أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 7:40
[size=21]بسم الله الرحمن الرحيم
....................... مقدمة:
لم تتعرض دولة الإسلام لأوقاتعصيبة وعواصف منذرة ورياح مرعب مثلما تعرضت له في القرن السابع الهجري حيثدمرت جيوش التتار بقيادة " جنكيز خان " حواضر الإسلام الكبرى في المشرقالإسلامي وسفكت دماء المسلمين وأتت علي معالم الحضارة والمدنية ولم تستطعقوة إسلامية أن توقف الزحف الكاسح للجيوش التترية وانهارت الجيوشالإسلامية وتوات هزائمها وتتابع سقوط الدول والمدن الإسلامية كأوراق الشجرفي موسم الخريف وأطمع ضعف المسلمين وخور عزائمهم المغول في أن يتطلعوا إليمواصلة الزحف تجاه الغرب وإسقاط الخلافة العباسية وتقويض دعائمها ؛
ولم تكن الخلافة العباسية فيوقت من الأوقات أضعف مما كانت عليه وقت الغزو المغولي ؛ فخرج " هولاكو "القائد التتري الهمجي علي رأس جيش عرمرم وأجتاح بغداد وقتل الخليفة "المستعصم " وأستباح بغداد أربعين يوما فقضي فيها علي الأخضر واليابس فقتلمن بغداد وحدها مليوني فرد مسلم من رجال وأطفال ونساء وشيوخ ؛ ثم تجاوزوهاإلي ما بعدها فاجتاحوا الشام بجميع مدنها وفعلوا فيها مثلما فعلوا فيغيرها إلي أن وصلوا إلي حدود مصر وكان الله قد وكل عليها عبدا من عبيدةيأتمر بأمره وينهى بنهيه فجمع المسلمين علي كلمة التوحيد والجهاد وخرجوالملاقاة التتار في الموقعة المشهورة " عين جالوت " فطحنوا التتار طحناوركبوا أكتافهم وأخذوا يطاردون الفلول المنهزمة فحرروا الشام وبغداد ؛وانحسرت بعدها إمبراطورية التتار ولم يقم لهم بعدها قائمة.
[size=16]وانتهت بذلك هذه الدولة التي قامت علي جماجم المسلمين ودمائهم .
ونحن هنا نسرد قصة التتار منذ بدايتهم إلي معركة عين جالوت ............................
ولكي نتعرف علي قصة هؤلاء الهمج لابد أن نلقي نظرة علي أحوال العالم في ذلك الوقت. ** حالة العالم قبل ظهور قوة التتار :- في هذه الأثناء لو ألقينا نظرة إلي الكرة الأرضية لوجدنا أن هناك قوتان مؤثرتان في العالم وهما :
[size=21]أولا: قوة المسلمين
المساحات الإسلامية في ذلكالوقت كانت تقترب من نصف مساحات الأراضي المعمورة في العالم ؛ وحدودهاكانت تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر أسيا وأفريقيا لتصل إلي غرب أوروبا فيبلاد الأندلس ؛ وكان يسود العالم الإسلامي في تلك الأثناء رغم كبر مساحتهوكثرة أناسه وكثرة موارده الفقر والتدهور الكبير في الحالة السياسية لمعظمالأقطار الإسلامية ؛ والغريب أن هذا التدهور كان بعد سنوات قليلة من أواخرالقرن السادس الهجري حيث كانت أمة المسلمين قوية منتصرة متوحدة . * كيان العالم الإسلامي في ذلك الوقت :-
1- الخلافة العباسية :-
نشأت بعد سقوط الدولة الأمويةسنة 132ه – وكانت عاصمتها بغداد وأصبحت الخلافة العباسية بحلول القرنالسابع الهجري ضعيفة جدا حتى أصبحت لا تسيطر حقيقة إلا على وسط وجنوبالعراق فقط ؛ فأصبحت الخلافة في ذلك الزمان صورة خلافة فهي حقيقة لم تصبحخلافة لأن كل الأقطار الإسلامية أصبحت لها حكام منفصلين عن الخلافةانفصالا تاما ؛ واليك هذه الدول :
2- مصر والشام والحجاز واليمن :-
وكانت هذه الأقطار تحت حكم الأيوبيين ورثة صلاح الدين الأيوبي- رحمه الله-
3- بلاد المغرب والأندلس :-
كانت هذه البلاد تحت حكم دولة الموحدين والتي كانت في هذه الأثناء قد أصبحت ضعيفة وفي أواخر عهدها .
4- دولة خوارزم :-
كانت تحكم تقريبا كل الشرقالإسلامي فهي دولة مترامية الأطراف تمتد حدودها من غرب الصين شرقا إليأجزاء كبيرة من إيران غربا ؛ وكانت هذه الدولة علي خلاف طويل وعقيم معالخلافة العباسية .
5- الهند :-
وكانت في ذلك الوقت تقع تحت حكم الغوريين المسلمين وكانت أيضا علي خلاف مع الخوارزميين .
6- غرب فارس :-
كان هذا الجزء من فارس (إيران حاليا ) تحت حكم الطائفة الإسماعيلية الشيعية
........ من هي الطائفة الإسماعيلية
هي طائفة من طوائف الشيعة وكانتشديدة الخبث فهي من أخبث طوائف الشيعة علي الإطلاق ؛ ولهم مخالفات عديدةفي العقيدة جعلت كثيرا من العلماء يخرجونهم من الإسلام تماما ؛ فكانوايخلطون الدين بالفلسفة وهم أصلا من أبناء المجوس وأظهروا الإسلام وأبطنواالمجوسية ؛ وتئولوا آيات القرآن علي أهوائهم وأنكروا كثيرا من فرائضالإسلام ؛ ومن أهم مطالبهم الملك والسلطان لذلك كانوا يهتمون بأمور السلاحوالقتال وبناء القلاع والحصون . ....................... 7- منطقة الأناضول ( تركيا حاليا ) :-
وكانت تحت حكم السلاجقه الروم وأصولهم ترجع إلي الأتراك المسلمين .
ونلاحظ في هذه الفترة أنهأنتشر بها المؤامرات وتعددت فيها الحروب بين المسلمين وإخوانهم في الدينوكثرت المعاصي والذنوب ؛ وعم الترف والركون إلي الدنيا وهانت الكبائرتماما علي قلوب الناس حتى كثر سماع أن هذا ظلم هذا وأن هذا قتل هذا وأنهذا سفك دم هذا ؛
وقد علم يقينا أن من كان علىهذه الحالة لابد من استبداله وأصبح العالم الإسلامي في ذلك الوقت ينتظروقوع كارثة تقضي على كل هؤلاء الضعفاء في كل هذه الأقطار وليأتي بعد ذلكجيل من المسلمين يغير الوضع – بمشية الله – ويعيد للإسلام هيبته وللخلافةقوتها ومجدها .
كانت هذه هي حالة الأمة الإسلامية في نهاية القرن السادس الهجري وبداية القرن السابع. ..................................
ثانيا : قوة الصليبيين :-
1- غرب أوروبا :-
كان المركز الرئيسيللصليبيين في هذه الأثناء في غرب أوروبا ؛ وأنشغل الأوروبيين في ذلك الوقتبحروبهم المستمرة مع المسلمين ؛ فكان نصارى انجلترا وفرنسا وألمانياوايطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية المشهورة علي بلاد الشامومصر ؛ وكان نصارى أسبانيا والبرتغال ومعهم فرنسا في حروب مستمرة معالمسلمين في الأندلس .
2- الإمبراطورية البيزنطية :-
كانت هذه الإمبراطورية تحكمشرق أوروبا وكانت في هذه الأثناء في حالة من الضعف الذي لا يسمح لها بدخولحروب مع المسلمين رغم ضعفهم أيضا .
3- مملكة أرمينيا :-
وهي تقع في شمال فارس وغرب الأناضول ؛ وكانت في حروب مستمرة مع المسلمين وبالأخص السلاجقه الأتراك في الأناضول .
4- مملكة الكرج ( جورجيا حاليا ) :-
وهذه المملكة أيضا لم تتوقف الحروب بينها وبين المسلمين وبالأخص الدولة الخوارزمية.
5- الأمارات الصليبية :-
الموجودة في الشام وفلسطينوتركيا ( الأناضول ) وكانت هذه الأمارات تحتل مناطق إسلامية ذات أهميةكبيرة ؛ وكان أشهر هذه الأمارات ( أنطا كيا – طرابلس – بيروت – وغيرها........ ) ...................
من هم التتار ؟
ظهرت قوة التتار في عام 603ه – وكانظهور هذه الدولة أول ما ظهرت في " منغوليا " بشمال الصين وكان أول زعمائهاهو " جنكيز خان " وهو ليس الاسم الحقيقي لذلك القائد وإنما هي كلمة تعنيباللغة المنغولية " قاهر العالم " أو " ملك ملوك العالم " وأسمه الحقيقيهو " تيموجين " وكان ذلك الرجل سفاحا وسفاكا للدماء وكان قائدا عسكرياشديد البأس وكانت له القدرة علي تجميع الناس حوله وبدأ في التوسع تدريجيافي المناطق المحيطة به وسرعان ماأتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كورياشرقا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربا ومن سهول سيبريا شمالاإلي بحر الصين جنوبا وفي سنوات قليلة أصبح يضم في طياته دولة الصينبكاملها ( 9مليون كيلومتر مربع ) -منغوليا – فيتنام – كوريا – كمبوديا –تايلاند – أجزاء من سيبريا .
وأسم التتار أو المغول : يطلق على الأقوام الذين نشأوا في شمال الصين في صحراء تسمى بصحراء ( جوبي ) بمنغوليا . .....................
الفرق بين التتار والمغول
التتار هم أصل القبائل بهذهالمنطقة بمنغوليا وخرج من التتار قبائل أخرى كثيرة منها قبيلة المغولوقبائل الترك والسلاجقه وغيرها ......... ؛ وعندما سيطر المغول على هذهالمنطقة بقيادة جنكيز خان أطلق أسم المغول على هذه القبائل كلها .
ديانتهم
كان لهم ديانة غريبة جدا وهيخليط من أديان مختلفة جمعها جنكيز خان من شرائع الإسلام والمسيحيةوالبوذية وأختلق لهم أشياء أخري ؛ وأخرج لهم في النهاية كتابا جعلهكالدستور للتتار ويسمى هذا الكتاب بأسم " الياسق " أو " الياسج " أو "الياسا " وأصبح ذلك هو دستور دولة التتار وعقيدتهم .
طبيعة حروبهم
حروب التتار كانت تتميز بأشياء خاصة تميزهم دائما عن غيرهم ومن أهم هذه الأشياء : 1- سرعة انتشار رهيبة 2- أعداد هائلة من البشر 3- نظام محكم وترتيب دقيق 4- تحمل الظروف القاسية من ( حر أو برد أو صحراء أو أدغال ) بمعني أنهم يقاتلون في كل مكان . 5- قيادة عسكرية بارعة جدا 6- من أهم مميزاتهم وهي صفة يتصفونبها عن غيرهم أنهم بلا قلب فحروبهم كلها كانت حروب تخريب غير طبيعيةفكانوا يبيدون ابادة جماعية لأهل المدن من أطفال ونساء وكهول لا يفرقونبين مدني وعسكري الكل عندهم سواء لا يفرقون بين ظالم ومظلوم وكانوا كماقيل " أن قصدهم هو أفناء النوع وابادة العالم لاقصد الملك أو السلطان " .
7- رفض قبول الآخر والسير على مبدأ القطب الأوحد وليس هناك مجالا للتعامل مع دول أخرى محيطة .
والغريب أنهم كانوا يدعون أنهم ما جاءوا إلى هذه البلاد إلا ليقيموا الدين ولينشروا العدل وليخلصوا البلاد من الضالمين .
8- كانوا لاعهد لهم مطلقا لا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق .
هذه كانت السمات التي اتصف الجيش التتري وهي صفات تتكرر كثيرا في كل جيش لم يضع في حسبانه قوانين السماء وشريعة الله – عز وجل . .......... الحقد الصليبي للمسلمين
أرسل الصليبيين وفدا رفيع المستوى منأوروبا إلي منغوليا ؛ مسافة تزيد علي ( 12 ألف كم) ذهابا فقط ؛ ليحفزواالتتار على غزو البلاد الإسلامية وإسقاط الخلافة العباسية وعلى اقتحامبغداد درة العالم الإسلامي في ذلك الوقت ؛ وأنهم سيساعدونهم على حربالمسلمين وسيكونوا بمثابة أعينهم في هذه المناطق ؛ وبذلك تم إغراء التتارإغراء كاملا وحدث ماتوقعة الصليبيين ؛ فقد سال لعاب التتار على أملاكالخلافة العباسية وقرروا فعلا غزو هذه البلاد الواسعة الغنية بالثرواتوالمليئة بالخيرات وبدأ التتار يفكرون جديا في غزو العالم الإسلامي وبدأوايخططون بحماسة شديدة لإسقاط الخلافة العباسية ودخول بغداد عاصمة الخلافةالإسلامية . ................... خطة جنكيز خان لغزو العالم الإسلامي
عندما قرر جنكيز خان غزو العالم الإسلامي فكر في أن يتمركز في منطقة أفغانستان وأوزبكستان لعدة أسباب مهمة وهي :
1- كبر المسافة بين الصين والعراق ولابد من جود قواعد إمداد ثابتة للجيوش التترية في منطقة متوسطة بين العراق والصين .
2- ولأن هذه المنطقة والتي تعرف بمنطقة " القوقاز " غنية بالثروات الزراعية والاقتصادية في هذه الأثناء . [/size]
[size=16]3- تكتيكيا لا يستطيع جنكيز خان لأن يحارب العراق وفي ظهره شعوب مسلمة قد تحاربة أو تقطع عليه خطوط الإمداد .
ولهذه الأسباب قرر جنكيز خان خوضحروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية والتي تعرفبالدولة " الخوارزمية " واتي تضم في طياتها عدة أقاليم إسلامية غاية فيالأهمية وكان هناك بين الدولة الخوارزمية ودولة التتار معاهدات واتفاقياتعلى عدم الاعتداء من أي من الدولتين على الأخرى ؛ ولكي تكون الحرب مقنعةبين الطرفين فلابد من وجود سبب يدعو إلي هذه الحرب .
بداية النزاع
بحث جنكيز خان عن سبب مناسبلدخول هذه الحرب ولكنه لم يجد السبب المقنع للحرب وسبحان الله – حدث أمرمفاجئ بغير إعداد مسبق من جنكيز خان يصلح لأن يكون سببا لهذه الحربوبالفعل اتخذه جنكيز خان كذريعة لدخول هذه الحرب التي ستقضي تماما عليالدولة الخوارزمية وهذا السبب هو " أن مجموعة من التجار المغول ذهبوا إليمدينة إسلامية تسمى ( أوترار ) وهي تقع في شرق المملكة الخوارزمية علىحدود دولة التتار فلما رآهم حاكم المدينة المسلم أمر بقتلهم جميعا " .
اختلاف المؤرخون في سبب قتلهم :
1- منهم من قال ك أن هؤلاءما كانوا إلا جواسيس أرسلهم جنكيز خان للتجسس على الدولة الخوارزمية أولاستفزازها ولذلك قتلهم حاكم المدينة .
2- ومنهم من قال : أن هذاكان عمدا من حاكم " أوترار " كنوع من الرد على عمليات السلب والنهب التيقام بها التتار في بلاد ما وراء النهر وهي بلاد تابعة للخوارزميين .
3- ومنهم من قال : أن هذاكان فعلا متعمدا من حاكم " أوترار " يقصد بذلك أن يستثير التتار للحربليدخل بعد ذلك " خوارزم شاة " هذه المنطقة وهي منطقة " تركمنستان " وكانتضمن أملاك التتار .
4- ومنهم من قال : أن جنكيزخان أرسل بعضا من رجاله إلي أرض المسلمين ليقتلوا تجار التتار هناك حتىيكون ذلك سببا في غزو بلاد العالم الإسلامي .
5- ومنهم من قال : أن حاكم " أوترار " طمع في أموال التجار فقتلهم لأجل هذا .
تطور الأوضاع بعد هذه الحادثة
عندما وصل نبأ مقتل التجار إلى جنكيزخان أرسل إلي " محمد بن خوارزم شاه " زعيم الدولة الخوارزمية الكبرى يطلبمنه تسليم القتلة إليه حتى يحاكمهم بنفسه ولكن محمد بن خوارزم اعتبر ذلكتعديا على سيادة البلاد المسلمة فهو لا يسلم مجرما مسلما ليحاكم في بلدةأخرى بشريعة أخرى إنما قال " أنه سيحاكمهم في بلاده فأن ثبت بعد التحقيقأنهم مخطئون عاقبهم في بلاده بالقانون السائد فيها وهو الشريعة الإسلامية" ؛ ولكن جنكيز خان لم يقتنع بذلك الكلام أو بمعنى آخر لم يرغب فيالاقتناع بذلك الكلام وعنها وجد جنكيز خان العلة المناسبة للهجوم علىالعالم الإسلامي وعنها وجد جنكيز خان العلة المناسبة للهجوم على العالمالإسلامي وبعدها بدأ الإعصار التتري الرهيب على العالم الإسلامي فبدأتالهجمة التتريه الأولى على دولة خوارزم شاه .
