أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:52
(1) السافاك – SAVAC – جهاز الاستخبارات الإيراني، قريب الشبه من SAVAGE أي التوحش والبربرية، أنشئ عام 1953 لمساندة حكم الشاه وتعضيده، بعد ثورة مارس التي قادها الدكتور محمد مصدق رئيس مجلس الوزراء، واعتصامه بمبنى البرلمان "بالبيجاما" هرباً من اغتياله. وحكم الشاه إيران بالحديد والنار، حيث اتبع السافاك كل أساليب الوحشية مع الشعب الثائر من أجل تثبيت حكم الشاه بالقوة. .وطارد السافاك المعارضين بالخارج والداخل، وتحت هذه المزاعم أباد عشرات الآلاف من الإيرانيين لقوا حتفهم في سراديب السجون تحت وطأة التعذيب. . وكان رئيس السافاك الثالث والأخير، نعمت الله نصيري، يلقب بالمكروه الأول، ووصف بالسادي المتوحش، وكانت ميزانية الجهاز تتعدى المليار دولار، وبلغ عدد موظفيه أكثر من مليونين موظف وعميل، أما عدد المعتقلون خلال عام 1975 فبلغ مائة ألف داخل السجون. وبعد ثورة الخوميني ظهرت حقائق بشعة عن السافاك، واعتقل رئيسه (نصيري) وحكم عليه بعد محاكمة سريعة، بالإعدام رمياً بالرصاص، ونفذ فيه الحكم فوق سطح المبنى الذي كان يشغله الإمام الخوميني في مدينة "قم".
مصيدة العسل
استعانت الموساد بواحدة من أجمل نسائها، وهيأتها لاقتناص الصياد الماهر الباحث عن الجمال. ففي غمرة انزعاجه لضياع نقوده لم يشأ أن يغادر الفندق، وبقي معكر المزاج ينتظر الإمداد القادم من بغداد.
وفي بار الفندق عاوده الحنين الى المغامرة، فالفتاة الجالسة قبالته بمفردها ذات وجه ساحر، قلما صادف جماله في أوروبا، فالعينان ناعستان تسكران، وبفمها انفراجة مجنونة تلهب الأعصاب، وبجسدها الممشوق أنوثة فتاكة، متوثبة، تعلن عن نفسها في صراحة. ودهش رغلوب عندما رآها توقع فاتورة الحساب، وهتف "ياللحظ السعيد. . إنها إذن نزيلة الفندق".
استحضر مواهبه سريعاً وبعد دقائق قليلة كانت تراقصه، فأذهب عطرها بعقله، وتحفزت كل مجامعه في لهفة للارتواء، وفقد الطيار الذائب اتزانه، وأعصابه. وغادرا البار ثملين الى الطابق التاسع، حيث تقيم الفتاة أيضاً، وأمام حجرتها انخلع ما بقي فيه من عقل، ولم يعد بقادر على الصبر، فدخل معها الحجرة. وبينما يتقلب في حمم اللذة، فينصهر صهراً، وينجرف، يعترف لها بأنه تائه، ثمل، يكره الإفاقة على فراشها، ويكشف لها عن شخصيته الحقيقية، وما حدث له من سرقة نقوده.
ولأنها عميلة منتقاة بعناية لهذه المهمة، ومدربة على كيفية تفكيك إرادته، أذاقته أعاجيب الجنس، وطمأنته عندما قالت له إن بمقدورها مساعدته للتغلب على مشكلة المال، وفي اليوم التالي عرفته على رجل الأعمال "هرفراتز" الذي يقوم بمضاربات في البورصة، وبالحقيقة هو من أمهر رجال فريق الموساد، الذي طار خصيصاً الى فرانكفورت لاصطياده.
اصطحبه فراتز الى سوق البورصة ليضارب مستبشراً بوجهه، على وعد بمنحه عشرة آلاف "فرنك" في حالة تحقيق كسب له. وفي عملية تمثيلية لم ينتبه لها رغلوب، منحه ضابط الموساد المبلغ "بسهولة"، واتفقا على معاودة الكرة ثانية فيما بعد.
على هذا . . استهسل رغلوب الثروة التي هلت عليه، واشترى للحية الناعسة هدايا ثمينة، وأخذ ينفق عليها بسخاء، وعندما جاءته الحوالة النقدية على البنك الاتحادي، أنفق غالبية المبلغ أيضاً عليها وعلى مقامراته، وأحاطته الموساد بحفنة من الحسناوات تكفلن به، وعاش بينهن أياماً كأنها الحلم، واستطاع فراتز انتزاعه من الفندق، وأخذه الى إحدى الشقق الآمنة، حتى يكون تحت السيطرة الكاملة، وبعيداً عن رجال السافاك، وعن رقابة المخابرات العراقية.
بيد أن محمد رغلوب داوم على سلوكه المعتاد، في الإنفاق ببذخ، حتى خلت جيوبه من آخر مارك، وجلس ينتظر في بلاهة لعبة المضاربة التي يجيدها فراتز، لينقده مبلغاً آخر.
لكن فراتز يخيب آماله ويدعي تعرضه للخسارة، بل ويطلب من رغلوب أن يفكر معه بصوت عال، في كيفية اجتياز هذه العقبة. وتركه يلهث بين أحضان إحدى عاهراته، في "مصيدة العسل" الملغمة بالكاميرات وميكروفونات التسجيل، بينما كان بقية أعضاء الفريق منهمكون في التصوير، وقد أخذتهم الدهشة أمام فلتان اللسان الذي أصاب الطيار التائه، وهو يسب قيادته وسلاح الطيران العراقي كله.
وعلى حين بغتة، ظهر فراتز فجأة وبرفقته ثلاثة آخرين، وحاول الطيار العاري سحب ملابسه، وبخطوات محسوبة بدقة ناوله مظروفاً ثقيلاً، يحوي عشرات الصور العارية لرغلوب، وضغط على مفتاح التشغيل فانطلق صوت الكاسيت بالسباب الذي تفوه به، فألجمت الصاعقة لسانه، وارتعدت عضلات وجهه، واهتزت لا إرادياً أطرافه، عندئذ لم يمهله ضابط الموساد لحظظة واحدة ليسترد وعيه، إذ سأله بلهجة فيها الخباثة والوعيد:
صديقي العزيز . . ماذا ستفعل لو أنك تملك الآن مليون دولار . .
أجابه رغلوب وهو يرتجف متظاهراً بالهدوء: أنا لا أملك الآن مائة مارك . . وتجيئني بمليون دولار.. ؟ لو أن ذلك حدث بالفعل فسأموت من المفاجأة . . سأموت في الحال دون أن أستفيد بنصف دولار فقط. لدينا عشرات الأفلام وشرائط التسجيل، واحد منها فقط يقودك الى الإعدام. .ونحن لا نرغب في إيذائك طالما سنتفق. أنتم من . . ؟ وعلام سنتفق. . ؟ نحن أولاد عمومتك. . كلفتنا الموساد برعايتك وإكرامك، و .. موساد. . ؟ وبين يديك الآن مليون دولار. .ستعيش به هانئاً طوال حياتك أنت وأسرتك، مقابل أن تتعاون معنا. . وهناك ما هو ألذ وأمتع. .فتياتنا. .أجمل نساء الأرض. . كلهن طوع أمرك. أنا لا أفهم شيئاً هرفراتز. نريدك أن تهرب بطائرتك الميج 21 الى إسرائيل، وسوف نرتب لك حياة خيالية لا تحلم بها، سنمنحك فيلا رائعة، ورتبة عسكرية في جيش الدفاع، ومعاشاً سخياً مدى الحياة لك ولأسرتك، وستكون ابن إسرائيل المدلل الذي تجاب رغباته بلا نقاش. .
وأما هذا المأزق الصعب لم يشأ أن يرد، وبعد فترة صمت طويلة أدرك خلالها الحقيقة، لم يوافق على العرض ولم يرفض، إنما طلب من فراتز مهلة للتفكير ودراسة الأمر من شتى جوانبه.
كانت الفتاة الأفعوانية العارية، قد غادرت الغرفة حال دخول فراتز ورفاقه، فعادت الى الطيار المذعور ثانية لتهدئته، وفي الوقت نفسه تشوش عليه أفكاره، وتدفعه لأن يوافق بتخويفه من المخابرات العراقية، التي لن ترحمه إذا ما وصلتها نسخة من الأفلام والشرائط.
وبعد ساعتين تقريباً، جلس اليه فراتز يشرح له سهولة المهمة، موضحاً كيفية الهرب بالطائرة عبر الأجواء الأردنية، التي لا تملك الميج 21، وسأله عن رده، فأعلن رغلوب موافقته، واشترط أن يوضع المليون دولار باسمه في بنك سويسري أولاً.
لم يصدق ضابط الموساد أذنيه، وكادت الدهشة أن تصعقه، فالصيد الثمين ها هو يتمايل أمامه مرهقاً مترنحاً، وحتماً ستخور مقاومته وإرادته، وكان عليه محاصرته أكثر وأكثر، وسد ثغرات الهرب دونه. فالحلم الصهيوني أوشك أن يتحقق، ليفرح شعب إسرائيل، ولتفخر الموساد برجالها المخلصين، وبفتياتها الرائعات.
امتدت المفاوضات بينهما وقتاً طويلاً، فراتز يعده بالمبلغ كاملاً بعد وصوله الى إسرائيل بطائرته، ورغلوب أكثر إصراراً على تنفيذ شرطه أولاً.
فراتز يقول له إنه يفاوضه باسم دولة، وما يتوصلان اليه هو ميثاق للتعامل، فيجيب الطيار العراقي بأنه لا يثق في مواثيق اليهود، وهو يريد النقود أولاً. .
فيسأله فراتز عن الضمانات في حالة تسلمه المبلغ باسمه، فيرد رغلوب متسائلاً عن ضماناته هو الآخر.
يعود فراتز ويعرض عليه اصطحابه الى إسرائيل، فيودع المبلغ باسمه هناك، ثم يعيده ثانية الى فرانكفورت، فيقول رغلوب بأنها خدعة جديدة، فكما صوره في فرانكفورت ألن يصوره داخل إسرائيل، ليضطر بعدها الى الهرب بطائرته بدون مقابل. .
استحكم الأمر بينهما الى أبعد المدى، وأغلقت منافذ التفاوض للوصول الى حل يرضي الطرفين، وأخيراً اقترح فراتز أن يرافقه الى باريس للتفاوض مع رئيسه هناك، فربما يوافق على شروطه.
نهاية مقامر بحياته
وفي الطائرة الى باريس، أغمض عينيه وطار مع أحلامه الوردية، وهو يسلم المليون دولار للمخابرات العراقية، ويتسلم قلادة البطولة وشهادات التقدير، ويحصل على ترقية فورية كمكافأة، فيرتفع اسمه الى الآفاق، وتنزاح التقارير السيئة في ملفاته الى غير رجعة.
استغرقه التفكير أيضاً في زوجته التي ستسر كثيراً، وستتقرب اليه بالود القديم الذي راح، حتى أولاده، سيحسدهم زملاؤهم في المدرسة، والشارع، والنادي، ويتحول محمد رغلوب الى بطل من أبطال العرب الذين يفخر بهم التاريخ.
أخذ عهداً على نفسه ألا يتراجع عن مطلبه، فهم يريدون الطائرة وبأي ثمن، والمليون دولار مبلغاً يعد تافهاً قياساً بالطائرة الجبارة، التي ترهق عقولهم وتخيف مغاويرهم. إنه طيار حربي يعرف سر التهافت على الميج 21 عند الإسرائيليين، هذا ما سمعه أيضاً من أحد القادة الكبار في العراق، يومها أكد القائد بأن إيران تتودد الى العراق، منذ وصلت الطائرة السوفييتية الخرافة التي لا يملكون مثلها.
وفي باريس نزل بفندق ضخم بميدان البيراميد، وفي جناحه الذي هيأوه له بأموال الموساد بقي ينتظر فراتز ورئيسه.
كان مائير عاميت لا يصدق ما يقوله كاروز، من وجود طيار عراقي تحت سيطرتهم، يتم التفاوض معه في باريس، وانتابته من جديد مشاعر الفرح التي ولت، بفشل العملية 007 في المحاولتين السابقتين، وأوصى كاروز بضرورة انتهاز الفرصة هذه المرة، واستغلالها على أحسن ما يكون، وفكر بالاتصال بعيزرا وايزمن قائد سلاح الجو السابق، الذي حل محله مردخاي هود، ليهنتئه بقرب تحقيق رغبته، لكنه غادر مكتبه على عجل لمقابلة رئيس الوزراء، ليفي أشكول، وقال له:
سيدي الرئيس . . أستطيع أن أؤكد نجاح العملية 007، وأن الميج 21 ستصلنا عما قريب. فرجالنا يتفاوضون في باريس الآن مع طيار عراقي فضلاً عن. .
