قصة انضمام حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" إلى القوات البحرية الروسية، تشبه القصص البوليسية الشيقة، والعمليات العسكرية السرية.ففي أعوام 1990- 1991 آخر أيام الاتحاد السوفييتي، والوضع الصعب في البلد، وحالة الجيش والقوات المسلحة وما آلت إليه من وضع يرثى له، في ذلك الوقت بعد انهيار البلد العظيم، وتسارع الجمهوريات السوفيتية السابقة، إلى تقاسم الملكية السوفيتية، وإنشاء قوات جوية وبرية وبحرية خاصة بها، واعتبار القواعد البرية والبحرية، والطائرات والسفن المرابطة على أراضيها ملكا خاصا، في هذه الفترة العصيبة، كانت حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" ترابط في البحر الأسود ضمن أسطول البحر الأسود الذي مازال سوفيتيا حتى تلك اللحظة ولكنه ينتظر التقسيم.
فجأة، في أحد الأيام، وصلت إلى السفينة برقية من رئيس أوكرانيا، ليونيد كرافتشوك، جاء فيها أن حاملة الطائرات من الآن وصاعدا هي ملك لأوكرانيا، وعلى قائدها وطاقمها تنفيذ أوامر الرئيس الأوكراني. هكذا ببساطة، بدون مفاوضات وبدون موافقة روسيا، أعلنت أوكرانيا أن السفينة لها، في تلك الأيام كانت السلطات الأوكرانية ترسل النداءات المتكررة إلى سفن أسطول البحر الأسود لكي تنضم إلى القوات البحرية الأوكرانية. هذا وقد رفض الكثيرون من الضباط والبحارة الخدمة العسكرية تحت راية أوكرانيا، وكان أغلبية أفراد طاقم حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" من شمال روسيا، من الأسطول الشمالي، لأن السفينة صممت منذ البداية للأسطول الشمال، وتواجدها في البحر الأسود كان لضرورة إجراء التدريبات والتجارب والاختبارات العسكرية.
في تلك الظروف، قرر النائب الأول لقائد الأسطول الشمالي، الفريق يوري أوستيمينكو، قائد السفينة في ذلك الوقت، القيام بعملية "إعادة إنتشار"!
في إحدى الليالي، وبدون أن تعط أية إشارات، وحتى المصابيح كانت مطفأة على متن السفينة، غادرت حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" ميناء سيفاستوبول، باتجاه مضيق البوسفور، وفقط عندما اختفت أضواء سيفاستوبول رويدا رويدا، أمر قائد السفينة بإضاءة المصابيح.
عبرت حاملة الطائرات مضيق البوسفور بدون أن تقدم طلبا للسلطات التركية (تقديم الطلب الرسمي هو أحد شروط السماح بعبور المضيق)، لكن الأتراك لم يتجرَّأوا على اعتراض هذه القاعدة العسكرية العائمة. بعد دخول البحر الأبيض المتوسط، استمرت السفينة بالحركة دون توقف.
هنا يجب أن ننوه أن حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" كانت بدون كامل طاقمها، لأن الكثيرين من البحارة كانوا في المدينة عندما غادرت السفينة المرفأ بسرعة وبسرية كاملة. ولم تكن ترافقها أوتحميها أية سفن أخرى.
بعد عبور مضيق جبل طارق، فُوجأ قائد السفينة، الفريق يوري أوستيمينكو، بوجود حاملة الطائرات الأمريكية "جورج واشنطن" في انتظاره، ومعها عشرات من سفن الحماية والتغطية، أعطى الفريق أوستيمينكو أوامره للطاقم بالجاهزية القصوى، تحسبا لأي أمر طارئ، كما الأتراك، لم يتجرأ الأمريكيون أيضا على اعتراض طريق "الأميرال كوزنيتسوف"، بعد خروج السفينة من مجال مراقبة المجموعة الأمريكية، تولت الطرادات البريطانية ومن ثم النرويجية، مرافقة حاملة الطائرات الروسية ولكن دون الاقتراب منها.
استغرقت حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" في رحلتها "إعادة الانتشار"، من سواحل البحر الأسود إلى سواحل القطب الشمالي في البلد الأم، 27 يوما.
وصلت السفينة إلى ميناء فيديايفو (مقاطعة مورمانسك) قاعدة الأسطول الشمالي، وكان في استقبالها أهالي المدينة والفرقة الموسيقية العسكرية وعائلات البحارة
حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" هي وحيدة في القوات البحرية الروسية حتى يومنا هذا، وتدخل في عداد سفن الأسطول الشمالي الروسي. والسفينة، رغم أنها أنزلت إلى المياه في عام 1985، إلا أنها حتى الآن تعتبر فريدة من نوعها ولا نظير لها في العالم. يبلغ طول الممرات في هذه العملاقة حوالي 20 كم، وعدد غرفها يصل إلى 3500 غرفة، وعدد أفراد طاقمها 1960 بحارا، وارتفاعها عن سطح البحر 64 مترا، (ما يشكل ارتفاع مبنى من 20 طابقا)، طول سطح حاملة الطائرات مع مدرج الهبوط والإقلاع 300 متر، وعرضها 70 مترا. هي فريدة من نوعها ليس فقط من ناحية التصميم والحجم، بل من ناحية التسليح أيضا، فهي تحمل على متنها 26 مقاتلة و24 مروحية، وأسلحة مرعبة من منظومات صاروخية ومدفعية، و مزودة بـ12 صاروخا مضادا للسفن من طراز "غرانيت"، وأربع مضادات جوية من طراز "كينجال"، لكل واحدة 6 أسطوانات (من24 إلى 64 صاروخا موجها)، وهناك أيضا أربع بطاريات مدفعية مضادة للسفن من طراز أ ك- 630 ، لكل واحدة 6 سبطانات، ومنظومتين مضادتين للطوربيد.
من ضمن المنظومات الإلكترونية المزودة بها حاملة الطائرات، 58 منظومة من أنواع مختلفة تؤمن للسفينة ليس فقط ضمان موقعها وملاحتها، ولكن أيضا كشف ومراقبة ومتابعة الأهداف والتسديد عليها وتدميرها، وكذلك تحمي السفينة من التشويش الإلكتروني، وتضمن للمجموعة الجوية على متن السفينة نظام ملاحة متكامل.
قريبا ستتخلص حاملة الطائرات "الأميرال كوزنيتسوف" من صفة "الوحيدة" وسيصبح لديها نظيرات، لأن خطط وبرامج تحديث وتطوير القوات البحرية الروسية تتضمن بناء حاملات طائرات جديدة، من جيل المستقبل تستطيع حمل ما يصل إلى أكثر من 60 طائرة.
المصدر
http://sptnkne.ws/rFk