بداية الإعصار
جاء جنكيز خان بجيشه الكبيرلغزو بلاد الخوارزميين فخرج له محمد بن خوارزم وذلك في سنة 616_ وذلك بعدثلاثة عشر عاما فقط من قيام دولة التتار ؛ والتقى الجيشان في موقعه رهيبةفي شرق الدولة الخوارزمية شرق نهر " سيحوون " وهو ما يعرف الآن باسم نهر "سريداريا " في دولة كزخستان المسلمة واستمرت المعركة لمدة أربعة أياممتصلة وقتل من الفريقين خلقا كثيرا ؛ فأستشهد من المسلمين في هذه الموقعةعشرون ألفا وقتل من التتار أضعاف ذلك ؛
ثم تحاجز الفريقان بعدهاوأنسحب محمد بن خوارزم بجيشه من أرض المعركة لأنه وجد أن أعداد التتارهائلة ولا قبل له بها فأنسحب ليحصن المدن الكبرى في مملكته وعلى رأسهاالعاصمة " أورجاندا " وأنشغل في تحضير وتجهيز الجيوش من أطراف مملكته ومعاهتمام محمد بن خوارزم بتحصين المدن الكبرى إلا أنه ترك الجزء الشرقي منمملكته بدون حماية كافيه ؛ ولكن هذا الخطأ لم يكن بمثابة خطأ تكتيكي منمحمد بن خوارزم ولكن كان خطأ قلبي فقد اهتم بتأمين نفسه وأملاكه وأموالهوأسرته وتهاون في تأمين شعبه ؛
حافظ على كنوزه وكنوز آباءهولكنه أهمل تماما الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه ؛ وعادة لا يصمد أمثالهؤلاء القواد أمام الأزمات التي تعصف بأمتهم وعادة ما تسقط الشعوب التيتقبل بهذه الأوضاع المقلوبة دون إصلاح
اجتياح بخاري
جهز جنكيز خان جيشه من جديد وأسرع فياختراق كل إقليم كازاخستان الكبير فمساحته تبلغ حوالي ( 3مليون كم )تقريبا ؛ فقطع كل إقليم كازاخستان دون مقاومه تذكر حتى وصل إلى مدينةبخاري المسلمة وهي بلدة الأمام الجليل والمحدث العظيم الأمام البخاري رحمهالله – وهي تقع الآن في دولة أوزبكستان ؛ فحاصر جنكيز خان بخاري في سنة616 – ثم طلب من أهلها التسليم على أن يعطيهم الأمان ؛ وكان محمد بنخوارزم في هذه الأثناء بعيدا جدا عن بخارى فاحتار أهل بخارى ماذا يفعلون ؟فظهر في المدينة رأيان :
* الرأي الأول : قال أصحابة نقاتلالتتار وندافع عن مدينتنا . * " " الثاني : قال أصحابة نأخذ بالأمان ونفتحالأبواب للتتار لتجنب القتل .
وهكذا انقسم أهل البلاد إليفريقين ؛ فريق من المجاهدين قرر القتال وهؤلاء اعتصموا بالقلعة الكبيرةبالمدينة وأنضم إليهم فقهاء المدينة وعلماؤها ؛ وفريق آخر من المستسلمينوهذا هو الفريق الأعظم والأغلب في هذه المدينة وقرروا فعلا فتح أبوابالمدينة والاعتماد على أمان التتار ففتحوا أبواب المدينة للتتار ودخلجنكيز خان المدينة الكبيرة وأعطى أهلها الأمان فعلا في أول الأمر خديعةلهم وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة الكبيرة في داخلالمدينة ؛ وبدأ في حصار القلعة بل وأمر أهل المدينة من المسلمين أنيساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة ليسهل فتحها والغريب في ذلك الأمر أنهمأطاعوه في ذلك ؛
وهكذا حوصرت القلعة عشرة أيامثم فتحت عنوه ولما دخلها جنكيز خان لعنه الله – قتل كل من في القلعة منالمجاهدين ولم يبق بالمدينة مجاهدين وهنا بدأ جنكيز خان في خيانة عهدهفسأل أهل المدينة عن كنوزها وأموالها وأصطفى كل ذلك لنفسه ؛ ثم أحلالمدينة لجنوده ففعلوا فيها مالا يتخيله عقل ؛ وأنظر ما قاله بن كثير فيكتابه البداية والنهاية عن هذا المشهد " فقتلوا من أهلها خلقا لا يعلمهإلا الله عز وجل – وأسرو الذرية والنساء وفعلوا مع النساء الفواحش بحضرةأهلهن فارتكبوا الزنا مع البنت في حضرة أبيها ومع الزوجة في حضرة زوجهافمن المسلمين من قاتل دون حريمه حتى قتل ومنهم من أسر فعذب بأنواع العذابوكثر البكاء والضجيج في البلد من النساء والأطفال والرجال ثم أشعل النارفي دور بخارى ومدارسها ومساجدها فاحترقت المدينة تماما حتى صارت خاوية علىعروشها " وهكذا هلكت بخارى في عام 616 – وكان هلاكها البداية وليس النهاية. ...................
بداية الطوفان التتري الذي اجتاح العالم الإسلامي بأسره
دخول عام 617 ويبدأ عام 617- بأحداث أكثرإيلاما وكان هذا العام من أبشع السنوات التي مرت على المسلمين منذ بعثةالنبي (ص) والى يومنا هذا ؛ ففي هذه السنة علا نجم التتار واجتاحوا البلادالإسلامية الواحدة تلو الأخرى وفعلوا بها الأفاعيل . ابن الأثير وما قاله عن التتار :-
ونقدم على هذه الأحداث ما قالهالمحدث الجليل ابن الأثير في كتابه" الكامل في التاريخ " فقد قال " لقدبقيت عدة سنوات معرضا عن ذكر هذه الحادثة استعظاما لها كارها لذكرها فأناأقدم إليه رجلا وأواخر أخرى فمن ذا الذي يسهل عليه أن يكتب نعي الإسلاموالمسلمين ومن الذي يهون عليه ذكر ذلك فيا ليت أمي لم تلدني ويا ليتني متقبل هذا وكنت نسيا منسيا إلا أنه حثني جماعة من الأصدقاء على تسطير هذا ثمرأيت أن ترك هذا لم يجدي نفعا " . ......... فبدأ يكتب الذكريات المريرة والأحداث المؤلمة فيقول في مقدمة القصة "هذا الفعل يتضمن ذكر الحادثة العظمى والمصيبة الكبرى التي عقمت الأياموالليالي عن مثلها عمت الخلائق وخصت المسلمين ولو قال قائل ( إن العالممنذ خلق الله – سبحانه وتعالى – آدم إلى الآن لم تبتلى بمثلها) لكان صادقافإن التواريخ لم تتضمن ما يقاربها ولا ما يدانيها ومن أعظم ما يذكرون منالحوادث ما فعله " بختنصر " ببني إسرائيل من القتل وتخريب البيت المقدسوما البيت المقدس إلى ماخرب هؤلاء الملاعين من البلاد التي كانت المدينةمنها أضعاف البيت المقدس وما بنوا إسرائيل إلى من قتلوا فإن أهل مدينةواحدة ممن قتلوا أكثر من بني إسرائيل ؛ ولعل الخلق لا يرون مثل هذهالحادثة إلى أن ينقرض العالم وتفنى الدنيا إلا يأجوج ومأجوج ؛ وأما الدجالفإنه يبقي على من اتبعه ويهلك من خالفه أما هؤلاء لم يبقوا على أحد بلقتلوا النساء والأطفال والرجال وشقوا بطون الحوامل وقتلوا الأجنة في بطونأمهاتهن – فإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله العليالعظيم " . ............... كانت هذه هي المقدمة التيكتبها ابن الأثير في بداية كتابة " الكامل في التاريخ " والذي كان يتحدثعن التتار وكان هو شاهد عيان على ذلك فقد كان معاصرا للأحداث في ذلك الوقت. ..................... ماذا حدث في سنة 617 ؟
اجتياح سمر قند
بعد أن دمر التتار مدينة " بخاري "وأهلكوا أهلها وحرقوا ديارها ومدارسها ومساجدها انتقلوا إلى المدينةالمجاورة وهي " سمر قند " وهي مدينة توجد في دولة " أوزبكستان " حاليا ؛واصطحبوا في طريقهم مجموعة كبيرة من أسرى المسلمين من بخاري ؛ وكما يقولابن الأثير " فساروا بهم على أقبح صورة فكل من أعيا وعجز عن المشي قتل " .
والحكمة من اصطحاب التتار الأسارىالمسلمين معهم إلى " سمر قند " كان له أكثر من هدف من جراء ذلك مع الأخذفي الاعتبار أن هذه كانت سنة من سنن التتار في كل تنقل لهم من مدينة إلىمدينة .
أهدافهم من اصطحاب الأسرى المسلمين معهم :-
1- كانوا يعطون كل عشرة أسرى علما منأعلام التتار ليرفعوه فإذا رآهم أحد من بعيد ظن أن المجموع كله من التتارفتكثر الأعداد في أعين أعدائهم بشكل لا يتخيل فلا يعتقدون مطلقا أنهميقدرون على قتالهم فيستسلمون .
2- كانوا يجبرون الأسرى على أن يقاتلوا معهم ضد أعدائهم ومن رفض القتال أو لم يظهر فيه قوة قتلوه .
3- كانوا يتترسون بهم عند لقاءالمسلمين فيضعون الأسرى في أول الصفوف كالدروع ويختبئون خلفهم فإذا أطلقالعدو السهام على جيش التتار دخلت السهام في صدور الأسرى المسلمين والتتاريطلقون سهامهم من خلف صفوف الأسرى المسلمين .
4- كانوا يقتلونهم على أبواب المدن لبث الرعب في قلوب أعدائهم وإعلامهم أن هذا هو المصير الذي ينتظرهم إذا قاوموا .
5- كانوا يبادلون بهم الأسرى في حال أسر رجال منهم في القتال .
الوضع في " سمر قند " قبل الاجتياح
" سمر قند " مدينة من حواضرالإسلام ومن أغنى مدن المسلمين في ذلك الوقت ولها قلاع حصينة وأسوار عاليةولهذه القيمة الإستراتيجية والاقتصادية الكبيرة ترك فيها " محمد بن خوارزم" خمسين ألف جندي خوارزمي لحمايتها ؛ هذا بالإضافة إلى أهلها الذين يقدرونبمئات الآلاف .
الاجتياح
وصل جنكيز خان إلى المدينةوحاصرها من كل الجهات وكان من المفترض أن يخرج إليه الجيش الخوارزميالنظامي ؛ ولكن دب الرعب في قلوب الجيش المسلم وتعلقوا بالحياة فأبوا أنيخرجوا للدفاع عن المدينة المسلمة ؛ فاجتمع أهل المدينة وتباحثوا في الأمرففشلوا تماما في إقناع الجيش الخوارزمي في الخروج للدفاع عنهم ؛ فقررالبعض من العامة أن يخرجوا فخرج سبعون ألف من أهل المدينة وخرج معهم أهلالعلم والفقهاء خرجوا جميعا على أرجلهم دون خيول ولا دواب ولم يكن لديهمخبرة عسكرية تمكنهم من القتال ؛ فرأى التتار أهل " سمر قند " يخرجون إليهمفقرروا القيام بخدعة وهي الإنسحاب المتدرج من حول الأسوار في محاولة لسحبالمجاهدين بعيدا عن مدينتهم فبدأوا في التراجع تدريجيا عن " سمر قند " وقدنصبوا الكمائن خلفهم وبالفعل نجحت خطة التتار ؛
وبأ المسلمون يطمعون فيهم حتىابتعدوا تماما عن أسوار المدينة ؛ عنها أحاط بهم جيش التتار تماما وبدأتعملية تصفية لأفضل رجال " سمر قند " فقتل السبعون ألف مقاتل عن آخرهم ؛وبعد إفناء الجيش المسلم عاد التتار إلى حصار المدينة مرة أخرى ؛ فأخذالجيش الخوارزمي قرارا مخزيا وهو طلب الأمان من التتار على أن يفتحوا لهمأبواب المدينة دون مجهود ؛ فوافق التتار على إعطاء الأمان لهم ؛ ففتحالجيش الخوارزمي الأبواب وخرجوا إلى التتار مستسلمين فقال لهم التتار "سلموا إلينا أموالكم وسلاحكم ودوابكم ونحن نسيركم إلى مأمنكم" ففعلوا ماأمرهم به التتار فلما أخذ التتار أسلحتهم ودوابهم وضعوا السيف في الجنودالخوارزميين حتى أفنوهم عن آخرهم ؛ ودخل التتار المدينة وفعلوا بها مثلمافعلوا في بخاري فقتلوا أعدادا لاتحصى من الرجال والنساء والأطفال ونهبواكل ثروات البلد وانتهكوا حرمات النساء ؛
وعذبوا الناس بأنواع العذابالمختلفة بحثا عن أموالهم وسبوا أعداد هائلة من النساء والأطفال ومن لميصلح للسبي لكبر سنه أو لضعف جسده قتلوه ؛ وأحرقوا الجامع الكبير بالمدينةوتركوها خرابا ؛وأستقر بعد ذلك جنكيز خان في " سمر قند " لأنه أعجبتهالمدينة العملاقة التي لم يرى مثلها في حياته قبل ذلك .
نهاية محمد بن خوارزم[/size][/size]
[size=16]أرسلجنكيز خان عشرون ألفا من فرسانه يطلبون محمد بن خوارزم فقال لهم جنكيز خان" أطلبوا خوارزم شاه أينما كان ولو تعلق بالسماء " ؛ وكون جنكيز خان أرسلعشرين ألف جندي فقط لقتل محمد بن خوارزم فيه إشارة إلى استهزاء جنكيز خانبمحمد بن خوارزم وبأمته ؛ فهذا العدد لايقارن بالملايين المسلمة التيستتحرك فيها هذه الفرقة التترية الصغيرة وتدخل في أعماق الملايين المسلمة
....................
افعال الفرقة التترية
انطلقت الفرقة التترية مباشرةباتجاه مدينة " أورجاندا " عاصمة الخوارزميين حيث يستقر محمد بن خوارزم ؛وهي مدينة تقع على الشاطئ الغربي من نهر " جيحون " والذي يطلق عليه الآننهر " أموداريا " فجاءت الفرقة التترية من الجانب الشرقي للنهر ففصل النهربين الفريقين ؛ فأخذ التتار يعدون أحواضا خشبية كبيرة ثم ألبسوها جلودالبقر حتى لايدخل فيها الماء ثم وضعوا فيها سلاحهم وعتادهم ومتعلقاتهم ثمأنزلوا الخيول الماء لأن الخيول تجيد السباحة ثم أمسكوا بأذناب الخيول ؛
وأخذت الخيول تسبح وهم يسبحونخلفها ويسحبون خلفهم الأحواض الخشبية بما فيها من سلاح وعتاد ؛ وبهذهالطريقة عبرت الفرقة التترية نهر " جيحون " وفوجئ المسلمون في " أورجاندا" بالتتار إلى جوارهم ومع أن أعداد المسلمين بالنسبة للتتار كانت كبيرةإلا أنهم قد ملئوا رعبا وخوفا من التتار وماكانوا متماسكين إلا لاعتقادهمأن النهر يفصل بينهم وبين التتار ؛ أما بعد أن أصبح التتار إلى جوارهم فلميجدوا أمامهم إلا طريق واحد وهو الفرار ؛ وكما يقول ابن الأثير " ورحلخوارزم لايلوي على شئ في نفر من خاصته " .
[size=16]وأتجه محمد بن خوارزم فيفراره من الفرقة التترية إلى مدينة "نيسابور " وهي إحدى مدن إيران حالياً؛ فانتقل بذلك من دولة إلى دولة أخرى من أفغانستان إلى إيران ؛ أما الجنودالنظاميون فقد تفرق كل منهم في جهة ؛ وأما التتار فما كانت لهم إلا مهمةواحدة وهي البحث عن محمد بن خوارزم وقتله ولذلك تركوا " أورجاندا " ولميدخلوها وانطلقوا مباشرة في اتجاه " نيسابور " مخترقين الأراضي الإسلاميةالواسعة في عمقها وهم لايزيدون على عشرين ألف مقاتل وجنكيز خان مازالمستقراً في " سمر قند " ؛
فكان بينهم وبين أقرب تجمعتتري مسافة كبيرة فكان من الممكن بسهولة أن تحاصر هذه الفرقة التترية فيأي بقعة من بقاع العالم الإسلامي ؛ لكن الخوف من التتار جعل الناس يفرونمنهم في كل اتجاه رعباً وحرصا على الحياة ؛ ولم يكن التتار في هذهالمطاردة يتعرضون لسكان البلاد بالسلب أو النهب أو القتل لأن لهم هدف محددلايريدون أن يضيعوا الوقت في القتل وجمع الغنائم إنما يريدون فقط اللحاقبالزعيم المسلم ومن ناحية أخرى فإن الناس لم يتعرضوا لهم لئلا يستثيرواحفيظتهم فيتعرضون لأذاهم ؛
وهكذا وصل التتار إلى منطقةقريبة من مدينة " نيسابور " في فترة وجيزة فلم يتمكن محمد بن خوارزم منجمع الأنصار والجنود ؛ فلما علم بقربهم منه فترك " نيسابور " واتجه إلى "مازن دران " وهي مدينة تقع في إيران حاليا فلما علم التتار بذلك لم يدخلوا" نيسابور " بل جاوزوها واتجهوا خلفه مباشرة فترك " مازن دران " إلى مدينة" الري " ثم إلى مدينة " همدان " والتتار في أثره ثم عاد إلى مدينة " مازندران " مرة أخرى في فرار فاضح ثم اتجه بعد ذلك إلى مدينة " طبرستان " وهيمدينة على ساحل بحر " الخذف " وهو ما يعرف ببحر " قزوين " حاليا فوجدسفينة ركب فيها وهربت به في عمق البحر وجاء التتار ووقفوا على ساحل البحرولم يجدوا ما يركبوه خلفه ؛ فنجحت خطة محمد بن خوارزم في فراره المخذي إلىجزيرة في وسط بحر قزوين وهناك رضي بالبقاء في قلعة قديمة كانت في هذهالجزيرة وعاش في فقر شديد وحياة صعبة وهو الملك الذي ملك بلاداً كبيرةوأموالاً لاتحصى ؛ولكن رضي بذلك لكي يفر من الموت وسبحان الله – ماهى إلاأيام ومات محمد بن خوارزم شاه في هذه الجزيرة النائية بداخل القلعة وحيداًطريداً شريداً فقيراً حتى أنهم لم يجدوا مايكفنوه فيه فكفنوه في فراشهالذي ينام عليه ؛ قال تعالى " أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروجمشيدة " .
سيرة " محمد بن خوارزم "
- عندما تقرأ سيرة " محمد بنخوارزم " تجد أنك أمام رجل من عظماء المسلمين ؛ فإذا راجعت حياته الأخيرةوخاتمته تبين لك غير ذلك ؛ فيقول ابن الأثير في ذكر سيرته " وكانت مدةملكه إحدى وعشرين سنة وشهوراً تقريباً ؛ وأتسع ملكه وعظم محله وأطاعهالعالم بأسره وملك من حد العراق إلى تركمنستان ( في الصين حالياً ) وملكبلاد غزنة ( في أفغانستان حالياً ) وبعض الهند وسجستان وكرمان ( فيباكستان حالياً ) وطبرستان وجرجان وبلاد الجبال وخرسان وبعض فارس ( فيإيران حالياً ) .
