المنظومات المضادة للصواريخ أرض/ أرض الإستراتيجية
أولاً: فكرة المنظومات المضادة للصواريخ
إن فكرة المنظومات المضادة للصواريخ ليست حديثه، فقد ظهرت منذ عام 1944م، عندما تعرضت لندن لصواريخ V2 الألمانية، وعندها، وجد البريطانيون أنفسهم بلا دفاعات ضد هذه الأنواع من الهجمات، التي تفوق سرعة الصوت، وفي الحقيقة أطلقت مئات من الصواريخ على مسافة كبيرة من لندن، ولكن تأثيرها كان محدودًا، وهذا يرجع إلى عدم الدقة وقلة كفاءة الرؤوس الحربية، ومنذ ذلك الحين، أصبحت الدفاعات ضد الصواريخ هي أعلى طموح المخططين العسكريين شرقًا وغربًا.
وفي عام 1951م، بدأ الجيش الأمريكي مشروعًا مضادًا للصواريخ، يدعى PLATO، ولكن توقف المشروع عام 1958م، لقلة التفاصيل وضعف الإمداد المادي، وتبعته الأنظمة المضادة الباليستية الميدانية FABMDS (Field Anti Ballistic Missile Defense System) بين عامي 1960 و1962م، ونظام SAM-D بين عامي 1962م و1976م.
وعندما أعيد التصميم لصاروخ SAM-D ليصبح الصاروخ باتريوت المضاد للطائرات في عام 1976م، أزيلت قدراته المضادة للصواريخ التكتيكية تمامًا، وظل الحال هكذا حتى عام 1980 و1982م، عندما قام الجيش الأمريكي بوضع نظرة موضوعية للصواريخ المضادة للصواريخ التكتيكية، وبدأ برنامج نظام باتريوت المضاد للصواريخ الباليستية التكتيكية، وعُجل هذا البرنامج في السنوات التالية، مع الوعد بإخراج نظام دفاعي قوي لمنطقه محددة لنظام باتريوت.
ثانياً: المنظومة الأمريكية
تم التفاوض مع الاتحاد السوفيتي السابق، على هذه المنظومة، في معاهدة 1972م الخاصة بالأسلحة المضادة للصواريخ الباليستية، ووقعت اتفاقية خاصة بها في نفس فترة اتفاقية "سولت-1"، وحددت هذه المعاهدة، لكل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، مائتي صاروخ مضاد باليستي وعُدل هذا الرقم فيما بعد إلى مائة صاروخ مضاد، ويعاد تعديل هذه المعاهدة دوريًا كل خمس سنوات، ويمكن نظريا أن توفر الصواريخ المضادة للصواريخ الحماية لكل المدن الأمريكية والحليفة.
1. تكوين المنظومة
درست الولايات المتحدة الأمريكية خطتين لأنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ عام 1972م، عرفت بالحارس والإجراء الوقائي، وتعتمد هاتان الخطتان على صاروخين سبارتان وسبرينت والفارق بين الخطتين هو درجة الحماية التي توفرها للسكان ومواقع صواريخ Minuteman. (اُنظر صورة الصاروخان Sprint & Spartan)
2. فكرة العمل
صمم الصاروخ "سبارتان" ليقاطع الرؤوس الحربية خارج الغلاف الجوي، وبمدى عدة مئات من الكيلومترات، ويحمل رأسًا حربيًا واحدًا بقوة تدميرية في حدود ميجاطن واحد، وهذا يُمَكنه من تدمير مركبة العودة المهاجمة بواسطة إشعاع نيترون جاما، أشعة إكس ذات موجة قصيرة جدًا، تخترق المادة بسهولة.
أما الصاروخ سبرينت فكان أصغر حجمًا مع تعديل في السرعة، يجعله قادرًا على التسلق بمعدل ميل واحد، خلال بضع ثوان، وكان الهدف من ذلك، هو توفير نطاق ثان من الدفاعات، وذلك بمقاطعه الرؤوس الحربية، التي تتجاوز حدود سبارتان، عند دخولها أجواء الأرض، وقد صمم للانفجار على الارتفاعات المنخفضة، ثماني كيلومترات، لتقليل التدمير السطحي المحتمل، والناتج عن الضغط العالي، والحرارة، والنبضات الإلكترومغناطيسية، والإشعاع، إلى الحد الأدنى، وزود الصاروخ برأس حربي ذي انفجار منخفض يدمر بصوره رئيسية بواسطة شعاع نيتروني.
وكان لكل موقع صاروخ مضاد للصواريخ رادار استقبال معلومات ذو مدى طويل، ورادار موقع الصاروخ، والهدف من رادار المدى الطويل، استطلاع الصاروخ المهاجم من مسافة عدة آلاف من الكيلومترات، وتتبعه، والاشتراك مع شبكة معقدة من الحاسبات، لتقسيم الوقت وإمداد الصواريخ بالمعلومات، وتعيين نقطة الانطلاق، وتقوم الحاسبات بإجراء عمليات حساب التهديد النسبي، بواسطة جمع الإشارات المستقبلة، ويحول الهدف إلى رادار موقع الصاروخ الذي يستمر في تتبع الهدف مع نقطه الانطلاق المحسوبة، ويتم إطلاق صاروخ مضاد بواسطة الحاسب المسيطر عليها وينطلق الصاروخ لملاقاة الرؤوس الحربية المهاجمة.