فصرخ رئيس الوزراء غاضباً:
منذ متى وأنا أتصور المستقبل كواقع.. ؟ كان هاريل يقول لـ بن جوريون "فعلت". . وأنت تقول لي "سأفعل". .؟
وخرج عاميت معروقاً خجلاً، يفكر في أن يطير بنفسه الى باريس، ليتفاوض بنفسه مع الطيار العربي الذي سيخلد اسمه، ويضعه على قائمة رؤساء الموساد العظماء.
وما إن وصل الى مكتبه حتى وجد خبراً عاجلاً نقله اليه كاروز:
"ريتشارد هولمز (1) تولى منصبه اليوم".
وفي باريس كان محمد رغلوب يحاول بعناد أن يغامر الى النهاية، فقد زاره فراتز ومعه ضابط آخر، بذلا جهداً شاقاً لإثناءه عن شرط الدفع مقدماً، لكنه لم يتزحزح قيد أنملة، بل إنه ثار عليهما:
تريدون مني أن أهرب بطائرة قيمتها 25 مليون دولار دون ضمانات. . إنكم في إسرائيل تريدونها وبأي ثمن لأنكم تجهلون أسرارها. .ضعوا المليون دولار باسمي وسأهديها لكم، وعندكم لي شرائط وأفلام تستدعي إعدامي رمياً بالرصاص، تستطيعوا إيذائي بها في أية لحظة. . ولا تضيعوا وقتكم معي لأن المليون دولار مبلغ زهيد، فمخابراتنا تدفع الكثير لكل من يخبرها عما تخططه الموساد وتسعى اليه.
وضحت إذن الرؤيا لرجال الموساد، فالضابط العراقي يحاول ابتزازهم إذا لم يرضخوا لشرطه، وهذا مستحيل بالطبع، وكان خطأ رغلوب جسيماً عندما لوح بتهديدهم بإطلاع مخابرات بلده على نواياهم. وعندما هدده ضابط الموساد بشرائط الكاسيت المليئة بالسباب، وأفلام الجنس العارية، ضحك رغلوب ساخراً وقال إن الرجل وامرأته على الفراش يسبان أهليهما في فجاجة.
عندئذ أيقن الإسرائيليان أنهما وقعا في فخ الطيار المفلس العنيد، فبدلاً من أن يسيطرا عليه انعكس الأمر، وبات واضحاً أن فشل التفاوض معه وعودته الى العراق، فيه كل الخطر على إنجاح تجنيد طيار عراقي آخر، لذلك حمل رغلوب حقيبته الى محطة القطارات قاصداً ألمانيا، وعنده يقين أنهم سيوافقون، وسيسعون وراءه في إلحاح، عندها، سيزيد المبلغ الى الضعف، وربما أكثر.
لم تكن حساباته بالقطع صائبة، فقد كان الأمر أكبر كثيراً من حدود تفكيره، وطموحاته، لكنه استعذب لعبة المساومة، يملؤه اعتقاد راسخ بأن مغامرته سوف تنجح لأنهم بحاجة اليه، وما كان يعلم بأن إسرائيل كلها، حكومة ومخابرات، تنتظر وتترقب. فالأمر جد خطير، خطير، الى أقصى درجة لا تتصورها مداركه المحدودة.
إذ انصب تفكيره في متعة المغامرة، ونتائجها المبهرة فيما بعد، وساقته سذاجته باللعب مع الكبار الى نهاية مأساوية لم يكن يتوقعها، ولم تنته بها أبداً حياة أي طيار عربي آخر، من قبل، أو بعد.
فأثناء سير القطار بسرعته القصوى في الأراضي الألمانية، لم يلحظ رغلوب أن هناك من يلاحقه، ويتبعه كظله، فما إن غادر دورة المياه، خارج عربة النوم، اصطدم به ثلاثةى رجال أشداء، خلطوه خلطاً بين باب الحمام والباب الخارجي، وقبلما يتمكن من الدفاع عن نفسه قذفوا به من القطار الدولي السريع.
وفي صباح 11 فبراير 1966 عثرت الشرطة الألمانية على جثته، متناثرة الأوصال على امتداد كيلو مترين. وجاء التقرير النهائي للحادث: "أن الطيار العراقي كان ثملاً عن وقوع الحادث، وأخطأ عند خروجه من دورة المياه، فبدلاً من الاتجاه الى باب العربة الداخلي، فتح بطريق الخطأ باب العربة الخارجي، الذي وجد به خلل، وسقط من القطار".
هكذا قامر محمد رغلوب بحياته، ودفع عمره ثمناً لمغامرة قصد بها خدمة وطنه، وتحسين وضعه الوظيفي والاجتماعي، وطويت بذلك صفحة حزينة، من ملف الصراع الإسرائيلي الشرس، لامتلاك طائرة ميج 21 عربية.
ترى . .هل توقفت الموساد في سعيها. .؟
وهل انتهت، بنهاية رغلوب، العملية 007 . . ؟
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:53
العملية رقم سبعة ـ الفصل السابع
فعلها عاميت هذه المرة بذكاء . .
عندما اختار فتاة الموساد الرقيقة الناعمة ..
ذات الوجه الطفولي البريء. .
الذي جمع الوداعة والأنوثة معاً. .
فامتزجا بالدلال والإثارة والذكاء الخارق. .
ولعبت الحية الإسرائيلية بعقل الشاب المتيم. .
وأذابته تماماً. .
تماماً. .
بلا أدنى مقاومة. . !!
فينوس التي جاءت
. . "أيها الزملاء. . برغم الجهود التي بذلت، علينا جميعاً أن نواجه الحقيقة، ونعترف بأننا فشلنا. .ليس نتيجة خطأ تكتيكي في خططنا. .وإنما لكون هؤلاء الطيارون العرب. .أشد إخلاصاً ووطنية".
بهذه العبارة استهل مائير عاميت كلمته في اجتماعه بضباطه، وقد علت الوجوه علامات اقتضاب ووجوم، وأكمل عاميت:
"إن أمن إسرائيل لن يكتمل. .طالما امتلك العرب هذه الطائرة التي يتفوقون بها علينا. .ويتهددون أجوائنا. . وسنبقى هكذا، مهددون بالموت والتشتت. . لو لم نحصل على واحدة منها. .وعندما يتحقق لنا ذلك. . أستطيع أن أؤكد أن إسرائيل قد ولدت من جديد لتبقى. . وأن أذرعها الطويلة ستخنق رقاب العرب. . وتدفن أمنهم الى الأبد في الرمال.
أيها السادة. .على عاتقنا تقع المهام الكبرى التي تخدم وجود الدولة. .ومصالحها. .وأهدافها. .وبدون تخطيط ذكي سليم ستكون العواقب وخيمة. .وسنتلقى الفواجع واحدة تلو الأخرى. .ونحن نبكي كالنساء. .ونولول في حسرة.
وها هي . . عملية تجنيد طيار عربي تفشل للمرة الثالثة. .بعدما كنا قاب قوسين أو أدنى من النجاح. لكننا اعتدنا ألا نيأس. . أو يتسرب إحساس اليأس الى قلوبنا. .فليس مع اليأس نجاح. .أو عمل مثمر.
وأمامنا اليوم تقرير هام من بغداد. .عن طيار عراقي جديد. .يجب إخضاعه للتحليل الدقيق. .لنتمكن من خلاله من وضع خططنا. . والعمل بإصرار على إنجاح عملية تجنيده. . مقابل أي رقم يطلبه من المال".
كان عاميت يتكلم وقد غلف صوته رنين الثقة. .فالأنباء السارة التي جاءته من بغدد، زرعت بداخله مجدداً الأمل في النجاح. وزاد من تفاؤله أن رقم (4) يمثل في حياته رموزاً هامة، فقد ولد في شهر "4) وكان ترتيبه "الرابع" بين أخوته، وقاد عام 1948 المجموعة "الرابعة" في منظمة الهاجاناة الإرهابية، وكان "الرابع" على دفعته أثناء دراسته للاقتصاد في نيويورك عام "1954"، وكانت زوجته هي الأخرى من مواليد شهر "4"، وهي الفتاة رقم "4" التي أحبها، ويبدأ رقمه العسكري برقم "4"، ونجا من الموت "أربعة" مرات خلال خدمته العسكرية.
ولما سأله أحد معاونيه عن الاسم الكودي للعملية، وضرورة تغييره من "007" الى اسم جديد، رفض عاميت مردداً أن ملفات الموساد في عهده لن تتضمن اسماً لعملية فاشلة، وأنه على ثقة من أن "007" فأل حسن، ولن يغيره.
المعلومات السرية الأخيرة التي بثها عملاء الموساد في بغداد، أوضحت بأن الطيار العراقي منير روفا – الذي سبق رصده في تكساس – على علاقة بفتاة أرثوذكسية عراقية، وأنه دائم الالتقاء بها بمنزل صديقه يوسف منشو، وهو تاجر يهودي مفلس، يطالبه الدائنون بمبالغ كبيرة. وقد ارتبط هو الآخر بعلاقة قوية بالشقيقة الكبرى لصديقة روفا.
ووضعت – على أساس المعلومات المعطاة – خطة أولية لاصطياد منير روفا، بواسطة صديقه المفلس، عن طريق إغراؤه بالمال. وفي محاولة "جس النبض" أظهر يوسف منشو يهوديته التقليدية، عندما وافق على التعاون مع الموساد مقابل تسديد ديونه، ومساعدته في الهجرة الى إسرائيل.
لم يكن هناك أدنى مشكلة إذن، فالتاجر اليهودي الذي حصل على المال، كتب تقريراً وافياً عن صديقه روفا، كشف عن جوانب شخصيته، ونشأته، وظروفه، وهذه كلها معلومات قيمة، ساعدت على تحليل الطيار الشاب نفسياً، ودراسة أفضل الطرق للتسلل اليه، لاجتذابه أولاً، ثم الانقضاض عليه.
وطُلب من يوسف منشو الظهور بمظهر التاجر الثري، الذي تمكن من عقد صفقة تجارية مربحة، وأن يتولى الإنفاق بسخاء على صديقه، وإقراضه للإنفاق على صديقته ومغامراته النسائية المتعددة.
كان للمال فعل السحر عند التاجر اليهودي، لذلك فقد انصاع لأوامر الموساد بصدق وإخلاص، وعمل جاهداً على إثبات ولائه، عندما ساعد على الدفع بفتاة يهودية حسناء، في طريق الشاب الباحث عن المتعة، فسعى للفوز بها بلا فائدة. ومن أجل التغلغل الى عقلها أغدق عليها بالهدايا، وكانت هداياه الثمينة قد أرهقته مادياً، لكن يوسف – بأموال الموساد – كان لا يبخل عليه بشيء، ويمده بين حين وآخر باحتياجاته منها، فضمن بذلك ولاء الطيار المغيب الوعي، والاستحواذ عليه. وسرعان ما تحول التاجر المفلس الى صياد ماهر، أجاد اقتناص الفرصة للإيقاع بفريسته، طمعاً في المزيد من المال.
إن صناعة الخونة والجواسيس عملية معقدة جداً، تتداخل فيها عوامل كثيرة وأحداث عجيبة، يقوم عليها خبراء مدربون، عندهم الصبر والحنكة وأعلى درجات المهارة والذكاء، بحيث يجدُّون في إثر ضعاف النفوس، أولئك الذين يسعون وراء أوهام المجد والثراء، أو ممن اعتقدوا بضآلتهم في أوطانهم. وعندما يقع هؤلاء في براثن صائدو الخونة، فهم يُحَاصَرون من كل صوب، وتغلق دونهم أبواب النجاة.
ففي الوقت الذي كان فيه الطيار الشاب، غارقاً في مطاردة الفتاة اليهودية الحسناء – الطُّعم – وفي ديونه ليوسف، كان الأخير قد استعاد نشاطه التجاري بتوسع، وقام بمعاونة الموساد، بتصدير صفقة تمور الى إيران، في باطنها عملية تمويهية لإظهار الثراء، والالتقاء بأحد خبراء الموساد هناك. حيث أطلعه يوسف على تطورات أحوال روفا، ونقاط ضعفه، ولتدارس خطة محبكة وضعت خطوطها العريضة في إسرائيل، تقضي بأن يسافر روفا الى باريس، وهناك سيتولى آخرون أمره.
