يكشف العقيد إبراهيم جوادي في شهادته عن مشاركة الجزائر في حرب 1967، عن عدد من الجوانب الخفية في هذه الحرب التي ارتبطت بالنكسة، حيث وجد اللواء الرابع الذي أرسلته الجزائر في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي، حيث كان الجيش المصري في حالة انهيار إثر حرب الستة أيام كما تسمى تاريخيا... جوادي تحدث عن المعارك التي حدثت بين الجيش الجزائري والصهاينة حيث كان واجه المقاتلون الجزائريون الصهاينة بشراسة رغم ضعف التسليح مقارنة بالطرف الإسرائيلي الذي كان ينشر آلياته على الجانب المقابل من قناة السويس.
عندما وصلنا إلى مدينة السويس فوجئنا بالغياب الكلي للجيش المصري، ووجدنا أنفسنا في مواجهة مباشرة مع الجيش الإسرائيلي، ولم يكن بيننا وبينهم سوى 200 متر، وكان اليهود مدججين بمختلف الأسلحة الخفيفة والثقيلة، لقد كان المشهد جهنميا، دبابات على طول الضفة المقابلة من قناة السويس، الطائرات تحوم فوق رؤوسنا ونحن منكشفون على الجهة الغربية من القناة، لقد تنقلنا إلى خط التماس مع العدو من دون أن نقوم بعملية استطلاع حتى نعرف المكان الذي نتوجه إليه.
ألم يكن الجيش المصري هناك؟
لم يكن هناك تواجد للجيش المصري.
هل انسحب الجيش المصري، وترككم في مواجهة العدو؟
الجيش المصري كان في حالة انهيار، بعضه انسحب إلى الداخل المصري والبعض الآخر كان لا يزال ينسحب من سيناء عندما وصلنا نحن أياما بعد العدوان، وكنا نحن من يوفر الحماية للوحدات المصرية المنسحبة، حيث كنا نستقبل الجنود الفارين من سيناء، كان تعداد كتيبتي 900 جندي، ولأن الأرض منكشفة أمرتهم بتطبيق الأساليب التي تعلمناها خلال الثورة في مواجهة العدو، حيث أمرتهم بالتفرق، وقيام كل جندي بحفر حفرة للاختباء فيها، حتى لا يكون هدفا مكشوفا للجنود الصهاينة، وكان بين كل حفرة وأخرى حوالي 15 مترا. وبهذه الطريقة تجنبنا الخسائر في صفوف الجنود، وفي ظرف 48 ساعة كان كل جنودنا داخل الحفر، وقد تعجب المصريون من الطريقة التي اعتمدناها، حيث لم يكونوا يتوقعون ذلك.
وماذا عن الاشتباكات بينكم وبين العدو الصهيوني؟
وقعت اشتباكات مباشرة واستشهد من صفوفنا حوالي 16 شهيدا.
في كتيبتك فقط أم في اللواء الرابع كله؟
لا. في كتيبتي وكتيبة أخرى.
كم هو عدد الكتائب التي شاركت في الحرب؟
أربع، كتيبتا مشاة كنت أنا على رأس واحدة، وفراحي رمضان كان يقود الكتيبة الأخرى، وكتيبة المدفعية جاءت متأخرة وعلى رأسها عبد المجيد شريف، وكذلك كتيبة الدبابات يوسف بن صيد.
متى وقعت أول معركة بينكم وبين اليهود؟
وقعت بين 4 و5 جويلية، حيث نزل أربعة جنود للسباحة في القناة، وهو ما أثار حفيظة الصيادين المصريين الذين طلبوا منا مساعدتهم لأسر الجنود الصهاينة، حيث طلبوا توفير الحماية لهم فيما يقوم الصيادون بالقبض عليهم، فأمرت الجنود بأخذ مواقعهم على الطرف المصري من القناة مدججين بالرشاشات، ولما نزل الجنود الصهاينة إلى القناة وكان بينهم جندية، فتح الجنود الجزائريون النار بكثافة باتجاه الطرف اليهودي لمنع عودة الجنود الإسرائيليين إلى مواقعهم، ومنع زملائهم من إنقاذهم، وبسرعة البرق قام الصيادون المصريون بأسرهم، وبالطبع كان هناك احتفال كبير، وقام المصريون بإعطاء ألبسة للجنود الأسرى وأخذوهم.
