02.12.2014
أوضح سليمان زيغيدور، أن المواطن العربي هو الوحيد الذي يشعر بالإهانة جراء الصورة النمطية التي يرسمها حوله الآخر، فيلجأ لردود أفعال متباينة للرد على كل ما يلتحق به من صور نمطية، على خلاف الإسرائيليين والأمريكيين والروس، الذين يتعرضون يوميا لنعوت سلبية وصور نمطية لا تقلّ سلبية عن تلك التي تطال العرب، غير أن هؤلاء وعلى خلاف العرب، يتسمون بالبرودة ولا يلجؤون للرد، بسبب ثقتهم في أنفسهم، وامتلاكهم للتقدير الذاتي الذي لا يملكه الإنسان العربي.
زيغيدور يتحدّث عن وجود أربع صور نمطية عبر العالم
“الأمريكيون والروس لا يردّون على “الصور النمطية” نظرا لثقتهم في أنفسهم”
قال سليمان زيغيدور، الكاتب والصحفي المتخصص في العالم الإسلامي، إن مسألة صورة العرب في وسائل الإعلام الغربية، تعتبر بمثابة هاجس حقيقي بالنسبة للنخب العربية، وهو الموضوع الأكثر إثارة وحضورا في العالم العربي. واعتبر في محاضرة ألقاها أمس بالمدرسة الوطنية للإعلام والصحافة ببن عكنون ضمن نشاطات مركز “الخبر” للدراسات الدولية، أن “العربي يملك حساسية مفرطة بشأن الصورة التي يرسمها الآخر عنه”، موضحا أن “العرب ليسوا الوحيدين في العالم الذين تطالهم الصور النمطية”.
ذكر زيغيدور، مدير التحرير بقناة “تي في 5 موند”، أن “سوق الصور النمطية عبر العالم يعرف أربعة شعوب عرضة للنمطية، أشهرها الأمريكيين، وهم الشعب الذي يتعرض أكثر للتجريح والإهانة عبر العالم، وهم أكثر الناس عرضة للنمطية والاستنكار، فلا يمر يوم دون أن نرى أو نسمع عن حرق العلم الأمريكي، أو نقرأ فتوى عن أمريكا، ونشاهد ردود أفعال مناوئة للامبريالية الأمريكية”. وقال: “كل هذا العداء تجاه أمريكا والأمريكيين من أعمال الشيلي إلى تيمور الشرقية، لم يدفع الأمريكيين إلى الرد أو إبداء أي سلوك انفعالي، لأنهم يملكون ما أسميه “التقدير الذاتي”، الذي يكفيهم ليجعلهم بدون تلك الحاجة التي تجعلهم يطالبون الآخر باحترامهم”، وأضاف: “الأمريكيون يعرفون إيجابياتهم وسلبياتهم، وهذا كاف بالنسبة إليهم لتقدير أنفسهم”.
وحسب زيغيدور، فإن الروس يتعرضون بدورهم يوميا لكمّ هائل من الإهانات، وهم مثل الأمريكيين محل صور نمطية تستهدفهم، لكنهم لا يملكون أي حساسية تجاهها. وقال: “الصورة النمطية التي تُرسم على الروس في الغرب تقدّمهم في صورة شعب عنيف ميال للديكتاتورية، فظ ومعادي للآخر، لكن قوة الأنتجلنسيا الروسية وثقتها في نفسها، وامتلاكها لما يكفي من التقدير الذاتي، جعلهم يتصرفون مثل الأمريكيين ولا يبدون أي ردود أفعال”. وأوضح ما يلي: “بغية مواجهة الصورة النمطية التي تستهدفهم في الغرب، أوجد الروس علم يسمى “علم الاستغراب”، ووجهوه ضد الغرب نفسه”. ويعتقد المحاضر أن النخبة الروسية تملك اعتزازا بثقافتها الوطنية، بدليل أن كل المثقفين المنشقين الذين غادروا الاتحاد السوفياتي، سرعان ما عادوا اليها بعد انهيار النظام، وعاش هؤلاء في روسيا التي تملك ما يسمى احترام المثقف، حتى أن سولجنتسين، وهو أبرز المثقفين المنشقين، حاضر في “الدوما” ولقي الترحيب والاحترام”.
