20.02.2015
تغيّرت الأوضاع الأمنية في الجزائر بعد عام 2013، والسبب هو مقدار التهديد القادم من وراء الحدود الجنوبية الشرقية (ليبيا)، بعد عملية اختطاف الرهائن في المركّب الغازي بتيڤنتورين في عين أمناس. لكن بعد 25 شهرا من عملية تيڤنتورين بدأت ملامح تهديد أكثر جدية وقوة تلوح في الأفق القريب مع تزايد نفوذ “التكفيريين” في ليبيا، وتحوّل هذا البلد إلى “عراق جديد” يرتبط بحدود طولها 1000 كلم مع الجزائر.
خلف الجدران العالية لمباني أجهزة الأمن الجزائرية تستعد قيادات أجهزة الاستعلامات والأمن وفي أمن الجيش لسيناريو ضربة قادمة سيشنها الإرهابيون انطلاقا من ليبيا. وكشف مصدر أمني رفيع أن قيادات أجهزة الأمن تعتقد أن ما يسمى تنظيم “داعش ليبيا” سيهاجم الجزائر في غضون أشهر قليلة أو ربما في فترة لن تزيد عن سنة ونصف السنة، ويتراوح سيناريو الضربة بين هجوم ضد موقع عسكري حدودي إلى استهداف جديد لمنشآت نفط جزائرية في الجنوب الشرقي.
تيڤنتورين جديدة
تلاحق مصالح الأمن منذ عدة أشهر “خلايا جهادية” تعمل على تجنيد “مقاتلين” لصالح ما يسمى “إمارة برقة الإسلامية” في ليبيا، الموالية لتنظيم “داعش”. وقال مصدر أمني إن أغلب التحقيقات تشير إلى أن مقاتلين سلفيين يصل عددهم إلى 70 تمكنوا في عام 2014 من الوصول إلى ليبيا، والالتحاق بتنظيم “داعش”، “أغلبهم كانت وجهته الأولى هي العراق، إلا أن الوصول لهذا البلد في الظروف الحالية بات شبه مستحيل”. وتشير تقديرات أولية إلى أن ما لا يقل عن 100 إرهابي جزائري يوجدون حاليا في ليبيا، وعلى رأسهم المطلوب مختار بلمختار. وينشط ما لا يقل عن 70 جزائريا في صفوف “تنظيم الدولة الإسلامية” في “إمارة برقة” التي باتت تحت “سيطرة” هذا التنظيم الإرهابي المسلّح. وقد تحولت ليبيا إلى الوجهة الرئيسية للراغبين في الالتحاق بتنظيم “داعش”، والسبب هو السهولة الكبيرة في الوصول إليها بسبب حدودها المترامية الأطراف. وقال مصدر أمني رفيع إن “الوضع الحالي يدعو للكثير من القلق، فخلال عام 2014 أصبحت ليبيا مصدر التهديد الأول للجزائر لعدة أسباب، أهمها تحول الجزائر في عام 2014 إلى ممر رئيسي للراغبين في الانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية، حيث ارتفع معدل محاولات التسلل عبر الحدود البرية بين الجزائر وليبيا بشكل كبير، ورغم أن أغلب هذه المحاولات نفذت من قبل مهربين، إلا أن عدة محاولات تسلل كان أصحابها يرغبون في الالتحاق بمعسكرات الجهاد العالمي في ليبيا”. وحمل شهر جوان 2014 المزيد من المتاعب، حيث أعلن تنظيم الدولة الإسلامية في العراق الخلافة، وبايعته فيما بعد فصائل سلفية في ليبيا. ووصف مصدر عليم حادثة ذبح الرعايا المصريين في ليبيا بالإنذار القوي الموجه لدول جوار ليبيا، وقال المصدر ذاته “إن منفذي العملية الإرهابية الأخيرة في ليبيا كانوا يريدون أن تصل رسالة الرعب إلى حكومات الدول المجاورة لليبيا، وعلى رأسها الجزائر”، وأضاف إن كل التقديرات الأمنية الجزائرية تشير إلى أن جماعات إرهابية في ليبيا تخطط لاستهداف الجزائر عبر عملية قد لا تقل عنفا عن عملية تيڤنتورين. وتشير العديد من المؤشرات إلى أن الإرهابيين في ليبيا يحضّرون لهذه العملية بواسطة عدد من المتطوعين الجزائريين الذين التحقوا بالتنظيم في 2014.