وبالإضافة إلى الرؤوس الحربية الحية، تحمل الصواريخ عددًا من الوسائل المضادة لخداع رادارات الدفاع، وتشمل شرائط معدنية لعكس الإشعاعات الرادارية لتظهر مئات الأهداف الخداعية على شاشات الرادار، وربما يتم إطلاق بالونات مطلية بالمعدن بين الصواريخ لخداع أكبر، في النقطة التي يدخل فيها الصاروخ أجواء يمكن التمييز فيها بين الصاروخ الحقيقي والخداعي، ولكن هناك رؤوس حربية هيكلية تستطيع الخداع بواسطة مجموعة من الإجراءات المضادة الإلكترونية لتحاكي الرؤوس الحربية الحية خلال الاختراق.
3. مشكلة الصاروخ المضاد للصواريخ
ومشكلة الصاروخ المضاد للصواريخ، هي التعرف على الأهداف الصحيحة من بين الوسائل الخداعية حتى يتم الاقتصاد في أعداد الصواريخ المضادة، التي تطلق على الهدف، وأحد الأساليب لحل المشكلة هو تجاهل الأهداف الخداعية، التي تذهب إلى مسارات ذات أهميه متدنية، إلا أنه توجد رؤوس تتجه إلى اتجاه خداعي، ثم تعدل المسار إلى الهدف المقصود، لذا يلزم الفصل بين شكل وسرعة ووزن الإشارات المختلفة، لأن الرؤوس الحربية الحية تبث إشارات رادارية مختلفة بدرجة معينة، تختلف عن تلك التي تبثها الرؤوس الحربية الخداعية.
4. تطوير توجيه الصواريخ المضادة للصواريخ
كان أكبر التطورات المؤثرة، هو التقنيات الجديدة للرادار، والتي ترسم الصورة بذبذبات عالية إلى منخفضة، وهي منظومة تعمل على أساس الليزر، وباستخدامها ترسم هذه المنظومات صورة تفصيلية يمكن بها التعرف على الرؤوس الحربية من بين الخداعية بدرجة كبيرة.
وتُمّكن التطورات الحديثة في توجيه الصواريخ المضادة للصواريخ، من تدمير الرؤوس الحربية المهاجمة بتفجيرات عادية، بدلاً من التفجيرات النووية، ويعتمد تمييز الهدف لأي صاروخ مضاد على منظومة موحدة من الرادارات، والمستقبلات، تعمل بالأشعة تحت الحمراء موزعة على سطح الأرض، ومن الأقمار الصناعية، وعلى ارتفاعات 45 ألف كم، وعلى متن الصاروخ المضاد نفسه، والحاسب الموجود ضمن الصاروخ يستطيع التعامل مع عدد كبير من البيانات الواردة من الاستطلاع.
5. منظومة الليزر الراداري
منظومة الليزر الراداري عبارة عن منظومة كشف بنبض ليزري تتضمن تحديد واضح للهدف بواسطة حزمتها الضيقة، وبمنظومة نبضات الليزر الراداري، يمكن الحصول على إشارات مرتدة من جزيئات التراب أو الجسيمات الهوائية في الارتفاعات العالية؛ لتقليل التأثير المحتمل لوسائل التشويش الإلكترونية.
ولتدمير رأس حربي مهاجم، من دون اللجوء إلى التفجيرات النووية، يلزم أن يقترب الصاروخ المضاد إلى مسافة بضعة أمتار من الرأس الحربي المهاجم، ويتمكن من ملاحقته في أثناء مناوراته المختلفة، ويحدد الصاروخ المضاد خط سير الرأس الحربي، بواسطة مجموعة المستقبلات المحمولة بالصاروخ، والتي تعمل بالأشعة تحت الحمراء، بالإضافة إلى بيانات الرادار، ويوجه الصاروخ بواسطة قراءة التغيرات الملتقطة في الاتجاه والسرعة، بواسطة التحليل التفصيلي لفوارق تردد "دوبلر"، بواسطة الحاسب والمعلومات التي ترد من الأرض.
6. تطوير المنظومة المضادة للصواريخ
وتبنى المنظومة الحديثة على أساس نطاقي عمل، فتقوم بعض الصواريخ بالمقاطعة في الفضاء، والأخرى تدمر الرؤوس الحربية في الأجواء العليا للأرض، ويدمّر الصاروخ المضاد قصير المدى بالقتل بواسطة رأس حربي من متفجرات تقليديه؛ لأن العصف الناتج من المتفجرات لا يؤثر في الفضاء؛ وعليه فإن الصواريخ المضادة بعيدة المدى تستخدم طريقة مختلفة، مثل الليزر، أو قصف مركبة العودة المهاجمة، بمواد حادة النهاية، أو بواسطة مئات من الرصاصات المعدنية، وقد قلل أيضاً زمن رد فعل الصواريخ المضادة؛ لأن الصاروخ قصير المدى يقوم بالتسارع إلى سرعة 9325 كم/ س خلال 1.5 ثانية، ويصل إلى ارتفاع 1500م خلال ثانية واحدة تقريبًا، ويستطلع ويرسم مسار مركبة العودة على حوالي 15 كم، وربما يمكن تحديد المدى الفعال للصاروخ المضاد إلى داخل الفضاء الجوي، من أجل تدمير الصواريخ الباليستية حتى قبل مغادرة جو الأرض.