من هذه الفقرة يتبين لنا أنهكان عظيماً في ملكه فأستقر له الوضع في بلاد كبيرة مدة طويلة ؛ ومن هنايظهر حسن إدارته لبلاده ؛ حتى أن ابن الأثير يقول " وكان صبوراً على التعبغير متنعم ولا مقبل على اللذات إنما همه في الملك وتدبيره وحفظه وحفظرعاياه " ؛ وعندما تحدث عن حياته العلمية الشخصية قال " وكان فاضلاًعالماً بالفقة والحديث وغيرهما وكان مكرماً للعلماء محباً لهم محسناًإليهم وكان معظماً لأهل الدين مقبلاً عليهم متبركاً بهم " .
ويقول ابن الأثير في نص آخريفسر بوضوح سبب هذه الهزائم المتتالية والفرار الذي وقع على ذلك الإمامالفاضل فيقول " وكان محمد بن خوارزم وقد استولى على البلاد وقتل ملوكهاوأفناهم وبقي هو وحده سلطان البلاد جميعها فلما انهزم من التتار لم يبق فيالبلاد من يمنعهم ولا من يحميه " فكان هذا هو السر في حياه هذا الرجلالعالِم الذي اتسع سلطانه وذاع سيطه ثم مات في جزيرة في عمق البحر هرباًمن التتار .
ماذا فعلت الفرقة التترية بعد هروب محمد بن خوارزم ؟ كانت المسافة بين الفرقة التترية وبين القوى الرئيسية لجنكيز خان تزيد على650كم ؛ ودبت الهزيمة النفسية في قلوب المسلمين فقبلوا أن يبقوا في قراهمينتظرون الموت على يد الفرقة التترية ؛ فألقى الله الرعب في قلوبهم حتىكان المئة من المسلمين لا يقدرون على تترى واحد .
** سقوط " مازن دران "
عادت الفرقة التترية من شاطئ بحر قزوينإلى بلاد " مازن دران " فملكوها في أسرع وقت مع حصانتها وصعوبة الدخولإليها وامتناع قلاعها وهي من أشد بلاد المسلمين قوة ؛حتى أن المسلمينعندما ملكوا بلاد الأكاسرة ماستطاعوا أن يدخلوا " مازن دران " وذلك فيزمان " عمر بن الخطاب " ولم تٌدخل إلا في زمان " سليمان بن عبد الملك " ؛لكن التتار دخلوها بسرعة عجيبة لا لقوتهم وإنما لضعف نفوس أهلها ؛ وعندمادخلوها فعلوا بأهلها الأفاعيل من قتل وتعذيب وسبي ونهب وأحرقوا البلادوالعباد .
[size=21]** سقوط " الري "
اتجهت الفرقة التترية من " مازن دران "بعد أن ملكوها إلى مدينة " الري " ؛ وهم في طريقهم إلى " الري " وجدواوالده " محمد بن خوارزم " وزوجاته ومعهم الأموال الكثيرة والذخائر النفيسةالتي لم يسمع بمثلها من قبل فأخذوا كل ذلك سبياً وغنية وأرسلوهم إلى جنكيزخان في " سمر قند " ثم وصلوا إلى " الري " فملكوها ونهبوها وسبوا الحريمواسترقوا الأطفال وفعلوا بها الويلات ؛ثم فعلوا مثل ذلك في القرى والمدنالمحيطة بالمدينة ؛ فدخلوا على سبيل المثال مدينة " قزوين " فقتلوا منالمسلمين فيها أربعون ألفاً والفرقة التترية لا تتجاوز العشرين ألف .
** سقوط " تبريز "
اتجهت الفرقة التترية الصغيرة من مدينة" الري " إلى غرب بحر قزوين عند إقليم " أذربيجان" المسلم فمر التتار فيطريقهم على مدينة " تبريز " وهي مدينة من مدن الإقليم ؛ فقرر حاكم المدينةالمسلم ويدعى " أوزبك بن البهلوان " أن يصاح التتار على الأموال والثيابوالدواب ولم يفكر مطلقاً في حربهم لأنه كان لا يفيق من شرب الخمر ليلاً أونهاراً ؛ ورضي التتار بذلك لأن الشتاء القارس قد دخل على تلك المنطقة وهذهالمدينة في منطقة باردة جداً .
** سقوط " أرمينيا وجورجيا " النصرانيتين
ترك التتار " تبريز " ولكن إلى أجلواتجهوا إلى الساحل الغربي لبحر قزوين ؛ وبدأو في اجتياح الناحية الشرقيةلأذربيجان متجهين ناحية الشمال ؛ وفي طريقهم اجتاحوا كلاً من " أرمينيا "و" جورجيا " فمملكة " أرمينيا " يسكنها الكثير من النصارى ؛ومملكة "جورجيا " يتجمع بها قبائل الكرج وهي قبائل نصرانية ووثنية ؛ فحدث قتال بينالتتار وبين مملكتي أرمينيا وجورجيا وانتهى القتال بهزيمة المملكتينواجتياح التتار لهذه البلاد وضمها إلى أملاكهم . .....................
ماذا كان يفعل " جنكيز خان " في " سمر قند "
بعد أن اطمئن جنكيز خان إلى هروب "محمد بن خوارزم " زعيم البلاد بدأ يبسط سيطرته على المناطق المحيطة ب "سمر قند " ؛ فوجد أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق هم إقليمي "خوارزم و خرسان " ؛ فإقليم " خرسان " هو إقليم شاسع به مدن كبيرة منأشهرها مدن " بلخ – مرو – نيسابور – هراه – غزنه " وهو يقع الآن في شرقإيران وشمال أفغانستان ؛ أما إقليم " خوارزم " فهو الإقليم الذي كان نواةالدولة الخوارزمية اشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمواهبالقتالية وهو يقع إلى الشمال الغربي من " سمر قند " ويمر به نهر " جيحون "وهو يقع الآن في دولتي " أوزبكستان وتركمانستان " ؛
فأراد جنكيز خان القيام بحربمعنوية تؤثر على نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة ؛ فقررالبدأ بعمليات إباده وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في هاذينالإقليمين الكبيرين فأخرج من جيشه ثلاث فرق :
الفرقة الأولى :لتدمير إقليم " فرغانه " وهو يقع في أوزبكستان حالياً على بعُد حوالي 500كم – شرق " سمر قند " .
الفرقة الثانية : لتدمير مدينة " ترمز " وهي مدينة الإمام الترمزى – رحمه الله – وتبعُد حوالي 100كم – جنوب " سمر قند " .
الفرقة الثالثة :لتدمير قلعة " قلادة " وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر " جيحون " . فقامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيز خان ؛ فاستولت على كلهذه المناطق وقامت فيها بالقتل والأسر والسبي وانهب والتخريب ؛ فوصلتالرسالة التترية إلى كل الشعوب المحيطة فعمت الرهبة في أرجاء المنطقة ؛وعندما عادت الفرق الثلاث من مهمتها بدأ جنكيز خان يعد للمهمة التالية وهياجتياح إقليمي " خرسان وخوارزم " ..................... اجتياح إقليم " خرسان "
سقوط " بلخ " مدينة " بلخ " تقع في شمال أفغانستان حالياً ؛ وحدث فيها أمر هام فهذهالمدينة تقع جنوب مدينة " ترمز " التي دمرتها الفرقة التترية ؛ فوصلتأخبار مدينة " ترمز " إلى أهل مدينة " بلخ" فأصيب الناس بالرعب الشديد منالتتار ووصلت الجيوش التترية على أبواب مدينة " بلخ " فطلب أهلها منهمالأمان وعلى غير العادة قبل التتار أن يعطوهم الأمان الحقيقي ولم يتعرضوالهم بالسب أو النهب أو القتل ؛
[/size]
ولكن السبب في ذلك هو أن جنكيز خان أمر أهل " بلخ " أن يأتوا معه ليعاونوهفي فتح مدينة مسلمة أخرى وهي مدينة " مرو " والغريب هو أن أهل " بلخ "أطاعوه وجاءوا معه لمحاربة أهل " مرو " والجميع من المسلمين ولكن الهزيمةالنفسية جعلتهم ينصاعون لأوامر جنكيز خان وبذلك يكون جنكيز خان قد وفرقواته لمعارك أخرى وضرب المسلمين بعضهم ببعض .
[size=16][size=21]سقوط " مرو "[/size][/size]
[size=12][size=16]
[size=16]خرج الجيش المسلم من " بلخ "مع الجيش التتري لفتح " مرو " وهي من أكبر المدن في ذلك الوقت وهي تقعحالياً في دولة " تركمانستان " المسلمة على بعد حوالي 250كم – شرق مدينة "بلخ " الأفغانية ؛ فسار إليها جيش كبير من التتار على رأسه بعض أبناءجنكيز خان ومعهم الجيش المسلم الذي خرج معهم من " بلخ " وعلى أبواب " مرو" وجد التتار أن المسلمين قد جمعوا لهم خارج المدينة جيشاً يزيد على مائتيألف مسلم فدارت موقعة لرهيبة بين الطرفين على أبواب " مرو " ودارت الدائرة على المسلمينوأنطلق التتار يذبحون في الجيش المسلم حتى قتلوا معظمهم وأسروا الباقي ولميسلم إلا القليل ونهبوا الأموال والأسلحة والدواب من الجيش ؛ ويعلق ابنالأثير على هذه الواقعة فيقول " فلما وصلت التتار إليهم التقوا واقتتلوافصبر المسلمون ولكن التتار لا يعرفون الهزيمة " ؛ فهزم المسلمون وفتحالطريق إلى المدينة ذات الأسوار العظيمة ؛ وكان بها من السكان ما يزيد علىسبعمائة ألف مسلم من الرجال والنساء والأطفال ؛ فحاصر التتار المدينة ودبالرعب في قلوب أهلها بعد أن فني جيشهم أمام أعينهم ؛
ولم يفتح أهل " مرو "الأبواب للتتار لمدة أربعة أيام ولكن في اليوم الخامس أرسل قائد التتاررسالة إلى قائد مدينة " مرو" يقول فيها " لا تهلك نفسك وأهل البلد وأخرجإلينا نجعلك أمير هذه البلد ونرحل عنها " ؛ فصدق أمير المدينة ما قالهالقائد التتري وخرج إليه فاستقبله القائد التتري استقبالا حافلاً واحترمهوقربه ؛ ثم قال له أخرج لنا أصحابك والمقربين ورؤساء القوم حتى ننظر منيصلح لخدمتنا فنعطيه العطايا ونقطع له الإقطاعيات ويكون معنا ؛فأرسلالأمير المخدوع إلى معاونيه وكبار وزرائه وجنده لحضور الاجتماع الهام معابن جنكيز خان ؛ فلما تمكن منهم التتار قبضوا عليهم جميعاً وقيدوهمبالحبال ثم طلبوا منهم أن يكتبوا قائمتين طويلتين :
القائمة الأولى :تضم أسماء كبار التجار وأصحاب الأموال في المدينة . القائمة الثانية :أسماء أصحاب الحرف والصناع المهرة .
ثم أمر بن جنكيز خان أن يأتيالتتار بأهل المدينة أجمعين ؛ فخرج كل أهل المدينة حتى لم يعد بالمدينةأحد قط ؛ ثم جاءوا بكرسي من ذهب وجلس عليه ابن جنكيز خان وبدأ يصدرالأوامر : أولاً : إخراج أصحاب الحرف والصناع المهرة وإرسالهم إلى منغوليا للاستفادة من خبراتهم الصناعية هناك .
ثانياً :إخراج أصحاب الأموالوتعذيبهم حتى يخبروا عن كل أموالهم ؛ ففعلوا ذلك ومنهم من كان يموت من شدةالضرب ولا يجد ما يكفي لفداء نفسه .
ثالثاً :يأتوا بأمير البلاد وكبار القادة ورؤساء القوم فيقتلون جميعاً أمام عامة أهل المدينة.
رابعاً :دخول المدينة وتفتيشالبيوت بحثاً عن المتاع والذهب والفضة ؛ حتى إنهم نبشوا قبر السلطان "سنجر " أحد سلاطين خوارزم القدامى وأستمر هذا البحث لمدة ثلاثة أيام .
خامساً:أمر ابن جنكيز خان أن يقتل أهل البلد أجمعين فبدأوا يقتلون طل أهل " مرو" فقالوا أن المدينة عصت علينا وقاومت ومن قاوم فهذا مصيره ؛ ويقول ابنالأثير في ذكر ذلك " وأمر ابن جنكيز خان بعد أن قتلوا جميعاً أن يقومالتتار بإحصاء القتلى فكانوا نحواً من سبعمائة ألف قتيل" ففنيت مدينة "مرو " عن آخرها واختفى ذكرها من التاريخ .
** سقوط " نيسابور "
ثم جاوزوا مدينة " مرو " إلىمدينة " نيسابور " وهي مدينة كبيرة من مدن إقليم خرسان وتقع حالياً فيالشمال الغربي لدولة " إيران " ؛ فاتجه إليها التتار بعد أن تركوا خلفهممدينة " مرو " وقد خربت تماماً ؛ فحاصروها خمسة أيام ومع أنه كان يوجدبالمدينة جمع كبير من الجنود المسلمين إلا أن أخبار " مرو " وصلت إليهمفدب الرعب والهلع في أوساط المسلمين فما استطاعوا أن يقاوموا التتار ؛فدخل التتار المدينة وأخرجوا كل أهلها إلى الصحراء ؛ وجاء من أخبر ابنجنكيز خان أن بعضاً من سكان " مرو " قد سلِم من القتل لأنهم ضربوا بالسيوفضربات غير قاتلة فظن التتار أنهم قد ماتوا فتركوهم فهربوا ؛ لذلك في "نيسابور " أمر ابن جنكيز خان بقتل كل رجال المدينة بلا استثناء وأن تقطعرؤوسهم لكي يتأكدوا من قتلهم ؛ ثم قاموا بسبي كل نساء المدينة وأقاموابالمدينة خمسة عشر يوما يبحثون في الديار بحثاً عن الأموال والنفائس ؛ ثمتركوها كما يقول ابن الأثير " أثراً بعد عين " .
** سقوط " هراه "
ثم اتجهوا إلى " هراه " في شمالأفغانستان فتوجه إليها ابن جنكيز خان بقواته المهولة ولم تسلم " هراه " منالمصير الذي واجهته " مرو " و "نيسابور " فقتل كل من فيها من الرجال وسبىكل النساء وخربت المدينة كلها وأحرقت عن آخرها لكن أمير هذه المدينة وكانيدعى " ملك خان " أستطاع الهروب بفرقه من جيشه في اتجاه " غزنه " فيأفغانستان بعيداً عن أرض القتال . بسقوط " هراه " يكون إقليم خرسان بكاملة قد سقط في أيدي التتار ولم يبقوافيه على مدينة واحدة ؛ كل هذه الأحداث تمت في عام 617- وهذا من أعجبالأمور التي مرت في تاريخ الأرض مطلقاً . ................ ثانياً : إقليم خوارزم
من أشهر مدنه مدينة " خوارزم "مركز الخوارزميين وبها تجمع كبير من المسلمين وحصونها من أشد حصونالمسلمين بأساً وقوة وهي تقع حالياً على الحدود بين " أوزبكستان " و"تركمانستان " تقع مباشرة على نهر " جيحون " وكانت تمثل للمسلمين أهميةإستراتيجية واقتصادية كبيرة .
** سقوط " خوارزم "
لأهميتها الكبيرة وجه إليهاجنكيز خان أعظم جيوشه وأكبرها ؛ فقام هذا الجيش بحصار المدينة خمسة أشهركاملة ولم يتم له الفتح فطلبوا المدد من جنكيز خان فأمدهم بجند كثيروزحفوا على المدينة زحفاً متتابعاً وضغطوا ع
موضوع: رد: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 7:43
[size=21]جلال الدين بن خوارزم
ولكنهم لم يقتربوا بعد من جنوب دولةخوارزم الكبرى الذى كان تحت سيطرة رجل يدعي " جلال الدين بن خوارزم شاه "ابن الزعيم محمد بن خوارزم شاه زعيم الدولة الخوارزمية ، وكان جنوب الدولةالخوارزمية يشمل وسط وجنوب أفغانستان وباكستان وكان يفصل بينه وبين الهندنهر السند وكان جلال الدين يتخذ من مدينة غزنة مقرا له وهي تقع الآن فيأفغانستان علي بعد 150 كم من مدينة كابل وهى مدينة حصينة تقع وسط جبال "باروجا ميزوس " الأفغانية .
** موقعة " غزنة "
عندما انتهى جنكيز خان من أمرالزعيم الرئيسي للبلاد "محمد بن خوارزم شاه " وأسقط دولته بهذا الشكلالمريع بدأ يفكر في غزو وسط أفغانستان وجنوبها ، فهو يريد أن من أمر الابن" جلال الدين " الذى ورث الحكم بعد أبيه محمد بن خوارزم شاه ، فوجه جنكيزخان إلى غزنة وهي عاصمة ملك " جلال الدين " جيشاً كثيفا من التتار ، وبدأجلال الدين بعد أن أصبح الوريث الشرعى للبلاد وبعد أن وصلته أخبار ما حدثفى شمال ووسط مملكة أبيه وما حدث لأبيه وكيف مات فى جزيرة نائية ،فجمعجيشاً كبيرا من بلاده وأنضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين كان يدعى "سيفالدين بغراق " وكان شجاعاً مقداماً صاحب رأى ومكيدة وحرب وكان معه ثلاثونألف جندي ثم أنضم إليه أيضا ستون ألفا من الجنود الخوارزمية الذين فروا منالتتار أثناء غزوهم المدن الخوارزمية ،
ثم أنضم إليه أيضا ملك خان وأمير هراة الذى فر منها بفرقة من جيشه ، فبلغ جيش جلال الدين عددا كبيرا ،فخرج بهذا الجيش إلى منطقة بجوار غزنة تدعى " بلق" وهى منطقة ذات طبيعةجبلية وعرة وتقع وسط الجبال العظيمة ، وانتظر جيش التتار هناك فى ذلكالمكان الحصين ، وبعد قليل جاء جيش التتار فدار بين الجيشين معركة من أشرسالمعارك فى هذه المنطقة وقاتل المسلمون قتال المستميت فهذه أطراف المملكةالخوارزمية فلو هزموا في هذه الموقعة فليس بعدها أملاك ، فكان لحميةالمسلمين ولصعوبة الأرض والطبيعة الجبلية وكثرة أعداد المسلمين وشجاعةالفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق والقيادة الميدانية لجلال الدينأثراً واضحا في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار فاستمرت المعركة ثلاثةأيام ، ثم أنزل الله – عز وجل – نصره علي المسلمين وانهزم التتار للمرةالأولى فى بلاد المسلمين وكثر فيهم القتل ،
وفر الباقون منهم إلى ملكهمجنكيز خان وكان فى ذلك الوقت قد ترك سمرقند وتمركز فى منطقة الطالقان فىشمال شرق أفغانستان ، وارتفعت معنويات المسلمين بعد هذه المعركة فقد كانقد وقر فى قلوب الكثيرين قبل المعركة أن التتار لا يهزمون ، ولكن هاهوإتحاد الجيوش الإسلامية في غزنة يؤتى ثماره فاتحدت فى هذه الموقعة جيوشجلال الدين مع بقايا جيوش أبيه مع الفرقة التركية بقيادة " سيف الدينبغراق " مع ملك خان أمير هراة واختاروا مكاناً مناسباً وأخذوا بالأسبابالمتاحة فكان النصر .