وبشأن اعتزاز المثقفين الروس بأنفسهم وبثقافتهم، قال زيغيدور: “أخبرني ألكسندر زينوفييف في أحد لقاءاتي به، أن أوروبا الغربية عرفت أسمى مراحل الانفتاح وحرية التعبير وانتشار السياسات الاجتماعية في مرحلة الحرب الباردة، لأن الغرب كان حينها يملك نموذجا مضادا، رد عليه بالأحسن، لكن بعد سقوط الاتحاد السوفياتي تقلص هامش الحرية في الغرب وتراجعت السياسات الاجتماعية، لأن “النموذج المضاد” اختفى. لقد أكلتم خبزكم الأبيض”، وأضاف زينفوفييف حسب زيغيدور: “الاتحاد الأوروبي هو روسيا بدون الغولاغ”.
قال إن تل أبيب تعرف كيف تحمي صورتها
“الخطاب العربي حول إسرائيل عنصري ولا يخدم القضية الفلسطينية”
أوضح سليمان زيغيدور، ضيف فوروم “الخبر”، أن الإسرائيليين بدورهم تطالهم يوميا كما هائلا من التحقير والإهانة عبر العالم، وقال: “لا يمر يوم إلا وقرأنا رسومات كاريكاتورية مسيئة للإسرائيليين ومواقف مناهضة لهم، لكن رد فعلهم تجاه كل هذه الإساءات والنمطية تختلف عن ردود أفعال الأمريكيين وتشبهها في نفس الوقت، فهم يتسمون بنفس البرودة ولا يعطون لأنفسهم عناء الرد، ويعتبرون أن النقد الموجه اليهم يعكس طبيعة من ينتقدهم، لكنهم يقومون بقلب تلك الصورة على صاحبها بغية تجريمه والتقليل من قيمته”. واعتبر زيغيدور أن الإسرائيليين نجحوا في نزع الشرعية على كل منتقديهم من العنصريين، وذلك عبر تشبيهه بالمعادي للسامية مثلما كان عليه الحال خلال الحرب العالمية الثانية.
ويعتقد زيغيدور، أن الإسرائيليين تمكنوا في أكثر من مناسبة من الإطاحة بخصومهم بفضل حنكتهم، وذكر ما جرى لوزير الثقافة المصري الأسبق فاروق حسني عندما أراد الترشح لمنصب المدير التنفيذي “لليونيسكو”، لكنه لم ينجح، لأن إسرائيل قامت بنشر تصريحات عنصرية كان قد أدلى بها سابقا بشأن إسرائيل حينما قال: “سأحرق الكتب الإسرائيلية”، مما أوجد تعاطفا دوليا مع إسرائيل ضد الوزير المصري. واعتبر زيغيدور، أن انتقاد إسرائيل لا يجب أن يمر عبر خطاب عنصري، بل عبر انتقاد السياسات وظاهرة المستوطنات واقتلاع أشجار الزيتون، ومنع دخول القدس. وقال: “لو عرفنا خطابا عربيا على هذا الشكل، كنا توصلنا فعلا إلى فضح الممارسات الإسرائيلية”. موضحا: “أما الخطابات العنصرية المعادية للسامية، فلا تفيد القضية الفلسطينية بقدر ما تتحول ضدها”. وأضاف: “لم يتم انتخاب فاروق حسني بسبب هذا الخطاب، الذي يمس القضية الفلسطينية التي تحظى بالشرعية الدولية”. ويعتقد زيغيدور، أن الخطاب العربي أضر بالقضية الفلسطينية، وقال: “إن الخطاب العربي حول إسرائيل ينقلب ضد القضية الفلسطينية، في وقت تسعى فيه إسرائيل إلى جمع كل الخطابات العنصرية عبر العالم وترجمتها لأكثر من اثني عشرة لغة، بغية جعلها تنقلب ضد من يروّج لها، خدمة لصورتها وحماية لنفسها”.
الهند نموذج إيجابي لتحرر المجتمع من التبعية للاستعمار
أرجع سليمان زيغيدور، أسباب حالة التخلف في العالم العربي لأسباب نفسية بالدرجة الأولى التي تدفع الإحساس الداخلي لدى المواطن العربي نحو الاعتقاد بأنه “إنسان فاشل بالفطرة”، وتكرس إحساسة بأنه يتميز بشخصية سلبية تنتج خلقة من الشعور بالنقص الدائم.