رجع يوسف منشو الى بغداد، وأخبر روفا – حسب الخطة – بأنه بصدد عقد صفقة تمور ضخمة مع شركة إنجليزية، سيصل مندوبها قريباً الى بغداد للتفاوض معه وتوقيع العقد، طالباً منه أن يقوم بعملية الترجمة بينهما عند وصوله.
كانت الموساد تبذل كل ما في وسعها لإنجاح العملية هذه المرة، واستعدت لها بكامل إمكانياتها البشرية والمادية، وفي سبيل تحقيق ذلك أعدت دراسة مستفيضة شملت كل جوانب حياة منير روفا، اعتقاداته، وأحلامه، ومبادئه، ونقاط ضعفه، وأحواله المادية والأسرية والمهنية، وخلصت الى نتيجة مفادها أن خير سبل الإيقاع به، يكمن في فتاة أسطورية الجمال والأنوثة، يقف عاجزاً أمام مقاومتها. فلأنه عاشق مغرم بالنساء، ومتعدد العلاقات، لن تصلح للمهمة سوى فتاة طاغية الفتنة والإثارة، لم يصادف مثلها من قبل.
وجرى البحث بين فتيات الموساد عن تلك الفتاة، الأمل، التي اشترط عاميت أن تكون ملمة باللغة العربية، على ألا تستعملها، وأن تكون ذات خبرة سابقة في عمليات مصائد العسل، وتم بالفعل اختيار احداهن، حيث جرىتلقينها خطوات العملية التي ستتم في بغداد، لاستدراج الطيار العراقي الى باريس، بتقمص دور مندوب شركة إنجليزية، تعمل في مجال التجارة الدولية، ثم ربطه بعلاقة خاصة لا يستطيع الفكاك منها.
وفي الثالث والعشرين من مارس عام 1966، وصلت "ليزا برات" الى مطار بغداد الدولي، تحمل جواز سفر بريطاني، وتفويضاً من الشركة الوهمية، بالتوقيع على عقد تصدير شحنة من التمر العراقي الى لندن.
أنهى ضباط الجوازات والجمارك إجراءات الفاتنة الإنجليزية، وهم في دهشة أمام جمالها الطاغي، وكان بانتظارها يوسف منشو، الذي كان ممسكاً بيافطة تحمل اسمها، ومن بعيد وقف منير روفا، يتأمل فينوس الساحرة التي جاءت، وقد جفت عروقه عطشاً لرواء أنوثة أشلت عقله، وسلبت إرادته منذ النظرة الأولى . . !!
الطيار التائه
في عام 1934 ولد منير حبيب روفا ببغداد، لأسرة مسيحية أرثوذوكسية فقيرة، أقامت بحي المستنصرية الشعبي الفقير، وكان ترتيبه الثاني ضمن تسعة أبناء لموظف بسيط، يعمل بأرشيف وزارة الزراعة، عانى كثيراً بسبب كثرة الأولاد وقلة الدخل، ودفعته مشاكل المعيشة الى إدمان الخمر العراقي "العَرَقْ" ومطاردة النساء، لذلك استغل عمله في الحصول على الرشوة من جمهور المترددين، وكانت نهايته الفصل من الوظيفة، والحبس لعدة أشهر.
وبعدما انتهت مدة حبسه واجهته المحن كالطوفان، فتعاظمت معاناته الى حد اليأس، وذاقت أسرته الكبيرة صنوف الجوع والفقر والحاجة، ولجأ الى الهرب من دائنيه الى أقصى الخليج العربي، حيث إمارة دبي، التي كانت واقعة آنذاك – عام 1953 – تحت السيادة البريطانية، حيث عمل بالتدريس لأبناء البدو، وكانت الى القرب منه هناك موظفة هندوسية، سرعان ما غرق في حبها، فأنسته زوجته وأبناءه التسعة، ولم يتصور للحظة مدى معاناتهم وحاجتهم اليه، والى الجنيهات الاسترلينية الغير منتظمة التي كان يحولها لهم.
إلا أن الزوجة، لم تقف مكتوفة الأيدي أمام سلبية الأب الغافل، فخرجت الى سوق العمل، وكافحت في استماتة، وذاقت من الذل ما لا يتحمله بشر، كي تنجو بأبنائها من براثن التشرد، وتنأى بهم عن مصير مظلم يتربص بهم، ودفعت بابنها الثاني – منير – للالتحاق بكلية الطيران.
وبرغم حجم الكراهية التي كان منير يكنها لوالده، كانت أمه تحاول دائماً تنقية صورة الأب الملوثة المهترئة، معللة أسباب اغترابه الطويل بعيداً عنهم، مكذبة ما يأتي به العائدون من عنده من أخبار علاقته بالهندوسية وإنفاق مدخراته عليها في بذخ، ومداومته على شرب الخمور.
يقول منير روفا في مذكراته الشخصية:
"كان أبي كالمحيط في تقلباته وثوراته المدمرة، فرسائله تجيئنا صاخبة، يسمم أبداننا في الاستهلال، ويلعننا في كل سطر، ويختم متوعداً بحرماننا من المال الذي لا يكفي معيشتنا لخمسة أيام، فكُنّا نبيت جرحى مع وصول رسائله، نلعق الدموع ونجرع الأسى.
كم كنت أشعر بآلام عقلي وكبدي، وأنا أرى أمي تتألم، وتعمل في مثابرة لإطعامنا، وأحلم باليوم الذي أستطيع فيه تخفيف معاناتها، لكن مشاكلنا وحاجاتنا كانت تزداد يوماً بعد يوم، وذلك القابع بين أحضان الهندوسية، لا يرسل لنا إلا اثنتي عشر جنيهاً كل شهرين. لذلك فقد حاصرتني أحلام اليقظة، أحلام مليئة بالثراء والشبع، اتخذتها مهرباً لي من سموم أبي ومنغصاته".
وفي كفاح مرير من أجل أن يحيا آمناً، تفوق منير تفوقاً ملموساً في الكلية الجوية، وتخرج منها طياراً ليخدم في سلاح الجو العراقي. ومن الراتب الضخم الذي تمنحه الدولة لطياريها، استطاع أن يساعد أخوته، ويدخر بعضه ليتزوج من حبيبته "مريم" ابنة الأسرة الثرية، التي تعلق قلبه بها.
كانت مريم فتاة خمرية مليحة، درست الأدب الإنجليزي بجامعة بغداد، وأثناء دراستها تعرفت بشقيقة منير – رفيدة – زميلة الدراسة، ومن خلالها ارتبطت عاطفياً بمنير روفا، وعلى استحياء، اتفاق على الزواج. وبعد عودته من الدورة التدريبية الأولى في موسكو عام 1957 تزوجا في حفل عرس جميل، وأقاما بإحدى شقق حي الديوانية، وأنجبا يوسف وناجي عامي 1959، 1961 على التوالي.
بيد أن منير روفا أوفد في بعثة طويلة الى الاتحاد السوفييتي، للحصول على دورة تدريبية لقيادة الطائرة ميج 21، الانقضاضية الشرسة، واعتقد روفا أنه سينتقل أخيراً من القاعدة الجوية بالقرب من كركوك، لكنه أبقى مكاننة على مسافة ثلاثمائة وخمسة عشر كيلو متراً من بغداد، برغم الطلبات العديدة التي تقدم بها لقيادته، لنقله الى قاعدة الرشيد الجوية القريبة من العاصمة. وظل بمكانه حتى بعد عودته من الدورة الأخيرة في تكساس.
لم تكن رغبة روفا في الانتقال الى بغداد، نابعة من حبه لبيته ولأولاده، بقدر ما كان مطلباً حيوياً له، حيث يستطيع ممارسة هوايته المفضلة في العاصمة المزدحمة، ألا وهي مطاردة الحسناوات الفاتنات، اللائي يبهرهن زيه العسكري كطيار، فيداعب أحلامهن بوسامته وشبابه، وينتقي من بينهن من تروق له، متخذاً من شقة صديقه اليهودي يوسف منشو، مسرحاً ومرتعاً لنزواته، ووكراً أكثر أمناً للقاءاته النسائيه.
وعندما حلل خبراء الموساد شخصية الطيار الشاب، اكتشفوا أن هوايته في مصاحبة النساء، كانت نوعاً من الهرب من معاناته النفسية، اتخذت منذ بدايتها – وكان وقتها طالباً بكلية الطيران – طابع التعدد والتباين، ويبدو أن مسلكه هذا يعود في الأساس الى نشأته بحي المستنصرية، حيث تكثر به الكوليات الى جانب حي الديوانية أيضاً، الذي أقام به عش الزوجية.
ومن خلال تحليل شخصيته وتشريحها بدقة، فالمسمى العلمي لهوايته هو إصابته بانحراف جنسي، يطلق عليه في علم الطب العقلي والنفسي PSYCHIATRY هوس الجنس.
لذلك . . ما إن تقابل مع ليزا برات في المطار، حتى أوشك على الانهيار أمام جبروت جمالها، الذي لم يصادفه من قبل في موسكو أو تكساس. ووقف حائراً يتأمل تلك المخلوقة الرائعة المثيرة، ممنياً نفسه باغتراف فورانها البركاني المدهش.
(1) العرق: نوع من الخمور المحلية يصنع من التمر المخمّر، وهو مشهور بالعراق.
(1) الكولية: بيت تمارس فيه الدعارة بأجر.
(2) هوس الجنس عند الذكور SATYRIASTIC – أو شره الجماع SATYRIASIS فهو ما نعرفه في دون جوان وكازانوفا وغيرهما، وسيكولوجيا هو نوع من الهرب من مشاكل أو متاعب حياتية، فتغيير شريك الحب شبيه بمواعيد المراهق الغرامية الكثيرة، والمريض بهذا المرض يجد لذة ممتعة في تنوع علاقاته وتعددها، لإثبات قيمته الإغرائية SEDUCTIVE والبرهنة على ذكورته.
رحلة الجنون
لم يكن يوسف منشو يعرف جملة إنجليزية واحدة، وكان على منير روفا مهمة ملازمته بمكتبه، للاتفاق مع المندوبة الإنجليزية الحسناء وتوقيع العقد. ووجدها روفا فرصة رائعة للتقرب اليها، خاصة وقد كانت تتعامل معه بدلال أنثوي محبب، أضفى الثقة الزائدة بشبابه وبوسامته. . ومواهبه.
لقد كان من الصعب، بل من المخاطرة، أن يصطحب طيار حربي عراقي، فتاة أجنبية في نزهة خلوية ببغداد. لذلك. . فقد حرص روفا على إفهامها حقيقة وظيفته، والسبب في عدم قدرته على الخروج معها. فأبدت تفهمها للأمر، وأهدته ساعة يد ثمينة وهي تشكره على اهتمامه بها، ومساعدتها في إنجاز عملها خلال زمن قياسي. ففي اليوم التالي لوصولها كان قد تم الاتفاق، المبدئي، ووقع على العقد بعد ثلاثة أيام، وعندما أراد يوسف الاحتفال بالمناسبة بأحد الفنادق الكبرى، كانت عميلة الموساد هي الأسبق في الرد. إذ رفضت أن يتم ذلك خارج المكتب، لكي لا يتعرض روفا لأية مشاكل.
وفي المساء . . أقيم بالمكتب حفل عشاء، وتأخر روفا بمنزله قليلاً بسبب مرض صغيره ناجي، ولما طرق باب المكتب، صاحت ليزا برات من الداخل وهي تهرول:
إنه روفا . . لا شيء هنا رائع بدونه.
كان روفا يقف بالباب مبهوتاً، وكأنه يراها لأول مرة، فقد ارتدت ثوباً عارياً ذو لون أزرق، فضح أنوثتها المتوثبة، ولفحه عطرها الناعم المثير الشذي.