موقعة " كابل "
وعندما اطمئنجلال الدين إلى جيشه أرسل رسالة إلى جنكيز خان في " الطالقان " يدعوه فيهاإلى قتال جديد وهذه هي أول مره يشعر فيها جنكيز خان بالقلق فجهز جيشاًأكبر وأرسله مع أحد أبناءه لقتال جلال الدين وتجهز الجيش المسلم للموقعةالثانية مع التتار ؛ والتقى الجيشان في مدينة " كابُل " الأفغانية وهيمدينة حصينة تحاط من كل جهاتها تقريباً بالجبال ؛ فشمالها جبال " هندوكوش" الشاهقة وغربها جبال " باروبا ميزوس " وجنوبها وشرقها جبال " سليمان " ؛فدارت موقعة كابل الكبيرة وكان القتال عنيفاً أشد ضراوة من موقعة غزنةوثبت المسلمون وحققوا نصراً غالياً ثانياً على التتار بل وأنقذوا عشراتالآلاف من المسلمين الأسرى من أيدي التتار ؛ وارتفعت معنويات المسلمينأكثر وفرح المسلمون بهذا النصر .
الغنائم
ثم تمكن المسلمون من شئيعتبرة الكثيرون من الناس نعمة ولكن كثيراً ما يكون نقمة ألا وهو "الغنائم " الدنيا وكم أهلكت الدنيا من المسلمين ؛ روى البخاري ومسلم عنعمرو بن عوف ( رضي الله عنه ) قال ؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم )" فوالله ما الفقر أخشى عليكم ولكن أخشى أن تبسط عليكم الدنيا كما بسطتعلى من كان قبلكم فتنافسوها كما تنافسوها فتهلككم كما أهلكتهم " ؛ وكانتقلوب المسلمين في هذه الحقبة من الزمان مريضة بمرض حب الدنيا إلا من رحمالله ؛ وكانت حروبهم حروب مادية ؛ حروب مصالح ؛ حروب أهواء ؛ ولم تكنحروباً في سبيل الله – عز وجل – لذلك كان لهم الانتصار مرة أو مرتين لحبالبقاء والرغبة في الملك والخوف من الأسر ومن القتل فكانت لهم جولة أوجولتين ولكن ظهرت خبايا النفوس عند كثرة الأموال والغنائم ووقع المسلمونفي الفتنة فاختلفوا على تقسيم الغنيمة ؛ فقام " سيف الدين بغراق "
وقام " ملك خان " أمير هراهقام كل منهما نصيبه في الغنيمة وحدث الأختلاف وارتفعت الأصوات ثم ارتفعتالسيوف ليقاتل المسلمون على تقسيم الغنيمة ؛ وجيوش التتار مازالت تملأمعظم مدن المسلمين ؛ وكان ممن قُتل أخ لسيف الدين بغراق فغضب غضباً شديداًوقرر الانسحاب من جيش جلال الدين ومعه ثلاثون ألف مقاتل ؛ فحدث ارتباككبير في جيش المسلمين وحاول جلال الدين أن يُصلح الأمور فأسرع إلى سيفالدين بغراق ليرجوه أن يعود إلى صف المسلمين والمسلمون في حاجة إلى كلجندي وفي حاجة إلى كل طاقة ؛ وفوق هذا فإن الفرقة التركية التي انسحبت هيأقوى فرقة في جيش جلال الدين ؛ لكن سيف الدين بغراق أصر على الأنسحابوأنسحب بالفعل وأنكسر جيش المسلمين انكسارا كبيراً فأنكسر انكساراً مادياًومعنوياً ولم يفلح المسلمين في استثمار النصر الغالي الذي حققوه في " غزنه" و " كابل " ؛ روى مسلم عن أبي سعيد الخدري قال؛ قال رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) " إن الدنيا حلوة خضرة وإن الله مستحلفكم فيها فينظر كيف تعملون فاتقوا الدنيا واتقوا النساء .
فرار " جلال الدين "
وبينما هم كذلك إذ جاء جنكيزخان بنفسه على رأس جيوشه ليرى ذلك المسلم الذي انتصر عليه مرتين في غزنةوكابل فدب الرعب والهلع في جيش المسلمين فقد قلت أعداد المسلمين وتحطمتمعنوياتهم ؛ ورأى جلال الدين أن جيشه أصبح ضعيفاً فأخذ جيشه وبدأ يتجهجنوباً للهروب من جيش جنكيز خان أو على الأقل تجنب الحرب لكن جنكيز خانكان مصراً على الحرب ؛ وفعل جلال الدين مثل ما فعل أبوه من قبل فبدأ يتنقلمن مدينة إلى مدينة ومن بلد إلى وبلد حتى وصل إلى حدود باكستان فاخترقهاحتى وصل إلى نهر " السند " الذي يفصل بين باكستان والهند وهناك قرر العبورفي نهر " السند " والدخول إلى أرض الهند مع أن علاقته بأهل الهند علاقةسيئة لكن كان أرحم عنده من لقاء جنكيز خان ولكن عند نهر السند لم يجدالسفينة التي يعبر بها مثلما وجدها أبوه من قبل
؛ فأنتظر وفوجئ بعد قليلبجيش جنكيز خان من خلفه فلم يكن هناك بُد من القتال فنهر السند من خلفهموالسفن على مسافة بعيدة ؛ فدارت موقعة رهيبة بكل معاني الكلمة فكلالمشاهدين لهذه الموقعة قال أن كل ماضي من الحروب كان لعباً بالنسبة إلىهذا القتال واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام متصلة واستحر القتل فيالفريقين وكان ممن قتل في صفوف المسلمين الأمير " ملك خان " أمير هراه ؛وفي اليوم الرابع انفصلت الجيوش لكثرة القتل وبدأ كل طرف يعيد حساباته ؛وبينما هم في هذه الهدنة المؤقتة جاءت السفن إلى نهر السند فلم يضيع جلالالدين أي وقت في التفكير فأخذ القرار السريع في الهروب وقفز الزعيم المسلمإلى السفينة ومعه خاصته ومقربيه وعبروا نهر السند إلى بلاد الهند وتركواالتتار على الناحية الغربية للنهر .
* سقوط " غزنة " بعد ذلك انقلب جنكيز خان على بلاد المسلمين يصب عليها عظيم غضبة نتيجةالهزيمتين اللتان لحقتا بجيوشه من قبل ويفعل بها ما اعتاد التتار أنيفعلوه وأكثر ؛ وكانت أشد المدن معاناة مدينة " غزنة " عاصمة جلال الدينبن خوارزم وهي المدينة التي هُزم عندها قبل ذلك جيش جنكيز خان ؛ فقتل كلرجالها بلا استثناء وسبى كل الحريم وأحرق كل الديار وتركها كما يقول ابنالأثير " خاوية على عروشها كأن لم تغن بالأمس " وكان ممن أمسك به جنكيزخان من أهل المدينة أطفال جلال الدين بن خوارزم فأمر جنكيز خان بزبحهمجميعاً وهكذا ذاق جلال الدين من نفس المرارة التي ذاقها الملايين من شعبه؛ روى البيهقي أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم) قال " كن كما شئت فكماتدين تدان " ؛ وبذلك حقق جنكيز خان حلماً غالياً ما كان يتوقع أن يكونبهذه السهولة وهو احتلال أفغانستان .
سقوط مراغة
في بداية عام 618 ه دخل التتار مدينةمراغة المسلمة وهي تقع في إقليم أذربيجان ومن عجيب الأمور أن امرأة مسلمةكانت تحكم هذه المدينة ، حاصر التتار مراغة ونصبوا حولها المنجنيق وبدأالقتال من التتار للمسلمين بواسطة الأسري المسلمين الذين بدأو بفتح مراغة، وبدأ الأسري المسلمين يقتلون إخوانهم المسلمين في مراغة طمعاً في قليلمن الحياة ودخل التتار المدينة المسلمة في 4 صفر سنة 618 ه ووضعوا السيففي أهلها فقتل منهم كما يقول ابن الأثير ( ما يخرج عن الحد والإحصاء )ونهبوا كل ما صلح نهبه وكل ما استطاعوا أن يحملوه والذي لم يستطيعوا حملهكانوا يجمعونه ويحرقونه فكانوا يأتون بالحرير الثمين كأمثال التلالفيحرقونه بالنار ،
ويقول ابن الأثير ( إن المرأة منالتتار كانت تدخل الدار فتقتل جماعة من أهل الدار رجالا ونساء وأطفالا مايتحرك لها أحد ) وذكر أيضاً أنه قد سمع بنفسه من بعض أهل مراغة أن رجلا منالتتر دخل درباً به مائة رجل مسلم فما زال يقتلهم واحداً تلوا الآخر حتىأفناهم جميعاً ولم يرفع إليه رجل واحد يده بسوء فوضعت الذلة علي الناس لايدفعون عن أنفسهم قليل ولا كثير .
الخليفة والتتار
ثم بدأ التتار يفكرون جدياًفي غزو مدينة " أربيل " التي تقع في شمال العراق فدب الرعب في المدينةوكذلك في مدينة " الموصل " التي تقع غرب أربيل ؛وفكر بعض أهل أربيلوالموصل في الهروب من طريق التتار ؛ فخشي الخليفة العباسي " الناصر لدينالله " أن يعدل التتار عن أربيل ويتجهوا إلى بغداد فبدأ يفيق من ثباتهالعميق فبدأ يستفر الناس لملاقاة التتار في أربيل إذا وصلوا إليها ؛
فأعلن حالة الأستنفار العامفي كل مدن العراق التي تقع تحت سيطرته فبدأ جيش الخلافة العباسية فيالتجهز وكان كل ما جمعه الخليفة من الإستنفار العام للمعركة ثمانمائة رجلفقط ولم يستطع قائد الجيش العباسي وكان يدعى " مظفر الدين " أن يلتقيبالتتار بهذا العدد الهزيل ؛ فعندما رأى أمامه جيش التتار وهم مئات الآلافوهو لا يتعدى الثمانمائة رجل فانسحب من أمامهم ؛ ولكن –سبحان الله – فقدحدث أمر غريب وهو أن التتار شعروا أن هذا الأنسحاب خدعة وأن هذه الفرقة ماهي إلا مقدمة للجيش الإسلامي الكبير ؛
فلا يُعقل أن جيش الخلافةالعباسية المرهوبة لا يزيد عن ثمانمائة جندي لذلك قرر التتار تجنب المعركةوانسحبوا بجيوشهم وآثروا أن يدخلوا مع الخلافة في صدام مباشر واستبدلواذلك بما يعرف بحرف الاستنزاف فسيقومون بضربات خاطفه موجعة للعراق ؛سيحاصرون العراق حصاراً طويلاً مستمراً لإضعاف العراق ثم القيام بأحلافواتفاقيات مع الدول والأمارات المجاورة للعراق لتسهيل الحرب ضد العراق فيالوقت المناسب ؛ لذلك انسحب التتار ليطول عُمر العراق عدة سنوات أُخرى
تبريز انسحب التتار من أربيل إلى مدينة " تبريز " وهي مدينة إيرانية وكان قائدهاكما ذكر سابقاً يدعى " أوزبك بن البهلوان " الذي كان لا يفيق من شرب الخمر؛ فعاد التتار إلى تبريز ليحاولوا مخالفة العهد الذي عقدوه مع أوزبك لكنفوجئ التتار بتغيير الحكم في المدينة وتولى قيادة البلاد رجلاً يدعى " شمسالدين الطغرائي " وكان رجلاً مجاهداً يفقه دينه ودنياه فقام – رحمه الله-يحمس الناس على الجهاد وعلى إعداد القوة ؛ وقوى قلوبهم على الأمتناع حذرهممن عاقبة التخاذل والتواني فعلمهم ما عرفوه نظرياً قبل ذلك ولم يطبقوهأبداً بصورة عملية في حياتهم فعلمهم أن الإنسان لا يموت قبل ميعاده أبداًوأن رزقه وأجله قد كتب له قبل أن يولد وأنهم مهما فعلوا للتتار فلنيتركوهم إلا إذا احتمى المسلمون وراء سيوفهم ودروعهم أما بغير قوة فلنيحمى حق على وجه الأرض ؛ فتركت الحمية في قلوب أهل تبريز فقاموا مع قائدهمالبار يحصنون بلدهم ويصلحون الأسوار ويوسعون في الخندق ويجهزون السلاحويضعون المتاريس ويرتبون الصفوف ؛
فتجهز القوم وللمرة الأولىمنذ زمن للجهاد في سبيل الله فسمع التتار بأمر المدينة وسمعوا بحالةالعصيان المدني فيها وحالة الأستنفار العام وسمعوا بدعوة التجهز للقتال فيسبيل الله فسمعوا بكل ذلك فماذا فعل التتار ؟ فأخذ التتار قراراً عجيباًقرروا عدم دخول " تبريز " وعدم الدخول في قتال مع قوم قد رفعوا رايةالجهاد في سبيل الله والقى الله – عز وجل – الرعب في قلوب التتار علىكثرتهم من أهل تبريز على قلتهم ؛ الجهاد في سبيل الله فعل فعلته المتوقعةبل إن القوم لم يجاهدوا ولم يصلوا إلى مرحلة الجهاد لكن عقدوا النيةالصادقة وأعدوا الإعداد المستطاع فتحقق الوعد الرباني الوعد الذي لا خلفله وهو وقوع الرهبة في قلوب الأعداء عند إعداد المسلمين قال تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " ؛
فما حجم تبريز بالنسبة لجيوشالتتار وما حجمها بالنسبة للمدن والدول الإسلامية التي سقطت ؛ قال تعالى "وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل " فما النتيجة " ترهبون بهعدوا الله وعدوكم وآخرين من دونهم لا تعلمونهم الله يعلمهم وما تنفقوا منشئ في سبيل الله يوف إليكم وأنتم لا تظلمون " .
كانت هذه صورة مشرقة في وسطهذا الركام المظلم ورحم الله " شمس الدين الطغرائي " الذي جدد الدين فيهذه المدينة المسلمة وسبحان الله – نفس هذا الحدث تكرر مع مدينة " كنجه "فقد أعلنت أيضاً الجهاد في سبيل الله وأعدت العدة فلم يدخل إليها تتريواحد .
سقوط " داغستان والشيشان "
ترك التتار تبريز وكنجه واتجهواإلى داغستان والشيشان وهما تقعان في شمال أذربيجان على ساحل بح قزوين فقامالتتار كعادتهم بتدمير كل شئ في هذه البلاد وقتل معظم من وجدوه في طريقهموكانت أشد المدن معاناة هي مدينة " شماخي " وهي تقع في دولة داغستانحالياً .
الهجوم على " روسيا "
ترك التتار هذه المنطقة وجاوزوها إلىما بعدها وهي " روسيا " ؛ ودخل التتار أرض روسيا وكانت في ذلك يعيش فيهاالنصارى واستمر التتار في تقدمهم حتى وصلوا إلى حوض نهر " الفولجه " فيروسيا وقاتلوا أهل هذه البلاد من النصارى وأثخنوا فيهم القتل وارتكبوامعهم من البشائع ما كانوا يرتكبونه مع المسلمين وبقوا تقريباً سنة 618 –في داخل أرض روسيا وهي أراض واسعة فسيطروا على الجنوب الغربي من أرض روسيافي هذه السنة .
وفي سنة 619- حافظ التتار على أملاكهم ووتضوا ملكهم في هذه المناطق .
ونراجع سريعاً أسماء الدول التي سقطت في أيدي التتار إلى هذه اللحظة من سنة 619 – وهي : كازاخستان – قرغيغستان – طاجكستان –أوزباكستان – تركمانستان – باكستان باستثناء المناطق الجنوبية منهاوالمعروفة بإقليم " كرمان " لم يصل إليه التتار بعد – أفغانستان – معظمإيران ماعدا الجزء الغربي منها الذي كان تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية –أذربيجان – أرمينيا وجورجيا النصرانيتين – الجنوب الغربي من روسيا .
[size=21]دخول سنة 620:-
بينما كان جنكيز خان يبسطسطوته على الدولة الخوارزمية وما حولها استمرت الحملات التترية على روسياوانشغل التتار بحرب روسيا في سنة 620؛ لكن في هذه السنة نعلق فيها علىأربعة أحداث فقط :
1- توغل التتار في بلاد روسياوحققوا انتصارات عديدة لكن في نهاية المطاف توقفوا أمام طائفة تدعى طائفة" البلغار " وحدثت بينهم موقعة عظيمة هُزم فيها التتار هزيمة منكرة وقتلمنهم خلقاً كثيراً إلى حد أن التتار فقدوا السيطرة على معظم المناطقالغربية التي كانوا يحتلونها ففقدوا السيطرة على روسيا وجورجيا وأرمينياوالشيشان وداغستان وأذربيجان وشمال إيران هذا كله نتيجة هزيمة واحدة فيروسيا وكانت هذه فرصة من السماء للمسلمين لكي يعيدوا ترتيب الأوراق وترتيبالصفوف وتجهيز العدة ليقابلوا التتار وهم في حالة إرتباك بعد هذه الهزيمةالكبيرة ؛ كان هذا هو المتوقع لكن لم يحدث شئ من هذا القبيل وما حدث هو أنأحد أمراء المسلمين في هذه المنطقة جمع عُدته وعتاده وهجم على قبائل الكرجفي جورجيا ؛
وهذا الحدث يحتاج إلى وقفةفهذا حدث عجيب في هذا الوقت نعم بين الكرج والمسلمين حروب مستمرة إلا أنهمالآن في شبه هدنة غي رسمية فليس من الحكمة أبداً فتح جبهات جديدة علىالمسلمين في وجود العدو الأكبر لهم وهو التتار وبالأخص أن الكرج أيضايعانون مما يعاني منه المسلمون فالكرج يكرهون التتار وأصيبوا كما أصيبالمسلمون من التتار ؛ فكان المتوقع في ذلك الوقت من المسلمين إن كانوايتحلون بالحكمة السياسية أن يتحالفوا بحذر مع الكرج ضد التتار أو علىالأقل يحيدوا صفهم لكن يدخلوا في حرب مع الكرج يستنزفوا فيها قوة المسلمينوقوة الكرج في وجود القوة التترية الضخمة إلى جوارهم فهذا يعتبر من سوءالحكمة في تقدير الأمور ؛
ودارت الحرب بين الطرفينوفقد كل منهما عدداً كبيراً من القتلى والأهم من ذلك أنهم فقدوا الثقةوإمكانية التحالف ضد التتار ولم يستغل المسلمون موازين القوى في ذلك الوقتلصالحهم فكان هذا من أهم أسباب ضعفهم ؛ ثم سكنت الحرب وأُقيم الصلح منجديد بين الكرج والمسلمين لكن بعد فقد طاقة مهولة من الطرفين .