وترتبط هذه المنظومة بشبكه عمل من الأقمار الصناعية للإنذار المبكر، وصواريخ بعيدة المدى سريعة رد الفعل، ورادارات تعمل من قواعد أرضية قادرة على استلام الإشارات من فوق الأرض.
ثالثاً: الصواريخ المضادة للصواريخ الإستراتيجية
طورت كل من الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، أنظمة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية Anti Ballistic Missile (ABM)، والتي تشترط دفاعًا محددًا في العمق، ضد اقتراب الصواريخ الباليستية، أو الصواريخ المقذوفة من المدارات القريبة.
1. نظام Safe guard الأمريكي
ويتكون من صواريخ بعيده المدى، تعترض الصواريخ المزودة برؤوس نووية، بمدى حوالي 650 كم، وصواريخ قصيرة المدى وسريعة الاعتراض للصواريخ المزودة بالرؤوس النووية، والتي صممت لتدمير الرؤوس الحربية، التي تخترق الطبقة العليا من الدفاع، وتصل إلى الغلاف الجوي؛ وأقيم هذا النظام في ولاية داكوتا الشمالية؛ لحماية حقول المقذوفات عابرات القارات، ولكنه أزيل عام 1976م، لوجود شكوك في فاعليته.
2. نظام جالوش السوفيتي ABM-1
احتفظت روسيا بهذا النظام المناسب؛ لاعتراض الصواريخ خارج المجال الجوي، بمدى 300 كم؛ لتوفير الدفاع عن موسكو منذ أوائل الثمانينيات، واتسع النظام ليشمل مائة قاذف سمحت بها معاهدة ABM عام 1972م، وهي أول قواذف جوية أسطوانية للصواريخ Sh-08 داخل الغلاف الجوي، سلحت بإنتاجية منخفضة من الرؤوس النووية، ودخلت الخدمة عام 1985م، استكمل بما تبقى من قوة الصاروخ جالوش ABM-1B، ومن الممكن أن يكون الصاروخ جالوش استبدل بـSh-04 خارج الغلاف الجوي، وSh-08 داخل الغلاف الجوي هذا النظام الجديد للدفاع عن موسكو ضد الصواريخ الباليستية، بواسطة مائة قاعدة؛ وهذه الصواريخ تعترض الرؤوس النووية داخل الغلاف الجوي وخارجه، ويعتقد أن القواذف الأسطوانية المضادة للصواريخ الباليستية تمتلك القدرة على إعادة التحميل والإطلاق من القاعدة الأسطوانية، بينما وقت إعادة التحميل والإطلاق غير واضح، وقد منعت معاهدة الصواريخ المضادة للصواريخ الباليستية أي أنظمة ذرية أو شبه ذرية أو مشابهة لإعادة التحميل السريع، طبقاً لسماحية القواذف، ولبعض صواريخ الدفاع الجوي القدرة على الدفاع ضد الصواريخ الباليستيه خاصة الصاروخ سام -12، الذي اختبر ضد صاروخ باليستي تكتيكي ذي مركبات عوده. (اُنظر صورة الصاروخ Galosh)
رابعاً: حرب النجوم
إن حرب النجوم Star war، أو ما يطلق عليه اسم المبادرة الدفاعية الإستراتيجية Strategic Defense Initiative، هي فكرة قديمة أحياها رونالد ريجان، رئيس الولايات المتحدة الأمريكية الأسبق، في شهر مارس 1983، وقد هدفت هذه المبادرة إلى تقليل الآثار العسكرية للأسلحة النووية، وذلك بتطوير منظومات أمريكية قادرة على اعتراض الصواريخ الباليستية عابرة القارات، في جميع مراحل طيرانها، ابتداء من الإطلاق مروراً بالطيران، وانتهاء بالوصول إلى الأهداف، وكذلك اعتراض الأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وقذائف الكروز وتدميرها، ويقول أنصار هذه الفكرة إن أثمرت ودخلت المراحل العملية فإنها ستحدث تغيرًا جذريًا في المفاهيم الإستراتيجية السائدة حالياً، وذلك بنبذ فكرة الردع عن طريق استخدام الأسلحة التعرضية، والتحول إلى فكرة، الردع باستخدام الأسلحة الدفاعية، وإن هذا التحول كفيل بردع الخصوم ومنعهم من استخدام أسلحتهم النووية، وأن النتيجة ستكون تحقيق السلام العالمي.
وتتألف حرب النجوم من منظومة دفاعية متكاملة، تشتمل على وسائل الكشف والإنذار، ومنظومات عالمية للقيادة والسيطرة والمواصلات والمخابرات، وأسلحة متطورة للغاية، يمكن أن تطلق من قواعد فضائية أو جوية أو أرضية أو بحرية أو من تحت الماء، مع الوسائل المساعدة الاعتيادية مثل الملاحة والأرصاد الجوية... إلخ.
1. أهداف حرب النجوم
تهدف إستراتيجية حرب النجوم الأمريكية إلى خلق الظروف المناسبة، لتجنب أخطار الضربة المباغتة النووية، أو الحد من تأثيراتها؛ لذا تركز هذه الحرب على الآتي:
أ. ضمان مراقبة دقيقة ومستمرة، توفر اكتشاف أي هجوم نووي في الوقت المناسب، مهما كانت قواعد إطلاقه جوية أو بحرية أو برية.
ب. اكتشاف وتمييز الهجمات الحقيقية، وفصلها عن الهجمات الخداعية، التي تهدف إلى تشتيت الجـهود وتدمير الأسلحة الاعتراضيه قبل وصولها إلى أهدافها.
