 مايو، ولكن اليابانيين كانوا حينذاك منتصرين في كل مكان.
أذهلت سلسلة انتصارات اليابان السريعة حتى اليابانيين، وأخافت الحلفاء، وكان سقوط إندونيسيا قد ترك أستراليا بدون حماية، وكان حصار بورما قد جاء باليابانيين إلى حدود الهند، وخافت أستراليا والهند من الغزو، وهاجمت الطائرات اليابانية داروين في شمال ساحل أستراليا في فبراير 1942م.
التواريخ المهمة في المحيط الهادئ (1941-1942م)
1941م
7 ديسمبر قذفت اليابان القواعد العسكرية الأمريكية في بيرل هاربر
8 ديسمبر أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وكندا الحرب على اليابان
1942م
15 فبراير سقطت سنغافورة في يد اليابانيين
26-28 فبراير هزمت اليابان قوات الحلفاء البحرية في معركة بحر جاوة
9 أبريل استسلمت قوات الولايات المتحدة والفلبين في جزيرة باتان
18 أبريل ضربت قاذفات القنابل الأمريكية طوكيو في غارة دوليتل
4- 8 مايو صد الحلفاء هجومًا يابانيًا في باتان في بحر المرجان
4- 6 يونيو هزم الحلفاء اليابان في معركة ميدواي
7 أغسطس أنزل مشاة البحرية الأمريكية في جزر غواد الكنال
تحول التيار.
ساعدت ثلاثة أحداث في سنة 1942م على تحول التيار ضد اليابان وهي: 1- غارة دوليتل 2-معركة بحر المرجان 3- معركة ميدواي.
غارة دوليتل.
شنت الولايات المتحدة غارة حربية على أرض اليابان في 18 أبريل 1942م لبيان أن اليابان يمكن أن تُضْرَب، فقد قاد المقدم جيمس هـ. دوليتل ست عشرة قاذفة قنابل من طراز (ب ـ 25) في هجوم مفاجئ على طوكيو وبعض المدن اليابانية.
معركة بحر المرجان.
في مايو 1942م، أبحرت قوة غزو يابانية تجاه قاعدة أسترالية في ميناء مورسبي على الساحل الجنوبي لجزيرة غينيا الجديدة، ويقع ميناء مورسبي في واجهة أستراليا، وقابلت السفن الحربية الأمريكية القوة اليابانية في بحر المرجان شمال شرقي أستراليا، وكانت معركة بحر المرجان التي استمرت من 4 إلى 8 مايو لا نظير لها في المعارك البحرية السابقة، إذ كانت المعركة البحرية الأولى التي لم تكن السفن المتحاربة فيها يرى بعضها بعضًا، وتولت الطائرات المحمولة على حاملات الطائرات القتال، ولم يكسب أي جانب نصرًا حاسمًا، لكن المعركة أوقفت الهجوم على ميناء مورسبي وأوقفت الهجوم مؤقتًا على أستراليا.
معركة ميدواي.
أرسلت اليابان أسطولاً كبيرًا لمحاصرة جزيرة ميدواي عند الطرف الغربي في أعلى سلسلة جزر هاواي، لقد فكّت الولايات المتحدة رموز الشفرة البحرية اليابانية، وعرفت بالغزو القادم، وجمع الأدميرال شيستر ف. نيميتز قائد أسطول الولايات المتحدة السفن التي نجت من الغارة على بيرل هاربر ومعركة بحر المرجان واستعد لوقف اليابانيين.
جنوب المحيط الهادئ.
بعد معركة ميدواي كان الحلفاء مصممين على وقف التوسع الياباني في جنوب المحيط الهادئ.
قام الحلفاء بتنظيم حملتين كبيرتين ضد اليابان، إحداهما بقيادة الجنرال ماك آرثر وهي التي أوقفت اليابانيين عند غينيا الجديدة، والأخرى بقيادة الأدميرال نيميتز لمحاربة اليابان في جزر سليمان شمال شرقي أستراليا، وكان الحلفاء يهدفون إلى الاستيلاء على ميناء رابول في بريطانيا الجديدة، وكانت رابول قاعدة رئيسية لليابان في جنوب المحيط الهادئ. هجمت الطائرات والسفن الحربية اليابانية على سفن الحلفاء من رابول وأمدت اليابان الجزر الأخرى في جنوب المحيط الهادئ من تلك القاعدة.
القفز في جزر وسط المحيط الهادئ.
منذ أواخر 1943م حتى خريف 1944م قفز الحلفاء من جزيرة إلى أخرى عبر وسط المحيط الهادئ تجاه الفلبين، وأثناء معركة القفز في الجزر صار الحلفاء خبراء في المعارك المحمولة بحرًا، وكانت كل جزيرة يحاصرونها تعطيهم قاعدة يتخذون منها هدفًا تاليًا لهم، ولكن بدلاً من محاصرة كل جزيرة ترك الحلفاء المواقع اليابانية المحصنة، وغزوا الجزر التي كانت السيطرة عليها ضعيفة، وعرفت هذه العملية باستراتيجية حفظ المال والأرواح، ونقل غزو السلحفاة الحلفاء عبر جزر جيلبرت ومارشال وكارولين وماريانا في وسط المحيط الهادئ.
في أغسطس 1944م احتلت القوات الأمريكية غوام وسايبان وتنيان، وهي أكبر ثلاث جزر في جزر ماريانا، وجاء احتلال جزر ماريانا ليجعل الحلفاء على مسافة تمكّنهم من قذف اليابان، واستقال توجو رئيس وزراء اليابان في يوليو 1944م بعد فقد سايبان، وفي نوفمبر بدأت قاذفات القنابل الأمريكية ب 29 تتخذ من جزر ماريانا قواعد للإغارة على اليابان.
تحرير الفلبين.
جعلت المعارك في غينيا الجديدة ووسط المحيط الهادئ الحلفاء في مرمى مؤثر لجزر الفلبين. وجمع ماك آرثر ونيميتز قواتهما لتحرير الفلبين، وقرر القائدان المتحالفان غزو الجزيرة عند لايت في وسط الفلبين في خريف 1944م.
توقع الحلفاء أن يحارب اليابانيون بشراسة للإبقاء على الفلبين، ومن ثم جمعوا أكبر قوة بحرية لم يستخدم مثلها من قبل في معركة في المحيط الهادئ . واشترك حوالي 750 سفينة حربية في غزو لايت، وهي الحملة التي بدأت في 20 أكتوبر 1944م. لقد كلفت القائد الأمريكي ماك آرثر أكثر من سنتين ونصف ومعارك كثيرة قاسية كي يفي بوعده في العودة إلى الفلبين.
بينما كانت قوات الحلفاء تتدفق على الشاطئ عند لايت، كان الأسطول الياباني يحاول ثانية أن يسحق أسطول الولايات المتحدة الأمريكية في المحيط الهادئ. لقد كانت معركة خليج ليت التي استمرت من 23 إلى 26 أكتوبر 1944م أعظم معركة بحرية في التاريخ من حيث حجم حمولة السفن التي شاركت فيها؛ فقد اشتركت فيها 282 سفينة، وانتهت المعركة بنصر كبير للولايات المتحدة، وأصبح الأسطول الياباني سيئًا للغاية حتى لم يعد مصدر تهديد خطر في باقي الحرب.
خلال معركة خليج ليت استخدم اليابانيون سلاحًا جديدًا وهو الكامكازي أو الطيار الانتحاري. أسقط الطيارون الانتحاريون طائراتهم المحملة بالمتفجرات على سفن الحلفاء الحربية، وماتوا نتيجة لذلك. لقد تم إسقاط العديد من الكامكازي قبل أن ترتطم بالسفن الحليفة لكن آخرين سببوا خسارة كبيرة، وأصبح هؤلاء الكامكازي واحدًا من أكبر أسلحة اليابان خلال باقي الحرب. واستمرت معركة ليت حتى نهاية 1944م، وفي 9 يناير 1945م نزل الحلفاء على جزيرة لوزون وبدأوا عملهم في الطريق إلى مانيلا، وسقطت المدينة في أوائل مارس، وفر باقي قوات اليابانيين في لوزون إلى الجبال، واستمروا يقاتلون حتى انتهت الحرب.
قتل حوالي 350 ألف جندي ياباني خلال معركة الفلبين، واقترب عدد قتلى الأمريكيين من 14 ألفًا وحوالي 48 ألفًا من الجرحى أو المفقودين. لقد اتضح أنه كان مقدرًا لليابان أن تتجرع الهزيمة بعد أن فقدت الفلبين.
