ليست المرّة الأولى التي تتعرض فيها الأدمغة العربية للتصفية الجسدية، فأول
العلماء الشهداء في القرن العشرين كان العالم اللبناني ابن النبطية حسن
كامل الصباح الذي قدّم للبشرية مئات الإختراعات في مجالات الهندسة
والكهرباء، لتستمر العمليات مع العلماء المصريين وعلماء العراق وايران
وأخيراً ما جرى ويجري في هذا الخصوص في داخل سورية مع بداية الأزمة، حيث تمّ
استهداف كوكبة من العلماء من مختلف الإختصاصات إضافة الى نخبةً من طياري
المقاتلات الحديثة، وكذلك استهداف مراكز البحث العلمي ومراكز الإستشعار
والإنذار المبكر التي تساهم في توسيع الثغرة المتعلقة بمنظومة الحماية من
الإعتداءات الخارجية وتحديداً الصهيونية.
وأول ما تستهدفه هذه الإغتيالات هي وضع العلماء والأكاديميين في حالة من
الخوف وإرغامهم على الهجرة بهدف حماية النفس، ما يساعد على تقليص القدرات
العلمية في مجال البحث والتطوير.
مع بداية الأعمال العسكرية في سورية تمّ رصد مجموعات تمتلك أجهزة رصد حديثة
مرتبطة مباشرة بالأقمار الصناعية، وهذه المعلومات تقاطعت مع تقارير
للمخابرات الروسية والصينية حول دور فاعل في قيادة عمليات الإغتيال للجنرال
الأميركي ريتشارد كليفلاند.
كليفلاند الذي أشرف مع ضباط فرقته المتخصصة على تدريب ونقل مقاتلي الجماعات
المسلّحة عبر الحدود اللبنانية والأردنية، وكان له الدور الأكبر في إنشاء
غرف العمليات في تركيا والأردن وإقامة معسكرات التدريب في الأردن وتركيا
وكردستان، وكذلك التعاون الوثيق مع فرقة "ماغلان" الصهيونية المتخصصة
بالهجوم على المطارات وفرقة "بيتا اير" المتخصصة في الإغتيالات.
ولم يقتصر الأمر على عمليات الدعم والتدريب بل تعداه الى المشاركة المباشرة
في أكثر من مكان في سورية، وخصوصاً في حمص وريفها وكذلك في ريف درعا والغوطة
الشرقية والقلمون، حيث تمّ تقديم كل أنواع الدعم الإلكتروني للجماعات
المسلّحة عبر تزويدهم بأحدث وسائل الإتصالات والتجسس وإشراكهم في هذه
العمليات مباشرةً.
وكلّ التقارير تؤكد أنّ اغتيال الطيارين في شهر 11 من العام 2011 على طريق
الفرقلس في حمص، والتي ذهب ضحيتها ستة من طياري الطائرات الحديثة وضابط
مهندس إضافة الى ثلاثة ضبّاط صف فنيين، كان وراءها فرقة متخصصة أميركية
صهيونية مشتركة قدمت لها الحماية عناصر مما يسمىّ "بالجيش الحر".
ولم يقتصر الأمر على الطيارين العسكريين بل تعداه ليصل الى الطيارين
المدنيين، وأذكر على سبيل المثال الكابتن الطيار فراس الصافي.
ولم توفّر الجماعات المسلّحة أية فرصة لإغتيال الطيارين السوريين، واستمرت مع
داعميها في إغتيال الطيارين ومنهم اللواء الطيار عبدالله الخالدي، إضافةً
الى التصفيات المريعة لطيارين وقعوا في الأسر وإقدام المسلحين على ذبحهم
والتمثيل بجثثهم.
اللائحة تطول ولم تقتصر على الطيارين بل تعدتها الى علماء وأكاديميين من كل
الإختصاصات، ومنهم اللواء نبيل زغيب رئيس برنامج تطوير الصواريخ السورية
والذي تمّ استهدافه في باب توما وقضى شهيداً مع زوجته وابنه.
وفي موضوع إغتيال اللواء زغيب ما يثير الغثيان حيث تقاطعت المعلومات لتؤكد
مسؤولية **** في سورية، والتي كان يقودها كمال غناجة الذي اغتيل في
قدسيا وعثر في حوزته على مبلغ 15 مليون دولار أكد بعض أعضاء شبكته لاحقاً
أنه أتى بها من قطر لتوزيعها على الجماعات المسلّحة، وترجّح بعض المصادر أن
تكون عملية تصفية غناجة قد تمت على أيدي بعض أعضاء شبكته بالتعاون مع
مشغليهم لأسباب لم يتم الإعلان عنها بعد.
ولم تقتصر العمليات على تصفية الضباط والعلماء والأكاديميين بل تعدتها لتصل
الى الكثير من مراكز ومنشآت البحث العلمي في كل سورية، وقد شاركت الجماعات
المسلّحة بشكلٍ فاعلٍ في قصف وتفجير العديد من المنشآت العلمية والمستشفيات
والمواقع الإقتصادية والصناعية، وأهمها على سبيل المثال عملية التدمير
والنهب التي لحقت بالمدينة الصناعية في حلب.
ولم توفّر الجماعات المسلّحة مراكز القواعد الجوية ومواقع الدفاع والرادار،
حيث عملت على تخريب وتدمير ما وصلت اليه أيديها في عملية بربرية لا مثيل لها.
"إسرائيل" التي دخلت على خط الأزمة في سورية منذ البداية لم تتوانَ عن
الإغارة على مواقع هامة في سورية، كموقع جمرايا للبحث العلمي تحت ذريعة قصف
قافلة تحمل صواريخ في طريقها لحزب الله.
وفي هذا السياق أذكر قيام سلاح الجو الصهيوني بتدمير أهم محطات الإنذار
المبكر والاستطلاع الجوي الإلكترونية في تل الحارة في المنطقة الجنوبية،
والتي عجزت الجماعات المسلّحة عن السيطرة عليها منذ عام 2011، كما تمّ تدمير
محطتين أخريين في وقتٍ سابق هما "مرج السلطان" بريف دمشق و"محطة النعيمة"
قرب درعا من قبل مسلحي "الجيش الحر"، وعليه لم يتبقَّ سوى محطتي "شنشار" في
ريف حمص الجنوبي، ومحطة "برج إسلام" شمال اللاذقية.
واذا ما تمّ استعراض حجم الخسائر في البنيتين المدنية والعسكرية وطبيعتهما،
نرى أنّ المستفيد الأول من عمليات إغتيال العلماء والطيارين وتدمير البنية
الإقتصادية ومحطات الإنذار المبكر وقواعد الدفاع الجوي والمطارات هو
"إسرائيل" بالدرجة الأولى.
ختاماً لا بد من الإشارة الى أنّ ما كان خاضعاً للتخمين سابقاً حول علاقة
الجماعات المسلّحة بـ"إسرائيل" أصبح علنياً منذ تم كشف النقاب عن استقبال
العدو الصهيوني لجرحى الجماعات المسلّحة وتقديمه كل أنواع الدعم والتدريب
والتسليح، وحتى التمهيد الناري في كلّ عملية تقوم بها هذه الجماعات عند
مهاجمتها لمواقع الجيش السوري.
http://www.shaamtimes.net/news-details.php?id=12656