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:53
في دهشة مصطنعة، استسلمت ليزا لأحضانه وقبلاته الملتهبة المتسارعة، وعندما أفاق قليلاً، حاول أن يعتذر بكلمات منتقاة، لكنها بدلال آسر اقتربت منه، وأذاقته الجحيم السرمدي في قبلة لهفى، فأججت لسعة جوعه وفجرت براكينه، وندت عنها آهة متحسرة وهي ترتجف ملتاعة وتردد:
مونير .. أنت . . أنا . . لا أعرف ماذا أقول. لكنني أعرف أيتها الفاتنة الساحرة الدفيئة.. تعرف ماذا. .؟ كل خلاياي وحواسي تحبك.. مونير.. لم تهزني قبلك امرأة بمثل هذه السرعة. . ولم تهزمني مشاعري قبلما أراك أبداً. أنت عاطفي أكثر من اللازم. . أنا عابد أكثر من اللازم.. أنا عابد في محرابك. . لأنني من عبدة الجمال والحب. . أنت تفتت إرادتي. . وأنتِ أجمل نساء الكون . .أحبك.. أخشى ألا تكون صادقاً فيما تقول. . لم أكن صادقاً إلا معك.. أتحبني كل هذا الحب. . ؟ أحببتك منذ رأيتك بالمطار. .وتمنيت أن تجيء اللحظة التي أكاشفك فيها بحبي. . أحبك. . (!!)
"وهي تجهش بالبكاء وتحتضنه بقوة": لكني سأغادر بغداد ظهر الغد.. سأطير ورائك الى أقصى بلاد الأرض. . مونير . . أنت . . تكاد تكسر ضلوعي. . ليز حبيبتي. . إبق معي أربعة أيام حتى تنتهي أجازتي.. سأجن إن رحلت غداً. . أنا التي سأجن لو لم تجيئني بباريس.. أتشوق لأن نخرج معاً الى الشانزليزيه تطوق يداك خصري. فقط. .؟ وأن أنام على صدرك وتتخلل أصابعك شعري. أوه أيتها الفاتنة.. سأظل أحلم وأحلم حتى أراك بباريس. . سأتقدم بطلب ليسمحوا لي بأجازة. . وهل هناك صعوبة في ذلك . . ؟ الأمر يستغرق بعض الوقت لا أكثر .. سأنتظرك. .
كان يوسف منشو قد غادر المكتب قبل مجيء روفا، لتهيئة المناخ المناسب للصياد والفريسة، فأثمر اللقاء المنفرد بينهما خطوة هامة، ولأول مرة يهجر منير روفا بيته في أحد أيام أجازاته، ليبيت بالمكتب مع ليزا برات، بدعوى أنه في مأمورية عمل.
في تلك الليلة العاطفية الساخنة، أظهرت عميلة الموساد براعة تفوق التخيل، في إظهار عواطفها تجاه الطيار العاشق، ونستطيع أن نقول أن منير استشعر يومها، بأنه تحول الى مخلوق آخر، يفكر بعقل عشيقته، ويرى بعينيها، ويمشي حسبما تسحبه أو تقوده.
فعلها عاميت هذه المرة بذكاء، عندما اختار فتاة الموساد الرقيقة الناعمة، ذات الوجه الطفولي البريء، الذي جمع الوداعة والأنوثة معاً، فامتزجا بالدلال والإثارة والذكاء الخارق. كل هذه الصفات نادراً ما تجتمع في امرأة واحدة، لكنها اجتمعت بدقة في الحية الإسرائيلية، التي أجادت استخدامها بحرفية خارقة، لإذابة مقاومة الطيار المهووس، دون أن تمنحه سوى قطرات ضئيلة من قطف القبل، لتتركه يلهث محموماً ثائر الرغبة، على وعد بإغراقه في محيطها، وإذاقته لذائذ جسدها اللاسع، بهضابه، وسهوله، وأغواره، وهذا لن يكون أبداً، ولن يتحقق إلا خارج العراق.. بباريس.
وظهر اليوم التالي، عندما غادرت عميلة الموساد مطار بغداد، أجزمت بأن روفا لن يهنأ له بال، حتى يلحق بها. فمذاقات النشوة التي أذاقته بعض قطراتها، كفيلة بأن تغيّب عقله وتشتته، وتقذف به الى عوالم أكثر متعة، لم يألفها طوال حياته، ولا وجود لها سوى بين أحضان ابنة الموساد المدربة.
وما إن عاد منير روفا الى عمله، حتى تقدم بطلب صحي لعرضه على الأطباء، بدعوى أن الصداع النصفي يفتك برأسه، ويكاد يصرخ منه ألماً. . وفشل الفحص الطبي في علاج الصداع المزعوم أو تحديد أسبابه، مما عجل بالموافقة على التصريح لروفا، حسب رغبته، بالسفر الى باريس في أجازة لمدة أسبوعين للراحة والعلاج.
وفي 19 أبريل 1966 طار منير روفا الى باريس، في رحلة مثيرة كانت بدايلة لرحلة أخرى أكثر إثارة .. وجنوناً. . !!
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:54
لعملية رقم سبعة ـ الفصل الثامن
لم يكن عاميت قد صادف شيئاً كهذا من قبل . .
فمشاعره بلا شك انصبت في اتجاهات أخرى . .
غير تلك التي حيرت رجاله . .
وبهذا فقد ضمّت الحجرة أحاسيس متباينة . .
تولدت أمام المشهد العجيب . . !!
الحنان الزائف
لم يصدق مائير عاميت ذلك الخبر الصادر عن بغداد، عن حجز منير روفا تذكرة سفر الى باريس على الخطوط الجوية العراقية. قال في دهشة:
هؤلاء الأغبياء يفركون أعصابي . . سحقاً لهم.
ولما خُبِّر بميعاد مغادرته، ورقم الرحلة، توسم خيراً ونطق وجهه بالبهجة، وعقد اجتماعاً طارئاً ضم كبار رجال الموساد، لتداول الخطة التي وضعها ثلاثة من الخبراء، لمكاشفة روفا ومحاصرته، وإغراؤه بالهرب الى إسرائيل بطائرته الميج 21.
قال مساعد عاميت ياكوف كاروز: سيدي . . نحن بحاجة الى خبراء في الطيران والممرات الجوية للتعامل مع روفا.
أجاب عاميت: بالفعل نحن بحاجة اليهم . .لكن ليس قبل إتمام الاتفاق مع الطيار العراقي.
كاروز: وماذا لو أن روفا طلب مبلغاً كبيراً ليس بخطتنا. .؟
عاميت: علينا أن نتمسك بشدة بمبلغ المليون دولار فقط، ولا مانع إذا زيد الى النصف، أو الضعف، فصديقنا هولمز سيكون الى جانبنا على أية حال.
أحد الخبراء: كحل افتراضي .. ماذا سنفعل إزاء رفض الطيار العراقي الاتفاق معنا. . ؟
عاميت: برغم ثقتي في نجاح العملية 007 هذه المرة. .فإن الطيران الى السحاب في صمت (1) متعة مريحة..
غادرت عميلة الموساد – ليزا برات – تل أبيب الى باريس، بانتظار العاشق الذائب، يحدوها الأمل في السيطرة عليه، وتطويعه للقيام بتنفيذ عملية الهرب الى إسرائيل، بدون إثارة أية مشكلات في فرنسا.
لم تكن ليزا وحدها في تلك الرحلة المثيرة، فقد صحبها ستة ضباط من الموساد، بينهم أحد خبراء الاستخبارات الجوية الإسرائيلية.
وعند تقاطع شارعي جيرمان وميشيل، في منتصف المسافة ما بين حديقة لوكسمبورج ونهر السين، يقع فندق ديكلوني الشهير، المواجه لجامعة السوربون، حيث أعد جناح بالطابق السابع لاستقبال الضيف العزيز، تم زرعه بكافة أجهزة التنصت والتصوير، وجُهِّزت الغرفة الملاصقة لتكون مركزاً للمراقبة والتسجيل، بإشراف فريق من ثلاثة فنيي، بينما نزل ضباط الموساد بعدة بيوت آمنة، لا تبعد كثيراً عن الفندق.
كان اللقاء بالمطار حاراً مدهشاً، إذ تناثرت صرخات ليزا الصاخبة عندما فوجئت بروفا أمامها. هو أيضاً كان يحتضنها في شوق مجنون، وكان الأكثر لهفة للقاء الذي تحايل لأجله، يغشاه حنين ممتزج بالعشق لفتاته الحسناء المثيرة، وروعة المغامرة معها في باريس، بعيداً عن أعين المخابرات العراقية، وضجيج العمل التريب في القاعدة الجوية.
أخذته ليز – كما كان يناديها – الى الفندق، ومكث معها عدة أيام يلعق فورة حمم الرغبات، ويصل معها الى آفاق اللذاذات منتشياً.
ولأنها العميلة الماهرة المختارة بعناية، استدرجته للديث عن حياته، ونشأته، وأسرته، وعمله، وقادته، وحكومته، فأفاض في سرد تفاصيل قصته منذ الصغر، والفقر الذي لازم أهله طويلاً، وكيف عاد أبوه من دبي مريضاً لا يقو على العمل، حتى إذا ما تطرق الى أمه بكى منير روفا بحرقة، وهو يصف معاناتها في تربيتهم وتعليمهم، فبكت ليزا لأجله، وأحاطته بحنان زائف خادع. وسألته عن الحكومة العراقية، وكيف لا توفر حياة كريمة للمواطنين، فانطلق الطيار المُعَنّى في سُباب لاذع لحكومته، ولعن حظه التعس لكونه عراقياً.
انتهزت عميلة الموساد الفرصة، وعرضت عليه أن يظل الى جانبها، فهي لا تطيق فراقه مرة ثانية، مع وعد بتوفير عمل مجز له، وحياة معيشية واجتماعية أفضل له ولأسرته.
أبدى منير روفا استحسانه لرأيها، وبعد تفكير عاد فسألها عن ظروف العمل الحر في فرنسا، والدخل الشهري التقريبي الذي يكفل له حياة كريمة.
دهشت الفتاة، وسألته عما إذا كان يفكر بالهرب من العراق، إذا ما أتيحت له فرصة مناسبة. . ؟
أجابها بنعم، وأردف بأنه يفكر جدياً في تحسين وضع أسرته المعيشي، لكن الظروف دائماً ضده، وفي حالة تواجه فرصة مغرية له بالخارج، فلن يتوانى لحظة في استغلالها ومغادرة العراق بأهله الى الأبد.
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:54
عند ذلك سألته: لماذا لا تفكر إذن بالعيش في إسرائيل. . ؟
فوجئ روفا، وأجاب في دهشة: إسرائيل. . ؟(!!)
قالت في نبرة يشوبها الهدوء: لقد سمعت أنهم في إسرائيل يعرضون مليون دولار، على أي طيار عربي يلجأ اليهم. .
وكأنه بهت: مليون دولار. . ؟ يالها من ثروة . . أهذا خبر أكيد. .؟
أردفت: أكيد جداً. . فلي أصدقاء إسرائيليون هنا في باريس، تطرقوا الى الحديث أمامي منذ أيام عن هذا الأمر.
قال وكأنه لا يصدق: وهل ستكونين معي في إسرائيل إن وافقت. .؟
ارتمت بين أحضانه تقبله بحرارة وهي تهمس: سأكون معك في إسرائيل وفي أي مكان تحب .. هل تريد مني استدعاء أحدهم ليتكلم معك. . ؟!
ضمها بقوة وتاه في قبلة طويلة منحتها له، وكانت أحمى من قرص الشمس. .ثم نظرت بحنان الى عينيه وهي تقول: مونير تعلم إنني يتيمة الأبوين، وأختي الوحيدة تعيش بعيداً في أستراليا، وليس لي الآن إلاك، فأنت الحبيب والأهل. . وأريد أن أكون معك. . في أي مكان. . ولو كان في إسرائيل .
ضغط فكيه في تحد وقطب حاجبيه وهو يقول: لكن . . لماذا يدفعون في إسرائيل مليون دولار من أجل طيار عربي.. ؟
قالت متغابية: أنا لا أعرف بالضبط. . وإن كنت أعتقد بأنهم يبحثون عن طيارين أكفاء . . هل تفكر بالأمر يا حبيبي. . ؟
(1) ريتشارد هولمز: المدير الجديد للمخابرات المركزية الأمريكية C.I.A.
(1) إشارة تعني أنه من الضرورة تصفيته في صمت. .أي قتله.
لسعة الخوف
كاد أن يصرخ فرحاً، أن يخترق الجدار الفاصل بينهما ليعانق ليز، ويسجد ضارعاً متوسلاً أمام روفا، هاتفاً:
"هلم . .هلم أيها الطيار البائس الى إسرائيل، ولك مليونان دولار لا مليون. .قل فقط . . نعم. . أوافق . . (!!)"
إنه مائير عاميت، رئيس الموساد بشحمه ولحمه، نهشه غول الخوف من الفشل فطار الى باريس، ليسمع بنفسه ما يقوله منير روفا، وما تصنعه به العميلة البارعة الذكية، ابنة الموساد المخلصة.
كان بالحجرة المجاورة معروقاً يرتجف، واضعاً السماعات على أذنيه، ويشاهد روفا وعميلته بدون ملابسهما الداخلية، يتعاطيان الحنان، بعد جرعة الجنس العنيفة التي أسكرت الصيد الثمين.
لحظتها. . طلب من فريق الفنيين تغطية الشاشة، وتثبيت زووم الكاميرات، قائلاً:
"إن فتاتنا تؤدي عملاً مقدساً واجب علينا احترامه، والنظر اليها بكل تقدير ممكن. فهي تهب الوطن – إسرائيل – الأمن، وتبذل جسدها رخيصاً في سبيله. هكذا تفعل فتياتنا بلا خجل لكي نحيا، وتبقى أرض الميعاد زاخرة بالرخاء".
لقد تحول رئيس الموساد أمام مشهد "التضحية"، الى رجل دين ينثر وصاياه ويلقي مواعظه، وطاف الغرفة يستطلع وجوه رجاله، وقد تسمروا كالأصنام أمام تحوله الفجائي الى حاخام، فقد كانت تلك هي المرة الأولى، التي يشاهد فيها عاميت مصيدة العسل، وهي تطبق أذرعها الناعمة "الفولاذية"، فتعتصر الفريسة بلا رحمة، أو شفقة، وتمتص فيها قوتها ومقاومتها، حتى تحيلها في النهاية الى قطعة عجين، يستطيع طفل وليد أن يُشكلها، ويصنع بها ما يشاء.
كان روفا بين أحضان ليز لا حول له ولا قوة، إذ أجهزت عليه تماماً وأسبغت حوله جواً صافياً من المتعة، وهيأت له بخبرتها – دون أن يدرك – فكرة الهرب من العراق. فكان تارة ينصت اليها راضياً، وسرعان ما يتراجع تارة أخرى. هكذا دواليك لخمسة أيام متعاقبة، لم يغب منها عاميت يوماً واحداً، فكان ينتشي مع رضاء روفا وموافقته، ويكبو عقله متحسراً عند تراجعه.
وأعطيت الأوامر لابنة الموساد، أن تنتهز أول فرصة لمواجهته، والضغط عليه بقوة في اللحظة المناسبة. فالطيار العراقي تعلق بها تعلق الطفل بأمه، ولم يعد بإمكانه الإفلات من قبضتها المطبقة.
وعندما كان عارياً يمارس هوسه الجنسي في شراهة الجائع سألته: ألم تفكر بعد في مستقبلنا معاً. . ؟ ألا تريد المليون دولار. . ؟
هتف الغارق الثمل: لن أدعك تبتعدين عني بعد اليوم. .
وهي تدفن وجهها بصدره: أتعدني .. ؟ حتى وإن كنت بإسرائيل. . ؟
ضمها في لهفة وهو يقول: سأهرب إليكِ وإن كنتُ بإسرائيل..
كانت ما زالت بحضنه: أخاف أن تنسى ليز وأنت تملك المليون دولار..
في نبرة مشحونة بالصدق: سأثبت لك أنني أحبك .. ولو كانت أموال العالم ملكي.
وهي تقصد استثارته: إذن هل أدعوهم الآن لمقابلتك. . ؟ أم أنك ما زلت تشعر بالخوف. .؟
أجاب دون تردد: أنا أخاف. . ؟ ممن . .؟
غمزت بعينها في رقة وهي تقول: من مواجهتهم.
في غيظ: من . . ؟
وهي تنظر في عينيه في جدية وقد فلفت صوتها بالحنان: أصدقائي الإسرائيليين. . الذين سيؤكدون لك ما قلت.
اعتصرها بشدة وهو يقول: سأحبك وإن كنت إسرائيلية. . وسأحب أصدقائك أيضاً.
هتفت: أوه . . مونير. .إنهم يطرقون الباب . . لقد جاءوا.
كان عاميت يستمع الى الحوار الدائر بينهما، وأعطى إشارته بالدخول عليهما. فتأخرت ليز قليلاً ريثما يرتديان ملابسهما، وفتحت الباب.
بدا منير يرتجف فرقاً عندما أطل رجلان، أنس قليلاً الى ابتسامتيهما، وقام مصافحاً، فحياه كل منهما بالعربية السليمة.
[ معذرة ... يمكن للأعضاء فقط أن يشاهدوا الروابط ] أنا أبو داود . . رجل أعمال ومولود في بغداد. [ معذرة ... يمكن للأعضاء فقط أن يشاهدوا الروابط ] وأنا أبو موسى . . صديق أبو داود. . وولدت في تل أبيب.
تلعثم روفا ولم يدر بما يتكلم، فبادرت ليز: وهذا النقيب طيار منير روفا من بغداد.
في دهشة تكلم منير سائلاً أبو داود: قلت أنك من بغداد. .؟
ملأت وجهه ابتسامة عريضة وأجاب: نعم. . أنا عراقي ولدت في بيت جدي بجوار مسجد الكاظمية، عند دكانة جابو.
بدهشة صاح منير: دكانة جابو . . !! أنا أعرفها فمازالت قائمة خلف المسجد.
وكأنهم أصدقاء قدامى يتذكرون ما فاتهم، قال أبو داود: ألا تعرف شارع نعوم في المستنصرية.. ؟
صاح منير متعجباً؟: أوتعرفه .. ؟ إنني من سكانه.. أهلي ما زالوا هناك. . قال الضيف وهو يبتسم بشوشاً: كانت عمتي روزينا الحائكة تقيم به حتى ماتت.
ارتفع حاجباه دهشة وهو يقول: يا إلهي . . العمة روزينا. .؟ لقد تربيت في حجرها وكنت أزورها لتعطيني الحلوى.. إن والدتي بكت خلف جنازتها، أما أنا فقد كنت مازلت طفلاً.
كان عاميت خلف الجدار يصفق بيديه منشرحاً، وينصت باهتمام عبر السماعات الى حديث روفا وأبو داود. لقد امتص أبو داود لسعة الخوف الأولى التي انتابت الطيار المذعور، واستطاع بهدوئه الذكي المعهود أن يكسبه الى صفه، وأن يعيد اليه توازنه النفسي المهتز، خلال لحظات قليلة من اللقاء.
كان أبو داود دبلوماسياً في الحوار، تغلف صوته نبرة محببة تأسر قلوب مستمعيه. أما أبو موسى فقد أصيب بالدهشة وسكت عن الكلام، حيث لم يترك له زميله الفرصة ليستعرض مواهبه، خاصة والحوار يدور حول ذكريات وأماكن لا يعرفها في بغداد.
وبعد مرور ساعتين تقريباً، كان طقس اللقاء المثير مريحاً حقاً، وأضفى تواجد ليزا بينهم أُلفة أحاطت روفا بالطمأنينة، وأخرجته بسهولة من دائرة الارتباك، حتى أن ضحكاته الرنانة العالية، كانت خير مؤشر لسكينته.
عندما بكى عاميت
وفي غرفة المراقبة، كان ضباط الموساد والفنيين في دهشة حقيقية أمام الموقف المؤثر، فإنها المرة الأولى، طوال عملهم في نصب مصائد العسل، التي لا يصاب فيها "الصيد" بصدمة المفاجأة، الصاعقة، بل إنها المرة الأولى أيضاً التي يطرقون فيها الباب، ويدلفون بهدوء كأصدقاء.
لم يكن عاميت قد صادف شيئاً كهذا من قبل، فمشاعره بلا شك أنصبت في اتجاهات أخرى، غير تلك التي حيرت رجاله، وبهذا فقد ضمت الحجرة أحاسيس متبانية، تولدت أمام مشهد عجيب.
تطرق أبو داود في حذر ذكي لمسألة الهرب الى إسرائيل، مقابل مليون دولار تدفع فوراً في تل أبيب، وكان حريصاً على ألا يذكر الميج 21 مطلقاً، لتهيئة روفا نفسياً أولاً، نائياً به عن إحداث صدمة ترتد بمشاعره، وتتطلب ترميماً يستغرق وقتاً لرأبه.
قال أبو داود: إن إسرائيل هي أرض الكتاب المقدس، والوطن التاريخي للشعب اليهودي، الذي تعرض على مر العصور لهجوم تلو الآخر من جانب أعدائه، فتشتت شمله بهدف القضاء عليه جسدياً وروحياً، وأجبر اليهود على ترك أرض إسرائيل أكثر من مرة عبر التاريخ.
ففي عام 720 قبل الميلاد طرد الآشوريون اليهود من أرضهم، وطردهم البابليون من بعدهم عام 586، ثم طردهم الرومان عام 70 ميلادية، وتعرضوا لأعمال الاضطهاد والطرد في أماكن وعصور أخرى، كان أبرزها في انجلترا عام 1290، وفي أسبانيا 1492، وفي روسيا عام 1881، وجاء هتلر وأقام لهم المحارق التي التهمت الملايين منهم. والآن يتربص العرب بنا في وطننا التاريخي، ويحاربون عودة اليهود المشتتين الى أرض إسرائيل، ويتوعدوننا بمحارق أخرى تلتهم بقيتنا لكي لا تقوم لنا قائمة.
إننا لم نعود الى أرضنا لكي نحارب العرب، لأننا بطبعنا أناس مسالمون نسعى للعيش في أمان، ونمد أيدينا لجيراننا بالسلام لكنهم يخططون لإبادتنا، ويعملون في الخفاء على تقوية جيوشهم وتسليحها بأحدث الأسلحة السوفييتية، ولا نملك إزاء ذلك إلا التحرز لاتقاء ضرباتهم، وحماية أطفالنا الأبرياء من مستقبل مظلم نتوقعه لهم، طالما هناك نوايا سيئة تجاهنا من أبناء عمومتنا العرب.
أيها الأخ العزيز العربي الشهم، إن بلدكم الطيب – العراق – كان دائماً ومازال رمز المحبة الخالصة، ففيه عاش عشرات الألوف من اليهود العراقيين، جنباً الى جنب مع المسيحيون والمسلمون، وهاجر العديد منهم الى إسرائيل وبقلوبهم نبض الحب باق للعراق.
هؤلاء اليهود الطيبين الذين جاوروكم في أنحاء العراق، وأحبوكم، وأنت تعرف بعضهم، إنهم يطلبون منك الحماية، ويرفعون أياديهم ضارعون اليك لتساعدهم، فهم بمسيس الحاجة الى رحمتك وعطفك وشهامتك.
كان أبو داود الممثل البارع قد امتقع وجهه وارتجف بدنه، وبكى، فأبكى عاميت تأثراً في حجرة المراقبة، وأدمعت عيون رجاله المستترون معه.
ليزا أيضاً كانت تلاصق روفا، وتضغط بحنان وتأثر على كفه، ينساب على خديها خطان من الدموع الى ذقنها. وشهقاتها الملتاعة رسمت خطوطها بوجهها، فبدت عاطفية تفيض شفافية مزيفة، وهي تنهش بنظراتها الحانية الراجية عيني روفا، وتقول له في توسل:
"إفعل شيئاً لأجلي".
لقد كانت اللغة العربية هي لغة الحوار بينهم، ما عدا ليزا، التي أمرها عاميت بعدم التفوه بها، وكانت تخاطب روفا بالإنجليزية لتأكيد دورها وهويتها. لكنها تأثرت جداً بخطبة أبو داود بالعربية، وأوشك أن تنكشف إذا ما أفاق روفا، وحلّل تفاصيل اللقاء بدقة.
وأمام المشهد الابتهالي الصعب، الذي أبدعه أبو داود ببراعة، خيم الوجوم على عقل الشاب المحاصر، وتساءل في حيرة عما يملكه ليقدمه لهؤلاء. .؟
وقرأ رجل المخابرات أفكاره، فقالها بوضوح هذه المرة: سيدي النقيب روفا. . إن رغبتك الشجاعة في العيش بإسرائيل مع هذه الفتاة الحسناء، شرف لإسرائيل ولكل الشعب اليهودي. وإنه لفخر لنا أن تقيم بيننا وأن تمنح حقوق المواطنة كاملة، فضلاً عن المزايا الأسطورية التي ستسبغ عليك . . و
قاطعه روفا مجاملاً بأدب: إن إسرائيل لدولة رائعة.
أكمل أبو داود: سنمنحك سيدي النقيب مليون دولار أمريكي، وسنهيئ لإقامتك فيلا ساحرة، ومنصباً عسكرياً يليق بك كطيار كفء، مقابل أن تزودنا بها.
سأل الطيار المحاصر متعجباً: أزودكم بماذا. . ؟ أنا لا أفهم ماذا تقصد.
أجاب أبو داود بينما كانت ليزا تعتصر كف منير روفا وتقبله: الميج 21.
صاح الطيار كأن حية لدغته: الطائرة الميج. . ؟
ضاعفت ليزا ضغطاتها وقبلاتها بحنان ورجاء، وأردف ضابط الموساد: نحن نريدها سليمة في إسرائيل ليتعرف طيارونا عليها عن قرب.
وأضاف وقد وشم صوته بطمأنينة زائدة: إن العرب منذ زودهم السوفييت بها يرهبوننا، ويدعون بأنها تفوق طائراتنا الحربية قدرة ومهارة، إنها تحلق يا أخي بأمان في أجوائنا، وتخترق في دعة حاجز الصوت فوق مدننا، وكأنها تطلق لسانها ساخرة من طائراتنا وأجهزة دفاعاتنا الجوية. لذلك نريدها سيدي النقيب لنتكشف خباياها، وأعتقد حينئذ، أن إقامة تمثال لك بكل شبر في إسرائيل تكريم ضئيل سيدي النقيب، لأن شعبنا سينظر اليك كبطل أسطوري خارق. . !!
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:55
العملية رقم سبعة ـ الفصل العاشر والأخير
انحرف بطائرته ناحية الغرب .. منطلقاً بأقصى سرعة ..
مستخدماً المحركات الصاروخية المساعدة . .
فابتعد كثيراً عن زميله في الطائرة الأخرى . .
وتجاهل نداءاته عبر اللاسلكي ..
منشغلاً بضبط التردد الذي يمكنه من الاتصال بالإسرائيليين . .
لكنه فشل . .
ومع ذلك واصل اندفاعه. . !!
طياري الميراج الجبناء .. !!
كانت لدى مائير عاميت خطة واحدة، لا بديل لها، لإخراج عائلة روفا من العراق، حال تأكده من إيجاد الفرصة المناسبة. والخطة تعتمد ببساطة شديدة على أذون مزورة بإحكام، بمغادرة "21" فرداً الى إيران للاصطياف. (وليس كما روّج الإسرائيليون بعد ذلك، وسنتناول كل هذه الادعاءات الكاذبة في حينه).
تقدم منير روفا لقيادته بالأوراق الطبية – المزيفة من قبل الموساد – تفيد بأن صداع الرأس HEAD ACHE الدائم هو نتيجة معاناة نفسية منشؤها القلق، مطالباً بضرورة نقله الى بغداد، حيث يعاني والده من عدة أمراض، والأمر يستدعي ضرورة تواجده الى القرب منه.
اقتنع الأطباء العسكريون بما جاء بالتقرير، وجاءت التأشيرة الطبية توصي بنقله، تجنباً لإصابته بالانهيار العصبي BREAK-DOWN. واستغرق بحث التوصية طوال شهري مايو ويونيو، وفي آخر يونيو أخبر بأن هناك كشوف ترقيات ستعلن خلال أيام، ورد اسمه بها، وعندها سيتم نقله على الفور الى بغداد.
وفي 13 يوليو حصل على أجازة لمدة أسبوع، وحاول خلاله إفهام أسرته وأسرة زوجته مريم، بأنه ينتظر النقل الى قاعدة الرشيد الجوية، لظروف الصداع التي كان قد أقنعهم بها، وفي هذه الحالة سيأخذهم جميعاً، على نفقة الدولة، لقضاء عدة أيام على شاطئ بحر قزوين في إيران، وأوصاهم بعدم إعلان ذلك تحت أية ظروف، لأنه أبلغ أسماؤهم فقط لقيادته، ولن يسمح باصطحاب آخرين.
كان منير روفا قد تأهل نفسياً للقيام بمهمته، وينتظر اليوم الذي يجمعه بليزا، بفارغ الصبر، حيث يستطيع، وهو يمتلك مليون دولار، أن ينفق عليها بسخاء، فترى فيه الى جانب فحولته رجلاً آخر سخياً كريماً.
ذات ليلة. . أراد أن يستطلع رأي زوجته، فأظهر تبرمه من الحياة بالعراق، مبدياً رغبته في اصطحابها مع الأولاد للحياة الدائمة في باريس. ضحكت مريم قائلة إنها تتمنى ذلك، وستكون معه في أي مكان.
وعلى حين فجأة صدر في 25 يوليو قرار ترقيته الى قائد سرب، الأمر الذي شجعه على استعجال طلب نقله، وتم ذلك بالفعل في 4 أغسطس. فذهب من فوره الى قاعدة الرشيد الجوية، وتسلم عمله، وبدأ العد التنازلي للعملية 007.
في 6 أغسطس نشر إعلاناً بجريدة الثورة، عن فقد مظروف أبيض متوسط لاحجم، به تقارير طبية هامة، وكان رقم التليفون به خطأ متعمد.
وفي تمام السابعة مساء دق جرس التليفون بشقته: آلو . . نعم . . حرضتك صاحب الإعلان. .؟ نعم. . أنا المهندس شاكر.. والمظروف عثر عليه ابني بالأمس.. أشكرك جزيل الشكر . . متى أستطيع مقابلتك.. ؟ كيفما ترى.. الساعة العاشرة مساء الغد بشارع الحمادي .. أمام محل أورفو. . أيناسبك الوقت والمكان..؟ لا مانع. . هل بالإمكان تمديد الموعد ساعة أخرى إن كان هذا يناسبكم؟.. لا بأس يا سيدي . . مع السلامة.
هذه المكالمة (1) البريئة جداً في ظاهرها، حوت رسالة شفرية بالغة الأهمية، كان قد تم الاتفاق عليها مسبقاً في إسرائيل.
المهندس شاكر = "كلمة السر". الساعة العاشرة = أي رقم (10) مضاعفاً، ويطرح عدد (3) قبل التضعيف. مساءً = صباحاً. الغد = هذا الشهر. شارع الحمادي = قاعدة الرشيد الجوية. محل أورفو = إخراج العائلة من العراق. تمديد ساعة = مهلة ساعة.
وببساطة شديدة، فترجمة الحوار الشفري كالتالي:
سأطير ابتداء من يوم 10 الى 20 أغسطس، من قاعدة الرشيد، ما بين السابعة الى الثامنة صباحاً، ومطلوب الإسراع بنقل العائلة خلال هذا التوقيت.
انقلبت الموساد الى خلية نحل، فالرسالة التي بثها عميلهم السري في بغداد كانت مدوية، لذلك طُلب منه إعادة بثها مرة ثانية ففعل، وجاءت كما هي في المرة الأولى بلا أخطاء.
استدعى عاميت على الفور الجنرال مردخاي هود، قائد سلاح الجو، ونقل اليه تفاصيل الخبر العاجل، فكاد هود أن يطير فرحاً، أما ليفي أشكول فقال "لن ينسى لكم التاريخ ذلك".
اجتمع هود بكبار ضباطه ومعاونيه، وتشاوروا حول القاعدة الجوية التي سيهبط بها روفا، من حيث طلعات أسراب طائراتها الروتينية، ووقت طيران روفا، والطيارين الذين يضمهم جدول الطلعات، ومدى تماسكهم أمام ظهور الميج 21 أمامهم، إذ كانوا يرهبونها لكثرة الأساطير التي حيكت عنها، وكان من بين الطيارين المقرر طيرانهم الروتيني خلال ذلك التوقيت، النقيب "موشيه ران" بطل الألعاب الجوية في الاحتفالات القومية، وهو طيار محترف مندفع، مغامر لحد الجنون.
وفي إسرائيل صدرت الأوامر لعملاء الموساد في العراق، بالإسراع في نقل عائلة روفا الى إيران، وأحيط أيضاً عملائهم في إيران بالأمر، وأجريت اتصالات مع رجال السافاك، لتسهيل خروج العائلة جواً الى إسرائيل.
كانت عقارب الزمن تتحرك ببطء، والأعصاب المرهقة المشدودة في غليان فوار، وابتداء من 8 أغسطس وطياري الميراج يقتربون كثيراً من الأجواء الأردنية، ما بين السابعة والثامنة صباحاً، دون أن يعرفوا سبباً لذلك.
ومساء اليوم التالي أقام مردخاي هود إقامة كاملة في قاعدة حاتسريم الجوية، واستيقظ صباح يوم 10 أغسطس مبكراً، واجتمع الطيارين وقال لهم:
هناك طائرة ميج 21 تحمل الشارات العراقية. .ستقترب من أجوائنا عبر الأردن. .إنها طائرة مسالمة لا تصيبوها بأذى. .نحن نريدها سليمة. . ولسوف يتبعكم قائدها بلطف الى هنا. .أكرر. إياكم والحماقة. . لا أريد تهوراً من أحدكم. .ولا تترعجوا من العلم العراقي على دفّتها. . أو الصواريخ أسفل جناحيها.
وما إن أقلع سرب الميراج الى السماء، حتى انطلق صوت هود في اللاسلكي:
أنا قائدكم مردخاي هود. . أعرف أنكم تحفظون صوتي جيداً. .لا أريد منكم تصرفاً صبيانياً. . أريدكم عقلاء كما أتوسم فيكم. .كونوا هادئين بلا انفعال. .
وتكرر هذا النداء صباح اليوم التالي . .والذي يليه .. و .. .
(1) قد يتساءل البعض: لماذا لا يكون هناك لقاء بين عميل الموساد ومنير روفا بدلاً من مكالمة شفرية قد يشوبها خطأ ما. .؟ وللإجابة نقول: إن هذا التصرف من صميم عمل أجهزة الاستخبارات. فالموساد تتوقع كافة الاحتمالات إذ قد يكون في الامر خدعة ما ويعتقل عميلها المدرب لوشاية من روفا (الغير موثوق به حتى تلك اللحظة) أو قد يكون تليفونه مراقباً فيعتقل الاثنين معاً، أو قد يكون عميلهم مكشوفاً للمخابرات العراقية، وترك حراً تحت المراقبة لاصطياد شركائه.
الحصار في طهران . . ! !
كانت السيارة الجيب العسكرية تذهب غالباً في الصباح الباكر الى بيت روفا، وتعيده مرة أخرى عند العصر. وفي 11 أغسطس أخبر أهله وأهل زوجته، بالاستعداد للسفر الى إيران فجر 13 أغسطس (1)، حيث سيتحركون بالباص مع أحد زملائه، بينما يطير هو الى طهران برفقة قائد عراقي كبير، ليمكث معهم عدة أيام على الشاطئ.
وفي 12 أغسطس ودع روفا أهله، بدعوى أنه في مهمة سرية مع القائد العام، ولن يراهم إلا في إيران بعد أيام، وأوصاهم جميعاً بمرافقة زميله، وتنفيذ ما يطلبه منهم لأجل سلامتهم وأمنهم. وحمل حقيبته الصغيرة متجهاً الى قاعدة الرشيد، بنية الابتعاد عن أفراد أسرته حتى يطمئن على سفرهم أولاً، ومن ثم يطير من بعدهم الى إسرائيل.
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:56
لقد زُوِّد كقائد سرب بوقود يكفيه لمسافة ألف كيلو متر، وتبلغ المسافة بين قاعدتي الرشيد في العراق وحاتسريم في إسرائيل نحو تسعمائة كيلو متر، معنى ذلك أن الطائرات السورية لو تصادف وطاردته، فوقوده سوف ينفذ في الجو لا محالة.
لذلك . .كان المطلوب لإنجاح خطة هروبه الارتفاع الشديد أثناء الطيران لتقليل استهلاك الوقود، والإفلات السهل من السوريين وصواريخهم الأرضية. أما الأردنيون فقد كانت دفاعاتهم متواضعة، إضافة الى خلو سلاحهم الجوي من الميج 21.
وصباح الثالث عشر من أغسطس، توقف الباص أمام بيت روفا، وركبت مريم وولديها، واتجه بهم الباص الى المستنصرية حيث والديه وأخوته، فركبوا جميعاً، وعند أهلها في الأعظمية اكتشفت وقوع حادث لوالدها، إذ انزلقت قدمه على الدرج فالتوت وتورمت، ووافق أربعة فقط من أخوتها – شاب وصبي وفتاتين – على السفر معها.
سويعات قليلة وعبر الباص البوابة العراقية بالأذون المزيفة، بداخله سبعة عشر فرداً من أهل روفا، إضافة الى قائد الرحلة، الذي كان في حقيقة الأمر أحد عملاء الموساد في العراق.