الحرب في الصين وبورما والهند.
حينما كانت الحرب دائرة في المحيط الهادئ ، حارب الحلفاء اليابانيين أيضًا في القارة الآسيوية. كان المسرح الرئيسي للعمليات يشمل الصين وبورما والهند. وفي منتصف 1942م استولت اليابان على أكثر من شرق وجنوب الصين، وكانت الصين ينقصها العتاد والقوات المدربة، والاستعداد للاستمرار في القتال، لكن الحلفاء الغربيين أرادوا أن تبقى الصين في الحرب؛ لأن الصينيين أسروا آلافًا من القوات اليابانية، وطوال فترة ثلاث سنوات نقل الحلفاء جوًا مددًا عبر طريق جبلي شاهق من الهند إلى الصين، وكان الطريق يعرف باسم السَّنام.
الصين.
خلال سنة 1942م؛ أي بعد خمس سنوات من غزو اليابان للصين، أصبحت الجيوش المتقاتلة على وشك الإنهاك؛ وشنت القوات اليابانية هجومًا للاستيلاء على الإمدادات، ولتجويع البلد كي يستسلم، ونتيجة لذلك مات ملايين من الشعب الصيني بسبب نقص الطعام أثناء الحرب.
دار صراع بين الحكومة الوطنية الصينية التي يرأسها تشانغ كاي شيك والشيوعيين الصينيين، الأمر الذي أضعف مجهود البلد الحربي. وفي أول الأمر اشتركت القوات الوطنية والشيوعية في مقاتلة الغزاة اليابانيين، لكن تحالفهم انهار، وأصبحوا على استعداد لقتال بعضهم بعضًا بعد الحرب. وأرسل الحلفاء المستشارين والمعدات إلى الصين، ودربت الولايات المتحدة الطيارين، وأنشأت قوة جوية في الصين. وفي نهاية 1943م سيطر طيارو الحلفاء على سماء الصين، لكنهم لم يقدروا على مساعدة القوات المنهكة على الأرض، وكان القائد الأمريكي اللواء جوزيف ستيلوِلْ يعمل رئيسَ أركان حرب لتشاينج ومدرّبا للجيش الصيني.
بورما.
كانت معركة الحلفاء في بورما قريبة الصلة بالقتال في الصين، ومن سنة 1943م وحتى أوائل 1945م حارب الحلفاء لاستعادة بورما من اليابانيين وإعادة فتح طريق بري إلى الصين، وفتحوا طريقًا للمدد عبر شمالي بورما وسقطت رانجون عاصمة بورما في يد الحلفاء في مايو، واستعاد الحلفاء بورما كلها في نهاية الأمر.
الهند.
أصبحت الهند قاعدة إمداد مهمة ومركز تدريب لقوات الحلفاء أثناء الحرب العالمية الثانية. وكان غزو اليابان لبورما في سنة 1942م قد وضع الهند في خطر عظيم. وفي أوائل سنة 1944م غزت القوات اليابانية الهند وأحاطت بمدينتي إمبال وكوهيما داخل حدود الهند. وقام الإنجليز بإمداد المدن جوًا، وبدأ المهاجمون ينسحبون نهائيًا من الهند في أواخر يونيو، ومات آلاف من جنود اليابان بسبب المرض والجوع أثناء الانسحاب.
الإطباق على اليابان.
أدى التفوق البري والجوي للحلفاء لمساعدتهم إلى تضييق الخناق على اليابان في أوائل 1945م، ومنذ ذلك الحين فقدت اليابان معظم إمبراطوريتها وطائراتها وسفن نقلها وكل سفنها الحربية تقريبًا، وظل مئات الآلاف من الجنود اليابانيين معطلين في جزر المحيط الهادئ التي التف حولها الحلفاء، وأخذت قاذفات القنابل الأمريكية ب 29 تقذف مصانع اليابان، وكانت غواصات الحلفاء تغرق الإمدادات الحيوية المتجهة إلى اليابان.
استمر القادة العسكريون اليابانيون في القتال رغم أنهم واجهوا هزيمة مؤكدة، واحتاج الحلفاء لقواعد أكثر ليتقدموا منها لقذف اليابان بالقنابل، واختاروا لذلك جزيرتي أيووجيما وأوكيناوا اليابانيتين.