ج. الحد من أخطار أى هجوم مفاجئ، بتوجيه الإنذار المبكر إلى الأسلحة القادرة على مواجهة الأسلحة وتدميرها، وهي مازالت في طريقها إلى الأهداف.
د. استمرار فاعلية القيادة والسيطرة والمواصلات والمخابرات، ضد أعمال التشويش الإلكترونية، وضمان الاستمرار بإدارة الحرب بصورة نشطة.
وتهدف الولايات المتحدة من مشروع حرب النجوم، تكوين درع من مائة قمر صناعي، يحمل كل منها 150 صاروخًا مطاردًا تكفي للرد على هجوم سوفيتي يوجه هجمات من مائة قاعدة إطلاق، فضلاً عن أربعة أقمار مستقرة جغرافيًا على مدار يبعد 36 ألف كم، وعشرة أقمار صناعية ذات مدارات منخفضة، تستخدم للمراقبة والمطاردة، يضاف إلى الدرع الأول درع ثان لرفع درجه الحماية إلى 90%.
2. رد الاتحاد السوفيتي (السابق)
كان رد الاتحاد السوفيتي على المشروع الأمريكي، أن إضفاء الطابع العسكري على الفضاء الخارجي لن يعنى فقط نهاية عملية للحد من الأسلحة النووية، ولكن سيصبح أيضًا عاملاً محفزًا لسباق تسلح جامح في كل الاتجاهات، وأن الهدف هو اكتساب القدرة على توجيه ضربة نووية اعتمادًا على الحصانة بدرع من الصواريخ المضادة للصواريخ؛ لحماية النفس من الرد الانتقامي.
وقد أكدت المصادر الغربية أن الاتحاد السوفيتي ينشر شبكة صواريخ متكاملة؛ لحماية أراضية من أي هجوم مفاجئ، وتضم هذه الشبكة أجهزة رادار ضخمة في سيبريا، وإمكان استفادة الاتحاد السوفيتي من صواريخ SS-17 & 18 & 19 لتوجيه ثلاث هجمات نووية مقابل هجمة واحدة للولايات المتحدة الأمريكية، فضلاً عن مضاعفة الاتحاد السوفيتي لقدرته النووية، يجعل الصواريخ SS-18، التي تحمل عشرة رؤوس نووية، تحمل رأسًا نوويًا. (اُنظر صورة الصاروخ SS-16).
وعلى رغم الوصول إلى نتائج متقدمة، بفضل الأبحاث المستمرة، فإن إمكانيات قنص الصواريخ أرض/ أرض محاطة بالغموض، ومازالت الافتراضات تتناقص في مواجهة نقاط كثيرة، ولعل هذا ما يجذب الدولتين العظميين للبحث عن وسيلة للحد من سباق التسلح، بل لإيجاد صيغة للتعاون العلمي والتقني.
خامساً: الأسلحة الفضائية
1. أسلحة الليزر
أ. إن أشعة الليزر ذات الطاقة العالية، التي يتم تطويرها لصالح الاستخدام العسكري، تطلق موجات من الأشعة تحت الحمراء، ونجد أن إحدى الطرائق، التي تتلف الأهداف، خاصة الإلكترونية، هي تسخينها إلى درجة التلف، من دون إشعال أو إحراق، فمثلاً في حالة الرغبة في إتلاف قمر صناعي تجسسي فليس هناك داع إلى إحراقه؛ ولكن يكفي تسخينه إلى درجة إتلاف كاميرات التصوير الخاصة به، بمعنى إعماء أعين هذا القمر، بواسطة شعاع من الليزر، وبهذا يعد القمر ميتًا ولو استمر في الدوران في مداره.
ب. ونجد أن إتلاف المواد المعدنية أو الأجزاء الصلبة يتطلب طاقة ليزرية أعلى بكثير مما تتطلب عملية تسخين بواسطة طاقة الليزر الممتصة، وبارتفاع درجة حرارة الهدف يكون أكثر امتصاصاً لطاقة الليزر حتى يصل إلى مرحلة الذوبان والتحول إلى سحابة من الغاز المتأين، تسمى بالبلازما، وباستمرار تركيز شعاع الليزر على الهدف، تنقل الطاقة عبر البلازما مما يحدث فتحة داخل الهدف، وكل ذلك لا يستغرق أكثر من بضع ثوان، طالما كانت طاقة الليزر عالية بما يكفي لحدوث ذلك.
ج. إن إحداث سلسلة من النبضات المتقاربة من طاقة الليزر العالية، يحدث، إلى جانب تسخين المادة، طَرقًا شديدًا لهذه المادة، يُعَجِل إضعافها بمزيج من التلف الميكانيكي والحراري، وهذا يؤدي إلى سرعة انهيارها، خاصة أن معظم الأهداف العسكرية الفضائية تصنع من صفائح الألومنيوم، الذي يتميز بإمكانية عالية لانعكاس الأشعة، تصل إلى القدرة على عكس نسبة 90% من طاقة الليزر المسلطة عليها.
د. إن أفضل الطرائق لتدمير الصواريخ بعيده المدى أو منعها من الوصول إلى أهدافها، هي إصابة محركات الدفع خلال الدقائق الخمس، التي تعقب إطلاقها، ويؤدي ذلك إلى إصابة الرؤوس الحربية المثبتة أعلاها، وقد أمكن إسقاط صاروخ أرض/ أرض من طراز ثور خلال إحدى التجارب، التي أجرتها الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983م، وباستطاعة الليزرات الكيميائية المطورة بالفعل إحداث هذا التأثير.
