أمريكا: تخيف أم تخاف ؟
بسبب مظاهر الضعف والتخبط فى سياسات أمريكا الدولية،لم تعد أى دولة كبيرة أو صغيرة،تخشى استقواءها أو تهديداتها،بدءا من روسيا والصين وحتى ميانمار،تلك الدولة الصغيرة جدا التى لا يعرف الكثيرون مكانها على الخريطة.
ولنبدأ بروسيا الغريم الأكبر لأمريكا..تقول عنها البنتاجون إنها صدمتهم بما حققته من تفوق عسكرى على كل دول الناتو مجتمعة،فى وقت أهملت فيه أمريكا برامجها العسكرية..لذلك تضع روسيا أصابعها فى عيون أمريكا وحلفائها،وتواصل استفزازاتها العسكرية لهم..فماذا فعلت موسكو فى الفترة الأخيرة؟بعثت بقاذفات قنابل طويلة المدى الى أماكن قريبة من الولايات المتحدة وحلفائها وأصدقائها:الى خليج المكسيك وكندا والدول السوفيتية السابقة ..وبعثت بسفن حربية بالقرب من أستراليا في أثناء انعقاد قمة العشرين التى حضرها الرئيس الروسى أيضا..كما تتحرك قوات عسكرية روسية الى داخل أراضى شرقى أوكرانيا..هذه التحركات كلها وصلت بالعلاقات الروسية الغربية الى أدنى مستوياتها منذ انهيار الاتحاد السوفيتى..ولكن كل ماترد به أمريكا والناتو هو فرض عقوبات اقتصادية..ويتساءل الأمريكيون:هل الروس قادمون؟
الصين من جانبها تتحدى أمريكا باسلحتها..تحدث خللا فى ميزان القوى بآسيالصالحها.. ذلك بما تواصله من بناء عسكرى ضخم يثير مخاوف واشنطن والغرب..وتشير التقارير الى أن الصين صعدت من عدوانيتها،وتعمل على توسيع مجال سيطرتها..تستعرض أسلحة إستراتيجية ذات تكنولوجيا عالية لم تكن فى ترسانتها من قبل،فى حين تتراجع القوة العسكرية الأمريكية باعتراف أمريكا نفسها..وتخشى واشنطن أن تهزمها الصين إذا ما نشب صدام بينهما.
أما ميانمار الدولة المعزولة التى زارها الرئيس أوباما أخيرا،فقد حطمت حلمه فى أن يجعل منها دولة تابعة له فى أسيا،أو يحولها الى دولة ديمقراطية بعد خمسين عاما من الحكم العسكرى..وجدها وقد تراجعت عن الإصلاحات التى بدأتها،وعن تعهداتها التى حصلت بمقتضاها على امتيازات، سخية وإعفاء من العقوبات..وخسر أوباما كل أوراق اللعب التى راهن بها على تلك الدولة..وكان قد وضعها فى إطار استراتيجيته الأسيوية باعتبارها شريكا بالمنطقة يستطيع من خلاله احتواء النفوذ الصينى.
وما بين روسيا على قمة السلم وميانمار فى آخره، نجد دولا كثيرة وقد تمردت على النفوذ الأمريكى، ورفضت أوامرها،وتجاهلت تهديداتها،وقررت أن تعطى الأولوية لمصالحها مهما كلفها الثمن.. وتأتى مصر على رأس القائمة..لم تعد أمريكا تخيف مصر،بل تحسب لها الآن ألف حساب. ولامجال هنا للحديث عن داعش،تلك العصابة الإرهابية التى لم نسمع عنها إلا أخيرا،ولانعرف لها «أصل ولا فصل»، و لا نقارنها بأى دولة مهما صغرت..مع ذلك فإنها تكشف مدى الضعف الأمريكى..وتعترف واشنطن بأنها غير قادرة على مواجهتها برغم تحالف الدول الخمسين الذى جمعته للمشاركة فى حربها مع داعش..والآن يطالب البنتاجون بثمانين ألف جندى إضافى ومزيد من التعاون الدولى فى تلك الحرب.
من الواضح أن أمورا كثيرة تغيرت بالنسبة لأمريكا ،ربما منذ أحداث 11/9 الإرهابية، حيث بدأت واشنطن تتخبط..لجأت للحروب فى أفغانستان ثم العراق وتعرضت لهزائم،لحقتها هزائم فى كل الاتجاهات..ولم تعد واشنطن قادرة على اتخاذ قرارات سليمة، فأصبحت دول كثيرة تتحداها،وأحيانا تتطاول عليها، وأحيانا تخيفها.
http://www.ahram.org.eg/News/51386/4/NewsPrint/344616.aspx