2- نتيجة هزيمة التتار فيهذه المنطقة ظهر أحد أبناء " محمد بن خوارزم " غير جلال الدين يُدعى "غياث الدين بن محمد بن خوارزم " ؛ فقام غياث الدين هذا بجمع الرجال وأشغلالفراغ النسبي الذي خلفه التتار وتملك المنطقة وسيطر على معظم إيران منمدن الري واصبهان وغيرها ووصل في سيطرته إلى إقليم كرمان في باكستان وهذهالمنطقة كما ذكرنا لم يصل إليها التتار وأصبحت سيطرة غياث الدين بن خوارزمعلى مناطق شمال وغرب وجنوب غيران أما المنطقة الشرقية فما زالت تحتالأحتلال التتري وهي إقليم خُرسان فالتتار ملاصقون تماماً لغياث الدين ؛فكان المتوقع من الخليفة العباسي " الناصر لدين الله " في ذلك الوقت أنيساعد غياث الدين بن خوارزم لأنه يقف بينه وبين التتار فكان المتوقع أنيساعده إن لم يكن بدوافع الدين والأخوة والنصرة للمسلمين فليكن بسببالأبعاد الإستراتيجية الهامة فهو يقف كحائط صد أمام الخلافة العباسية لكنالخليفة العباسي لم يدرك هذه الأبعاد وكان الناصر لدين الله كما يقولالمؤرخون " رجلاً ظالماً مستبداً فرض المكوس والضرائب على كل شعبه فكلأزمة إقتصادية تحدث يفرض ضريبة جديدة فيحل الأزمة من قوت الشعب وكانمهتماً بالحفلات والملذات والصيد واللعب وعم الفساد في زمانه فارتفعتالأسعار وقلت المؤن والموارد ؛
فلم ينس الناصر لدين اللهالخلافات القديمة مع الدولة الخوارزمية فهو يريد أن يفكك الدولة التي بدأتتنموا بجواره بقيادة غياث الدين فراسل خال غياث الدين وكلن يُدعى " إغانطائسي " وكان رجلاً كبير صاحب رأي في الحرب وكان أميراً في جيش غياث الدينفراسله الخليفة العباسي ووعده أن يساعده في حالة ما إذا انقلب على غياثالدين وأمده بالجند والسلاح والأفكار ولم يهمه مطلقاً الفتنة التي ستحدثفي إيران إلى جواره تماماً وأعجبت الفكرة " إغان طائسي " وجمع الجند وبداينادي بالعصيان ضد غياث الدين وهو ابن أخته فحدث ما لم يُتوقع ؛ التقىإغان طائسي مع ابن أخته غياث الدين في موقعة فاصلة للسيطرة على إيرانودارت موقعة كبيرة وسقطت الأعداد الكثيرة من المسلمين قتلى بسيوف المسلمينوفي النهاية إنهزم إغان طائسي وهرب هو ومن معه بعد أن قُتل عدد كبير منجنده .
3- هذه الحادثة التي سنتحدث عنها ذكرهابن الأثير في كتابه وقدم لها عبارة فقال " حادثة غريبة لم يوجد مثلها "وهي أن مملكة الكرج النصرانية بعد أن أتمت صلحها مع المسلمين وصل إلي قمةالحكم فيها امرأة وكانت غير متزوجة فطلب منها الأمراء أن تتزوج رجلاً يديرعنها البلاد فوافقت وأرادت أن تتزوج من بيت يكون بيت ملك وشرف فلم تجد أيبيت في مملكتها فسمع بذلك أحد ملوك المسلمين يدعى " مغيث الدين بن طغررشاه بن قلج أرسلان " من ملوك السلاجقة وكان يحكم منطقة الأناضول وكان لهابن كبير فأرسل إلى ملكة الكرج وطلب منها أن يزوجها لابنه فرفضت الملكةوقالت أنها لا تتزوج من رجل مسلم فلا يمكن أن يملك مملكة الكرج رجل مسلمفقال لهم :" إن ابني يتنصر ويتزوجها " ؛ فوافقوا على ذلك وتنصر الولدالمسلم وتزوج ملكة الكرج وانتقل إلى مملكتهم ليكون حاكماً عليهم وبقي علىنصرانيته ؛ وللعبرة أن هذا الولد مات على نصرانيته محبوساً في مملكة الكرجبعد أن عزلوه عن الحكم – فإنا لله وإنا إليه راجعون- .
4- هجم الجراد بكميات هائلة على أكثر أقاليم المسلمين فأهلك الكثير من الغلات والخُضر بالعراق والجزيرة والشام وفارس وغيرها .
دخول سنة 621
نعلق فيها على ثلاثة أحداث فقط :
1- حدث بين " غياث الدين " الذي كانيحكم إيران في ذلك الوقت حدثت حدث بينه وبين أحد الأمراء في هذه المنطقةفتنة وهذا الأمير هو " سعد الدين دكنه " ودار بينهما قتال طويل حتى رضيالطرفان بتقسيم البلاد إلى نصفين شمالي وجنوبي فالجنوب به " سعد الديندكنه " والشمال به " غياث الدين " .
2- دخل ثلاثة آلاف جندي تتري إلى إيران فوضعوا السيف في مدن ( الري – ساوا – قُم – قاشان – همدان ) ولم يُرفع في وجههم سيف .
3- قلت الأمطار في البلاد في هذهالسنة فكانت الأمطار تجئ قليلة جداً وفي أوقات متفرقة وخرج عليهم الجرادللمرة الثانية ليأكل الزرع القليل الذي خرج في وجود المطر القليل وغلتالأسعار في العراق – الموصل – وسائر ديار الجزيرة وهي المنطقة الشمالية منالعراق وسوريا .
دخول سنة 622 و 623
1- خفت في هاتين السنتين القبضةالتترية على غرب الدولة الخوارزمية وغرب وشمال إيران ؛ واكتفوا ببعضالحملات المتباعدة واهتموا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزميةالشاسعة التي وقعت في أيديهم ؛ لكن حدث أمر جديد في هاتين السنتين فقد ظهرعلى مسرح الأحداث فجأة "جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه " الذي لم يستطعالعيش في بلاد الهند بسبب علاقته السيئة مع الغوريين حكام الهند في هذهالفترة فعندما رأى أن الأوضاع قد استقرت نسبياً في إيران والتتار قداكتفوا بتوطيد الملك في أركان الدولة الخوارزمية الشرقية رأى أن الوقت قدأصبح مناسباً فدخل أرض إيران يبحث عن ملكه الضائع وكان الذي يحكم إيران فيذلك الوقت هو أخوه "غياث الدين " في الشمال وسعد الدين دكنه في الجنوب ؛
فتحالف " جلال الدين بن محمد بنخوارزم " مع " سعد الدين دكنه " ضد أخيه " غياث الدين بن محمد بن خوارزم "وبدأ جلال الدين في غزو إقليم فارس ( إيران حالياً ) من الجنوب إلى الشمالووصل إلى غرب إيران وسيطر على كل المنطقة الغربية من إيران ووجد جلالالدين نفسه قريباً من الخلافة العباسية في العراق فتذكر الخلافات القديمةبينه وبين الخلافة العباسية فقرر غزو الخلافة العباسية فدخل بجيشه البصروحاصرها وأهلها من المسلمين فحاصرها شهرين فلم يستطع دخولها فتركها وأتجهإلى الشمال واقترب من بغداد فحاصرها فخشي الناصر لدين الله الخليفةالعباسي على نفسه وعلى مدينة فحصن المدينة وجيش الجيوش لكن فعل فعلاًشنيعاً بشعاً لا يتخيل يقول ابن الأثير تعليقاً على هذا الفعل " فعل الذنبالذي يتصاغر إلى جواره كل الذنوب " أرسل إلى التتار يستعين بهم على حربجلال الدين لكن التتار في ذلك الوقت كانوا منشغلين عن حرب جلال الدين ولميأتوا لمساعدة الخليفة ولم يستطع جلال الدين دخول بغداد فتركها وانتقل إلىغيرها من البلاد ؛ وكانت حروبه هو ومن معه من الجنود الخوارزمية حروب شرسةمفسدة مع أن كل البلاد المغنومه بلاد إسلامية كان يفعل بهم الأفاعيل منقتل وسبي ونهب وتخريب ؛
فبلغ السلطان جلال الدين من جنوب فارسإلى الشمال الغربي لبحر قزوين وهي وإن كانت منطقة كبيرة إلا أن كلها قلاقلوأضطرابات بالإضافة إلى العداءات الكثيرة التي أورثها جلال الدين في قلوبكل سكان المنطقة.
2- في أو آخر عام 622- توفي الخليفةالعباسي " الناصر لدين الله " الذي حكم البلاد لمدة 47سنة وتولى ابنهالحكم وهو " الظاهر بأمر الله " لكن كان الولد على النقيض تماماً من أبيهفكان رجلاً صالحاً تقياً أظهر من العدل والإحسان ما لم يسبق إلا عندالقليل إلى حد أن ابن الأثير يقول " أنه لو قيل أنه لم يلي الخلافة بعدعمر بن عبد العزيز مثله لكان القائل صادقاً " فرفع الضرائب الباهظة عنالناس وأعاد إليهم حقوقهم وأخرج المظلومين من السجون وتصدق على الفقراءحتى قيل في حقه "
أنه كان غريباً تماماً على هذا الزمانالفاسد " ولقد قال ابن الأثير عنه " إني أخاف أن تقصر مدة خلافته لأنزماننا وأهله لا يستحقون خلافته " وصدق ظن ابن الأثير فلم يمر إلا تسعةأشهر فقط وتوفي الظاهر بأمر الله وقد ذكر الرواة أن الأسعار في أيامه رخصتجداً وتحسن الاقتصاد في العراق في تسعة أشهر فقط ؛ وتولى الحكم من بعده "المستنصر بالله " وفي هذه الأثناء كان جلال الدين مستمراً في حروبه في هذهالمنطقة ضد المسلمين .
دخول سنة 624
1- أستمر جلال الدين في هذهالسنة في حروبه ضد المسلمين ومما يذكر عنه أنه حاصر مدينة " أخلاط " فيتركيا وهي مدينة مسلمة فقتل منها خلقاً كثيراً وامتدت أيدي الجنودالخوارزميين إلى كل شئ في المدينة بالسلب والنهب حتى سبوا الحريم المسلمين.
2- وفي هذا العام حدث أمر هامهو وفاة القائد التتري المجرم السفاح " جنكيز خان " لعنه الله- وعمره 72عاماً ملأ هذه الأعوام بالدماء والسلب والنهب والقتل فأقام مملكة واسعة منكوريا في الشرق إلى فارس في الغرب بنيت هذه المملكة على جماجم البشرومعظمهم من المسلمين ؛ وبموته هدأت الأمور نسبياً في المنطقة واحتفظالتتار بما ملكوه من بلاد المسلمين إلى وسط إيران تقريباً وجلال الدينيبسط سيطرته على المناطق الغربية من إيران والمناطق الغربية من بحر قزوين؛ وتوقف القتال وكأن كل فريق رضي بما يملك واستقرت الأمور من سنة 624- عندوفاة جنكيز خان إلي سنة 627- .
دخول سنة 626
في هذا العام وأثناء فترةالهدوء النسبي حدث أمر هلم وهو تسليم بيت المقدس الذي حرره " صلاح الدين "رحمه الله- قبل ذلك بأربعين سنة إلى الصليبيين صلحاً لأن أمراء الشاماتفقوا علي إعطاء بيت المقدس للصليبيين ليساعدوهم في غزو مصر .
دخول سنة 628
انتهت فيها فترة الهدوءالنسبي فهذه السنة تحمل هجمة تترية جديدة على العالم الإسلامي ؛ استقرمُلك التتار في منغوليا ومات جنكيز خان منذ أربعة سنوات وتولى القيادة منبعده زعيم تتري جديد يُدعى " أوكي تاي " خاقان جديد للدولة التترية ؛ نظمهذا الخاقان أمور الدولة التترية في الأربع سنوات الماضية في منطقة الصينومنغوليا وبدأ يفكر من جديد في اجتياح العالم الإسلامي بل وفكر في استكمالالحروب داخل روسيا ويدخل أوروبا وقرر عدم الهجوم على الخلافة العباسية فيذلك الوقت ......................... تقييم أوضاع العالم ككل حتى سنة 639
1- وصلت حدود دولة التتار فيهذه السنة من كوريا شرقا إلى بولندا غرباً ومن سيبريا شمالاً إلى بحرالصين جنوباً فأصبحت قوة التتار في ذلك الوقت هي القوة الأولى في العالمبلا منازع . 2- تولى قيادة التتار بعد " أوكي تاي " إبنه " كيوك بن أوكي تاي " وكان لهالرأي في تثبيت الأقدام في البلاد المفتوحة ؛ ولم يكن لديه سياسة توسعيةكأبيه فأوقف الفتوحات في أوروبا والعالم الإسلامي .
3- ابتلع التتار في فتوحاتهمالسابقة النصف الشرقي للأمة الإسلامية وضموا معظم الأقاليم الإسلامية فيآسيا إلى دولتهم فقضوا على معظم مظاهر الحضارة في هذه المناطق كما قضواعلى أي نوع من المقاومة في هذه المناطق الواسعة .
4- ظل القسم الأوسط من العالمالإسلامي وهو يبدأ من العراق إلى مصر مفرقاً ومشتتاً وانشغل حُكام هذهالمناطق بالصراعات الداخلية بينهم وأزداد تفككهم بصورة كبيرة كذلك كانالقسم الغربي من العالم الإسلامي الذي يضم كلاً من ليبياً وتونس والجزائروالمغرب وغرب أفريقيا وكان أيضاً هذا القسم مفككاً تماماً بعد سقوط دولةالموحدين .
5- ذاق الأوروبيين النصارى منويلات التتار كما ذاق المسلمون وذبح منهم مئات الآلاف أو الملايين ودُمرتكنائسهم وأحرقت مدنهم وهددوا تهديداً كبيراً خوفا من أن يصل التتار إلىروما عُقر دار الكاثوليكية في أوروبا .
6- مع أن النصارى رأوا أفعالالتتار إلا أن الملوك النصارى في أوروبا الغربية في ( فرنسا- إنجلترا –إيطاليا – ألمانيا ) فكانوا يرون أن هذه مرحلة مؤقتة سوف تقف أما حروبالنصارى الصليبيين ضد المسلمين فكانت في رأيهم حروب دائمة لا تنتهي ومن ثماعتقد ملوك الصليبيين أنهم لابد أن يتعاونوا تعاوناً تعاوناً كاملاً معالتتار ضد المسلمين بالرغم من كل الأعداد الهائلة من النصارى التي ذبحتعلى أيدي التتار .
* فلماذا يعتقد الصليبيين أن حرب المسلمين دائمة وحرب التتار مؤقتة ؟
- لأن حرب الصليبيين مع المسلمين حربعقائدية فالعداء بين المسلمين والصليبيين على أساس ديني فالصراع بينهماأبدي ؛ فالنصارى لن ينهوا القتال إلا بدخول إحدى الطائفتين في الأخرى كمايقول الله –غز وجل – في كتابه الكريم " ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارىحتى تتبع ملتهم " - أما حروب التتار فهي لم تكن حروب عقائدية أبداً فعقيدة التتار كانتعقيدة مشوهة باهتة مجموعة من أديان شتى فلم يُسمع عن قائد تتري واحد حاولأن ينشر هذه العقيدة في البلاد المفتوحة إنما كان كل هدف التتار هوالإباده والتشريد وجمع المال وسبي النساء والأطفال وإلى ذلك من أمورالتخريب ومن كانت هذه صفته فلم يُكتب له الإستمرار أبداً لذلك على الغم منالصدمات التي تلقتها أوروبا على يد التتار إلا أن أوروبا استمرت في تكثيفالجهود لإعادة العلاقات الدبلوماسية مع التتار . 7- بدأ يحدث تغير عقائدي في الجيش التتري بعد حملات التتار في أوروبا وذلكبزواج عدد كبير من قادة التتار من فتيات نصرانيات أوروبيات وبذلك بدأتالديانة النصرانية تتغلغل نسبياً في الجيش المغولي وهذا ساعد على إمكانيةالتعاون التتري الصليبي فيما بعد وأن يجتمع الحقد التتري مع الحقد الصليبيعلى إسقاط الخلافة العباسية واجتياح الشام .
8- استمرت الحروب الصليبية الأوروبيةعلى المسلمين في مصر والشام فلم تنقطع مع كل هذه المجازر التترية فيأوروبا ؛ فلم تنقطع المجازر الصليبية في بلاد الشام ومصر وكانت مصر وبلادالشام في ذلك الوقت تحت حكم الأيوبيين ودار الصراع بينهم على حكم هذهالمقاطعات وأصبح المسلمون يقعون في مثلث خطير فالصليبيين من ناحية والتتارمن ناحية أخرى وزعماء المسلمين من ناحية ثالثة .
9- في عام 640- توفي المستنصر باللهالخليفة العباسي وتولى الخلافة " المستعصم بالله " ابن المستنصر باللهوكان عمره آن ذاك 30 عاماً وستسقط الخلافة العباسية في زمانه . 10- لم يبق فاصل بين التتار والخلافة العباسية في العراق إلا شريط ضيق في غرب إقليم فارس وكانت تعيش في طائفة الإسماعيلية الشيعية . .........................