التجارب العملية على أسلحة الليزر
أجرت الولايات المتحدة الأمريكية تجارب عديدة على أسلحة الليزر، من عام 1973م حتى عام 1985م، كانت آخرها تجربتان: إحداهما لتصويب أشعة الليزر على صاروخ، يطير على ارتفاع كبير، والأخرى أجريت لاختبار مراحل صاروخ عابر للقارات، من طراز تيتان، على قاعدة أرضية ثابتة تم تدمير أحد مراحله.
كما أجرى الاتحاد السوفيتي تجارب لأسلحة ضد الأقمار الصناعية الأمريكية، منخفضة المدار، أوقفت بث معلومات هذه الأقمار، كما استخدم أجهزه إطلاق لاسلكية من مركز تجارب، ساري شاغان، للتشويش على الأقمار الصناعية الأمريكية أو تعطيلها.
2. سلاح أشعة الجزيئات
تتكون أشعة الجسيمات، أو الجزيئات أو الدقائق الذرية أو حزمه الجزيئات النووية، من كم متحرك هائل من الجزيئات الذرية، كالإلكترونات والبروتونات، ويمكن تشبيه الشعاع الإلكتروني بالبرق، والأيونات بتيار فتاك، غير مرئي، ويعمل سلاح الجزيئات، على إطلاق نبضات من الطاقة ذات موجات قصيرة جدًا وسريعة جدًا؛ لذا تحتاج إلى الآتي؛ لتحويلها إلى سلاح عملياتي:
أ. مولد قوي لتوليد الأشعة.
ب. منظومة فرعية للسيطرة وتوجيه الشعاع إلى الهدف، وتقدير تدميره، ثم تتحول إلى الهدف الآخر.
ج. منظومة فرعية، لاختيار الهدف المراد تدميره، وإعطاء إشارة لتنفيذ ذلك، ويوجه سلاح الجزيئات أشعته المباشرة المحملة بذرات، أو جزيئات ذرية، لأن هذه الأشعة تختلف عن غيرها، من أسلحة الطاقة الموجهة، فهي ترسل مادة فعلية، وليس مجرد موجات من الطاقة.
إن الليزر وحزم الجزيئات، يشتركان في بعض الأمور، فكلاهما يجب أن يصوب على الهدف بدقه، أما الفارق الواضح بينهما فهو الزمن اللازم للتركيز على الهدف، إن التفاعل بين الجسيمات والمجالات الكهربية المحيطة بها، وكذلك التصادم بين النواة والجسيمات، طبقًا لنوع ومصدر الجسيمات المستخدم. إن تردد النبضات يحدد فاعلية السلاح؛ لذا يحتاج مثل هذا السلاح إلى قدر كبير من الطاقة الكهربية من أجل التشغيل، خاصة إذا صمم للتشغيل في الفضاء، كذلك فإن الاستفادة من الطاقة الشمسية يعد أمراً مكلفًا، فضلاً عن إمكان تعرض محطات الطاقة الضخمة إلى النيازك والهجمات المعادية بسبب كبر سطحها المعرض.
تقوم فكرة العلماء الآن على وضع مدفع هائل فوق سطح الأرض، بالقرب من الأهداف الإستراتيجية المطلوب حمايتها، وعند اقتراب الصواريخ النووية المعادية تطلق الأشعة الإلكترونية وتدمرها قبل أن تصل إلى أهدافها.
اختبارات تطوير سلاح أشعة الجزيئات وتجاربها
طوّر العلماء الروس تكنولوجيا أشعة الجزيئات، وتمكنوا من السيطرة على طاقتها بحصرها في حقل مغناطيسي، إذ طور لهذه الغاية، جهازان، هما: تكوماك والسيكلوترون (المعجل)، المستخدمان حالياً في الولايات المتحدة الأمريكية بترخيص تصنيع، فقد أنشأ الروس مصنعًا ضخمًا لهذا الغرض في مركز الأبحاث النووية، وكان العامل، الذي يحول دون استخدام جهاز السيكلوترون، هو أنه يمتد إلى مساحة تعادل أضعاف ملعب كرة القدم.
إن التقدم التكنولوجي سمح باختزال جهاز السيكلوترون إلى حجم صغير، يسمح بحمله في سفن الفضاء والطائرات، كما وضعت الولايات المتحدة الأمريكية عدة برامج لتطوير سلاح حزمة الجزيئات النووية، طبقًا لجداول زمنية محددة، ولبيان ما لهذا السلاح من قوة تدميرية هائلة، نذكر قول أحد العلماء العاملين في هذا المجال: "إن الطاقة التي تنجم من الانشطار النووي ليست في الواقع إلا لعباً صبيانيًا إذا ما قورنت مع الأسلحة الإشعاعية، وذلك حين يكون إنتاج هذا السلاح أمرًا ميسورًا حقًا".
