خلال السنوات القليلة الماضية، وبالتزامن مع توسيع انتشار القوات الدولية في مناطق النزاعات الإقليمية من جهة، واستنادا إلى تجربة الحروب والمواجهات العسكرية في العقد الماضي ابتداء بحرب الخليج ، وانتهاء بسلسلة أزمات البلقان وحرب أفغانستان والعراق من جهة ثانية، ...لم يكن من باب المصادفة أن تزداد بصورة ملحوظة لدى قادة الجيوش والمهتمين بالشؤون الاستراتيجية، أهمية تقنيات الاستطلاع الجوي والتجهز بمنصات رادارية ومستشعرات حساسة محمولة جوا.
ومن هنا يأتي الدور المميز الذي يؤديه الإنذار المبكر في مهمة مزدوجة برية وجوية معا لأغراض المراقبة والاستباق والتحكم، وإذا كانت هذه النظم مصممة لرصد الأوضاع التكتيكية وتعقب أهداف واقعة أو محتملة والتحذير التلقائي من هجومات جوية أو صاروخية معاكسة، فإنها تقدم كذلك أفضل صورة متكاملة للوضع القتالي العام، وتشكل بالتالي حلقة مركزية في سلسلة رسم استراتيجية ساحة المعركة. وفي المقابل تعززت الحاجة إلى هذه النظم على ضوء الخطط التي رسمها في السنوات الأخيرة الحلف الأطلسي وتعمل على وضعها حاليا قوة التدخل السريع في الاتحاد الأوروبي المعدة للانتشار لأغراض تلافي الأزمات أو تثبيت السلام، وفي أي حال تدل كل المؤشرات على تكثيف هذه الممارسة في السنوات القليلة الماضية كمعطى استراتيجي في تقدير التهديدات على المستوى الوطني أو المستوى الإقليمي .
هناك عدة نماذج مطورة من طائرات مدنية بشكل خاص للقيام بمهام الإنذار والتحكم، إلى جانب التقدم في دراسات وأبحاث معمقة لتعميم النموذج على طائرات أخرى أكثر حداثة، بما فيها مروحيات من الطرازات الجديدة، وإذا كانت طائرات ”أواكس” من بوينج المستندة إلى طرازي 707 و 767 تشكل المثال الأبرز حتي الآن، فلا يمكن إغفال طراز ”هاوك آي” من تطوير المجموعة الأمريكية ”نورثروب جرومان”، أو مشروع أواكس من بوينج على طراز 737 ، أو الفكرة التي تقدمت بها شركة ”رايثيون” لتعديل الطراز المدني (A-310-300) من التجمع الأوروبي أيرباص، إضافة إلى الاستناد لنماذج أقل حجما من أصناف الطائرات الإقليمية التي تطورها على سبيل المثال الصناعات الجوية في السويد والبرازيل.
وغني عن القول أن فعالية هذه الطرازات في أداء مهماتها الرئيسية والفرعية تستند إلى طبيعة النظم الرادارية وكيفية نشرها، وإلى احتواء التجهيزات على مستشعرات فائقة الحساسية لا توفر تقييم حيز التهديد ومداه فحسب، بل سيناريوهات الرد التلقائي عليه أيضا. وحتى إشعار آخر لا تزال تسيطر فئة طائرات الإنذار والتحكم على تطوير مجموعة بوينج على السوق الأمريكية والدولية لا سيما وأن المجموعة كانت سباقة في تطوير نماذج طبيعية قبل أن تتأكد الحاجة تدريجيا إلى هذا التجهيز المعقد والمتكامل. وحتى الآن هناك عشرات النماذج قيد الخدمة الفعلية من طراز (E-13) لدى أسلحة الجو في الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا والمملكة العربية السعودية ، إضافة إلى 18 نموذجاً تحت تصرف القيادة المركزية لمنظمة حلف شمال الأطلسي، وتمتاز هذه النسخ المعدلة من الطرازات المدنية القادرة على التحليق على ارتفاع 9000 متر، بفعالية النظام الراداري طراز (Apy-2) من تطوير مجموعة «نورثروب غرومان» المدمج بهوائي مركب فوق مؤخرة الهيكل بحيث يغطي مدى عملياتها على مجال 320 كلم، ونظرا لمصداقية هذا الرادار أجريت عليه تباعا عدة تحسينات كان أبرزها ملاءمته في الكشف عن أهداف جوية مثل الحوامات والصواريخ الجوالة من جهة، ومقاومة تقنيات التشويش المتطورة من جهة ثانية.