40 ألف إرهابي.. 5 آلاف منهم أجانب تشير تقارير أمنية جزائرية إلى أن عدد الإرهابيين “الناشطين” في ليبيا قفز من أقل من 500 إرهابي في بداية الحرب الأهلية في ليبيا بداية عام 2011 إلى ما لا يقل عن 40 ألف عضو في مجموعات مختلفة، منهم 5 آلاف أجنبي من جنسيات مختلفة: جزائريون، ومن تونس، ومن مصر والمغرب والسودان واليمن والسعودية وغيرها. والمثير أكثر في الموضوع هو ما تتيحه الأرض الليبية الشاسعة للإرهابيين من إمكانات لإخفاء معسكرات التدريب. وقال مصدر أمني إن ليبيا باتت الآن الموقع الثاني لنشاط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، بعد سوريا والعراق، وهو ما يضع أجهزة الأمن الجزائرية أمام مسؤولية ثقيلة.
وقد وضعت أجهزة الأمن الجزائرية المتخصصة في مكافحة الإرهاب والأمن الخارجي ليبيا تحت المجهر، من أجل منع هجوم جديد قد تتعرض له الجزائر في أية لحظة انطلاقا من ليبيا. ولخّص مصدر أمني رفيع التهديدات القادمة من ليبيا وهي الجماعات المسلحة التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب، التي فرّت من شمال مالي إلى جنوب غرب ليبيا، ومعها مجموعات مسلحة تابعة لتنظيم “المرابطون”، أو “التوحيد والجهاد في غرب إفريقيا”، وكتيبة “الملثمون”، وأخيرا تنظيم “داعش ليبيا” الذي بات يسيطر على مناطق شاسعة في ليبيا. وقال مصدرنا “إن ليبيا باتت الآن قاعدة انطلاق للجماعات الإرهابية التي تخطط لاستهداف الجزائر وتونس”.
لو أنني مكان بوتفليقة..
قال الباحث في الشؤون الإستراتيجية، الدكتور عادل لويجي: “السؤال الذي يجب أن تتوفر الإجابة بشأنه هو: كيف ستتصرف القيادة السياسية في الجزائر في حال توفر معلومة أكيدة حول هجوم إرهابي وشيك ضد الجزائر؟ هل ستمنع العقيدة القتالية للقوات المسلحة تنفيذ ضربة استباقية؟ أم أن الأمر سيختلف حينها؟”. وأضاف “لو أنني في موقع الرئيس بوتفليقة لاعتبرت أن فيديو ذبح المصريين من قِبل أتباع جماعة “داعش” رسالة تهديد قوية للجزائر، والسبب بسيط؛ وهو أن جماعة “داعش” في ليبيا لم تتحرج من التحرش بدولة كبرى هي مصر، وهو ما يعني أن التحرش بالجزائر لن يتأخر”. وأضاف المتحدث “من خلال التقسيم الجغرافي الذي يقدّمه تنظيم “داعش” الإرهابي تعتبر الجزائر وتونس مع ليبيا إقليما واحدا، ولهذا فإن المواجهة بين “داعش ليبيا” والجزائر كدولة مسألة وقت فقط”. ويرى الباحث في الشؤون الأمنية والإستراتيجية أن “العقيدة القتالية للجيش الجزائري يجب أن لا تمنع صانع القرار من التفكير في إجهاض أي خطر يهدد الجزائر قبل أن يتحوّل إلى أمر واقع”، ويضيف محدثنا “تكبدت الجزائر بعد حادثة تيڤنتورين خسائر بمليارات الدولارات، وكان من الممكن لو توفرت المعلومة الدقيقة اختصار كل هذا الجهد بغارة جوية مركزة”.
