«عاصفة الحزم» بداية التحوّل
كادت عدن أن تسقط.... ساعات قليلة كانت تفصلنا عن سقوط اليمن في قبضة الحوثيين وشركائهم الاقليميين
كدنا أن ندخل مرحلة اللاعودة التي ستغير وجه العالم العربي برمته.
الحوثيون في عدن، هذا يعني سقوط منافذ العالم العربي على المحيط الهندي تحت السيطرة الايرانية ويعني التحكم شبه المطلق
بامدادات النفط والتجارة الخارجية والعلاقات الدولية مع العالم الذي كان عربياً....، كما يعني اسدال الستار عن الفصل الأخير من حقبة زوال
ما يمكن تسميته بالنظام العربي بابعاده السياسية والأمنية، ومقدمةً للعبور الى مرحلة بالغة التسارع فيما لو حصلت، مرحلة التآكل والانهيار
الداخلي التي ستترتب على مرارة الهزيمة وارتفاع وتائر المطالبة بالتغيير السياسي، طبعاً مع كل ما يستتبع ذلك من تجاذب واقتتال مذهبي
ستجد فيه القوى الاقليمية والدولية مجالات واسعة للتدخل والسيطرة، الأمر الذي سيؤدي الى انهيار المنظومة العربية برمتها
لتلتحق دول أو جماعات دينية أو عرقية باحدى الامبراطوريتين الفارسية أو العثمانية أو بمشروع الخلافة المتجدد.
سقوط اليمن كان سيعني اطباق فكي الكماشة على المشرق العربي وشبه الجزيرة العربية، لأن العواصم العربية الأربع، التي أعلن أكثر
من مسؤول ايراني وإن بصيغ مختلفة السيطرة عليها، والتي يرتهن قرارها السياسي بشكل كامل أو جزئي لطهران، بالاضافة الى قطاع غزة
كانت قادرة على تشكيل مراكز ثقل استراتيجي في مخطط تطويق مصر والمملكة العربية السعودية ومعها دول الخليج العربي، وإقصاء العالم العربي
كلياً عن الصراع العربي الاسرائيلي ناهيك بتحويل الحوض الشرقي للبحر المتوسط الى منطقة نفوذ ايرانية.
إن التكهن بحدود العملية العسكرية غير ممكن حالياً، وإن تكن أهدافها السياسية محددة بحماية ودعم السلطة الشرعية المنتخبة في اليمن
وافساح المجال لاستكمال العملية السياسية التي ابتدأت بتخلي الرئيس علي عبدالله صالح عن مهامه.
المدى الزمني للعملية العسكرية سيبقى مرهوناً بمدى الاستجابة التي سيبديها الحوثيون وعلي عبدالله صالح ومن ورائهما الايرانيون
للتخلي عن المشروع الانقلابي والقبول بالمبادرة الخليجية.
أما الهدف الاستراتيجي للعملية المسماة «عاصفة الحزم» فهو منع تحول اليمن الى منطقة نفوذ ايرانية، وهذا يعني حماية مضيق باب المندب
وضمان حرية الملاحة على انواعها عبر البحر الأحمر الى المحيط الهندي بما في ذلك منع تطويق قناة السويس، وحماية الحدود الجنوبية
للمملكة العربية السعودية بشكل نهائي، وهذا ما يفسر المشاركة الواسعة والفورية لكل من مصر والسودان والمملكة المغربية وباكستان
بقوى بحرية وبرية الى جانب التحالف الجوي الواسع الذي أعطى اشارة اطلاق العملية العسكرية والذي تمكن من فرض وإعلان
الاجواء اليمنية منطقة حظر جوي.
إن التأييد الفرنسي والبريطاني والاميركي للعملية العسكرية الذي أختلف نوعياً هذه المرة عن كل ما سبق لم يكن مرده الى
قناعة جديدة تكونت لدى هذه الدول، فانقلاب الحوثيين لم يأت وليد مجريات الأيام القليلة المنصرمة، وانما مرده الى اتخاذ القرار الجريء
والمسؤول الذي ارسى نموذجاً نوعياً في التعاطي مع التحديات على المستوى القومي العربي بعد استنفاد كافة المساعي السلمية.
إن الدرس المستفاد من هذا النموذج والذي يجب أن يؤخذ بعين الاعتبار هو الزامية بناء القرارات الكبرى وفقاً للأولويات
القومية ببعديها الاقتصادي والأمني، ودون أية مساومة على القيم الوطنية، التي لا زال اللاوعي العربي يختزنها والتي يبنى عليها
في التماسك الاجتماعي والسياسي، بالرغم من كل ما يشوب علاقات الانظمة السياسية العربية بشعوبها، وعلى هذا البناء الثلاثي الابعاد
تبنى شرعية القرارات المتخذة وتصاغ علاقة العالم العربي بالمجتمع الدولي.
ان تداعيات «عاصفة الحزم» لا سيما لجهة الآلية التي اعتمدت في اتخاذ القرار، ونوعيته والاستجابة الواسعة للمشاركة في الائتلاف
ستشكل بمجملها نقاط تحوُل في طبيعة علاقات القوى الدولية والأقليمية مع العالم العربي.
هناك مكوِّن جديد قد أنتج، وهناك رؤية قومية عربية جديدة بمضمون جديد قد تشكَلت، وهناك توازن اقليمي جديد وقبل كل ذلك هناك
جمهور عربي عريض لا ينتسب الى مشروع الخلافة الاسلامية الجديد، ولا الى مشروع ولاية الفقيه، جمهور انطلق منذ اربع سنوات
في ساحات عربية عدة في محاولة لتحقيق الدولة الديمقراطية يجد طموحه في مشروع الدولة العربية الحديثة ذات السيادة الملتزمة
بالاجماع العربي وبالقضية الفلسطينية، بعيداً عن أي جنون امبراطوري، جمهور يجد في «عاصفة الحزم»
تغييراً واعداً في الالتزام العربي، ونقطة انطلاق لمرحلة جديدة.
http://sdarabia.com/preview_news.php?id=35349&cat=9#.VRU6vPmUenY