وإذا كان من المسلم به أن بعض طائرات أواكس بحاجة إلى تحديث جزئي، سواء على مستوىالدفع كاعتماد المحرك (CFM-56) من جنرال إلكتريك وسنيكما أو (GT8D-219) من برات أندويتني، أو على مستوى التزود بكونصولات رادارية إضافية ، فإن جيل الأواكس المطور من بوينج 767 يمنح حجما متزايداً في المقصورة أو الحيز الأرضي، إضافة إلى توفير سرعة تجوال بمعدل 720 كلم في الساعة على ارتفاعه 1200 متر، والتمتع برادار للكشف على الأجسام الجوية الواقعة على مسافة 400 كلم وانطلاقا من هذه التجربة تطور المجموعة الأمريكية حاليا طرازا للإنذار والتحكم انطلاقا من منصة بوينج (IGW- 700-737) , ذات الأجنحة المتينة ورادار متعدد الأدوار والماسح إلكترونيا طراز (MESA) , ومع أن هذا الأخير يحتوي على كتلة مستشعرات لتغطية قطاعات بقياس 60 درجة في مختلف الاتجاهات توفر في النهاية تغطية كاملة، ويضم آليات لتعقب الأهداف الجوية مدى 350 كلم، فقد لاحظ التصميم العام، التزود أيضا برادار «آري آي» لتغطية مناطق بث واستقبال رئيسية بقياس 120 درجة من الجانبين، ثم على خلاف طرازي 707 و 767 يوفر النموذج الجديد إمكانية التزود بالوقود جوا مما يضاعف من المدى العملياتي الفعال.
وفي المقابل طورت ”نورثروب جرومان” طائرة (Hawkeye) التي أجريت عليها تعديلات مستمرة لصالح البحرية الأمريكية وبحريات فرنسا واليابان وتايوان وسنغافورة ، وتعتبر النسخة الفرنسية الأحدث حتى الآن في فئتها، لأنها باشرت الخدمة منذ فترة وجيزة على متن حاملة الطائرات النووية ”شارل ديجول”، ولعل من العناوين الكبرى لتحدي طائرة «هوك آي» تطوير رادار (145- ApS) من المجموعة نفسها الذي يوفر أداء مماثلا للرادار الذي يجهز طراز أواكس 767 من بوينج. والصناعة الروسية طورت من جانبها لأغراض الاستطلاع الجوي المتقدم طراز (50-A) من شركة (Beriev) المشتق من أليوشن - أي- آل- 76 والمجهز بقبة صحن طائرة قد تضاهي من حيث الفعالية رادار (3-E) المعد للاواكس 737، وفي أي حال تقترح شركة «ألينيا سيستمز» نموذجاً محمولاً لـ ( 76 - IL) كمنصة لرادار (Args) المجهز بقبة في المقدمة وأخرى في الذيل.
وفي مجال البرامج الكبرى المستقبلية التي لم يتحدد مصيرها بعد، الاقتراح الذي قدمت به مجموعة رايثيون حول اعتماد منصة (300-A310) من أيرباص، على أن تجهز بالرادار المتقدم العامل بالمسح الإلكتروني طراز دلتا المطور من نظام (phalaon) ، وفيما أشارت المعلومات إلى أن الحلف الأطلسي أبدى نوعا من الاهتمام بهذا الاقتراح، فمن السابق لأوانه التحدث عن قرار علمي حتى الآن ،علماً أن مشروع منصة أيرباص تعمل رايثيون حاليا على تسويته بالشراكة مع المجموعة الفرنسية لإلكترونيات الدفاع تاليس.
ومن النظم الرادارية المتقدمة المقترحة لطائرات النقل الإقليمي المعدلة، يمكن ذكر طراز (Erieyeـ) من تطوير مجموعة الإلكترونيات السويدية أريكسون وقد أوصت علي حيازته القوات الجوية في السويد لتجهيز ست طائرات نقل من طراز (340B) المدفوعة بمحرك توربيني، ومن ميزات هذا الرادار المذكور استخدامه لهوائيات مركبة من صف مرتب من المستشعرات، بحيث يوفر تغطية ممتازة لقطاع قياسه 120 درجة على جانبي الطائرة ، ويكون قادراً بالتالي على اكتشاف المقاتلات على مسافة 350 كم.