“إدارة التوحش”..
يبدو من الغريب على مستوى العالم الإسلامي والعربي عدم الاهتمام بكتاب أصدره تنظيم القاعدة في عام 2008، ودرّس بعدها مباشرة في الأكاديمية العسكرية الأمريكية، حيث قام مركز مكافحة الإرهاب في كلية “ويست بوينت” العسكرية بترجمته إلى الإنجليزية، تحت عنوان “إدارة الوحشية”، وتم توزيعه على المسؤولين في الدوائر السياسية للحكومة الأمريكية والمسؤولين في وزارة الدفاع.
لكن الكتاب الذي تحدثت عنه بعض الصحف العربية الكبرى في عام 2008 تم تجاهله تماما، وهذا المؤلف تم تأليفه من قِبل أحد القادة الكبار في تنظيم “القاعدة” الدولي، وهو المدعو “أبو بكر ناجي”، ويقال إن هذا الاسم هو للقيادي الكبير في تنظيم القاعدة “سيف العدل”. وتتشابه السيناريوهات الموجودة في هذا الكتاب مع ما يقع من استغلال ذكي من قِبل الحركات السلفية الجهادية لنتائج ثورات الربيع العربي في سوريا وليبيا ومصر. الكتاب بعنوان “إدارة التوحش”، ويشير إلى حالة الفوضى التي تشهدها الدول العربية.
وعند قراءة بعض أجزاء الكتاب الصادر عام 2008 نجد التوصيف فيه تكاد تتطابق بعض أجزائه مع ما يقع حاليا من فوضى في ليبيا وفي سوريا. ويدعو الكتاب الحركات السلفية الجهادية لتأسيس إمارات إسلامية تطبّق الشريعة، تكون تابعة لتنظيم القاعدة الأم.
ويتنبأ هذا المؤلف بحالة الفوضى التي تعيشها الدول الإسلامية والعربية، ويضع النموذج الصومالي كتجربة قابلة للتطبيق في أغلب الدول العربية والإسلامية، ويشير إلى أن قبضة الدول المركزية ستخف في الكثير من البلدان الإسلامية، وأن على الحركات السلفية الجهادية إدارة هذا الوضع “الفوضوي” أو “الوحشي”.
أجهزة الدولة سخّرت جميع إمكانياتها
سباق ضد الساعة لاحتواء الخطر القادم من الشرق
خوض أجهزة الدولة، وهي مصالح الأمن المتخصصة في مثل هذه الملفات وقيادة الجيش ووزارة الخارجية في الجزائر، سباقا ضد الساعة من أجل منع زيادة نفوذ التنظيم الإرهابي “داعش” في ليبيا. وتركز 3 أجهزة جهودها في هذا الاتجاه؛ ففي الجانب العسكري نقلت قيادة الجيش قبل عدة أشهر كمية كبيرة من الأسلحة الثقيلة إلى الحدود مع ليبيا، وتم تفسير الإجراء في حينه بأنه استجابة للوضع المتأزم في الجارة ليبيا مع زيادة نفوذ الجماعات التكفيرية في شرق ليبيا وشمالها الغربي. ورأى صنّاع القرار، حسب مصدر عليم، أن الوضع في ليبيا يحتاج لتأمين أكبر للحدود الجنوبية الشرقية، ومنع أية محاولة للتسلل.
