فجأة وبدون سابق إنذار، باستثناء لقطات إعلامية عابرة نشرت في صحف خليجية، برز في المشهد السوريّ متزاحم الأحداث
هذه الأيام اسم "مجموعة خرسان" أو "خلية خرسان".
فبعد بدء التحالف الدولي ضرباته الجوية في سوريا، ظهرت تقارير إخبارية سرعان ما ألحقت بتصريحات رسمية من الكونغرس الأميركي عن أن الغارات
الجويّة استهدفت مقرات تنظيم الدولة الإسلامية، وأخرى لجبهة النصرة، وقضت على مجموعة "خراسان" التي يتزعمها الكويتي محسن الفضيلي. قبل ذلك
لم يسمع السوريون بمن فيهم المتابعون للحركات الجهادية بهذه المجموعة أبداً، كما أنها لم تدرج على اللائحة الأميركية للمنظمات الإرهابية
والتي تخضع لتحديث بشكل دوري، وذلك على الرغم من أن تقارير استخباراتية عربية وغربية أيضًا لمحت في الأشهر الأخيرة إلى وجود
مجموعة "إرهابية" موجودة في سوريا تستعد لشن هجمات على الولايات المتحدة الأميركية باستخدام متفجرات غير مصنوعة من المعادن
لا تستطيع أجهزة التفتيش الموجودة في المطارات اكتشافها. وقتئذ شددت الولايات المتحدة رقابتها على الرحلات الجوية القادمة من بلدان عربية
وأوروبية ولاسيما فرنسا لاعتقادها بأن جهاديين يحملون جنسيات أوروبية قد ينفذون هذه الهجمات. كما تزامنت التكهنات والترجيحات السابقة مع
تصريحات مفاجئة للملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال تسلمه أوراق اعتماد عدد من سفراء الدول في المملكة 30 آب/ أغسطس 2014
وطلب منهم أن يخبروا دولهم أن الإرهاب سيضرب أوروبا بعد شهر (أي في شهر تشرين الأول/أكتوبر) وأميركا بعد شهرين
(أي في شهر تشرين الثاني/نوفمبر).
تشير كثير من التحليلات إلى أن الاستخبارات السعوديّة هي من كشفت على جماعة خرسان، وأن تحذيرات الملك عبد الله المدعمة بهذه التقارير هي من جعلت
سوريا في قائمة أولويات أوباما لمواجهة تنظيم الدولة بعد أن كانت محصورة في العراق فقط، وعجلت في موعد بدء الضربات في سورية على الرغم من عدم
وجود تحالف صلب، فكما هو واضح فإن التحالف الذي أعلن عنه لمواجهة تنظيم الدولة في سوريا يضم اسميا ست دول فقط. أما عمليا فيضم ثلاث دول
فقط تولت تنفيذ العمليات العسكرية الكبرى بوتيرة يومية (أميركا، السعودية، فرنسا).
في سيرة زعيم الجماعة محسن الفضيلي ما يوضح الدور السعودي الاستخباراتي في الكشف عن مجموعته، فالفضيلي اعتقل في السعودية
مطلع العقد الماضي بتهمة الانضمام لما كان يسمى "الأفغان العرب" ثم أطلق سراحه، ليعاد إدراجه في قائمة المطلوبين بالنسبة للاستخبارات
السعودية والكويتية لارتباطه بمجموعة عدة خططت لهجمات من ضمنها استهداف القواعد الأميركية الموجودة في الكويت.
وجدير بالذكر أن محس الفضيلي، كويتي الجنسية، ينحدر من عائلة شيعية، اعتنق المذهب السني وانتسب لتنظيم القاعدة وهو من مواليد عام 1981.
أما رواية الاستخبارات الأميركية، فركزت على النشاط المستجد للفضيلي لا على خلفيته، فقد أوردت صحيفة "نيويوك تايمز" في عددها الصادر بتاريخ
24 أيلول/ سبتمبر 2014 أن الفضيلي وصل إلى شمال سوريا في عام 2013 قادما من باكستان بعد أن انتدبه زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري
لتأسيس وتطوير خلية تابعة له في سوريا لشن هجمات على أوروبا والولايات المتحدة". وتعطي الاستخبارات الأميركية أهمية كبيرة لهذه المجموعة، فهي
وبخلاف الجماعات الجهادية الحالية تتجنب ما أمكن دائرة الضوء، وتعمل بسرية مطلقة، وتبتعد تماما عن أي وسيلة إعلامية، وليس لها حسابات في
"تويتر" تعرض إنجازاتها وعملياتها. وبحسب الرواية ذاتها، فإن هذه المجموعة لم يكن لها أي تأثير عملياتي أو قتالي أكان في مواجهة قوات النظام، أو في
المواجهات مع تنظيم الدولة، وأنها عملها انصب على تطوير قدرات منتسبيها القتالية والاستخباراتية، وتطوير أدوات جديدة تمكنها من اختراق
الترتيبات الأمنية المتطورة لدول مثل الولايات المتحدة والدول الأوروبية.