وكحل بديل آخر ، اقترح الرادار السويدي من أريكسون، للتركيب على الناقلة الجوية الإقليمية (SA 145- ERJ) من الشركة البرازيلية أمبراير ، التي أوصى سلاح الجو المحلي على حيازة خمسة نماذج منها لمهام الإنذار المبكر فوق حوض الأمازون ، واستناد إلى تجربة التحليق الناجحة لهذا النموذج طلبت اليونان الحصول على أربع طائرات مماثلة. فيما تتولى مجموعة رايثيون مسؤولية الدمج الإلكتروني بالنسبة للطائرات البرازيلية، تتولى المجموعة الفرنسية «تاليس» مسؤولية الدمج بالنسبة للطائرات اليونانية على أن تجهز بأربع محطات كحد أدنى للتشغيل الراداري ، إذا سارت الأمور حسب الطراز نفسه ، إلا أن السبق الهام الذي قد يسجله الرادار، (Erieye) يتمثل في إمكانية اعتماده على طائرة النقل الحديثة متوسطة الحجم ( C - 27J - 30) برادار التردد ذي السرعة المفرطة (ADS-18 AURA) من تطوير الفرع المختص في شركة (OCCAN).
من منظور مختلف، يساهم هذا الرادار في التنويع والفعالية في وقت واحد، والهدف منه إعطاء أسلحة البحرية أفضليات كشف رادارية متقدمة على غرار الأسلحة الجوية، يتركز الاهتمام أكثر فأكثر، استنادا إلى تجارب إيجابية معتمدة، على تحسين أو تطوير نظم إنذار مبكر وتحكم مثبتة على الحوامات ومدمجة بهوائيات ملائمة للكشف عن الأهداف الواقعة في امتداد دائري من 360 درجة.
من التجارب الجديرة بالذكر الحوامة البريطانية (Sea King MIK2) من شركة (GKN- Westland) الحاملة لرادارات ( Searchwater) من مجموعة «ثورن إيمي»، ويذكر أن شركة «راكال» للإلكترونيات التي أصبحت تابعة لمجموعة «تاليس» تعمل حاليا على تطوير نسخة محسنة من الرادار نفسه الذي اعتمد كذلك بصيغته الجديدة لتجهيز طائرة الكشف «نمرود -2000» التابعة لسلاح الجو البريطاني من تطوير «بريتش أيروسبايس سيستمز». وإذا كانت حوامة «سي كينج» التي أدت أدوارا إيجابية منذ منتصف ثمانينات القرن الماضي تبدو مقصرة أحيانا في اللحاق بأحدث التكنولوجيات الرادارية، فهناك اتجاه من حيث المبدأ لتجهيز الحوامة المتطورة (EH _ 101 _ Merlin) برادار متقدم قادر في الوقت نفسه على كشف الاهداف المتحركة ورسم الخرائط الأرضية. ويبدو من جهة أخرى أيضا أن البحرية الروسية تحركت باتجاه مماثل للبحرية البريطانية، وقد جرى الاتكال في هذه المضمار على الحوامة (Ka_31) من (KAMOV) المجهزة برادار (E_801 _ OKo) الذي يتمتع بهوائي مثلث دوار مع مجموعة مستشعرات منسقة، ومن ميزاته الكشف عن مقاتلات على مسافة تتراوح بين 100و 150 كلم مع تعقب عشرين طائرة دفعة واحدة.
على الرغم من أنساق الحماية الذاتية المتطورة التي تتمتع بها طائرات الإنذار المبكر بمختلف فئاتها، فهي تواجه دائما خطر التشويش وتهديد التعرض لصواريخ (أرض - جو) و (جو- جو) فائقة السرعة، إلا أن نشرها المتزايد لم يعد أحد السيناريوهات المحتملة في أجواء الحرب الحديثة بل ضرورة استراتيجية وتكتيكية معا، تعمل على استيعابها القوات الدولية أو الإقليمية متعددة الجنسيات، إلى جانب الدول التي تواجه وضعا أمنيا معقدا. ولعل تعدد المنصات الجوية لعمل الرادارات والمستشعرات والأجهزة المدمجة والمكملة يصب في اتجاه التحسين والتنوع، كما أنه يوفر حيزا أوسع من الخيارات أمام أسلحة جوية وبحرية قررت الدخول في عصر الحداثة والتميز.
المصدر : مجله الحرس الوطنى

ارجو ان يكون الموضوع حاذ على اعجابكم