آفة المجالس والحديث ) ذكرك أخاك بما يكره ..( !!
الحمدلله وكفى والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على الرسول المصطفى وعلى آله وصحبه ومن لنهجهم اقتفى ..
أما بعد ..
آفة مقيتة تساهل بهاكثير من الناس بل والصالحون كذلك.. على عظم جرمها وشديد عقوبتها وإثمها .. إنها البلية التي تفكه بها العامة والخاصة في مجالسهم إلا من رحم الله ..
بينما ترى المجتمع في تماسك وتواد وتراحم .. حتى تراه في تباغض وتحاسد.. قد قامت فيهم سوق الظنون السيئة.. وراجت فيهم بضاعة التشفي والتنقص .. بسببها ..
إنها الغيبة أيها الإخوة.. وما أدراكم ما الغيبة ..
لقد فسر النبي e الغيبة وأوضحها لنا بأوجز عبارة .. وأيسر إشارة فقال e فيما رواه مسلم عن أبي هريرة t :
»أتدرون ما الغيبة ؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ. قَالَ: "ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ". قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ؟! قَالَ: "إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ«.
قال النووي رحمه الله : ) الغيبة ذكر المرء بما يكرهه، سواء كان ذلك في بدن الشخص، أو دينه، أو دنياه، أو نفسه، أو خَلقه، أو خُلقه، أو ماله، أو ولده، أو زوجه، أو خادمه، أو ثوبه، أو حركته، أو طلاقته، أو عبوسته، أو غير ذلك مما يتعلق به، سواء ذكرته باللفظ أو بالإشارة والرمز (.
فيالله .. ما أتعس من زين له الشيطان عمله!؟ ﭽ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﭼ
لقد حذر النبي e من الغيبة ولو كان ما ذكرته في أخيك حقًا.. إنها غيبة وليست إلا غيبة .. ولو كانت في لبوس نصيحة أو تزكية نفس أو غير ذلك.. يقول شيخ الإسلام بن تيمية رحمه الله ) وَمِنْهُمْ مَنْ يُخْرِجُ الْغِيبَةَ فِي قَوَالِبَ شَتَّى . تَارَةً فِي قَالِبِ دِيَانَةٍ وَصَلَاحٍ فَيَقُولُ : لَيْسَ لِي عَادَةً أَنْ أَذْكُرَ أَحَدًا إلَّا بِخَيْرِ وَلَا أُحِبُّ الْغِيبَةَ وَلَا الْكَذِبَ ؛ وَإِنَّمَا أُخْبِرُكُمْ بِأَحْوَالِهِ . وَيَقُولُ : وَاَللَّهِ إنَّهُ مِسْكِينٌ أَوْ رَجُلٌ جَيِّدٌ ؛ وَلَكِنْ فِيهِ كَيْت وَكَيْت . وَرُبَّمَا يَقُولُ : دَعُونَا مِنْهُ اللَّهُ يَغْفِرُ لَنَا وَلَهُ ؛ وَإِنَّمَا قَصْدُهُ اسْتِنْقَاصُهُ وَهَضْمٌ لِجَانِبِهِ (.
ولشناعة الغيبة وسوء مخرجها شبهها الله عزوجل بالوصف المستكره المستفظع وهو أكل لحم الأخ الميت، فقال جل وعلا في سياق تحذيره منها ﭽ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭼ .
قال الآلوسي رحمه الله: "كنى عن الغيبة بأكل الإنسان للحم مثله؛ لأنها ذكر المثالب وتمزيق الإعراض المماثل لأكل اللحم بعد تمزيقه، وجعله ميتًا لأن المغتاب لا يشعر بغِيبته".
إخواني ..
إن عرض المسلم مصون محفوظ بحفظ الشرع له ، وإن الاستطالة عليه ظلم وبغي ..
رَوَى أَبُو دَاوُدَ أَنَّهُ e قَالَ : " إِنَّ مِن أَربى الرِّبَا الاستِطَالَةَ في عِرضِ المُسلِمِ بِغَيرِ حَقٍّ ".
ولذا كان الوعيد عليها شديدا أليما .. روى أبو داود عن أنس t قال: قال رسول الله e : » لَمَّا عُرِجَ بي مَرَرتُ بِقَومٍ لَهُم أَظفَارٌ مِن نُحَاسٍ ، يَخمِشُونَ وُجُوهَهُم وَصُدُورَهُم، فَقُلتُ : مَن هَؤُلاءِ يَا جِبرِيلُ ؟ قَالَ : هَؤُلاءِ الَّذِينَ يَأكُلُونَ لُحُومَ النَّاسِ وَيَقَعُونَ في أَعرَاضِهِم«.
والغيبة الجزاء عليها من جنسها ، يقول الحبيب المصطفى e :" يَا مَعشَرَ مَن آمَنَ بِلِسَانِهِ وَلم يَدخُلِ الإِيمَانُ قَلبَهُ ، لا تَغتَابُوا المُسلِمِينَ وَلا تَتَّبِعُوا عَورَاتِهِم ، فَإِنَّهُ مَن تَتَبَّعَ عَورَةَ أَخِيهِ المُسلِمِ تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ ، وَمَن تَتَبَّعَ اللهُ عَورَتَهُ يَفضَحْهُ وَلَو في جَوفِ بَيتِهِ " رَوَاهُ أَحمَدُ.
وهي من أسباب عذاب القبر .. فعَن أَبي بَكرَةَ ـ t قَالَ:" بَينَا أَنَا أُمَاشِي رَسُولَ اللهِ e وَهُوَ آخِذٌ بِيَدِي وَرَجُلٌ عَلَى يَسَارِهِ، فَإِذَا نَحنُ بِقَبرَينِ أَمَامَنَا ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ e :" إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ ، وَبَلَى – أي في كبير-، فَأَيُّكُم يَأتِيني بِجَرِيدَةٍ ؟ " فَاستَبَقنَا فَسَبَقتُهُ فَأَتَيتُهُ بِجَرِيدَةٍ فَكَسَرَهَا نِصفَينِ ، فَأَلقَى عَلَى ذَا القَبرِ قِطعَةً وَعَلَى ذَا القَبرِ قِطعَةً ، قَالَ : " إِنَّهُ يُهَوَّنُ عَلَيهِمَا مَا كَانَتَا رَطبَتَينِ ، وَمَا يُعَذَّبَانِ إِلاَّ في الغِيبَةِ وَالبَولِ " رَوَاهُ أَحمَدُ وَأصله في الصحيح.
لسانك لا تذكر به عورة امرئٍ * فكلك عوراتٌ وللناس ألسنُ
وعينك إن أبدت إليك مساويًا * فصنها وقل ياعين