ما حدث من سنة 639- إلى سنة 649
بعد تولية " كيوك بن أوكيتاي " خاقاناً جديداً للتتار فقرر أن يوقف الحملات التترية التوسعية وقررأن يتفرغ لتثبيت الأقدام في أجزاء المملكة الواسعة وحكم التتار من سنة639- إلى سنة 646- فلمدة سبع سنوات لم يدخل التتار في هذه السنوات أي بلدجديد ؛ فرأى الصليبيون في غرب أوروبا هذا النهج غير التوسعي لدى " كيوك "فتجددت الآمال في التعاون معهم ضد المسلمين فأرسل البابا " إنوسنت الرابع" سفارة صليبية إلى منغوليا في سنة 643- والمسافة بين روما وقرقورم 12ألفكم مربع ذهاباً فقط ؛
فأرسل إليه رسالة يعرض عليهفيها التوحد لحرب المسلمين في مصر والشام ولم يكن من أهداف هذه السفارة أنترفع الظلم عن نصارى أوروبا وروسيا لأن معظم البلاد التي وقعت في أيديالتتار في أوروبا وروسيا كانوا من النصارى الأرثوذكس ؛ فوصل الوفد الصليبيإلى قرقورم وسلم رسالة البابا إلى خاقان التتار ؛ فوجد أن البابا بالإضافةإلى طلبة توحيد العمل العسكري ضد المسلمين فهو يدعوه إلى اعتناق النصرانيةفاعتبر خاقان التتار ذلك تعدياً خطيراً من البابا فكيف يطلب من خاقانالتتار أعظم دولة على وجه الأرض في ذلك الزمن أن يغير من ديانته مع أنالديانة النصرانية بدأت تتغلغل في البلاط المغولي لكن هذا تعدياً كبيراًعلى خاقان التتار فرفض السفارة الصليبية إلا بشرط واحد فقط وهو أن يجتمعأمراء الغرب الأوروبي جميعاً ليأتوا إلى منغوليا لتقديم قروب الولاءوالطاعة للخاقان التتري بالطبع رفض ملوك أوروبا هذا الشرط وبذلك فشلتالسفارة الأوروبية الأولى ؛ فلم ييأس البابا " أنوسنت الرابع " وأخذ يبحثفي قواد الجيش التتري في مناطق العالم المختلفة على من عنده الرغبةوالحمية في غزو العالم الإسلامي فوجد ضالته في قائد المنطقة الغربية لدولةالتتار الذي كان يتمركز في منطقة "أذربيجان وفارس " وهو القائد التتريالكبير " بيجو " وهو من أشهر قواد التتار وفي سنة 645- وبعد السفارةالأولى بعامين أرسل البابا رسالة جديدة إلى " بيجو " في فارس وكان هذاالقائد لديه حب ورغبه شديدة في العدوان والهجوم وكانت رغبته الشديدة فيالتوسع في أراضي المسلمين فوجدت السفارة ترحيباً كبيراً من بيجو وتوقع أنهجوم الصليبيين على مصر والشام سوف يشغل المسلمين في هذه المناطق عنالدفاع عن الخلافة العباسية وبذلك يستطيع أن يتقدم في داخل أراضي العراق ؛لكن بيجو لم يكن لدية الصلاحيات الكافية لإجراء المعاهدات والمفاوضات معالبابا وغيره فأرسل إلى كيوك وكان مصمماً على عدم التوسع ومصر على قدومملوك أوروبا إلى قورقورم لتقديم قروب الولاء والطاعة ففشلت هذه السفارةالثانية .
وفي ذلك الوقت كان " لويسالتاسع " ملك فرنسا كان يجهز الحملة الصليبية المشهورة على مصر والمعروفةبالحملة الصليبية السابعة وكان يتمركز في جزيرة قبرص لتجميع الجيوشالفرنسية وغيرها لغزو مصر ؛ وفي سنة 646- وبعد سنة من السفارة الصليبيةإلى بيجو فكر لويس التاسع في أن الأمل لم ينقطع بعد في التعاون مع التتارفأرسل سفارة صليبية ثالثة من قبرص إلى منغوليا لمحاولة إقناع التتاربالتعاون من جديد وزود هذه السفارة بالهدايا الثمينة وغيرها لكن وصلت هذهالسفارة إلى " قورقورم " العاصمة التترية فوجدت أن الخاقان التتري " كيوك" قد مات وأولاده صغار لا يستطيعون تولي مقاليد الحكم فتولت الحكم أرملتهأم أولاده الثلاثة الصغار وكانت تُدعى " إغول قينيش " فتولت الوصاية علىأولادها وبالتالي تولت حكم التتار من سنة 646- إلى سنة 649- ؛
فتوجهت سفارة لويس التاسعإلى ملكة التتار فاستقبلتهم الملكة بحفاوة لكن إعتذرت عن إمكانية التعاونمعاً لأنها مشغولة بالمشاكل الضخمة التي طرأت في المملكة التترية الضخمةنتيجة موت " كيوك " بالإضافة إلى أن عامة قواد الجيوش التترية لم يكونوايقبلوا ببساطة على حكم امرأة لدولة التتار فهي دولة تعتمد في أساسهاً علىالبطش والإجرام والقوة والأوضاع كانت غير مستقرة في منغوليا وغيرها منالبلاد فالمطلوب أن يتولى القيادة رجل حازم ؛ فردت السفارة وعادت السفارةالصليبية الثالثة دون نتيجة لكن مع ذلك لويس التاسع أصر على الحرب وغزابالفعل مصر ونزل إلى دمياط سنة 647- واحتلها وبدأت الحملة الصليبيةالسابعة على مصر وكان لها آثار كبيرة ؛ الأوضاع في منغوليا لم تكن مستقرةولم يقبل التتار تولية امرأة عليهم ومن ثم اجتمع المجلس الوطني للتتارواختار في سنة 649- خاقاناً جديداً للتتار وهو " منكو خان " وهذا الإختيارأدى إلى تحول كبير في سياسة التتار وبداية تغيير جذري في المناطق المحيطةبهم وكانت لهذا الخاقان الجديد سياسة توسعية كبيرة شبيه بسياسة جنكيز خانالمؤسس الأول لدولة التتار وشبيه أيضاً بسياسة أوكي تاي الذي فتحت أوروبافي عهده لذلك عندما تسلم مقاليد الحكم فكر في إسقاط الخلافة العباسيةواجتياح الشام ومصر وإفريقيا فكان لدية أحلام توسعية في كل مكان على وجهالأرض وللأسف فإن حكام المسلمين في هذه الأثناء لم يكونوا على مستوىالأحداث ونسوا تماماً أمر التتار بسبب توقف التوسعات التترية لمدة عشرةسنوات فنسي الناس هذا الأمر بل ونسي الحكام والعلماء المسلمين أن الجزءالشرقي من العالم الإسلامي في أيدي التتار ونسوا أن التتار قد أصبحوا قابقوسين أو أدنى من الخلافة العباسية والشام ومصر والحجاز إلى حد أنالمؤرخين الذين يؤرخون لهذه الفترة لا يذكرون مطلقاً إي شئ عن التتار ؛
[/size]
وعلى سبيل المثال ففي البداية والنهاية لابن كثير وهو كما نعرف لم يعاصرهذه الحقبة من الزمان بل نقل عن المؤرخين الذين كانوا معاصرين لهذهالأحداث فلم يذكروا في هذه الفترة شيئاً عن التتار مطلقاً ففي البدايةوالنهاية من سنة 636- إلى سنة 649- لم يذكر شئ البتة عن التتار وكأنالقضية التترية قد حُلت تماماً ؛ ولكن تجد أنه ذكر في هذه الفترة فيالبداية والنهاية أن ابن كثير يصف حياة طبيعية في العراق والشام ومصر أمورفي غاية البساطة فمثلاً يذكر ابن كثير أن " الخليفة يعالج بعض المشاكلالإقتصادية " ؛ " قد يحدث وباء فيُعالج " ؛ " يحدث الغلاء فيشق ذلك علىالناس فيمنح الخليفة بعض الأموال لمقاومة الغلاء " ؛ " يفتح مدرسة " ؛ "أحد الناس يفتح دار ضيافة " ؛ " أحد الناس يفتح داراً للطب ".................. وهكذا .!
سياسة منكو خان في عقد التحالفات 1- كان من رغبات منكو خان أن يعقد تحالفات معأمراء الممالك الصليبية الموجودة بالشام وذلك لشغل المسلمين في منطقةالشام وتركيا عن الخلافة العباسية ؛ ولتشجيع أمراء هذه الممالك أرسل إليهمملك التتار يطلب التحالف في رسالة مع هيثوم ملك أرمينيا ووعدهم ملك التتاربأن يعطي لهم المقدس هدية إذا ساعدوه في إسقاط الخلافة العباسية ومع كلهذا التشجيع إلا أن أمراء الإمارات الصليبية بالشام ترددوا في ذلكبإستثناء واحد فقط وهو أمير أنطاكيا وكان يدعى "بوهمند" إستحسن الأمروانضم مباشرة إلى ملك التتار أما بقيةالأمراء الصليبيين في الشام رفضواهذه المعاهدة لأسباب منها:
أ- هم يعلمون أن التتار لا عهد لهم فقد يبيعونهم دون ثمن .
ب- وهم يعيشون في قلب العالم الإسلامي فخطورة المسلمين عليهم كخطورة التتار .
2- سعى منكو خان إلى عقد بعضالإتفاقيات مع نصارى الشام والعراق ولكن هذه المرة مع الأمراء بل مع عامةالنصارى الذين يعيشون في كنف العالم الإسلامي في الشام والعراق ولم تكونهذه الصفقات طبعاً معلنة بل كانت إتفاقيات سرية مع بعض رءوس النصارى ومعبعض القساوسة لكي يسهلوا مهمة دخول التتار إلى البلاد وينقلوا الأخبار منوإلى التتار ؛ ونجح منكو خان في الوصول إلى بعض رءوس النصارى الكبيرة فيالشام والعراق وعلى رأسهم بطريرك بغداد وكان يدعى " ماتيكا " وكان عاملاًمساعداً هاماً في دخول بغداد . 3- عقد منكو خان معاهدات مع مملكة الكرج النصرانية ؛ فلكم ذاقوا على يدالتتار الويلات لعدة مرات والآن يتعاهدون ويتعاقدون على حرب المسلمين .
4- عقد التتار بعض المعاهداتالمقززة الشنيعة فكل المعاهدات السابقة شئ والمعاهدات التي ستذكر شئ آخر ؛فهذه المعاهدات عقدت مع بعض أمراء المسلمين لضرب بلاد المسلمين ؛ وهذهالمعاهدات لم يعقدها منكو خان بنفسه لكن إستهان بهؤلاء الأمراء الخونةووكل هولاكو في أن يعقد هذه المعاهدات معهم وجاء أمراء المسلمين الضعفاءيسارعون إلى التتار الأقوياء ؛ قال تعالى " فترى الذين في قلوبهم مرضيسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أوبأمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين " ؛ فجاء إلى هولاكوليتحالف معه على حرب المسلمين كلاً من :
1- " بدر الدين لؤلؤ " أمير المصلليتحالف معه وبذلك تكون منطقة شمال العراق وهم الأكراد قد تحالفوا معالتتار لدخول بغداد من الشمال .
2- وجاء كلاً من " كيكاوس الثاني" و " قلج أرسلان الرابع " سلطانا السلاجقه ليتحالفا مع هولاكو وهم أمراءتركيا التي تقع إلى الشمال من العراق وهو مكان في منتهى الحساسية؛ ففيمابعد ذلك سيفتح هؤلاء الأمراء المجال الأرضي التركي لدخول الجيوش التتريةمن شمال العراق إلى بغداد .
موضوع: رد: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 7:44
[size=21]المحور الرابع : إضعاف جيوش الخلافة العباسية
كيف للتتار أن يضعفوا جيوش الخلافة العباسية وهم دولة من خارج الخلافة العباسية وأراضيها ؟
- طلب هولاكو من الوزير الفاسد " مؤيدالدين بن العلقمي " أن يقنع الخليفة العباسي أن يخفض من ميزانية الجيش وأنيقلل من أعداد الجنود وأن يصرف أذهان الدولة عن قضايا التسليح والحربوتحويل بقية الجيش إلى الأعمال الميدانية في مجالات الزراعة والصناعةوغيرها وكل ذلك حتى لا نثير حفيظة التتار فنظهر لهم أننا رجال سلام ولسناأصحاب حرب ؛ فعندما قال الوزير الشيعي ذلك الكلام للخليفة وافقه على ذلكوخفض ميزانية الجيش وقلل أعداد الجنود حتى أصبح الجيش العباسي الذي كانيبلغ عدده مائة ألف فارس في آخر أيام المستنصر بالله والد المستعصم باللهوذلك في سنة 640- فأصبح هذا الجيش لا يزيد على عشرة آلاف فارس فقط في سنة .
وأصبح الجنود في حالة مذرية من الفقروالضياع حتى أنهم كانوا يسألون الناس في الأسواق وأهملت التدريباتالعسكرية وفقد قواد الجيش أي مكانه لهم ولم يعد يذكر من بينهم من لهالقدرة على التخطيط والإدارة والقيادة ونسي المسلمون فنون القتال والنزالوغابت عن أذهانهم تماماً معالم الجهاد .
كان هذا هو إعداد هولاكو ومنكو خان كانإعداداً مبهراً حقاً وفي المقابل لم يكن هناك أي رد فعل مناسب أو غيرمناسب من المسلمين إستعداداً للغزو التتري القريب .
**الإعداد لحصار " بغداد "
بعد خمس سنوات كاملة منالإعداد وفي سنة 654- أدرك هولاكو أن الظروف قد أصبحت ملاءمة للهجومالمباشر على الخلافة العباسية فبدأ بعملية حشد هائلة للجنود التتريين فجمعأكبر الجيوش التترية على الإطلاق منذ أن قامت دولة جنكيز خان ؛ فالجنودالذين كلفوا بحصار بغداد فقط أكثر من مائتي ألف جندي هذا بخلاف الأعدادالهائلة من الجنود المنتشرين في شمال وشرق وغرب وجنوب العراق والقواتالمكلفة بحماية الطرق وتأمين الإمداد والتموين هذا غير الفرق المساعدةللجيش من فرق الإمداد والتموين والإستطلاع والمراقبة .
فبذلك نستطيع أن نبين تركيبة الجيش التتري في عشرة نقاط هي :-
1- الجيش التتري الأصلي ك فذلك الجيش كان يتمركز منذ سنوات في منطقة فارس وأذربيجان في شرق العراق .
2- إستدعى هولاكو فرقة من جيوش التتار المتمركزة في حوض نهر " الفولجا " الروسي. 3- أرسل هولاكو في طلب فرقة من جيش التتار الذي فتح أوروبا وتمركز هناكوكان في ذلك الوقت يتمركز على أطراف الأناضول شمال تركيا فجاءت الفرقةالكبيرة وعلى رأسها القائد التتري الكبير " بيجو " .
4- أرسل هولاكو إلى صديقة ملك أرمينيا يطلب المساعدة فجاءه هيثوم ملك أرمينيا بنفسه على رأس فرقة من الجيش الأرمني .
5- طلب هولاكو من ملك الكرج أن يرسل إليه فرقة للمساعدة في حصار العراق فاستجاب إلى ذلك فوراً .
6- إستدعى هولاكو ألفاً من الرماة الصينيين المهرة الذين إشتهروا بتسديد السهام المحملة بالنيران 7- وضع هولاكو على رأس الجيوش أفضل قواد التتار في ذلك الوقت وكان يدعى "كتبغا نوين " فوق إمكانيات هذا القائد القيادية والمهارية فإنه كاننصرانياً فكان هذا الإختيار موفقاً من هولاكو لأن كتبغا سيستطيع التعاملمع الأعداد الكبيرة النصرانية المشاركة في الحرب من أرمن وكرج وغيرهموبذلك يكون الجيش التتري قد ضم بين صفوفة ثلاثة من أمهر القادة العسكريينفي تاريخ التتار وهم ( هولاكو وكتبغا نوين وبيجو ) .
8- راسل هولاكو أمير أنطاكيا" بوهمند " لكن تعذر عليه إختراق الشام كله ومع ذلك كان على استعداد تامللحرب فجهز جيوشه على إستعداد إذا سقطت العراق شارك هو في إسقاط الشام . 9- وجود فرقة إسلامية في داخل الجيش التتري وعلى رأسها ولي عهد دمشق "العزيز بن الناصر يوسف الأيوبي " حفيد صلاح الدين وهذه الفرقة تشارك فيجيش التتار لإسقاط بغداد .
10- فرقة إسلامية أخرى أرسلها " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل لتساعد أيضاً جيش التتار في إسقاط بغداد .
كانت هاتين الفرقتينالإسلاميتين الهزيلتين ليس لهما أي قيمة بالنسبة للجيوش التترية لكن كانتاتحملان معان كثيرة فهناك في جيش التتار مسلمون يشتركون مع التتار في حربالمسلمين بل قد يشارك في عملية تحرير العراق من الخليفة العباسي عراقيونمتحالفون مع التتار . بهذا الإعداد العالي المستوى إكتمل جيش التتار وبدأ بالزحف من فارس بإتجاهالغرب إلى العراق وبدأ هولاكو يضع خطة المعركة ؛ بدراسة مسرح العمليات وجدهولاكو أن طائفة الإسماعيلية الشيعية التي تتمركز في الجبال في غراب وشرقالعراق بين الجيش التتري وبين الخلافة العباسية وسوف تمثل خطورة كبيرة علىالجيش التتري إذا ما هاجم بغداد ؛ لذلك قرر التتار عدم دخول بغداد إلا بعدأن يقضوا على طائفة الإسماعيلية تماماً وبالفعل تحركت الجيوش التتريةالضخمة صوب معاقل الإسماعيلية فحاصرتها حصاراً محكماً ودارت حروب شرسة بينالفريقين إنتهت بسحق كامل للإسماعيلية وخلوا المنطقة تماماً منهم وأصبحالطريق مفتوحاً لبغداد هذه الحروب أخذت سنة 655- بكاملها ؛
إجتمع هولاكو مع كبارمستشارية في مجلس حرب يُعد من أهم مجالس الحرب في تاريخ التتار والقرار هوغزو العاصمة بغداد وإسقاط الخلافة العباسية وكان هذا الإجتماع معقوداً فيمدينة " همدان " الفارسية وأخذ القرار بالحرب وأهتم هولاكو بوضع مراقبةلصيقة على الفرق الإسلامية الموجودة داخل الجيش التتري خوفاً من الخيانة .