3. سلاح الأشعة الضوئية
يعتمد هذا السلاح على فكرة صنع صواعق من الضوء، وما يزال هذا نظرية بعيدة التحقيق، وفكرة هذا السلاح إطلاق الأشعة الضوئية من الأرض، مُكوِنة عموداً من الضوء الساطع يخترق الفضاء كأنبوبة من النيران ـ مثل القوس الكهربي ـ تذيب الصواريخ المعادية، ويرافقه صوت مثل صوت الرعد، ورائحة نفّاذة كرائحة غاز الأوزون، ويمكن لهذا السلاح إذا أطلق من سفينة فضاء أن يدمر الصواريخ المعادية بمجرد بدء رحلتها في الفضاء، كما أن بإمكانه الانتشار باتساع مئات الأميال؛ ليدمر أجرام الفضاء الصناعية، ويمكن لهذا السلاح في حاله تحميله على السفن، أن يُدمر أي طائرات مغيرة على هذه السفن، ويُعزى الاهتمام الأمريكي بهذا السلاح، إلى معلومات تفيد بأن الروس متفوقون في هذا الميدان، لذا يعتقد الأمريكيون، أن نجاح الروس في اكتشاف السلاح قبلهم، سيمكنهم من نشر مظلة مضادة للصواريخ تؤدي إلى الحد من قدرة الولايات المتحدة الأمريكية على الضربة النووية الثانية، ردّاً على الضربة الأولى للروس، كما صرح الجنرال الأمريكي كيغان، بأن بمقدور هذا السلاح وحده، أن يحمى الاتحاد السوفيتي كله، ويصبح تقدمًا علميًا غير مسبوق في التقنية العسكرية منذ اختراع القنبلة الذرية.
أسلوب عمل سلاح الأشعة الضوئية
يفترض إعداد مصدر للطاقة من محركات نفاثة تنتج ملايين من الفولتات الكهربية، وتختزن هذه الطاقة في مكثفات كهربية ضخمة، وتطلق إلى أقطاب كهربية في لحظه قصيرة، فتطلق هذه الآلة تيارًا كهربيًا قويًا إلى درجة كافية لإضاءة الولايات المتحدة الأمريكية، ويمكن للنبضات الضوئية أن تكبر مرات عديدة في الثانية.
تنطلق الطاقة إلى جهاز تسريع يشبه الأجهزة المحطمة للذرة، فيولّد التيار الكهربي بلايين الكهارب الدقيقة السريعة في الأجواء، حيث تخترق هذه الأشعة الهواء منطلقة في سلسلة من الدوائر المغناطيسية كصواعق البرق، فتصطدم بالهدف على شكل بلايين من الجسيمات الدقيقة وتدمره.
4. مدافع القضبان
تخطط الولايات المتحدة الأمريكية لتطوير برامج أسلحتها لحرب النجوم، لتطلق طلقات من خزنة مدفع، يبلغ طوله مائة متر على ارتفاع ألفي كم من سطح الأرض، وبسرعة تصل إلى 75 ضعف سرعة الصوت، وتستخدم أسلحة مدافع القضبان Rail gun قوى كهرومغناطيسية لدفع الطلقات، التي قد تكون قطعًا صغيرة من البلاستيك، بسرعة تصل إلى 25كم/ ثانية، وتكون القوى المغناطيسية في قضبان متوازية على طول ماسورة المدفع، تحثها تيارات عالية، تراوح بين مليون إلى مليوني أمبير، تولدها مولدات تعرف بمولدات Homopouir، تعمل بمفاعلات نووية، أو محركات صاروخية، وقد أنتج أول أنواع هذه المولدات، العالم البريطاني "مايكل فاراداي"، في القرن الماضي، ويجري تطويرها الآن في معاهد عديدة للاستخدام الفضائي، الذي يتطلب تيارات عالية.
وتحتاج الولايات المتحدة الأمريكية إلى حوالي مائه مدفع قضبان، للدفاع عن نفسها ضد الصواريخ الباليستية المعادية، وتبدأ مدافع القضبان عملها وقتما تكتشف وسائل استطلاع الأقمار الصناعية عوادم الإطلاق المنبعثة من قواعد الإطلاق المعادية، فتصدر الأقمار الصناعية أوامرها إلى مدافع القضبان لإسقاط الصواريخ، قبل أن تنفصل إلى عده رؤوس حربية، وذلك بعد أربع دقائق من الإطلاق تقريباً، وفي حالة تمركز مدافع القضبان على ارتفاع ألفي كيلو متر فوق سطح الأرض تستطيع هذه المدافع إصابة أهدافها في أقل من دقيقة ونصف.
وطبقًا لآراء الخبراء، يلزم لكل مدفع إطلاق 4 طلقات، حتى يتأكد من إصابة الصــاروخ وبفرض أن جميع الصواريخ الروسية أطلقت دفعة واحدة يستلزم إطلاق 50 طلقة من كل مدفع؛ لتدمير جميع الصواريخ في المرحلة الأولى من طيرانها، مرحلة التسلق، وبعد هذه المرحلة، ينفصل الصاروخ إلى عشرة رؤوس نووية مستقلة الدفع؛ فيصعب تدميرها، ومن بين الأجهزة المهتمة بالبحث في مجال مدافع القضبان في الولايات المتحدة الأمريكية جامعة تكساس التي أطلقت في المختبر طلقة من مدفع قضبان بسرعة بلغت 40 كم/ ثانية، وكذلك الشركة الأمريكية L.T.V، التي تقوم بتطوير نوعين من هذا السلاح، وأهم ما يعترض تطويره مشكلة توفير نبضات كهربية عالية جدًا، وأيضًا صنع مقذوفات تستطيع تحمل التسارع العالي جدًا عند خروجها من مواسير المدافع.
