الحب والأخوة في الله
علي بن عبدالعزيز الراجحي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم . فلا يخفى على أحد أنه لم يكن الناس في جاهليتهم يعرفون شيئاً اسمه ) الحب في الله ( ، وكانت العلاقات التي تربط بعضهم ببعض علاقات منشؤها الأرض ، أو النسب ، أو ما شابه ذلك، فجاء الله بنور الإسلام ، وسما بتلك العلاقات ، فجعل علاقة الدين أرفعها وأجلها ، ورتب على هذه العلاقة الأجر والثواب ، والحب والبغض ، فنشأ مع الإسلام مصطلح : الأخوة في الله ، والحب في الله .
فالحب في الله تعني : محبة المسلم لما فيه من خصال الخير والطاعة لله تعالى، فليست لأجل المال، ولا النسب، ولا الوطن، ولا غير ذلك.
من فضائل الحب في الله :
1 ـ محبة الله تعالى للمتحابين فيه ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم : ) أن رجلاً زار أخاً له في قربة أخرى ، فأرصد الله له على مدرجته ملكاً ، فلما أتى عليه قال : أين تريد ؟ قال : أريد أخاً لي في هذه القرية ، قال : هل لك عليه من نعمه تربها ؟ قال : لا ، غير أني أحببته في الله عز وجل ، قال : فإني رسول الله إليك أن الله قد أحبك كما أحببته فيه ( .)رواه مسلم ، باب في فضل الحب 4/1988( وفي الحديث القدسي : ) وجبت محبتي للمتحابين فيّ ، والمتجالسين فيّ ، والمتزاورين فيّ ، والمتباذلين فيّ (.)رواه مالك في الموطأ 2/953(
2 ـ المتحابون في الله تعالى في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله ، قال صلى الله عليه وسلم : ) سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ... ورجلان تحابا في الله ، اجتمعا عليه ، وتفرقا عليه( .)رواه رواه البخاري برقم 660 ومسلم برقم 1031( وقال صلى الله عليه وسلم : )إن الله يقول يوم القيامة : أين المتحابون بجلالي ، اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي ( . )رواه مسلم برقم 2566(
3 ـ الحب في الله من أسباب دخول الجنة ، قال صلى الله عليه وسلم : ) لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ، ولا تؤمنوا حتى تحابوا .... ( . ) رواه مسلم برقم 54(
صفات من تختار أخوته ومن تجتنب
لما للصاحب من تأثير على صاحبه فالواجب على المسلم أن يعتني بمن يختاره لصحبته ، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : )الرجل على دين خليله ، فلينظر أحدكم من يخالل( . )رواه أبوداود برقم 4833 والترمذي برقم 2378( ومن أهم الصفات التي ينبغي اتصاف الصاحب بها :
)1( أن يكون ذا دين وتقوى ، بخلاف من ليس كذلك ، ولكل منهما علامات يعرف بها ، فعلامة ذي التقوى : حرص على فرائض الله ، كالصلاة ونحوها ، ونظافة لسانه من السب واللعن والغيبة وغيرها ، ونصحه لصاحبه ، ومحبته للصالحين ، وبعده عن الرذائل والفواحش ، وإعانته على الطاعة وتثبيطه عن المعصية ، ونحو ذلك من الصفات ، وعلامة ضده بضد ذلك ، والله الموفق .
قال صلى الله عليه وسلم : )لا تصاحب إلا مؤمناً ، ولا يأكل طعامك إلا تقي( . )رواه أبوداود برقم 4832 والترمذي برقم 2395(
) ب ( أن يكون عاقلاً ، فلا خير في صحبة الأحمق ، لأنه قد يريد نفعك فيضرك.
) ج ( أن يكون حسن الأخلاق ، فسيء الخلق ضرره إليك واصل ، ولو لم يكن من ذلك إلا أنه قد يعديك بسوء طباعه ، أو يؤذيك بكثرة خصامه .
) د ( أن يكون صاحب سنة ، وإياك وصاحب البدعة ، فإنه يجرك إلى بدعته ، ولا أقل من أن يشوش فكرك ، ويؤذي خاطرك .
حقوق وآداب الأخوة :
للأخوة آداب ، القيام بها مشعر بصدق هذه المحبة في الله تعالى ، فمنها .
1 ـ السلام ، والبشاشة عند اللقاء ، قال صلى الله عليه وسلم : )لا تحقرن من المعروف شيئاً ، ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق( . )رواه مسلم برقم 2626(
2 ـ الهدية ، ولها أثر كبير في زيادة المحبة ، وإذهاب ما في النفوس ، قال صلى الله عليه وسلم : )تهادوا تحابوا ( . )رواه البخاري في الأدب المفرد برقم 594(
3 ـ الدعاء له ، قال صلى الله عليه وسلم : )ما من عبد مسلم يدعو لأخيه بظهر الغيب ، إلا قال الملك : ولك بمثل( )رواه مسلم برقم 2732( ويستمر ذلك في حياته وبعد موته .
4 ـ أخباره بهذه المحبة ، قال صلى الله عليه وسلم : ) إذا أحب الرجل أخاه ، فليخبره أنه يحبه( . )رواه أبوداود برقم 5124 والترمذي برقم 2393( فيقول له : إني أحبك في الله ، ويرد عليه : أحبك الذي أحببتني له .
5 ـ الزيارة ، والأفضل كونها بين فترة وأخرى ، لا قليلة فتنتج الجفاء ، ولا كثيرة فتؤدي إلى السآمة والملل قال صلى الله عليه وسلم : )زر غباً ، تزدد حبا ً(، )صحيح الجامع برقم 3562( وقيل : زر غباً تزد حباً فمن أكثر التكرار أقصاه الملل
6 ـ المعونة ، وقضاء الحوائج ، وأعلى مراتبها : تقديم حوائجه على حوائج النفس ، وأوسطها القيام بحوائجه من غير طلب منه ، مع كونها غير متعارضة مع حوائج النفس ، وأقل ذلك بحوائجه بعد طلبه .
7 ـ ستر معايبه ، وحفظ سره والقيام له بحق النصيحة بأدب وستر ، والدفاع عن عرضه ، والتجاوز عن زلاته ، وحسن الخلق معه ، وغير ذلك .
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم