استطاع القادة العسكريون في القرن التاسع عشر الوقوف في ساحة المعركة ورؤية قواتهم والقوات المعادية عبر التلسكوب، وبذلك تمكنوا من تقييم نقاط قوة العدو وضعفه. وعند دوي مدفع اشارة الهجوم او رفع علم المعركة، قد تأمر القوات الصديقة بالتدخل في الوقت الحاسم.
لم يعد من مكان لتلك البساطة في ساحة المعركة في القرن الحادي والعشرين. تتوزع القوات الصديقة والمعادية على مساحات واسعة من البر او البحر.
يختلط المقاتلون ويختبئون بين المدنيين في المدن والادغال او الجبال. فمع تعدد وتنوع الاوضاع القتالية التي تسود متزامنة في مواقع متعددة، تمسي الرؤية الموحدة او الحقيقة الميدانية تحديا اساسيا للقادة العسكريين في مسارح العمليات الحديثة.
دفع هذا التحدي الى الاستثمار الهائل في الموارد البشرية والمادية لان القوات المسلحة حول العالم عمدت وما زالت تحاول تسجيل نقاط قوة على اعدائها. ولقرن خلا، درج الخبراء على التحدث عن رؤية ما يحصل على الجانب الاخر من التلة، الامر الذي جعل الجيوش ترسل مراقبي نيران مدفعية في المناطيد، وفيما بعد تم تطوير طائرات الاستطلاع التي تقوم بالتصوير واخيرا الاقمار الاصطناعية التجسسية.
اطلق، في السنين الماضية على الجهد الهادف الى فهم ساحة المعركة، اسم الاستعلام، المراقبة، الاستهداف اكتساب الاهداف والاستطلاع Intelligence, Surveillance, Targeting, Acquisitian, and Reconnaissance, ISTAR) تم التشديد بشكل كبير على استعمال المنصات الجوية، مثل الطائرات دون طيار، والطائرات المأهولة المجهزة بنظم مراقبة لكن القادة البريين والبحريين يسعون الى استثمار التكنولوجيات الاكثر تقدما من المستشعرات الجوية لفهم ساحة المعركة الحديثة.
انعكس توسع استعمال اجهزة التصوير المركبة على الخوذة في الجيوش حول العالم، عبر انتشار الهواتف الذكية المجهزة باجهزة تصوير تسمح بتسجيل الصور الفيديوية لمجريات ساحة المعركة وفي بعض الحالات ارسالها لحظيا الى شتى القيادات المعنية. يوفر هذا الامر القدرة الضخمة التي يستعملها متخصص المخابرات العسكرية لفهم اوضاع القتال، والقادة الكبار لمشاهدة بعض المجريات في ساحة معركة بعيدة جدا وذلك لحظيا.
كانت اجهزة التصوير التي تركب على الخوذة، القديمة، اكثر تطورا بقليل من نماذج صلبة من اجهزة تصوير رقمية خاصة بالهواتف الذكية، لكنها منذ ذلك الحين استبدلت باخرى مجهزة بقدرة رؤية ليلية. جهز كل افراد القوات الخاصة في البحرية الاميركية (US NAVY SEAL) الذين نفذو الهجوم عام ٢٠١١ على المجمع الذي كان يأوي اوسامة بن لادن، جهزوا باجهزة تصوير مركبة على الخوذ وتم ارسال الصورة الفيديوية الحية الى واشنطن حيث شاهد الرئيس باراك اوباما والقادة الحكوميون الكبار هذا الهجوم لحظة بلحظة.
استعمل الرادار لفترة طويلة لمراقبة حركة الطائرات ومواقعها لكنه برهن ايضا عن نجاح في تطبيقات ISTAR. وشهدت الرادارات الصغيرة المحمولة مثل الرادار MSTAR من شركة DRS، هو رادار يحمله العناصر، ويستعمل للمراقبة واكتساب الهدف، شهدت استخداما واسع النطاق في مراكز القتال على الخطوط الامامية لمراقبة تحركات عربات العدو وعديده، يمكن تفكيك الرادار MSTAR بحيث يحمل جنديان اجزاءه قبل نصبه في خندق قتال على الخطوط الامامية او في اي مركز قتالي آخر.
تؤمن رادارات تحديد مواقع المدفعية والهواوين مثل رادار Arthur من Saab سابقا (Systems Ericsson Microwave المستوى المرتفع المقبل من المراقبة الراديوية لساحة المعركة. يعرف ايضا هذا الرادار ب MAMBA. صممت هذه الرادارات اساسا لتحديد مواقع اطلاق قذائف المدفعية والهواوين والقذائف الصاروخية للسماح بمواجهتها من خلال الرمايات المضادة عليها. خلال النزاع في العراق، رُبط رادار الرمايات المضادة "AN/TPQ-36 Fire Finder" من انتاج شركة Raytheon الاميركية رُبط بنظام السلاح Phalanx الذي اعتمد تطويره على رادارات السفن الحربية الاميركية وعُرف الانتاج النهائي بنظام Centurian المضاد للهواوين والقذائف الصاروخية (Counter - Rocket and Mortar (C-RAM)). يقدم رادار Centurian قدرة كشف القذائف والقذائف الصاروخية الموجهة على قواعد التحالف ومن ثم اعتراضها. استخدم الجيش البريطاني رادار Giraffe من انتاج Saab لمراقبة مساحات واسعة من ساحة المعركة لمجموعة مختلفة من التهديدات. وبالرغم من كونه اساسا رادار دفاع جوي، الا ان الرادار Giraffe قد تم تعديله لدعم عمليات مواجهة القذائف الصاروخية والهواوين ولمراقبة الاعمال الاخرى في ساحة المعركة مثل نيران الدبابات والاسلحة الخفيفة. تجدر الاشارة الى انه مع ربط نظم مثل Arthur، MSTAR، Giraffe مع بعضها البعض يستطيع قادة القوات البرية توليد صورة ثلاثية الابعاد لحظية وغير مسبوقة لساحة المعركة. كما يمكن كشف كل مواقع نظم سلاح العدو تقريبا من خلال الرادارات الحديثة وبغضون ثوان يمكن مشاركتها مع القوات الصديقة عبر شبكات الاتصالات الرقمية.
اختبر الاميركيون في حرب فييتنام المستشعرات السمعية التي ترمى من الطائرات لمراقبة حركة الفييت كونغ عبر ادغال جنوبي شرق آسيا. اما في القرن الحادي والعشرين، فقد تطور المفهوم اكثر ونشرت عدة جيوش مستشعرات صوتية تثبت في الارض لمراقبة نشاط العدو عن بُعد. تتوفر المستشعرات السمعية والبصرية على حد سواء ويمكن استعمالها في مجموعة واسعة من السيناريوات، وبذلك يمكن تحضير القوات الصديقة، لصد الهجومات. يمكن استعمال المجسّات ايضا لمراقبة حركة العدو في المناطق البعيدة عن القوات الصديقة لاكتساب المعلومات الاستعلامية على المستويين العملاني او الاستراتيجي. يمكن تجهيز هذه المجسّات بأجهزة ارسال لبث المعلومات، او في اوضاع حيث من الضروري ان تبقى عمليات الارسال سريّة او تكون منخفضة الوتيرة الى الحد الاقصى او محميّة.
اما بالنسبة للقادة البحريين، فقد تحوّل مفهوم ISTAR في السنوات العشرين الماضية، مع اعتماد تكنولوجيا جديدة في البحريات حول العالم. تركزت تلك التكنولوجيات حول حمل الطوافات على متن الفرقاطات والمدمّرات، في الستينات والسبعينات، مما وسّع نطاق الحرب البحرية ووفر قدرة قائد السفينة الحربية على الرؤية ما وراء الافق وبات استعمال الصونار الغاطس لصيد الغواصات امراً تقليدياً. تعد الطوافات باهظة التكلفة من حيث الشراء والتشغيل، بالاضافة الى تأمين طاقم جوي وعديد صيانة عاليي التدريب. وخلال العقد الماضي، تم زيادة عدد الطوافات المحمولة على متون السفن او استبدالها بطائرات دون طيّار صغيرة. يمكن اطلاق الجيل الحالي من الطائرات دون طيّار البحرية بواسطة منجنيق او استعمال نظم لرفع الطوافات تسهل انطلاقها لتأمين المراقبة بعيداً عن السفينة الحربية. يتم استعمال طائرات FireScout من Northrop Grumman و Scan Eagle من Boeing على نطاق واسع في عدة بحريات.