وقال مدير الأخبار بقناة “تي في 5 موند” أن هذا الواقع الذي يعيشه الإنسان العربي يزيد من عقدة عدم الاعتراف بالذات. وضرب مثلا في الإطار بكيفية تعامل المجتمعات العربية مع الكفاءات المهاجرة التي تحظى باعتراف دولي ويتم تكريمها بأعرق الجوائز، ورغم ذلك يعانون من التهميش واللامبالاة حين عودتهم إلى أرض الوطن. وشدد زيغيدور على دور علماء الاجتماع والسياسية لخلق مناخ من الفكر يسمح بتجاوز العقد الاجتماعية التي يعاني منها الإنسان العربي، حيث قال إن أزمة النظرة السلبية الداخلية لدى كل مواطن عربي ترجع إلى عوامل اقتصادية وسياسية وحضارية وحتى تاريخية، مما يستدعى معالجتها من عمقها، وهو ما طرحته الندوة للنقاش عبر مداخلات الأساتذة والطلبة الذين حضروا الندوة ودفعت الأسئلة بالنقاش نحو دور التاريخ في صناعة الصورة النمطية، وهو ما لم ينكره سليمان زيغيدور الذي أشار إلى أن الدولة الوحيدة التي استطاعت أن تتجاوز تلك التبعية التاريخية وتتحرر من عقدة النقص هي دول الهند، التي ورغم أنها لم تتحصل على الاستقلال سنة 1945 إلا أنها استطاعت الوصول إلى مراتب جد متقدمة من الحضارة ومنافسة الدول الكبرى، حيث تتمتع الهند التي لم يمر على استقلالها أكثر من سبعين عاما، إلا أنها تتمتع اليوم بطاقة نووية واقتصاد وثقافة قوية تنافس الولايات المتحدة وأوروبا.
اعتبر أن العربي يشعر دائما بالحاجة لرأي الغرب فيه
“العرب يملكون احتقار الذات بدل ثقافة الاعتراف”
قال سليمان زيغيدور، إن العرب شديدي الحساسية من الصور النمطية التي تتداول لدى بعض الصحف الغربية حولهم، معتبرا أن النخب العربية تعتقد أن “الغرب عبارة عن كتلة واحدة، تسير حسب نفس الأوركسترا التي تعزف موسيقى واحدة وتروج لصورة نمطية عن العرب، بينما الواقع يعتبر عكس ذلك تماما، لأن الغرب يعيش على وقع التعدد والاختلاف.
أوضح سليمان زيغيدور، أن العرب يعتقدون أن العداء للإسلام في الغرب منتشر في كل مكان، وقال: “هناك فعلا بعض وسائل الإعلام التي تنقل صورة سلبية عن الإسلام، لكنها لا تحظى بالاحترام وليست مرجعية لدى الرأي العام الغربي، وهي قريبة من جماعات إيديولوجية فئوية لا تحظى بالبعد الأكاديمي وتروّج لخطاب منحرف”. وعن أسباب عدم وجود عنصرية تجاه العرب في وسائل الإعلام الغربية، قال ضيف “فوروم الخبر”، “وجود قوانين تعاقب العنصرية في الغرب، جعل وسائل الإعلام تتحاشى تقديم صورة سلبية عن العرب”، وأضاف: “وأنا أقرأ “الغارديان” تجدني أتعلم كيفية الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما لا أتعلمه وأنا أقرأ صحيفة “الجمهورية” أو “الأهرام” المصريتين”، مضيفا: “من تحدث عن فضيحة سجن أبو غريب؟ أليس وسائل الإعلام الأنجلوساسكونية؟”
ويعتقد زيغيدور، الذي يقرأ بسبع لغات، أن الصحف الغربية تقدّم تفاصيل كثيرة متعلقة بما يجري في فلسطين، وتكشف كل الخروق التي يقوم بها الطرف الإسرائيلي، وهو ما لا تقوم به الصحافة العربية لأنها لا تملك نفس المهنية التي تملكها الصحف الغربية”. وقال بشأن علاقة العرب بالغرب وتبعيتهم له: “يعاني العرب، لأنهم تابعون للغرب، وهم بحاجة لوجهة نظره بشأنهم حتى يشعرون بالراحة، لذلك نجدهم يسعون دائما لمعرفة رأي الغرب (السيد- الكولونيالي) فيهم. وانتقد زيغيدور الثقافة العربية، واعتبرها بمثابة ثقافة لا تملك بين ظهرانيها ما يسمى بثقافة الاعتراف والتقدير الذاتي والاحترام، وبدل كل هذه الصفات الايجابية التي صنعت مجد الغرب: “يعرف العالم العربي حالات من احتقار الذات وتصغيرها وإهانتها”، وذهب إلى حد اعتبار أن المستعمر نجح في نقل الأحكام المسبقة التي أنتجها بخصوص العرب إلى ذواتهم. وبالعودة إلى ايمي سيزار، قال: “المشكلة مع الأحكام المسبقة هي أن الضحية تؤمن بما يقوله له العنصري”. وختم ضيف “الخبر” محاضرته قائلا: “المشكلة مع العرب أنهم يعانون من غياب النقد الذاتي ويقضون أوقاتهم في استصغار إخوانهم والتقليل من شأن الناجح فيهم”.