وكيف كان رد الفعل الإسرائيلي؟
في اليوم الموالي قامت القيامة ضدنا، قصف مكثف بالمدفعية والدبابات، حيث كان الجيش الإسرائيلي يستخدم دبابات ذاتية الحركة، ولم يتوقف القصف إلى غاية الرابعة مساء، لم نكن نعتقد حينها أننا سننجو من هذا القصف، ونحن في أرض مكشوفة، ولولا الخطة التي اعتمدناها بتفريق الجند واختبائهم داخل الحفر لاستشهد منا الكثير.
وبعد توقف القصف تفقدت الجنود، حيث استشهد ثلاثة جنود من كتيبتي، كما فقد جنديان البصر بعد أن أصيبا بالشظايا، وكانت هذه المعركة من أعنف المعارك. أما أعنف معركة على الإطلاق فقد وقعت في آخر شهر نوفمبر، وبدأت باستهداف باخرة إسرائيلية تسمى "إيلات" دخلت المياه الإقليمية المصرية، حيث استهدفها ضابط مصري مسيحي من دون أن يأخذ الإذن من قيادته، فأغرقها ومات كل من كان عليها، حيث كان على متنها 220 طالب إسرائيلي. وبعد يوم وصلتنا المعلومات بنية إسرائيل في الانتقام، وفي حدود الثانية زوالا بدأ القصف، بالمدفعية والدبابات وكان هناك مصنع لتكرير البترول استهدفه اليهود وبسبب الدخان الكثيف المنبعث منه أصبحت الرؤية منعدمة تقريبا، يضاف إلى ذلك القصف الذي كان يأتي على مسح كامل المنطقة التي كنا فيها. كان المشهد جهنميا واعتقدنا أنها النهاية.
كما حدثت معركة أخرى بعد قيام أحد جنودنا بقتل جندي يهودي كان في الجهة المقابلة من القناة، بعدها جاءت طائرة صهيونية لاستطلاع المواقع التي كانت تابعة إلي، وكانت بجانبنا مدرسة مصرية، فاستدعيت مدير المدرسة وقلت له إن الطيران الإسرائيلي يستطلع المنطقة وإني أتوقع قصفا شديدا قريبا، وأمرته بإخلاء المدرسة من التلاميذ ومن بعض العائلات التي تسكن قربها، وطلبت منه توقيف الدراسة تماما ذلك المساء، ثم أمرت جنودي بتغيير مواقعهم، وقد طبق المدير التعليمات التي أعطيتها له، وفي حدود الساعة الثالثة زوالا تم قصف المدرسة بما فيها السكنات الملحقة بها، ونجا الجميع من مجزرة كانت ستقع لولا الإجراءات التي قمنا بها، وقد قام الأهالي في تلك المنطقة باحتفال كبير وتظاهروا فرحا بنجاتهم.
وفي السّابعة مساء توقّف القصف الإسرائيلي وكان شديدا ككل مرة، حيث نال التّعب من الجنود وهم داخل دوامة من الغبار المتصاعد ورائحة القنابل.
وكان عندي جندي مكلف بالاتصالات عاش حياته في ألمانيا ولا يعرف اللغة العربية، وكنت أحيانا أشك في كونه مسلما، وكان جهاز الإرسال محمولا على سيارة رباعية الدفع، استهدفه اليهود بقذيفة لكنها لم تنفجر غير أنها حطمت السيارة، فصاح قائلا: "لا إله إلا الله محمد رسول الله".
ما هي المدة التي بقيتم فيها هناك على الجبهة؟
حوالي ثمانية أشهر، ولأن بعض الضباط من اللواء الرابع كانوا مشاركين في المحاولة الانقلابية التي قادها الطاهر زبيري، حيث كانت الرسائل تصلهم بشأن التحضيرات الجارية للانقلاب، خاصة قائد اللواء عبد الرزاق بوحارة، لذلك حرصت القيادة في الجزائر على عدم عودتنا بسرعة، وعندما انتهت مهمتنا أعطيت الأوامر بالتوجه إلى منطقة تسمى البحيرة المرة تبعد عن الجبهة بحوالي 16 كلم، وأبلغنا أننا سنبقى هناك كي نرتاح قبل سفرنا إلى الجزائر، وانتهى احتكاكنا باليهود، وبقينا هناك لمدة شهر كامل، واستلم الجيش المصري مواقعنا وأصبح هو في مواجهة اليهود.