عاد روفا الى شقته وعرف بما حدث لوالد زوجته، فغضب كثيراً، وفي السابعة مساء دق جرس التليفون:
آلو . . نعم . . أنا المهندس شاكر. . اتصلت بك سبعة عشر مرة لأطمئن عليك . . (إشارة الى عدد أفراد أسرته). . أنا بخير . .وما أحوال أسرتك. .؟ (يقصد أسرته هو).. إنهم بأحسن حال . .ويتشوقون اليك. . متى ستأخذهم الى بيت العائلة . . ؟ (يقصد إسرائيل).. ليس قبلما تسبقهم أنت أولاً. . (أي أنهم سيطيرون بعد وصولك لإسرائيل بالميج 21). سأقضي معكم إذن ستة عشر يوماً لا أكثر . .!! (أي أنه سيهرب بالطائرة يوم "16" و "لا أكثر" نافية للتضعيف.).. إننا جميعاً ننتظرك . . (ننتظرك في إسرائيل). . لن أتأخر عن ميعادي. . !! (أي أن يوم 16 هو لحظة الصفر). . هل أجازتكم حقاً "16 يوماً". . ؟ نعم . . 16 يوماً . . (لتأكيد الميعاد). سنجهز لك وليمة رائعة . . (سيكون هناك استقبال حافل). أنت تعرف الأصناف التي أحبها. . (يقصد أنه لا يريد سوى ليزا. . ولأنه عميل مقيم بالعراق لم يفهم ما يقصده. . لذلك أجاب): ستسر جداً يا صديقي بيننا . .الى اللقاء. . الى اللقاء ..
نزلت مريم وبقية أفراد الأسرة، حسبما أراد مرافقهم، بأحد فنادق طهران، وكانت قد تعجبت من أمر ذلك التغير الذي طرأ على الرحلة، فقد كان المخطط البقاء على بحر قزوين لا في العاصمة. وأمام تساؤلاتهم الملحة، لم يكن المرافق يجيب سوى برسالة روفا الى زوجته، التي يطلب فيها أن تطيع الرجل ولا تكثر من الأسئلة.
أمر هذه الرسالة ذات الأوامر كان يشعرها بإحساس غامض، يقترب بها من حافة الشكوك والريب. وضاعف من قلقها تلك الوجوه التي تحيط بهم داخل الفندق، وأثناء تجوالهم في الحدائق والأسواق.
بقية أفراد الأسرة – أخوة منير وأخواتها – لاحظوا مثلها تلك التصرفات أيضاً، وتحدثوا فيما بينهم، حتى إذا ما أنهكهم تفسير ما يروه، انكبوا على مريم يسألونها، ويستفسرون عن سبب بقائهم في طهران، فكانت تقول اسألوا منير عندما يجيء.
وفي 15 أغسطس كان منير قد استُهلك عصبياً، وأخذ يأتي بتصرفات لا إرادية غريبة، فتارة يضحك عالياً ويقهقه، وتارة أخرى يتجهم لوقت طويل ملتزماً الصمت. وشوهد طوالاً يحادث نفسه، مصدراً أصواتاً هوائية مبهمة، مفضلاً الانعزال بعيداً عن زملائه. وعند المساء أغلق عليه باب حجرته مبكراً، وقضى ردحاً من الزمن في سهوم وتفكير.
بعد ذلك قام الى دولابه وأخرج أوراقاً وقلماً، واشنغل بكتابة رسائل لأصدقائه، لكنه تخوف من أن يؤدي ذلك الى حرمانهم من الطيران، فمزق أوراقه وحرقها، وانفرد بنفسه في الشرفة لقرب منتصف الليل، ثم أوى الى فراشه موهماً نفسه بسعادة كاذبة، لقرب لقاءه بالحبيبة ليزا، لكن تفكيره في المليون دولار كان يشغله في الحقيقة أكثر وأكثر. .
ومع انبعاث صوت آذان الفجر من مسجد القاعدة الجوية القريب، هب من فراشه كالملسوع، وارتدى على عجل ملابسه الرياضية، وأسرع بالخروج. . !!
نهاية المدفون حياً . . !!
عندما تأكد لرجال الموساد في إيران وصول روفا الى إسرائيل، أعلنوا الخبر لزوجته ووالديه، وأخبرهم بأن طائرة إسرائيلية في الطريق الى طهران جاءت لتقلهم الى تل أبيب.
صرخت مريم غير مصدقة، وصرخ أخوة روفا وأخوتها، بينما وجم أبواه في البداية ثم انهارا في بكاء أليم.
وفي حين أصرّت مريم أن تحادث روفا تليفونياً، تمسك أخوتها الأربعة بالعودة الى العراق، بالرغم من محاولات تخويفهم من قسوة ما سيلقونه من تعذيب في بغداد، على إيدي المخابرات العراقية.
وأمام إصرار مريم لم يكن هناك من بد من إتمام ذلك، ومن مقر الموساد في بئر سبع حدث الاتصال بإيران:
روفا: آلو
مريم: منير . . ماذا حدث. . ؟ "كانت تبكي في صراخ".
روفا "وقد تهدج صوته": أنا في إسرائيل يا مريم . . تعالِ. .تعالوا كلكم لأن العراقيين سيفتكون بكم. .ويمثلوا بأولادنا يا مريم .. و ..
مريم "كان صراخ ولديها وَمَنْ حولها مسموعاً": ماذا فعلت في العراق. . ؟ روفا "وقد أوشك على الانهيار": لا تضيعون الوقت. . لقد هربت بالطائرة ولن تستطيعوا العودة. .
انتهت المكالمة بانهيار الطيار الهارب، وأوشك عاميت أن يأمر باستدعاء ليزا على وجه السرعة، بيد أنه تريث في اللحظة الأخيرة حتى لا يبدو كاذباً، إذ أخبر روفا بأنها في زيارة لأختها المريضة في أستراليا. وجاهد أبو داود باستماتة لكي يعيد روفا الى هدوئه، منفرداً به وحده في ركن قصي.
وبحديثه التمثيلي المؤثر استطاع السيطرة على الشاب المذعور، بل وأقنعه بمواجهة كاميرات الصحفيين وأسئلتهم، لكي يبدو ثابتاً وبأعصاب سليمة، أمام العراقيين.
عمت البهجة جهاز المخابرات المركزية C..I.A.، وأقلعت من نيويورك طائرة تقل 50 خبيراً في هندسة الطيران، لفحص الطائرة الميج 21 في إسرائيل. تزامن ذلك مع وصول الملحقين العسكريين الى قاعدة حاتسريم، ووقف الملحق العسكري الفرنسي – الكولونيل كاترو – في حالة هي أشبه بالذهول الكامل، وكل ما تفوه به هو أنه قال:
مدهش . .إنها ممشوقة القوام Elle a la taille svelte .
وهتف الملحق العسكري الأمريكي وهو يتحسس الطائرة: أنا أول أمريكي يلمس هذه الجوهرة. (1)
أما الميجر تومبسون الملحق العسكري الإنكليزي، فقد وقف يتأملها مصعوقاً. .وأخذ يتمتم بكلمات غير مفهومة.
وفي القاعة المعدة للمؤتمر الصحفي، كان التزاحم شديداً لصحفيين ومراسلين من كل أنحاء الدنيا، الى جانب طاقم التليفزيون الإسرائيلي من فنيين ومذيعين، وجنرالات الجيش ببزّاتهم ذات الشارات اللامعة، وقد رسموا ابتسامات الزهو فغلفت وجوههم، مستسلمين للأسئلة التي انهالت عليهم كالمطر:
كيف حصلتم على الطائرة. . ؟ هل جاءت مصادفة أم بعملية مخابراتية. .؟ هل جاءت بأسلحتها أم كانت خيالية من السلاح. . ؟ هل اختطفتها طائراتكم وأجبرتها على الهبوط بإسرائيل. . ؟ ما عمر الطيار تقريباً. .؟ و . . . . .. . و . . . . . .
بطبيعة الحال، لم يكن مصراحاً لهم بالإجابة عن أية أسئلة، ففي الكواليس الإسرائيلية تطبخ المسائل بما يخدم أغراضها. لذلك بقيت عقول المتواجدين بالقاعة تلهث بحثاً عن إجابات، الى أن دخل منير روفا محاطاً بعشرات الضباط العسكريين، فومضت مئات الفلاشات المتحفزة، وسلطت الكشافات المبهرة بقوة، وارتبك الطيار العراقي الذي تم تلقينه الإجابات بالداخل، وانصبت عليه فيضانات الأسئلة، فازداد ارتباكه وارتجف فكه السفلي هذه المرة بوضوح شديد، أما أطرافه فلم يعد بإمكانه الإحساس بها، ولمحه عاميت المستتر بعيداً لا أحد يراه، فأمر بسحبه الى الداخل في الحال.
ولما فشل في إعادته مرة ثانية الى القاعة، بسبب التدهور الحاد الذي أصاب تماسكه، وبكاءه المتصل وهياج ردود أفعاله، كان هناك حل آخر بُدء في تنفيذه على الفور.
دخل القاعة الناطق الرسمي بلسان الجيش الإسرائيلي – سهيل بن زفي – وكان يمسك بورقة بيضاء، ادعى بأنها رسالة بعث بها منير روفا الى إسرائيل، عندما كان بباريس في أبريل الماضي، يبلغهم فيها برغبته في اللجوء الى إسرائيل، هرباً من الاضطهاد الذي يعامل به المسيحيون في العراق، وبسبب التمييز المذهب ضد أكراد الشمال، وأخذ يقرأ بضع فقرات من الرسالة.
هكذا فكر ونفذ عاميت، لتشويه وجه الحكم في الدول العربية، وإظهار الأقليات بها بصورة مغايرة للحقيقة، وللتدليل أمام وسائل الإعلام العالمية، أظهر بأن الطيار الهارب من جحيم العراق، ما فر بطائرته إلى إسرائيل إلا لثقته في ديمقراطيتها، واحترامها للأديان.
وبواسطة طائرة هليوكوبتر، أُخذ منير روفا الى الفيلا التي اختارها لنفسه في ريشون لتسيون (1)، ووصلت من طهران الطائرة التي أقلت أهله، بينما تسلمت السفارة العراقية أخوة مريم الأربعة، وأعادتهم على كفالتها الى بغداد.
كان العراقيون يعرفون أن لا ذنب لكل من يمت للطيار الخائن بصلة قرابة أو صداقة. وأدركوا بعد فوات الأوان أن روفا تم تجنيده أثناء رحلة باريس، وأن يوسف منشو، الذي هرب بجلده الى إسرائيل، كان اليهودي القذر الذي ساعد في خيانته. .
وفي إسرائيل كانت المواجهة عصيبة بين روفا وزوجته وبقية أسرته، فالمأزق الذي وضعوا فيه كان أكبر من مدى استيعابهم، وأحس غالبيتهم بمدى غبائهم، حينما وافقوا على السفر إليه في إسرائيل. وكانت أمه أشد الرافضات لغدره ومن بعدها أختيه، أما أبوه فكان على قناعة بأنها "ضربة حظ" سترفع كثيراً من شأنهم. فالمليون دولار، مبلغ خيالي أدار عقله، وسلبه نعمة التفريق بين الحلال والضلال، وبين الإثراء والخيانة، وكان كثير الثناء على ابنه الخائن وتصرفه "السليم" في مواجهة الفقر، وتأمين مستقبل مضمون للجميع.
مريم هي التي بوغتت، فمع مكالمة منير الهاتفية فقدت الوعي ونقلت الى عيادة مجاورة للفندق، وبقيت على حالها لساعات وما أفاقت إلا وهي بالطائرة الإسرائيلية، تطير غصباً عنها لإسرائيل. ومن حولها كان ولديها وشقيقات زوجها وأمهم ينتحبون، ويجهشون بالبكاء طوال رحلة الطيران.
ولخوفهم مما كان سيجري لهم ببغداد – حسبما أُبلغوا – وأمام الأمر الواقع، خضعن، وبحلقومهن غصّة مشبعة بالوجيعة، وبقلوبهن وخز كالإبر.
تسلم روفا شيكاً على بنك هاتسوفيه الإسرائيلي بمليون دولار، وبعدما طال بحثه عن المعشوقة ليزا دون جدوى، اكتشف أن المسألة منذ بدايتها كانت خدعة كبرى، رتبت بإحكام لاختطاف الطائرة، وما كانت ليزا سوى اسم وهمي لإحدى عميلات الموساد، قامت على تصيده والسيطرة عليه بدعوى الحب. . هذه الخدعة الخبيثة جعلته يحتقر ذاته، وما كان له إلا أن ينسى ليزا فلا طريق أمامه دون ذلك.