“اتركوا الصحافة تعمل لتجاوز عقدة النقص التي أصابت المجتمع”
شدد الكاتب سليمان زيغيدور، على أهمية الجانب المهني في الصحافة الغربية ودورها في كشف الحقائق والجرائم في العالم، وضرب مثلا في الإطار بحادثة سجن أبو غريب بالعراق في أوائل 2004 التي تفجّر عنها فضيحة الانتهاكات الجسدية والنفسية والجنسية للمساجين العراقيين على يد القوات الأمريكية، حيث تم فضح تلك الجرائم من طرف الصحافة الأجنبية وليس من طرف الإعلام العراقي أو العربي. وفي هذا الإطار، أوضح سليمان زيغيدور أن الصحافة تقف في نهاية المطاف أمام نوعين من الممارسات، إمام صحافة غير مهنية ومهنية تبحث عن الحقيقة ولا تخفيها. واعتبر أن سر تطور الصحافة الغربية هو اعتمادها على النقد الذاتي الذي يحقق التقدم ويخرج المجتمع من عباءة “التخلف”.
وحسب ضيف “فوروم الخبر”، فإن إعادة إنتاج النظرة السلبية التي زرعها المستعمر في عقل الإنسان العربي والتي صورته بأنه “منافق كذاب”، لا يمكن معالجتها بحلول سحرية، وإنما يتطلب الأمر حسب مدير الأخبار لقناة “تي في 5 موند” تحرير نقل المعلومة والخروج من عقلية الخوف من التواصل مع الصحافة. ودعا زيغيدور لإعطاء مساحة أكبر لحرية الإعلام، حيث قال: “اتركوا الصحافة تعمل” وذلك لحل عقدة الإحساس بالدونية التي يعاني منها في المجتمع العربي. واستبعد أن يكون للحكومات العربية دور أساسي في صناعة تلك العقد، مشيرا إلى أنها كغيرها من منظومة المجتمع العربي تتشارك في الأسباب والنتائج.
وربط مدير الأخبار في قناة “تي في 5 موند” حرية الإعلام بنقل الحقيقة وعدم المبالغة في مدح الأنظمة وكذا عدم الترويج للأخبار من زاوية إيجابية فقط. وحسبه، فإن ذلك يضع السياسي والأنظمة الحاكمة في حالة من الوهم تجعلهما يشعران بأن سياستهما صنعت رضا جماهيريا إلى حين أن يصطدم بالواقع والحقيقة المرّة بذات النتيجة التي وجد فيها نظام الرئيس التونسي الأسبق زين الدين بن علي نفسه في أيامه الأخيرة، حيث لم يفهم أوضاع بلاده إلا في وقت متأخر بسبب تقييد حرية الإعلام في تونس لمدة 23 سنة.
المصدر
موضوع: نقاش “صورة الإسلام والعرب في الإعلام الغربي” “العربي يعتقد بأنه فاشل بالفطرة” 
الثلاثاء 2 ديسمبر 2014 - 19:32