وفي الجانب السياسي يعمل فريق كامل من وزارة الخارجية ومصالح الأمن على التواصل يوميا مع قوى داخلية في ليبيا. أما على الصعيد الأمني والاستخباراتي، فتعمل أجهزة الأمن المختلفة على تعقب الشبكات الداخلية والخارجية لتنظيم “داعش ليبيا” لتفادي “مد يده” في الجزائر، إن بالتأسيس لفرع له مثلما أعلن عن ذلك ما يسمى تنظيم “جند الخلافة”، أو عن طريق عملية إرهابية “نوعية”، تضاهي تلك التي تلقتها الجزائر في المركب الغازي تيڤنتورين قبل سنتين الذي مازالت تداعياته السلبية إلى الآن، سيما أن التكفيريين في ليبيا “يكفرون” بالحوار الذي ترعاه الجزائر مع مختلف الأطراف الليبية، والذي دفعت جراء ذلك غاليا.
وتريد الجزائر، حسب مصدر مطّلع على الملف، “التغلب” على الإرهابيين في ليبيا دون قتال عن طريق استغلال الظروف الداخلية والدولية ضد الإرهابيين، عبر حصار الإرهابيين الليبيين دوليا، وحرمانهم من حلفائهم في الداخل، قائلا “الجزائر لا تحارب الإرهابيين في ليبيا، هذا ما يؤكده صناع القرار في الجزائر انطلاقا من مبدأ العقيدة القتالية الراسخة للجيش الوطني الشعبي”. لكن مصدرا عليما للغاية كشف عن معالم المواجهة بين الجزائر والتكفيريين في ليبيا، والتي تستند لنظرية “القوة الناعمة”. وقال مصدرنا “إن حربا سرية تدور بين الجزائر والمتطرفين في ليبيا ميدانها حرمان الإرهابيين في ليبيا من التحالف مع قوى داخلية ليبية، وتقوية الجبهة الرافضة لسيطرة الجماعات التكفيرية على مفاصل ليبيا”.
إستراتيجية عسكرية غير قتالية ضد التكفيريين في ليبيا
وتتحرك الآلة الدبلوماسية والأمنية للجزائر عبر اتصالات دولية مكوكية لحصار الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا دون اللجوء إلى القوة العسكرية المباشرة. في غضون ذلك، كشفت مصادر مطلعة أن مسؤولين جزائريين طلبوا من الرئيس التشادي، إدريس ديبي، التدخل لدى قبائل التبو في جنوب ليبيا، والمحسوبة على دولة التشاد، من أجل المساعدة في تهدئة الوضع في جنوب ليبيا، ووقف التدهور الأمني بهذا الجزء من البلاد.
وقال مصدر عليم إن الجزائر تتحرك في اتجاه إطباق حصار بري وبحري حول الجماعات السلفية الجهادية في ليبيا ومنعها من التواصل مع العالم الخارجي. وباتت كل المنافذ البرية والبحرية الليبية تحت المراقبة العسكرية لدول الجوار ودول غربية. ولخص مصدر عليم الإستراتيجية التي تتبعها الجزائر في مواجهة سيطرة جماعات سلفية جهادية مقربة من تنظيم الدولة الإسلامية، على جزء من الأراضي الليبية، بأنها تعتمد على إجراءات عسكرية غير قتالية، أهمها حصار بري وبحري ضد المناطق الخاضعة لسيطرة الجماعات التكفيرية، ومنع هذه الجماعات من الحصول على “مكاسب” مالية من التجارة غير الشرعية والتهريب، ومنعها من التواصل مع العالم الخارجي. وتأتي الإستراتيجية الجزائرية التي تم التوافق بشأنها جزئيا مع مصر وكليا مع تونس والتشاد والنيجر ردا على قرار دول غربية التدخل العسكري المباشر في ليبيا.