تقع أيووجيما على بعد حوالي 1,210كم جنوب اليابان، وكان بهما حوالي 21 ألف جندي مرابطين هناك، استعدادًا للدفاع عن الجزر الضعيفة. نزل مشاة البحرية الأمريكية في 19 فبراير 1945م وتقدموا ببطء، وقاوم اليابانيون باستماتة حتى 16مارس، وجرح في المعركة حوالي 25 ألفًا من مشاة البحرية وحوالي 30% من القوات البرية.
أما أوكيناوا المحطة الثانية لطريق الحلفاء تجاه اليابان، فهي تقع على بعد 565 كم جنوب غربي اليابان، وبدأت قوات الحلفاء تنزل على شواطئها أول أبريل 1945م، وأرسل اليابانيون الكامكازي لمهاجمة القوات التي كانت تنزل على البر. وفي ذلك الحين انتهت المعركة في 21 يونيو، وأغرقت هذه الفرقة الانتحارية الكامكازي 30 سفينة على الأقل، وخربت أكثر من 350 أخرى، وكلف حصار أوكيناوا الحلفاء حوالي 50 ألفًا، وقتل حوالي 110 ألف ياباني بما فيهم المدنيون الذين فضلوا الانتحار على الهزيمة.
وفي صيف 1945م فضل بعض أعضاء الحكومة اليابانية الاستسلام، لكن آخرين أصروا على مواصلة القتال. وخطط الحلفاء لغزو اليابان في نوفمبر 1945م، وخشي المخططون العسكريون للحلفاء أن يكلفهم القتال حوالي مليون من الأرواح، واعتقد بعض القادة من الحلفاء أن مساعدة السوفييت مطلوبة لهزيمة اليابان، وشجعوا ستالين أن يغزو منشوريا، وعلى كل فقد توصل الحلفاء إلى طريقة أخرى لإنهاء الحرب.
القنبلة الذرية.
في سنة 1939م أخبر العالم الألماني المولد أينشتاين الرئيس الأمريكي روزفلت عن إمكانية صنع قنبلة عظمى يمكن أن تنتج مقذوفًا قويًا للغاية بانشطار الذرة، وخاف أينشتاين والعلماء الآخرون أن تطور ألمانيا مثل هذه القنبلة أولاً. وفي سنة 1942م بدأ علماء أمريكيون وإنجليز وآخرون العمل في مشروع مانهاتن، وهو برنامج سري للغاية لتطوير قنبلة ذرية، وجرت أول تجربة على هذه القنبلة في الولايات المتحدة في يوليو 1945م.
مات الرئيس روزفلت في أبريل 1945م وأصبح نائب الرئيس هاري س. ترومان رئيسًا للولايات المتحدة، وتقابل ترومان مع تشرتشل وستالين في بوتسدام في ألمانيا في يوليو بعد فترة قصيرة من هزيمة ألمانيا، وفي مؤتمر بوتسدام علم ترومان بأخبار نجاح تجربة القنبلة الذرية، وأخبر القادة الآخرين به. وأصدرت الولايات المتحدة وبريطانيا والصين بيانًا يهددون فيه بتدمير اليابان ما لم تستسلم بدون شروط. وبرغم الإنذار مضت اليابان في القتال.
وفي 6 أغسطس 1945م أسقطت قاذفة قنابل أمريكية ب ـ 29 تسمى إينولا جاي أول قنبلة ذرية استخدمت في الحرب على المدينة اليابانية هيروشيما، وقتل الانفجار عددًا يتراوح بين 70,000 و 100,000 من سكانها، ودمر مساحة تقدر بـ 13كم². وبعد رفض القادة اليابانيين الاستجابة لهذا القذف، أسقطت الولايات المتحدة قنبلة أكبر على ناجازاكي في 9 أغسطس فقتلت حوالي 40 ألفًا من السكان، ومات فيما بعد آلاف آخرون من الإصابات والإشعاع الناتج عن القنبلتين. وفي هذه الأثناء في 8 أغسطس أعلن الاتحاد السوفييتي الحرب على اليابان وغزا منشوريا، وتسابقت القوات السوفييتية جنوبًا تجاه كوريا.
يتبع ...