إنطلقت الجيوش من همدان صوبالعراق والمسافة بين همدان في إيران والعراق 450كم مربع ؛ وقرر هولاكو فيهذا المجلس أن يقسم جيشه إلى ثلاثة أقسام :
الجيش الأول : وهو القلب وهوالقسم الرئيسي من الجيش والذي سيقوده هولاكو بنفسه وستلحق به أكثر من فرقةمن الفرق الهامة في الجيش التتري وستلحق به الفرقة الأخرى التي ستأتي منروسيا والفرق المساعدة من مملكة أرمينيا والكرج هذا القسم سيخترق الجبالالواقعة في غرب فارس صوب بغداد مروراً بمدينة " كرمان شاه " بعد أن أخليتهذه المنطقة تماماً من طائفة الإسماعيلية وستكون مهمة هذا الجيش هو حصاربغداد من الجهة الشرقية .
الجيش الثاني :هو الجناح الأيسرلجيش التتار الرئيسي وهذا الجيش سيقوده " كتبغا نوين" أفضل قواد هولاكوسيتحرك هذا الجيش بمفرده بإتجاه بغداد أيضاً لكن إلى الجنوب من الجيشالأول وستكون مهمته إختراق سهول العراق والتوجه إلى بغداد من جنوبهاللحصار من الجنوب .
الجيش الثالث :وهو الجيش التتريالرابض على أطراف الأناضول في شمال تركيا وعلى رأسه القائد " بيجو " وهذاالجيش سيأتي من المنطقة الشمالية للعراق بإتجاه الجنوب حتى يصل إلى بغدادوسيحاصر بغداد من الشمال ثم يلتف ويحاصرها من الغرب .
وبذلك تحصر بغداد بين هولاكو شرقاً وكتبغا نوين جنوباً وبيجو من الغرب والشمال .
على قدر الأداء المبهر للجيش الثالثفي وصوله إلى بغداد في وقت متزامن مع الجيشين الآخرين على قدر الفضيحةالكبرى التي لحقت بالمسلمين جراء وصول هذا الجيش سالماً إلى بغداد لأن هذاالجيش عليه أن يقطع أولاً 500كم مربع في الأراضي التركية ( الأناضول ) وهيأراض إسلامية ثم عليه أن يقطع 500كم مربع أخرى داخل الأراضي العراقية وهيأيضاً أراض إسلامية ؛ إذاً فهذا الجيش عليه أن يسيرمسافة 1000كم مربع في عمق الأراضي الإسلامية حتى يصل إلى بغداد ومع ذلكفقد قطع بيجو بجيشه 95 بالمائة من الطريق أي حوالي 950كم مربع دون أن تدريالخلافة العباسية عنه شيئاً باغت بيجو الخلافة العباسية على بعد 50 كمأيضا كما فعل هولاكو شمال غرب بغداد ؛ وتبرير إختراق بيجو للأراضيالإسلامية يحمل معهمصيبتين كبيرتين :
المصيبة الأولى : هي غياب المخابراتالإسلامية عن الساحة تماماً فمن الواضح أن الجيش العباسي لا علم له ولادراية بإدارة الحروب أو فنون الحرب . المصيبة الثانية : وهي العظم وهي أن هناك خيانة واضحة من أمراء الأناضول (تركيا حاليا ) والموصل المسلمين وكذلك من الشعوب المسلمة في الأناضول وفيالموصل هذه الخيانة فتحت الأبواب لجيش التتار ولم يحدث أي نوع من المقاومةفهي خيانة عظمى من " كيكاوس الثاني " و " قلج أرسلان الرابع " أمراءالأناضول وخيانة أعظم من "بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصل فلم يكتفي فقطبتسهيل مهمة التتار ولكنه أيضا شارك بفرقه إسلامية تعين التتار على عمليةتحرير العراق من الخلافة العباسية ومع العلم أن بدر الدين لؤلؤ من أصلعراقي وأقل تقدير لعمره عند هذه الخيانة كان ثمانون سنة وبعض الرواياتتقول مائة ومن الجدير بالذكر أن بدر الدين لؤلؤ مات بعد هذه الخيانة بشهورقليلة .
هذه كانت كل تحركات الجيش التتري صوب بغداد . ** الوضع في داخل بغداد
كانت بغداد في ذلك الوقت منأشد مدن الأرض حصانه فكانت أسوارها من أقوى الأسوار فهذه عاصمة الخلافةالإسلامية أكثر من خمسة قرون أنفق على تحصينها أموال طائلة وكان على رأسالدولة في بغداد والخليفة في نفس الوقت هو الخليفة السابع والثلاثونوالأخير من خلفاء بني العباس " المستعصم بالله
الحصار
وفي يوم 12 محرم سنة 656-ظهر جيش هولاكو فجأة أمام أسوار بغداد الشرقية وبدأ في نصب معدات الحصارالثقيلة حول الأسوار ؛ وجاء كذلك كتبغا بالجناح الأيسر من الجيش ليحيطبالمدينة من الناحية الجنوبية ؛ فارتاع الخليفة لذلك وعقد إجتماع عاجلوجمع فيه كبار مستشاريه وعلى رأسهم الوزير الخائن " مؤيد الدين بن العلقمي" وكان من رأيه مهادنة التتار وإقامة مباحثات سلام فلا مانع عنده من بعضالتنازلات وكان رأيه هو السلام غير المشروط مع التتار ؛ لكن قام رجلان منالوزراء في مجلس الخليفة وهما " مجاهد الدين أيبك " و " سليمان شاه " قاماليشيرا على الخليفة بحتمية الجهاد ؛
فاحتار الخليفة فهواه معكلام مؤيد الدين بن العلقمي وعقله مع قول الوزيران لأن تاريخ التتار كلهلا يشير بأي فرصة للسلام كما أنه كان يسمع من أجداده أن الحقوق لا توهبإنما تؤخذ وعندها سمح الخليفة للمرة الأولى تقريباً في تاريخه بإستخدامالجيش فهذا الجيل من الجنود يحارب لأول مرة ؛ فخرجت فرقه هزيلة من الجيشالعباسي وعلى رأسها مجاهد الدين أيبك لتلاقي جيش هولاكو المهول ؛ وعندماخرج من أبواب بغداد بإتجاه الشرق لكي يلاقي جيش هولاكو سمعوا بقدوم جيشبيجو من الشمال وهذا الجيش إذا حاصر بغداد من الشمال فتكون بغداد قد طوقتتماماً ففضل مجاهد الدين أيبك قائد الجيش العباسي أن يحارب بيجو بدلاً منهولاكو لكي لا تحاصر بغداد من جميع الجهات وانتقل بجيشه الضعيف الهزيللملاقاة جيش بيجو في الشمال ؛
وكانللقاء في منطقة الأنبار وأستدرك الجيش العباسي في منطقة الأنبار وسحقالجيش المسلم واستطاع مجاهد الدين أيبك بأعجوبه أن يهرب بمجموعة قليلة منالجيش العباسي ويعود إلى داخل بغداد وكانت هذه هي الموقعة الوحيدة الغيرمتكافئة التي دارت بين التتار والعباسيين وكان ذلك في 19 من محرم أي بعدظهور هولاكو أمام أسوار بغداد بسبعة أيام ؛ وانتقل بيجو مباشرة بجيشه منالأنبار حيث دارت المعركة إلى شمال بغداد وحاصرها وطوقت بغداد بين مثلثخطير بين هولاكو وبيجو .
المفاوضات
فاستغل مؤيد الدين العلقميهذه الفرصة وأشار على الخليفة بطلب المفاوضات مع التتار ولكن الخليفة كانيعلم بأن التفاوض بين طرف قوي شديد القوة وطرف ضعيف شديد الضعف فإن هذا لايعني تفاوض وإنما يعني الإستسلام وفي الإستسلام عادة ما يقبل المهزومبشروط المنتصر دون تعديل أو إعتراض ومع ذلك وافق الخليفة الضعيف على إجراءالمفاوضات مع التتار ؛
وبعث رجلين ليديرا المفاوضاتمع التتار وهما مؤيد الدين العلقمي الشيعي الذي يكن في قلبه كل الحقدوالغل على الخلافة العباسية وأرسل معه متيكا بطريرك بغداد النصراني ؛ فكانالوفد الرسمي الممثل للخلافة الإسلامية العباسية العريقة للمفاوضات معالتتار لا يضم إلا رجلين فقط أحدهما شيعي ولآخر نصراني ؛ ودارت المفاوضاتالسرية بين هولاكو وبين ممثلي الخلافة العباسية الإسلامية فأعطيت الوعودالعظيمة من هولاكو لكليهما إن ساعدا على إسقاط بغداد وأهم هذه الوعودأنهما سيكونان أعضاء في مجلس الحكم الجديد الذي سيحكم العراق بعد إحتلالهامن التتار ؛ وعاد المبعوثان من عند هولاكو إلى الخليفة بالشروط التترية وبعض العروض والوعود ؛ فالوعود كانت
: 1- إنهاء حالة الحرب بين الدولتين وإقامة علاقة
2- الزواج بين ابنة القائد هولاكو التتري الذي سفك دماء الملايين من المسلمين وأبن الخليفة .
3- يبقى المستعصم بالله على كرسي الحكم .
4- إعطاء الأمان لأهل بغداد جميعاً .
- هذه الوعود كلها سوف تحدث في حال لو فتحت بغداد أسوارها .
الشروط كانت
: 1- قمعحركة الجهاد التي أعلنت في بغداد فهذه الدعوة إلى الجهاد ستنسف كل مباحثاتالسلام فعلى الخليفة أن يسلم إلى هولاكو رءوس الحركة الإسلامية في بغدادوهما مجاهد الدين أيبك وسليمان شاه . 2- تدمير الحصون العراقية وردم الخنادق وتسليم الأسلحة . 3- الموافقة على أن يكون حكم بغداد تحت رعاية أو مراقبة تترية . وختم هولاكو المباحثات مع المبعوثين بأنه ما جاء إلى هذه البلاد غلالإرساء قواعد العدل والحرية والأمان وبمجرد أن تستقر الأمور وفق الرؤيةالتترية فإنه سيعود إلى بلاده ويترك العراقيين يضعون دستورهم ويديرون شئونبلادهم بأنفسهم ؛ فاقنع مؤيد الدين العلقمي الخليفة بهذه الشروط والوعودورغبه في قبولها ح فتردد الخليفة في قبول هذه المفاوضات ولكنه مضطر إلىقبولها والشعب الضخم الذي يعيش في بغداد أيضاً متردد ونداء الجهاد لاينبعث إلا من بعض الأفواه القليلة؛ فأراد الخليفة بعض الوقت للتفكير فيهذه الشروط والوعود ولكن هولاكو لا يقوى على الإنتظار فهو يقف خارج أسواربغداد بجيوش ضخمة تتكلف من النفقات يومياً الآلاف من الدنانير وهو شخصياًلا يقوى على الإنتظار فهو يريد أن يرى هذه المدينة العظيمة التي طالما سمععنها كثيراً يريد أن يراها من الداخل ويريد أن يحقق الحلم الذي راودأجداده وهو يحققه الآن وهو غزو بغداد وإسقاط الخلافة العباسية الإسلامية ؛وبالفعل بدأ هولاكو في قصف بغداد بالقذائف الحجرية والنارية ومع أول قذيفةسقط قلب الخليفة في قدمه فماذا يفعل؟ أربعة أيام متتالية من القصفالمتواصل على بغداد .
* قصة غريبة
يذكر ابن كثير رحمه الله- فيالبداية والنهاية موقفاً بسيطاً لا يعلق عليه ؛ فيقول ابن كثير :وأحاطتالتتار بدار الخلافة يرشقونها بالنبال من كل مكان حتى أصيبت جارية كانتتلعب بين يدي الخليفة وتضحكه وكانت من جملة حظاياه وكانت تسمى " عرفه "جاءها سهم من بعض الشبابيك فقتلها وهي ترقص بين يدي الخليفة ؛ فانزعجالخليفة من ذلك وفزع فزعاً شديداً وأحضر السهم الذي أصابها بين يديه فإذامكتوب عليه " إذا أراد الله إنفاز قضائه وقدره أذهب من ذوي العقول عقولهم" فأمر الخليفة عند ذلك بزيادة الإحتراز وكثرت الستائر على دار الخلافة.............!!!!!!! ولا تعليــــــــــــــــــــــــق على ذلك .
** إجتياح بغداد القصف على بغداد إستمر من يوم 1 صفر إلى الرابع من صفر في سنة 656هـ ؛ وفيالرابع من صفر سقطت الأسوار الشرقية لبغداد ومع سقوط الأسوار سقط الخليفةوانهار تماماً فأشار عليه الوزير بن العلقمي أن يخرج هو بنفسه لمقابلةهولاكو لعل هولاكو يقبل السلام ؛ فجاءت الرسل من عند الخليفة إلى هولاكوتخبره بقدوم الخليفة ؛ فأمر هولاكو أن يأتي الخليفة ومعه كبار رجال الدولةوالوزراء والفقهاء والعلماء وأمراء الناس والأعيان حتى يحضروا جميعاًالمفاوضات وتصبح المفاوضات كما يزعم هولاكو ملزمة للجميع ؛
فجمع الخليفة كبار قومه وخرجبنفسه في وفد مهيب إلى خيمة هولاكو ومعه سبعمائة من قادة المسلمينوعلماءهم وكان يسير إلى جواره الوزير الخائن مؤيد الدين العلقمي الشيعي ؛واقترب الوفد من خيمة هولاكو فاعترض الوفد فرقه من الحرس الملكي التتريولم يسمحوا لكل الوفد بالدخول على هولاكو ولم يسمحوا إلا للخليفة وسبعةعشر رجلاً معه فقط بالدخول على هولاكو أما الباقي فكما قالوا سيخضعونللتفتيش الدقيق ؛ ودخل الخليفة ومعه رجاله وحجب عنه باقي الوفد ؛ وقتلالوفد بكامله فقتل كل الرجال الذين أخذوا للتفتيش ولم يبق إلا الخليفة ومنمعه داخل خيمة هولاكو ؛ وبدأ هولاكو يصدر الأوامر في عنف وتكبر واكتشفالخليفة أن وفده قد قتل بكامله فاكتشف عند ذلك الخليفة أن التتار وأمثالهملا عهد لهم ولا أمان لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة وبدأت الأوامر الصارمةتخرج من هولاكو :
أولاً:على الخليفة أن يصدر أوامره إلى أهل بغداد بإلقاء أي سلاح معهم والإمتناع عن أي مقاومة. ثانياً:يقيد الخليفة ويساق في بغداد يرسب في أغلاله لكي يدل التتار على كنوز العباسيين.
ثالثاً:يقتل ولدا الخليفة أمام عينه وهما أحمد وعبد الرحمن.
رابعاً:يتم أسر أخوات الخليفة الثلاثة فاطمة وخديجه ومريم.
خامساً:يستدعى من بغداد بعضالرجال بعينهم وهؤلاء كتب أسمائهم ابن العلقمي فهؤلاء هم علماء السنةوحملة القرآن وأئمة المساجد في داخل بغداد ؛ فيخرج كل فرد من هؤلاء ومعهأولاده ونسائه ويذهبون إلى مكان خارج بغداد بجوار المقابر فيلقى العالمعلى الأرض ويذبح كما تذبح الشاه ويؤخذ نساؤه وأولاده سبياً أو للقتل ؛فذبح على هذه الصورة أستاذ دار الخلافة الشيخ محيي الدين يوسف فهذا ابنالعالم المشهور ابن الجوزي رحمه الله- وذبح أولاده الثلاثة معه عبد اللهوعبد الرحمن وعبد الكريم ؛ وذبح مجاهد الدين أيبك وزميله سليمان شاه ؛
وذبح شيخ الشيوخ ومؤدب الخليفةومربيه صدر الدين علي بن النيار ؛ ثم ذبح بعد ذلك خطباء المساجد والأئمةوحملة القرآن ؛ كل ذلك والخليفة حي يشاهد .
إستباحة المدينة فألقى أهل بغداد السلاح وقتلت الصفوه من أهلها وأنساب جنود هولاكو فيشوارع وطرقات بغداد وأصدر السفاح هولاكو أمر الشنيع باستباحة بغداد ؛فالأمر بالإستباحة يعني أن الجيش التتري يفعل فيها ما يشاء يقتل يأسر يسبييزني يسرق يدمر يحرق ؛ فانطلقت وحوش التتار الهمجية تنهش في أجسادالمسلمين وفعل التتار في المدينة مالا يتخيله عقل فبدأ الجنود التتريينيتعقبون المسلمين في كل شارع أو ميدان في كل بيت أو حديقة في كل مسجد أومكتبة وأستحر القتل في المسلمين والمسلمون لا حول لهم ولا قوة لا هم لهمإلا الهرب ؛
فيهرب المسلم إلى داره ويغلق عليهالباب فيأتي التتري ويحرق الباب أو يقتلعه ويدخل عليه فيهرب إلى أعلىالمنزل إلى السطح فيصعد وراءه التتري ويقتله فوق الأسطح حتى سالت الدماءبكثرة من مياذيب المدينة ؛ فلم يقتصر التتار على قتل الرجال الأقوياء فقطإنما كانوا يقتلون الكهول والشيوخ وكانوا يقتلون النساء إلا من إستحسنوهمنهن فكانوا يأخذونهم سبياً بل وكانوا يقتلون الأطفال حتى الرضع منهم ؛وجد جندي من التتار أربعين طفلاً حديثي الولادة في شارع من شوارع بغدادوقد قتلت أمهاتهم فقتلهم جميعاً ؛ وتزايد عدد القتلى في المدينة بشكل بشعكل هذا والخليفة على قيد الحياة يشاهد ما يحدث في مدينتة ولاشك أنه كاننادماً على كل ما فعل وكان لسان حاله يقول رب ارجعون لعلي أعمل صالحاً ؛
روي أبو داود والترمذي عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنهما ) أن رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) قال : إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم أذناب البقرورضيتم بالزرع وتركتم الجهاد سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى ترجعوا إلىدينكم " ؛ عمل أهل بغداد في الزراعة والتجارة بل وفي العلم والتعلم لكنتركوا الجهاد في سبيل الله فكانت النتيجة هذا الذل الذي رأوه.
مقتل الخليفة
وسيق الخليفة المستعصم باللهإلى خاتمته الشنيعة بعد أن دل على كل كنوز العباسيين ؛ فوضعه التتار فيجوال ثم أمر هولاكو أن يقتل الخليفة رفساً بالأقدام ؛ وبمقتله يكون قد سقطآخر خلفاء بني العباس في بغداد وسقطت معه بغداد وسقط من وراءها الشعببكامله وكان ذلك في اليوم العاشر من فتح بغداد لبوابها يوم 14 صفر سنة656هـ .