وتتجه الدول المجاورة لليبيا لانتهاج إستراتيجية تهدف لخنق الجماعات السلفية الجهادية أو التكفيرية عبر حصار بري وبحري، مع دعم قوى الشرعية الدستورية في ليبيا. وقال مصدر مطلع إن الجزائر قررت قبل أشهر انتهاج إستراتيجية تهدف لإطباق حصار بري وبحري على الجماعات السلفية الجهادية والمناطق الخاضعة لسيطرتها كبديل للعمليات العسكرية، ودعم الشعب الليبي عبر القوى السياسية والهيئات الشرعية الدستورية الموجودة. وأضاف مصدرنا أن الدول المجاورة لليبيا أنهت مع الزيارة الأخيرة لرئيس تشاد للجزائر عملية عسكرية وأمنية لتشديد الرقابة على الحدود البرية والمنافذ البحرية لليبيا. وأضاف المصدر نفسه أن أهم نقطة في جدول أعمال زيارة الرئيس التشادي للجزائر، التي تمت في الأيام الأخيرة من عام 2014 كانت بحث الوضع على حدود ليبيا مع التشاد، والتنسيق مع الجزائر في مسائل الأمن في جنوب ليبيا ومراقبة تهريب السلاح وتسلل المطلوبين. وكشف المصدر أن دولا غربية، منها فرنسا والولايات المتحدة الأمريكية، تعتبر اتجاه الجزائر لحصار التكفيريين في ليبيا مجرد تكتيك يسبق التدخل العسكري. وتساهم القوات البحرية للدول الغربية في تنفيذ المخطط عبر مراقبة الموانئ الليبية، بينما تعمل دول جوار ليبيا على تشديد الرقابة على حدود ليبيا مع تونس والجزائر ومصر والتشاد والنيجر. وتتخوف دول جوار ليبيا من تكرار تجربة “داعش” التي حصلت على التمويل من خلال عمليات تهريب النفط.
السعي لجرّ الجيش الجزائري إلى المستنقع الليبي أخطاء فرنسا.. وتساقط أحجار “الدومينو”
أرادت فرنسا في إطار تحالف دولي تدمير نظام العقيد القذافي في ليبيا، كما في علاقاته مع تنظيمات وقيادات سياسية أو حتى مع قبائل بالمنطقة، وكان هذا، حسب عقيد متقاعد، خطأ استراتيجيا، لأنه فسح المجال أمام حالة من الفوضى والعنف الأعمى، ثم قررت فرنسا معالجة خطأها في ليبيا الذي أدى إلى انتقال كميات ضخمة من السلاح إلى منطقة الساحل، لكنها قررت علاج الوضع بأقل تكلفة ممكنة، وكان هذا خطأ ثانيا، لأن عدم تدمير فرنسا للجماعات الإرهابية في شمال مالي أدى إلى انتقال التهديد مجددا إلى ليبيا.
ويصف العقيد المتقاعد سي محمد علام الوضع الاستراتيجي في شمال إفريقيا بأنه تطبيق فعلي للنظرية الإستراتيجية التي تسمى “أحجار الدمينو”، لأن الفوضى الحالية في ليبيا بدأت نهاية عام 2011 في تونس عندما أسقط الشعب التونسي الدكتاتور زين العابدين بن علي، ثم انتقل الحراك بسرعة إلى مصر، ومنها إلى ليبيا، وكانت عيون بعض الدول الغربية على خيرات الجزائر وليبيا من نفط وغاز، لكن “أحجار الدومينو”، كما يقول العقيد سي محمد، غيّرت مسارها من الاتجاه نحو الجزائر وسوريا في مرحلة ما بعد ليبيا إلى الاتجاه نحو الحلقة الأضعف وهي مالي. ودفع هذا التطور الخطير الدول الغربية لإعادة حساباتها من أجل تحقيق الاستقرار في دول الساحل وطرد الجماعات الجهادية السلفية من مالي، والنتيجة الحتمية كانت انتقال التهديد الذي تمثله الحركات السلفية الجهادية من مالي إلى ليبيا. والآن يواجه العالم تهديدا حقيقيا من جهة توقف إمدادات النفط والغاز من ليبيا، ومن ناحية إمكانية تحوّل ليبيا إلى إمارة إسلامية سلفية، وهنا، يضيف الكولونيل سي محمد: “قررت دول الجوار التحرك، والدول الأكثر تضررا من هذا الوضع هي مصر والجزائر وتونس وبشكل أقل النيجر والتشاد”.