يعني أن اللواء الجزائري بقى لمدة ثمانية أشهر في الخطوط الأمامية مع الصهاينة؟
بالضبط، لمدة 8 أشهر ونحن على خطوط التماس مع العدو..
أعذرني، أريد أن أستوضح هذه النقطة جيدا، هل كان الجزائريون وحدهم على خط التماس، أين باقي الجنسيات العربية وأين الجيش المصري؟
أريد أن أكون دقيقا في هذا الموضوع، اللواء الجزائري كان على الخط الأمامي على امتداد 20 كلم بجنب القناة، وكان بيننا وبين اليهود حوالي 200 متر.
ومن كان يتواجد في المسافة الباقية؟
كانت بيد المصريين، لكن دعني أوضح أن المنطقة التي كان يتواجد بها المصريون لم تكن لها أهمية، ولم تكن ساخنة مثل منطقتنا، فاليهود كانوا يركزون على منطقة البحيرة المرة.
يعني أنكم كنتم متواجدين في أخطر منطقة؟
بالضبط، منطقتنا شهدت معارك ساخنة ولم تكن كالمناطق الأخرى.
لكن كيف فسرتم تواجدكم في أخطر منطقة؟
يجب أن تعلم أن الجيش المصري انتهى حينها.
ماذا عن الجيوش العربية الأخرى، أين كانت متواجدة؟
في الأشهر الأولى التي أعقبت العدوان، وإلى غاية شهر نوفمبر، كانت الحرب جزائرية-إسرائيلية، ومحصورة في منطقة السويس على جبهة 20 كلم التي كنا فيها.
لكن هذا لا يردد في الإعلام المصري، بل إن الجزائر لا تكاد تذكر في سياق الحروب العربية ضد إسرائيل؟
هم يعترفون بشكل عام.
أنت تقول هذا الكلام باعتبارك كنت قائد كتيبة في الميدان؟
نعم، ومن له أدلة يدحض بها ما أقول فليتفضل. لم يحدث التماس بشكل مباشر بين المصريين واليهود، إلى غاية انسحابنا نحو البحيرة المرة، بعدها استلم الجيش المصري مواقعنا.
لكن، لماذا ذهبتم إلى البحيرة المرة ولم تعودوا بشكل مباشر إلى الجزائر؟
نحن كان مشكوكا فينا- كما قلت لك- لأن الكثير منا شارك في انقلاب الزبيري، وقائد اللواء كان على اتصال بالزبيري، ولم نعد إلى الديار إلا بعد أن انتهت حكاية الزبيري.
خلال تواجدكم على الجبهة لمدة طويلة، هل كانت هناك اتصالات بينكم وبين القيادة هنا في الجزائر؟
لا.
لماذا؟
لا أريد أن أخوض في هذا الأمر الآن، أريد فقط أن أضيف أننا كنا نعتقد أن أجلنا سينتهي هناك، كنا في مكان مكشوف، والمعارك كانت طاحنة واليهود كانوا أكثر تسليحا.
كم كان تعدادكم؟
3000 مقاتل ضمن أربع كتائب، كتيبتا مشاة وكتيبة مدفعية وكتيبة دبابات، لكن أقول إن ظهورنا كانت مكشوفة، لو أرادت إسرائيل أن تأتي من خلفنا وتبيدنا لنجحت في ذلك.
يعني لم تكونوا قوة كبيرة تخشاها إسرائيل؟
لا، على الإطلاق، إسرائيل كانت قادرة على محونا من الوجود في لمح من البصر.
هذا كلام خطير.. لكن لماذا لم تفعل إسرائيل ذلك؟
والله لا أعلم، إسرائيل كانت تدرك تماما حقيقة قوتنا، وكنا أحيانا نستفز اليهود بإطلاق أعيرة نارية على الجنود، وكنت أنا أقول لجنودي وأحذرهم بأن مصيرنا إما القتل أو الأسر، فإسرائيل كانت قادرة على إنزال ما يزيد عن 7000 جندي وراءنا، ومحاصرتنا والقضاء علينا.
هل كان الجيش المصري بعيدا عنكم؟
كان بعيدا، لم نكن نملك من السلاح ما يكفي لمواجهة الهجوم علينا من الخلف. إني أقول هذا الكلام بصفتي قائدا في الميدان، لقد كنت أقول لجنودي إما الاستشهاد وإما الأسر لا تفكروا في شيء آخر...
http://www.echoroukonline.com/ara/articles/220161.html