ولأنه وقع في المصيدة، مضطر للاندماج شيئاً فشيئاً داخل نسيج المجتمع اليهودي، ورفضاً استلام جواز سفر إسرائيلي باسم جديد، كذلك فعلت بقية أسرته، حيث كان الخوف – وما يزال – يسيطر على عقله، وقال لهم في يأس:
"لست بحاجة الى جواز سفر . . لأنني دفنت نفسي ها هنا حياً. . الى الأبد" . .
هكذا عاش الخائن مرعوباً بين أعداء وطنه وأمته، لا يحس بالأمن ليلاً أو نهاراً، ويرى الاحتقار بادٍ على وجوه من يعرفونه أو يحيطون به، ولا يلقى منهم أي احترام أو تقدير. فقد كانوا يعرفون أنه جبان، خائن، باع وطنه بثمن بخس، وأن من باع وطنه فلا أمان له ولا عهد.
كيف إذن يعيش الخونة العرب في إسرائيل . . ؟ وكيف يعاملون . .؟ وهل يثقوا بهم هناك. .؟
(1) بعد أيام قليلة من الاستيلاء على الميج 21، أهدتها إسرائيل الى الولايات المتحدة لتفحصها وكشف أسرارها. وفي الحقيقة كانت الطائرة من طراز معدل أدخلت عليه بعض الإضافات، واستطاع الأمريكان فهمها وتبين نقاط قوتها، وتحسين أداء طائراتهم الفانتوم وسكاي هوك، واستفادوا من العقلية السوفييتية في تطوير صناعة طائراتهم الى حد كبير. .وعندما قامت حرب 1967 كانت الطائرات الأمريكية التي لدى إسرائيل، مزودة بإمكانات هائلة حديثة مكنتها من التفوق الجوي، والاشتباك الجوي مع الطيران العربي دون خوف من مواجهته.
ختام لا بد منه
الكتب التي تصدر – عن قصد – من إسرائيل . .
للترويج لعبقرية جهاز الموساد . .
يجب أن تمنحنا فرصة التدريب العقلي . .
لفحص ضلالات الكذب . .
ومعرفة حدود الحقيقة في الخيال . .
وذلك بقياس الأدلة المعلنة . .
والوقائع المعروفة . . ! !
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:57
الخاتمة
واكب حادثة هروب منير روفا بطائرته الى إسرائيل، دعاية مغلوطة لقصص خرافية روجت لها الموساد، لإضفاء صفة الإعجاز على عملياتها، التي درجت الدعاية على نعتها بالأسطورية الخارقة.
وأستطيع أن أؤكد، بما لا يدع مجالاً للشك، أن مزاعم الإسرائيليين التي جاءت بصور مختلفة عن العملية 007، كلها محض خيال وأكاذيب، قصد من ورائها الترويج لبطولات زائفة هشة، وتوظيف "بروبا جندا" الإشاعات لإثارة الخيال، والإساءة المغلفة لأجهزة المخابرات العربية ولعقول رجالاتها، التي أنهكت مخابرات إسرائيل في عمليات بارعة ذكية، لا يملك العرب صراحة أساليب الدعاية الكافية لنشرها بكل اللغات، فضلاً عن أن مخابراتنا تنأى عن كشف أسرارها، وتلتزم الصمت إزاء العديد من العمليات التي تقوم بها، حرصاً على الأمن القومي، وسرية عملها الاستخباراتي وأساليبه.
ففي مصر وحدها يعيش العديد من العملاء من الأجانب والإسرائيليين، الذين جندتهم مخابراتنا وعملوا داخل كيان الدولة العبرية لسنوات طويلة، تمت مبادلة بعضهم، والبعض الآخر جاءوا الى مصر بمحض إرادتهم، بعد انقضاء مدة عقوبتهم في سجون إسرائيل، كلهم يلقون الأمن والاهتمام والرعاية بين المصريين.
وهل يتذكر أحد منكم اسم "إسرائيل بير". . ؟ لقد كان أحد الكبار في إسرائيل، أوكل اليه رئيس الوزراء ديفيد بن جوريون كتابة تاريخ حرب 1948، وعمل مستشاراً لبن جوريون نفسه، وكان مكتبه في وزارة الدفاع بجوار مكتبه. واتضح فيما بعد أنه جاسوس يعمل لصالح المصريين، وحكم عليه عام 1962 بالسجن ومات بعد أربعة أعوام من سجنه.
وهناك كيبوراك يعقوبيان الذي عاش في إسرائيل باسم إسحاق كوكوك، وعمل في الجيش الإسرائيلي الى أن تم اكتشافه، واستلمته مصر عام 1966 في عملية مبادلة.
أيضاً مردخاي كيدار، وشموئيل باروخ، وأليسبياديس كوكاس، وأورليحت شنيفت، أو أولريتش، وتيودور كروس، والكسندر بولين، كلهم عملوا لصالح المخابرات المصرية ضد إسرائيل، بخلاف القائمة الطويلة من العملاء الشرفاء، من المصريين والعرب.
إن قصص العملاء الذين عملوا مع المخابرات العربية ضد إسرائيل، أكثر من أن تحصى، تتناثر بعضها هنا وهناك، وجاء أغلبها في كتب الجاسوسية التي تنشرها إسرائيل، بشكل مضلل، هذه القصص تلقى التجاهل من وسائل إعلامنا، وكُتّاب الجاسوسية الذين "انقرضوا" هرباً من الكتابة في هذا الاتجاه البالغ الصعوبة.
ونعود ثانية لتفنيد مزاعم الإسرائيليين وأكاذيبهم، حول حادثة هروب الطيار العراقي منير روفا، وسنكتشف معاً التخبط الذي جاء بمصادرهم وكتبهم، وهو الدليل الذي ساقوه الينا لنحكم بأنفسنا على تفاهة هؤلاء الأغبياء، أدعياء العمليات المخابراتية الأسطورية الخارقة:
• زعموا كذباً في بعض كتبهم أن عملية تجنيد روفا تمت في بغداد بواسطة عميلة أمريكية. عندما أبدى لصديقه يوسف رغبته في الهرب لإسرائيل. وأنه سافر الى روما مع العميلة ومن هناك الى تل أبيب للاتفاق، ثم سافر بعد ذلك الى باريس ليخبرهم بالموعد المقترح للهرب. (!!)
• زعموا كذباً في كتب أخرى أنه جُند في فلوريدا بأمريكا، أثناء دورة تدريبية له هناك. (!!)
• زعموا كذباً أيضاً أن عائلته تم تهريبها في عدد (2) أتوبيس بواسطة أكراد العراق الذين سهلوا لهم العبور الى إيران. . وهذا مستحيل لأن الهرب عن طريق جبال كردستان بأتوبيس معناه الموت الأكيد لاحتمالات لا حصر لها كالأعطال ونقص الوقود والمؤن والسقوط من المرتفعات الشاهقة، فضلاً عن جهل عائلة روفا بالأصل بنوايا هروبه. (!)
• وزعموا في روايات أخرى أن عائلته وأقاربه تمكنوا من الهرب الى إيران يوم هربه ثم طاروا بعد ذلك الى إسرائيل (أي أنهم كانوا على علم بخطة هروبه). (!)
• قالت المصادر الإسرائيلية أن منير روفا يهودي عراقي، أبدى رغبة في الهرب بطائرته مقابل نصف مليون دولار. (!!)
• مصادر أخرى زعمت أنه مسيحي أرثوذوكسي، جندته عميلة أمريكية أرسلت الى بغداد.
• ادعت مصادرهم أيضاً أن الملحق العسكري الأمريكي في بغداد، أقنعه بالهرب الى تركيا لأن الطائرة ستأخذها أمريكا. (!!)
• قالت مصادر إسرائيلية أيضاً أنه هرب الى تركيا ومنها الى إسرائيل. (!!)
• مصادر أخرى قالت أنه هرب الى إسرائيل عن طريق الأردن، وأن الأردنيون اعتقدوا بأنه الميج 21 سورية في إحدى طلعاتها. (!)
• وفي روايات أخرى أيضاً ادعوا بأنهم سلموامنير كبسولة تحوي مادة مجهولة تصيب ابنه بأعراض غريبة لا تجد حلاً طبياً في العراق، فتسافر زوجته الى لندن لعلاج ابنها وبصحبتها الطفل الآخر، ثم تطير للحاق بزوجها في إسرائيل. وهذه رواية هزلية تفضح سذاجة الدعاية وخلوها من أية مصداقية. (!!)
• زعموا بأن روفا كان مستاء من سياسة حكومته ضد الأكراد. وإجباره على ضربهم بالصواريخ والمواد الحارقة للتنكيل بهم، وهو لذلك قد كره العيش بالعراق. (!!)
• في مصادر إسرائيلية أخرى ادعوا بأنه كمسيحي كان يحرم من الترقيات كزملائه المسلمين، وتزود طائرته بكمية من الوقود أقل منهم شكاً في ولائه. . (!!) والكذب المقصود الهدف واضح جداً في هذا الادعاء، لأن روفا كان يعامل معاملة طبيعية بعيدة عن التزمت العقائدي والمذهبي، بدليل سفره الى الاتحاد السوفييتي وأمريكا، كزملائه المسلمين، لحصوله على دورات تدريبية لزيادة الكفاءة تؤهله للترقي. والواقع أن كمية الوقود التي كانت تزوجه بها الطائرات في العراق، كان قد تم تحديدها لكل طيار – حسب درجته وإجادته – ولم تكن تمنح عبثاً، ليلهو الطيارين بالجو وقد بهرتهم الطائرة الحديثة الجبارة، التي لم يروا إمكاناتها وسرعتها الخارقة من قبل. هذه القيود كان يعمل بها حتى داخل الاتحاد السوفييتي نفسه، وتتبعه دولاً عديدة في العالم الثالث استحدثت طائرات سلاحها الجوي بالديون والقروض والفوائد.
وإنني أرى . . أن منير روفا قد تم تجنيده في باريس من خلال نقطة ضعفه، جنونه الجنسي، بدفع عميلتهم المدربة الحسناء لاصطياده، وتلبية رغباته الجامحة. واستطاعت العميلة إخضاعه والسيطرة عليه بدعوى الحب والارتباط والعاطفة، وكانت رغبة الإثراء عنده أقل حدة من الجنس، ذلك أن حكومته قد منحته راتباً سخياً، ومركزاً اجتماعياً يحسد عليه، ومن فائض مرتبه كان ينفق على بيته، ووالديه، وأخوته، ونزواته، بما يعطي مؤشر الطمع في المال الترتيب الأدنى. هذا وأنصح كل من يقرأ كتب الجاسوسية التي تروجها إسرائيل، ألا ينخدع فيما تزعمه هذه الكتب، وما تتضمنه من أحداث ووقائع، ذلك لأن أغلبها أكاذيب وتضليل وسراب.
ولكي أدلل على أكاذيب الموساد، التي سردت قصة الطائرة الميج 21 بأكثر من رواية، أشير الى بعض الكتب الإسرائيلية التي نشرت، وترجمت الى العربية، وجاءت بها القصة بأشكال مختلفة لا رابط بينهما، ابتدعها خيال الدعاية المريض:
وعشرات الكتب الأخرى، كتبها ضباط سابقين في الموساد، مهمتهم الترويج لعمليات الموساد وتضخيمها، لأسباب كلنا نعرفها، ونعرف مغزاها القذر. فإن هذه الكتب التي تصدر عن قصد، يجب أن تمنحنا فرصة التدريب العقلي.. لفحص ضلالات الكذب، ومعرفة حدود الحقيقة في الخيال، وذلك بقياس الأدلة المعلنة بالوقائع المعروفة.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته ، ، ،
فريد الفالوجي كاتب مصري له عده مؤلفات في قضايا العملاء
يارب تعجبكم وتنال رضاؤكم دمتم بود ومحبة
aldrado
عريـــف أول
الـبلد : العمر : 47المهنة : خبيرالمزاج : غيور على بلدىالتسجيل : 06/07/2008عدد المساهمات : 155معدل النشاط : 264التقييم : 4الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: صــــــــــــــــــــــــــــــــــراع العقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــول الخميس 2 يوليو 2009 - 18:58
أتمنى من الله أن يعجبكم الكتاب وللامانة تم نقله إلى موقعى المفضل لافادة أعضائنا