ويقول العقيد المتقاعد علام سي محمد “بدأت القضية قبل 3 سنوات عندما قررت الدول الغربية التخلص من العقيد معمر القذافي، وكان هدفها، حسب رأيي، الجزائر، حيث قررت توريط الجيش الجزائري في المستنقع الليبي، لكن القيادة الجزائرية كانت أكثر ذكاء وحنكة، وتركت الشأن الليبي لأهل البلد ونأت بنفسها عن النزاع، لكن النزاع الليبي تطور وامتد وبات الآن يهدد الأمن الوطني للجزائر”.
الجماعات المسلحة في ليبيا تحصي ليبيا حاليا ما لا يقل عن 100 فصيل مسلح، أغلبها ذو توجه “قبلي” أو “سلفي تكفيري”. وأهمها “قوات كرامة ليبيا” التي يقودها الجنرال الليبي المتقاعد خليفة حفتر، وتطلق على نفسها اسم “الجيش الوطني”، وتضم مجموعة من القوى أهمها “قوات الصاعقة”، وهي قوات خاصة انشقت عن نظام القذافي، وانحازت للثورة وتعدادها 3 آلاف مقاتل، أحد قادتها يسمى “النايلي” ويلقب بـ«عفاريت كتائب مصراتة” و«كتائب الزنتان”، و«قوات فجر ليبيا” التي تسيطر على أجزاء كبيرة من العاصمة الليبية. وتتشكل الخريطة العسكرية في ليبيا من: غرفة عمليات “ثوار ليبيا”، وهي جماعة سلفية جهادية انشق منها العشرات والتحقوا بتنظيم “داعش”، وهم الآن يشكلون قوة رئيسية تسيطر على العاصمة الليبية. وتعد “غرفة عمليات ثوار ليبيا” تجمعا لعدد من الكتائب التي شاركت في الثورة ولها نفوذ كبير في طرابلس، وتتهم بأنها وراء اختطاف رئيس الوزراء السابق علي زيدان. كتيبة شهداء 17 فبراير، وتسمى “اللواء 319” محسوبة مع كتيبة “رف اللّه سحاتي” على جماعة الإخوان المسلمين، وقد شهدت انشقاقات عدة والتحق عدد من أعضائها بجماعات”سلفية جهادية”.إمارتا “برقة” و«درنة” الإسلاميتان، وقد أعلنتا إمارتين إسلامية تابعة لـ«داعش” في برقة ودرنة بعد سيطرة متطرفين بايعوا في سبتمبر 2014 البغدادي خليفة للمسلمين. وهما جماعتان متطرفتان تسيطران حاليا على مدن برقة ودرنة. كتيبة “شهداء بو سليم”، وهي جماعة سلفية جهادية متطرفة، بايع أغلب أعضائها “داعش” وتتمركز في درنة وبرقة وبنغازي.“جماعة أنصار الشريعة”، وتتركز أكثر في بنغازي ودرنة في الشرق الليبي، وتنتمي إلى السلفية الجهادية. صنفتها الولايات المتحدة الأمريكية كمنظمة إرهابية رغم نفيها انتمائها إلى تنظيم “القاعدة”، تمتلك عدة مؤسسات خيرية وقد دخلت في اشتباكات مسلحة مع قوات الصاعقة، واتهمت بتصفية أفراد من الجيش والشرطة الليبيين.جماعة تحكيم الدين، وقد التحقت بتنظيم الدولة الإسلامية، وتأسست في عام 2013 في بنغازي. تنظيم “القاعدة” الدولي. وتشير تقارير إلى أنه موجود في أقصى غرب ليبيا في مناطق الزاوية، وتشير تقارير أخرى إلى وجود تنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي” في الجنوب الغربي لليبيا مع “جماعة التوحيد والجهاد” وكتيبة “الملثمون” التي يقودها مختار بلمختار. وقد نظمت قبائل التبو والتوارڤ في جنوب ليبيا نفسها في كتائب مسلحة موالية للحكومة أهمها كتيبة “تينيري”.
المصدر