مشكلات مدافع القضبان
احتمالات إتلاف المدفع نتيجة السرعة العالية والانفجار، كما أن السرعة العالية للقذيفة، ربما تعمل على احتراقها، أو تمزيقها عندما تقابل مقاومة ضغط الجو.
ويعتقد العلماء في إمكانية التغلب على هذه المشاكل، ولكن استخدام مثل هذا السلاح يتطلب مستويات عالية جدًا من المتانة، لأن مثل هذا المدفع يحتاج إلى وقت طويل في إعادة تعميره، وسيكون غير صالح للاستخدام بعد عده استخدامات، إلا أن تحسينات المستقبل لتصغير حجم الصواريخ وتعقيد التوجيه الإلكتروني ومنظومات الذاكرة، إضافة إلى تصغير الرأس النووي، يمكن أن تؤدي إلى إنتاج جيل جديد من الصواريخ الصغيرة، العابرة للقارات بقدرات مطورة، وإذا أمكن تطوير مدافع القضبان إلى سلاح قابل للاستخدام العسكري فمن المحتمل أن يستخدم في إطلاق صواريخ صغيرة عابرة للقارات، في منظومة توجيه وسيطرة ذاتية، وعندئذ يمكن إخفاء مواقع الإطلاق كما يمكن إنتاج آلاف الصواريخ بثمن مناسب.
5. نظام القذف المدارى الجزئي FOBS
يطلق على هذا النظام الدمار المعلق، أو القنبلة المدارية Bombardment System Fractional Orbital، ويتضمن برنامج هذا النظام، وضع قمر صناعي مزود برأس نووي مدمر في مدار منخفض حول الأرض، في انتظار إشارة بدء الهجوم، التي تصل إليه إلكترونيًا من محطات المتابعة الأرضية وبمجرد وصول الإشارة، يترك القمر الصناعي مداره قبل استكمال دورته حول الأرض، ويبدأ عمليه العودة للدخول إلى الغلاف الجوي للأرض، متجهًا بسرعة هائلة نحو الهدف المراد تدميره، وينفجر الرأس النووي دون أن يجد الخصم الوقت اللازم له لصد هذا الهجوم، وقد لا يزيد الوقت المتيسر للخصم عن ثلاث دقائق.
مشكلات النظام
تنحصر مشكلات هذا النظام في نقطتين هما:
أ. حاجة النظام إلى أجهزة تحكم غاية في الدقة لأن أي خطأ طفيف في التوجيه، قد ينتج عنه مهاجمة دوله أخرى، وذلك لأن بعد المسافة بين المدار وسطح الأرض يضخم أي خطأ مهما كان طفيفاً إلى آلاف الكيلومترات.
ب. ضرورة توفير مواصلات محكمة مع محطات تتبع أرضية بالغة الدقة، تتمتع بدرجة حصانة عالية، لا تمكن العدو من إبطال مفعولها بواسطة الإجراءات الإلكترونية المضادة، كما يلزم أن تكون آمنة ومؤمنة؛ لئلا تتسبب في نشوب حرب فجأة، بطريق خطأ.
6. منظومة الأقمار الصناعية القاتلة المضادة للصواريخ الإستراتيجية
طور الروس أقماراً صناعية قاتلة، منها ما يسمى بالألغام الفضائية، وصواريخ أرضية مضادة للأقمار الصناعية، وجربوها فعلاً، وأطلق الروس والأمريكان منذ بدء غزو الفضاء ما يراوح بين 2500- 3500 قمر صناعي، أكثر من ألفي قمر منها للأغراض العسكرية، وتلزم الإشارة هنا إلى أن أغلبية الأقمار المرسلة إلى الفضاء ذات استخدام مزدوج مدني وعسكري ومن الصعب التمييز بينهما؛ لذا تجمع مختلف التقارير الدولية على اعتبار 75% من فاعليات الأقمار الصناعية ذات طبيعة عسكرية، وهذا يؤكد الأهمية البالغة للأقمار في الصراع الدولي من أجل عسكرة الفضاء وغزوه.
7. الصواريخ المضادة للأقمار الصناعية
ويتكون هذا السلاح من مجموعات من المركبات تطلق بواسطة صاروخ أو طائرة خاصة، وتكمن أهمية هذا النوع من السلاح في قدرة مركباته، على تدمير الأقمار الصناعية الموجودة في مدارات مرتفعة، أو منخفضة، علاوة على صغر حجمها الذي يجعلها بمنأى عن الكشف السهل لرادارات العدو.
إن الرأس الحربي للسلاح المضاد للأقمار الصناعية آسات ASAT، عبارة عن أسطوانة بقطر 30 سم، وارتفاعها 33 سم، تحتوي على 64 صاروخًا مصغرًا وثمانية مراقبات تلسكوب فائقة القوة، وجهاز توجيه بالغ الحساسية قادر على كشف حرارة نجم بعيد، ويعد هذا السلاح قفزة تكنولوجية في التصغير في قتال الأقمار الصناعية العسكرية وحرب الفضاء.