تؤمن الطائرات دون طيّار المشغّلة من على متون السفن والخاصة بالمراقبة، تؤمن القدرة على المراقبة والاستكشاف لجزء من تكلفة الطوافة وتأخذ مكاناً اقل بكثير منها على متن السفينة. هذا وبوسع الطائرات دون طيّار القيام ايضا باعمال لا يمكن للطوافات تنفيذها، مثل البقاء في وضعية التحليق لعدة ساعات بغية تأمين مراقبة مستمرة للاهداف. تحدث الطوافات ايضا الضجيج ويمكن سماعها على مسافة بعيدة في حين ان الطائرات دون طيّار هي اقل ضجيجا بكثير واقل احتمالا لكشفها.
اما بالنسبة لتغطية ISTAR للمنطقة الاوسع، فان عدة بحريات قد تحولت نحو الصونارات السمعية التحمائية التي تؤمن لها فهماً للنشاط البحري على صعيد المحيط.
عمل نظام المراقبة السمعية (Sound Surveillance System - SOSU) الخاص بالبحرية الاميركية، خلال الحرب الباردة، في شمال الاطلسي وشمال المحيط الهادىء لمراقبة تحركات سفن البحرية السوفياتية وغواصاتها.
ومن المحتمل ان تكون غطت مراقبة نظم SOSUS الثابتة، الرفعة الأوسع من نصف الكرة الارضية الشمالي، لكن مع انتهاء الحرب الباردة عام ١٩٩٠ لم يعد تستعمل تلك النظم. شهدت التكنولوجيا المطورة لنظم SOSUS منذ ذلك الحين تطوراً لاحقاً جعل منها نظم متحركة سريعة النشر على النحو التالي، تقطر منظومة SURTASS الحالية العاملة في البحرية الاميركية خلف السفينة الحربية، وتؤمن قدرة مراقبة على نطاق المحيط.
حولت قدرة هذه النظم على مراقبة كل الاعمال على المساحة المائية الواسعة فوق الماء وتحتها، حولت الحرب البحرية وزودت البحريات المولجة بميزات تكتية واستراتيجية هائلة.
في ما يتعلق بالدول التي تركز على أمن الساحل، هناك نظم مراقبة سمعية اصغر لهذه الغاية.
تؤمن المجموعة من هذه النظم، كشف الغطاسين وهي من انتاج Kongsberg و Sonadyne International وتقدم تغطية قريبة وقد صممت اساساً لحماية المرافىء. وهناك ايضاً نظم تراقب المناطق الساحلية ونقاط الدخول البحرية.
الى ذلك حول التصوير الحراري عمليات ISTAR البحرية على المستوى التكتي بفضل قدرته على التعرف السريع على الاهداف في المياه الباردة.
تجهز الآن تقريباً كل سفينة حربية ملائمة بطوافة بحرية او طائرة دورية بحرية مزودة بنظام تصوير حراري واحد على الاقل. يمكن لتلك النظم كشف النقاط الحرارية لسفن او افراد آخرين في الماء كما ويمكن مشاركة الصور مع غرفة التحكم في السفينة عبر شبكة اتصالات رقمية.
تسمح تكنولوجيا التصوير الحراري للسفن الحربية بأن تعمل وتقاتل في الليل او في الطقس الرديء القائم.
تجدر الاشارة الى ان غالبية السفن الحربية لديها أجهزة تصوير حراري بعيدة المدى تُستخدم لمراقبة المنطقة الواسعة حول السفينة وتوفر للقائد واركانه في السفينة الانذار بشأن التهديدات البعيدة. يضاف الى ذلك ان طاقم السطح ومشغلي نظم السلاح لديهم مستشعرات التصوير الخاصة بهم التي تتيح لهم مراقبة الوضع التكتي القريب من السفينة.
يتوقع في كل من الحرب البرية والبحرية، ان يستمر استعمال تكنولوجيات ISTAR المتعددة في المضي قدماً ويذكر انه ليس هناك نظام او تكنولوجيا واحدة تلبي جميع متطلبات ISTAR وعليه فان مقاربة الموضوع يتطلب نظماً مختلفة تؤمن قدرات متشابكة لتحقيق التغطية المرجوة.
استقطبت نظم ISTAR الجوية مثل الطائرة دون طيار Predator خيال الجمهور، ولكن قادة البر والبحر لم يتجاهلوا التكنولوجيات الاخرى الاقل سحراً وتكلفة لتلبية متطلباتهم. وفي ما يخص الحرب البرية فان قدرة الرادار على مراقبة ساحات القتال لحظيا يتم استثمارها على كل المستويات كما ان المراقبة السمعية تجعل من الصعوبة بمكان اخفاء اي سفينة.
http://www.arabdefencejournal.com/newdesign/article.php?categoryID=26&articleID=2224