مقابل الروايات الاستخبارية المتعددة، لم تظهر أي رواية من جبهة النصرة أم من تنظيم القاعدة تشير إلى حقيقة وجود هذه الجماعة. فأوساط
النصرة والقاعدة لا تصدق أو تقر بوجود مثل هذه الجماعة، وتعتبرها وهما، واصطناعًا غربيا وعربيًا "لشرعنة" استهداف النصرة وقصفها.
في ظل تناقض الروايتن، نرجح أن المجموعة التي أطلق عليها اسم "مجموعة خرسان" موجودة بالفعل. ليس بالضرورة أن يكون اسمها
"خرسان"، فالأسماء ليست ذات أهمية هنا، والاسم يصبح اسما بمجرد أن يطلق طرف أكان الطرف المؤسس أو الطرف العدو لهذا المؤسس.
إن المتابع لنشأة جبهة النصرة وسياق تطورها يدرك أن الجبهة عندما تأسست لم تعلن البيعة أو الولاء لأي من التنظيمات الجهادية الإقليمية
أو القيادة المركزية للقاعدة مع أن دولة العراق الإسلامية ساهمت في نشأة النصرة ماديا ولوجستيا وعسكريا.
ومن المعرف أيضًا، أن بيعة الجولاني للبغدادي بيعة اضطرار وليست بيعة اختيار، فالجولاني أراد عندما أعلن أبو بكر البغدادي دمج النصرة ودولة العراق
الإسلامية في فصيل واحد، الهروب من هذا الدمج والمحافظة على استقلالية التنظيم، وحل إشكالية البيعة بالهروب إلى بيعة أكبر هي بيعة الظواهري
وقد تحقق له نظريا ما أراد. في المقابل، تدرك القيادة المركزية للقاعدة أن بيعة الجولاني لها فرضتها الظروف، وأن جبهة النصرة وإن كانت تنتمي
للتيار السلفي الجهادي، فإن مقاربتها للمسألة كانت تنحصر في الإطار الوطني وليس الإطار الأممي. وعلى اعتبار أن تنظيم القاعدة أصبح يصارع للبقاء
بعد مرحلة من الوهن نتجت عن اغتيال مؤسسه وزعيمه أسامة بن لادن والعمليات العسكرية ضده، فإنه أضحى بأمس الحاجة إلى قاعدة أو خلايا مدربة
لاستخدامها في الصراع مع "العدو البعيد"، والذي هو العدو الأساس للقاعدة.
لم تعد أفغانستان ملاذَا أمنا، ولا باكستان أيضًا فقد افتقدت القاعدة غالبية مراكز التدريب التابعة لها نتيجة القصف الأميركي وخاصة باستخدام طائرات بدون طيار.
وفي الوقت عينه لا تستطيع القاعدة إنتاج مثل هذه المعسكرات في العراق نتيجة سطوة دولة العراق الإسلامية وجنوحها بعيدا عن خط القاعدة، ولا في
المغرب العربي لوجود دول أمنية قادرة على اكتشاف هذه المعسكرات. انطلاقًا مما سبق،نرجح أن الظواهري اختار سوريا، حيث تعم فوضى السلاح
بشكل كامل، وتتعدد الأطراف المشتركة في الصراع (نظام، قوات إيرانية، حزب الله، مليشيات عراقية، جيش حر، كتائب أهلية، فصائل إسلامية، جماعات جهادية)
لإنشاء مثل هذه المعسكرات النخبوية، ونرجح أن اكتشاف هذه المجموعة ليس عملا استخباراتيا أميركيا بقدر ما هو عمل استخباراتي لدول عربية
لديها يد طويلة لدى المعارضة السورية المسلحة.
https://www.zamanalwsl.net/news/53864.html