فكرة العمل
إن الصاروخ الحامل للرأس الحربي أسات، بطول 18 قدم، معلق تحت طائرة إف 15، مجهزة تجهيزًا خاصًا، وهي، بدورها، ترتفع عده أميال في الجو، بتوجيه من محطات أرضية لتتبع الأقمار الصناعية المعادية، ثم تطلق هذا الصاروخ المؤلف من مرحلتين، فيدفع الصاروخ الرأس الحربي آسات إلى الفضاء خارج الغلاف الجوي وتنشط أجهزة المراقب المركبة في مقدمة الرأس الحربي، والتي تلتقط الأشعة تحت الحمراء الصادرة من القمر الصناعي، وتركزها على جهاز توجيه عالي الحساسية. تدفع القذائف المصغرة الرأس الحربي إلى مسار يؤدي إلى الاصطدام بالقمر الصناعي المعادي، وقد سبق للولايات المتحدة إطلاق آسات في الفضاء بنجاح، ولكنه لم يوجه إلى قمر صناعي، وقد تكلف هذا المشروع حتى ذلك الوقت أربعة مليارات دولار، وصادفته متاعب فنية كثيرة، ولدى الروس سلاح مضاد للأقمار الصناعية آسات، وهو شبيه بشكل بندقية قصيرة يقدر وزنها بألفي كيلو جرام، ويبلغ طول الصاروخ 150 قدمًا، وهو مصمم على أن ينطلق في مدار حول الأرض، ويطارد الأقمار الصناعية، وعندما يقترب الصاروخ الروسي من قمر بعد اكتشافه و توجيهه إليه، ينفجر فيدمر القمر الصناعي بكمّ ضخم من الشظايا.
يلاحظ هنا أن المقاتلة إف 15 يمكنها الوصول إلى موقع الإطلاق المناسب، خلال ساعة واحدة من تحليقها، في حين أن الصاروخ السوفيتي يجب ألا يطلق إلا بعد مرور القمر الصناعي، الهدف، فوق القاعدة الثابتة لإطلاق الصاروخ، وقد يستغرق هذا 12ساعة؛ إذ إن الرأس الحربي، بدلاً من الصعود مباشرة نحو الهدف، يصل إلى مدار يقترب من هدفه بعد دورة أو دورتين حول الأرض، كما أن الصاروخ الأمريكي يمكنه أن يصل إلى هدفه خلال عشر دقائق من إطلاقه، أما الصاروخ الروسي، فيستغرق بلوغ هدفه حوالي ثلاث ساعات، ثم إن السوفيت يستخدمون جهاز رادار للتوجيه، وكشفه ومقاومته أسهل من كشف المستشعر الحراري، الذي يستخدمه الأمريكيون، كما أن الصاروخ الأمريكي يدخل الفضاء بسرعة 500 ميل/ دقيقة، بينما سرعة الصاروخ الروسي 13 ميل/ دقيقة.
وتهدد منظومات آسات الروسية جميع الأقمار الصناعية المعادية، أما منظومات آسات الأمريكية، فسيكون لديها القدرة على تهديد جميع الأقمار الصناعية الموجودة حاليًا لدى الروس، وتحلق على ارتفاع مائة كم، أما الأقمار المستخدمة في المواصلات والإنذار المبكر، والتي تقوم بالكشف المسبق لانطلاق الصواريخ، فمن الصعب تدميرها؛ بسبب وجودها في مدار يصل ارتفاعه إلى 36 ألف كم، إلا أن المخابرات الأمريكية تعتقد أن الروس لديهم قدرة تكنولوجية، بإمكانها تدمير أي قمر صناعي يصل ارتفاعه إلى 36 ألف كم باستخدام رأس آسات نووي، وهكذا نجد أن الولايات المتحدة في حالة استخدامها لمنظومات اعتراضيه تنطلق من الأرض يمكن أن تصل إلى ارتفاع 36 ألف كم.
أما الأسلوب الذي يفضله الروس، وهو استخدام أقمار صناعية قاتلة، فقد نجحت فيه 11 تجربة اعتراض بالأقمار الصناعية من أصل عدد 17 تجربة، وتعد التجربة ناجحة عند وصول قمر الاعتراض إلى مسافة كيلومتر واحد من القمر المراد اعتراضه، لأن قمر الاعتراض في هذه الحالة يقذف القمر الهدف بشحنة متفجرة، أو بالقذف بعدد كبير من الكرات المعدنية، التي تدمره، وهنالك وسائل أخرى غير مباشرة لشل وتعطيل أعمال الأقمار الصناعية، مثل ضرب محطات الإرسال والتنصت الأرضية، لأنها منشآت كبيرة من الصعب إخفاؤها وحمايتها بصورة كاملة، حيث أن والهوائيات ظاهرة يمكن تعطيلها.
ويملك الروس سبع محطات، كما نشروا عددًا من سفن الاتصال في المحيطين الأطلسي والهادي والبحر المتوسط، وتنتقل طبقًا للحاجة.
أما الولايات المتحدة الأمريكية فتملك شبكة مماثلة تشمل خمسة مراكز، من هذا النوع، فوق أراضيها، إلى جانب عدد آخر منتشر في نقاط مختلفة من الكره الأرضية، إلا أنها جميعًا ترتبط بقيادة شمال أمريكا للدفاع الفضائي، فضلاً عن جهاز مراقبة لكل الأقمار الصناعية، التي تمر فوق الأراضي الأمريكية.
وتتجه كل من أمريكا وروسيا إلى تصغير حجم هذه المحطات، وتحويلها إلى محطات متحركة، كما تنفقان مبالغ طائلة لتأمين حماية أفضل لأقمارهما الصناعية.
8. أسلحة الطاقة الحركية |