[size=21] ما فعله التتار في بغداد بعد قتل الخليفة
ولم تنتهي المأساه بقتلالخليفة وإنما أمر هولاكو- لعنه الله بإستمرار عملية القتل في بغدادواستمرت إلى أربعين يوما متصله لاهم للجنود التتر إلا قتل المسلمين ؛ وقتلمن أهل بغداد وحدها مليون مسلم في أربعين يوما فقط من الرجال والنساءوالأطفال والكهول ولم ينج من القتل في بغداد إلا أفراد الجالية المسيحية!!!!!.
وبينما كان فريق من التتاريعمل على قتل المسلمين وسفك الدماء إتجه فريق آخر من التتر إلى عمل إجراميأبشع وهو تدمير مكتبة بغداد وهي أعظم مكتبة موجوده على وجه الأرض في ذلكالزمان بلا منازع فقد جمعت فيها مختلف العلوم والآداب والفنون من شتى بقاعالأرض ؛ ولم يقترب منها في العظمة والشهرة إلا مكتبة قرطبة في الأندلس ؛فحمل التتار الكتب الإسلامية وفي بساطة شديدة ألقوها جميعا في نهر " دجلة"فتحول لون مياه النهر إلى اللون الأسود من أثر مداد الكتب حتى قيل أنالفارس التتري كان يعبر فوق المجلدات الضخمة من ضفة إلى أخرى ؛
وبعد أن فرغ التتار منتدمير مكتبة بغداد إتجهوا إبى الديار الأنيقة والمنازل الجميلة فتناولوهابالتدمير والحرق وسرقوا منها المحتويات الثمينة وما عجزوا عن حمله منهاأحرقوه ؛ وبعد الأربعين يوما الدموية في بغداد أصدر هولاكو مجموعة منالأوامر وأولها أنه أعطى أماننا حقيقيا في بغداد فلا يقتل مسلم في بغدادبعد هذا الأمر عشوائيا لأن الجثث المتعفنه أصبحت كالتلال في شوارع وطرقاتبغداد ؛ فخشى هولاكو أن يحدث وباء في هذه المناطق فيأكل المسلمين والتتارفأمر بخروج من تبقى من المسلمين ونجى من القتل من مخابئهم وأعلن الأمانليقوموا بدفن موتاهم ؛ وخرج من تبقى من المسلمين وأخذوا في دفن موتاهم ومعذلك فقد إنتشرت الأوبئة فعلا في بغداد ومات من المسلمين عدد كبير من جراءهذه الأمراض القاتله ؛
وكما يقول ابن كثير فيكتابه البداية والنهاية " ومن منجا من الطعن لم ينجو من الطاعون " ؛والأمر الثاني الذي أصدره هولاكو هو تعيين "مؤيد الدين العلقمي" الشيعيالرافضي رئيسا على مجلس الحكم المعين من قبل التتار على أن توضع عليهبالطبع وصاية تترية ولم يكن مؤيد الدين إلا صورة للحاكم ولكن القيادةالفعلية كانت في يد التتار بل إن الأمر تزايد بعد ذلك حتى وصل إلى الإهانةالمباشرة له من قبل صغار الجند ؛ وبعد كل هذا الذل الذي عاشه بن العلقميبعدها بأيام مات في بيته وسبحان الله فلم يتسنى له أن يستمتع بملك أو بحكموالذي ضحى من أجله بحياة آلآف المسلمين وليكن عبرة بعد ذلك لكل من تسول لهنفسه أن يخون أمته ودينه ؛ وبعد موته ولى التتار إبنه ليكون مكان أبيه علىحكم بغداد ولكن من مفارقات القدر أن يموت أيضا هذا الأبن الشاب في نفسالسنه التي مات فيها أبيه وهي نفس السنه التي سقطت فيها بغداد .
ردود الأفعال بعد سقوط بغداد ووصلت أخبار سقوط بغداد إلى بأسره ؛ فالعالم الإسلاميكان سقوط بغداد بالنسبة له صدمه كبيرة ورهيبة لايمكن إستيعابها مطلقا ؛وظهر لدى المسلمن في ذلك الوقت إعتقاد سيطر على معظمهم وهو أن ضعفالمسلمين وقوة التتار وسقوط بغداد ماهي إلا علامات للساعة وأن المهديسيظهر قريبا وسيقود جيوش المسلمين للإنتصار على التتار.
أما العالم النصراني فقد عمت فيهالبهجة والفرحة اطرافه بكاملها وكان هذا هو المتوقع ؛ فالحروب بينالمسلمين والنصارى لم تنتهي وكانت على أشدها في ذلك الوقت وبالطبع فهذهالضربه التترية موجعه جدا للعالم الإسلامي ؛ ولا شك أن أطماع الصليبيينستتجدد في الشام وفي مصر.
ماذا فعل هولاكو بعد تدمير بغداد
إنسحب هولاكو من بغداد إلىهمدان بفارس ثم توجه إلى قلعة تسمى " شها " على شاطئ بحيرة " أرميه " وهىتقع في الشمال الغربي لدولة إيران حاليا ؛ في هذه القلعة وضع هولاكوالكنوز الهائلة التي نهبها من قصور العباسيين والتي نهبها من بيت مالالمسلمين ومن بيوت التجار وأصحاب الأموال ...... ؛ وبالطبع ترك هولاكوحاميه تتريه حول بغداد لحمايتها .
وبدأ يفكر بجدية في الخطوة التالية ولا شك أن الخطوة التالية سوف تكون سوريا.
وبدأ هولاكو بدراسة الموقف فيهذه المنطقة ؛ وبينما هو يقوم بهذه الدراسه ويحدد نقاط الضعف والقوة فيهذه المناطق الإسلامية ؛ بدأ بعض الأمراء المسلمين يؤكدون على ولائهمللتتار وبدأت الوفود الإسلامية الرسمية تتوالى على زعيم التتار تطلب عقدالأحلاف والمعاهدات مع هولاكو فجاء الأمير " بدر الدين لؤلؤ " أمير الموصلوالأمير " كيكاوس الثاني " والأمير " قلج أرسلان الرابع " من منطقةالأناضول في وسط وغرب تركيا حاليا ؛ وجاء أيضا الأمير " الأشرف الأيوبي "أمير حمص والأمير " الناصر يوسف " حفيد صلاح الدين الأيوبي رحمه الله –أمير حلب ودمشق ؛ فهؤلاء الأمراء يمثلون معظم شمال العراق والشام وتركيا .
ولكن قبل أن يدخل الشام ظهرأمام هولاكو أحد العوائق الصعبة والتي سوف تأخر وصوله وتقدمه نحو الشاموهو أن أحد الأمراء الأيوبيين رفض أن يرضخ لأوامر وقرارات هولاكو ورفض أنيعقد مع التتار أي معاهدات وقرر أن يجاهد التتار إلى النهاية وهذا الأميرهو " الكامل محمد الأيوبي " أمير مدينة " ميافرقين " وهي تقع الآن إلىالغرب من بحيرة " وآن " ؛ وجيوشه كانت تسيطر على شرق تركيا بالإضافه إلىمنطقة الجزيرة ( وهي المنطقة الواقعة بين نهري دجلة والفرات من جهة الشمال) ولذلك فإن هولاكو أصبح من اللزم عليه محاربة الكامل محمد لكي يستطيعدخول الشام وسوريا من جهة العراق لأنه لم يستطع بلوغ سوريا إلا بالمرور منالجزيرة وهي المنطقة الواقعة تحت سيطرة الكامل محمد- رحمه الله .
التتار وميافارقين
ومدينة ميافارقينهذه مدينه شديدة الحصانة وتقع بين سلسلة جبال البحر الأسود ؛ فأصبح إختراقهذه المنطقة شديد الصعوبة على التتار ؛ ولبكن هولاكو لم يريد أن يترك أيشئ للمفاجئات وقرر إقتحام المدينة.
فماذا يفعل هولاكو للخروج من ذلك المأزق ؟
بدأ هولاكو بسلوك الطرقالسهلة وغير المكلفة ؛ فحاول إرهاب الكامل وإقناعه بالتخلي عن فكرة الجهاد؛ فأرسل إليه رسول برساله يدعوه فيها إلى التسليم غير المشروط ويدعوه إلىالدخول فيما دخل فيه غيره.
وكان هولاكو في منتهى الذكاءعندما إختار الرسول الذي سيرسله إلى الكامل محمد الأيوبي ؛ فلم يرسل رسولاتتريا وإنما أرسل رسولا عربيا نصرانيا ؛ وهو رجل يدعى " قسيس يعقوبي "فهذا الرسول من ناحية يستطيع التفاهم مع الكامل بلغته ؛ ثم هو من ناحيهأخرى نصراني وذلك حتى يلفت نظر الكامل محمد إلى أن النصارى يتعاونون معالتتار.
فما أهمية ذلك بالنسبة للكامل محمد ؟
لذلك الموقف أهمية إستراتيجيةبالغة الخطورة بالنسبة للكامل محمد ؛ لأنه في شرق تركيا سنجد الموقعالجغرافي لإمارة ميافرقين في منتهى الخطورة ؛ فالحدود الشرقية مع مملكة "أرمينيا " النصرانية وهي متحالفة مع التتار ؛ والحدود الشمالية الشرقيةمملكة " الكرج" النصرانية وهي أيضا متحالفة مع التتار ؛ ومن الحدودالجنوبية الشرقية تجد إمارة "الموصل" العميلة للتتار ؛ فأصبح بذلك الجانبالشرقي للإمارة بالكامل محاط بعملاء التتار من النصارى والمسلمين ؛ ومنالغرب توجد إمارات السلاجقة المسلمين وهم أيضا كغيرهم في ذلك الزمان عملاءللتتار ؛ فوسط وغرب تركيا عميل للتتار ؛ ومن الجنوب الغربي إمارة حلبالتابعة للناصر يوسف المتعاون مع التتار .
فلم يصبح للكامل محمد أي منفذ من أي جهة فقد أصبح محاصرا من جميع الجهات.
ماذا فعل الكامل محمد مع رسول التتار النصراني فعل الكامل محمد على غير عادة الملوك والأمراء مع الرسول ؛ فقد أمسك بذلكالرسول وقتله ؛ ولكن الكامل محمد قام بذلك ليكون بمثابة الإعلان الرسميللحرب على هولاكو وكنوع من شفاء الصدور للمسلمين إنتقاما من ذبح مليونمسلم في بغداد ؛ ولأن التتار في الأساس لم يحترموا أي عرف أو عادة فيحياتهم.
وبعد هذه الواقعة أدرك هولاكو تماما أنه لن يدخل الشام إلا بعد القضاء على الكامل محمد تماما .
الحصار
أسرع هولاكو في تجهيز جيشكبير لملاقاة الكامل محمد ووضع على رأسه إبنه "أشموط" وتوجه ذلك الجيشمباشرة إلى ميافرقين بعد أن قام أمير الموصل لبعميل " بدر الدين لؤلؤ "بفتح أرض الموصل لمرور الجيش التتري .
وحاصر جيش التتار إمارةميافرقين حصارا شديدا ؛ وكما هو متوقع فقد جاءت جيوش مملكتي أرمينياوالكرج لكي تحاصر ميافرقين من الناحية الشقية ؛ وبدأ ذلك الحصار الشرس منشهر رجب سنة 656هـ ؛ وصمدت المدينة في وجه ذلك الحصار وظهرت فيها مقاومةضارية وقام الأمير الكامل محمد في شجاعة نادرة يشجع شعبه على الثبوتوالجهاد في سبيل الله .
وقام الأمير الكامل بطلبالنجدة من الناصر يوسف صاحب حلب ؛ لكن الناصر رفض تقديم أي مساعدة له رفضاقاطعا وصريحا ؛ ثم إنه لم يكتفي بمنع المساعدة عن الكامل ولم يكتفيبالمشاركة في الحصار بل أرسل رسالة إلى هولاكو مع إبنه " العزيز " يطلبفيها أمرا غريبا في هذا التوقيت ؛ فقد أرسل يطلب من هولاكو أن يعينه بفرقهتتريه للهجوم على مصر وافستيلاء عليها من المماليك ليضمها إلى أملاكه ؛ولكن سبحان الله – إستكبر هولاكو أن يرسل إليه الناصر يوسف إبنه ولم يأتإليه بنفسه ؛ ورأى هولاكو أن الناصر قد بدأ يرى نفسه إلى جواره في العظمةوالسلطان ؛ فجمع هولاكو الأدباء والشعراء المحترفين لكي يرسل رسالة يردفيها على الناصر يوسف .
رسالة هولاكو إلى الناصر يوسف
فأرسل يقول له " الذي يعلم به الملك الناصر صاحب حلب ؛ أنا قد فتحنا بغداد بسيف الله تعالى وقتلنافرسانها ؛ وهدمنا بنيانها ؛ وأسرنا سكانها ؛ كما فال الله تعالى في كتابهالعزيز " قالت إن الملوك إذا دخلوا قرية أفسدوها وجعلوا أعزة أهلها أذلةوكذلك يفعلون" ؛ واستحظرنا خليفتها وسألناه عن كلمات فكذب ( يعني عنالكنوز والأموال ) فواقعه الندم واستوجب منا العدم ؛ وكان قد جمع ذخائرنفيسه وكانت نفسه خسيسه ؛ فجمع المال ولم يعبأ بالرجال ؛ وكان قد نما ذكرهوعظم قدره ونحن نعوذ بالله من التمام والكمال ؛ إذا وقفت على كتابي هذافسارع برجالك وأموالك وفرسانك إلى طاعة سلطان الأرض شاهً شاه رويزمين ( أيملك الملوك على وجه الأرض ) تأمن شره وتنل خيره كما قال الله تعال فيكتابه العزيز " وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاهالجزاء الأوفى " ولا تعوق رسلن عنك فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان ؛ وقدبلغنا أن تجار الشام وغيرهم إنهزموا بحريمهم إلى مصر ؛ فإن كانوا فيالجبال نسفناها ؛ وإن كانوا في الأرض خسفناها أين النجاه ولامناص لهاربوليا البسيطان الندى والماء ؛ ذلت لهيبتنا الأسود وأصبحت في قبضة الأمراءوالوزراء " انتهت الرسالة التترية المرعبة وعلم الناصر يوسف أن هولاكويطلب منه التسليم الكامل.
ماذا فعل الناصر يوسف بعدما وصلته رسالة هولاكو
فقرر الناصر يوسف أن يأخذقرارا ما فكر فيه طيلة حياته فقد إضطر إضطرارا إلى أن يأخذ قرار الجهاد فيسبيل الله ؛ وضرب معسكر جيشه في شمال دمشق عند قرية "برزا " وبدأ في إعدادالعده لقتال التتار ؛ فبدأ في مراسلة الأمراء المسلمين من حوله لينضمواغليه لقتال التتار فراسل أمير الكرك " المغيث فتح الدين عمر " وراسل أميرمصر يطلب معونته في حرب التتار والذي كان بالأمس يريد أخذ فرقه تترية لغزوبلاده .
وكان هولاكو قد عاد من قرية "شها " إلى مدينة " همدان " وهي التي كان يوجد بها القيادة المركزية لإدارةشئون الحرب في المنطقة ؛ وبدأ هولاكو في إعادة ترتيب الأوضاع في المنطقةبعد التطورات الجديدة واستوجب النقاط التالية :
1- وجوب تعميق العلاقات بين التتار والنصارى.
2- إستمرارية حصار ميافرقين.
3- الإستهانه من قبل هولاكو بأمر الناصر يوسف وإعداده للجهاد لأنه يعلم جيدا الناصر يوسف وأنه ليس له ناقة ولا جمل في دخول الحرب .
4- منطقة العراق الأوسط وبما فيها بغداد ومنطقة شمال العراق أصبحت آمنه تماما للتتار. 5- أقوى المدن في الشام هما مدينتا حلب ودمشق فلوسقطتا فقد سقطت الشام بالكامل.
ماذا كان قرار هولاكو؟
قرر هولاكو التوجه مباشرةلإسقاط إحدى المدينتين حلب أو دمشق ؛ فقرر هولاكو وبعد دراسة وبحث أوضاعكلا من المدينتين والمناطق المحيطة بهما أن يدخل حلب أولا ثم يتوجه إلىدمشق .
حصار حلب
بدأ جيش التتار الرئيسيبقيادة هولاكو في التحرك من قواعده في همدان في فارس متجها إلى شمالالعراق وفي طريقه إحتل مدينة " نصيبيين " وهي تبعد 160كم عن ميافرقين ولميقابل هذا الجيش بأي مقاومة تذكر ؛ ثم إتجه غربا ليحتل مدينة " حران " ثممدينة " الرها " ثم مدينة " البيرة " ؛ وكل هذه المدن تقع حاليا في جنوبتركيا ؛ ثم بعد ذلك عبر هولاكو نهر الفرات من شرقه إلى غربه وتوجه مباشرةإلى مدينة حلب الحصينة واستمر هذا التقدم التتري في الأراضي الفارسية ثمالعراقية والتركية ثم الأراضي السورية وصولا إلى حلب مدة عام كامل وهو عام657هـ ؛ ووصل هولاكو إلى مدينة حلب في شهر محرم من سنة 658هـ وحاصرتالجيوش التترية المدينة من كل الجهات ؛ لكن حلب رفضت التسليم وتزعمالمقاومة فيها " توران شاه " عم الناصر يوسف وكان سيخا كبيرا ؛ ونصبتالمجانيق حول المدينة وبدأ القصف المتوالي من التتار على المدينة ؛
وفي أثناء ذلك الحصاروالشعب يحاول رد بأس التتار عنه وصل إليهم خبر أليم مفجع فقد سقطت مدينةميافرقين وفتحت لجيش التتار المحاصر لها بقيادة " أشموط " وانساحت جيوشالتتار الهائلة داخل المدينة بعد حصار إستمر عاما ونصف واستبيحت حرماتالمدينة تماما ؛ فقد جعلها " أشموط " إبن هولاكو عبرة لكل بلد تقاوم تفكرأن في هذه المنطقة فقد قتل كل سكانها وحرق الديار ودمرها تماما ؛ لكنهإحتفظ برجل واحد فقط من هذه المدينة وهو الأمير " الكامل محمد الأيوبي "حيا ليزيد من عذابه ؛ فذهب به إلى أبيه الفاح هولاكو وهو في حصار مدينةحلب وسلمه إياه .
قتل الكامل محمد
إستجمع هولاكو كل شره في الإنتقاممن الأمير البطل ؛ فأمسك به وقيده ثم صلبه ثم بدأ في تقطيع أطرافه وهو هيثم أجبره على أن يأكل لحمه ؛ فكان يدس لحمه في فمه رغما عن أنفه ؛ وظل بهعلى هذا التعذيب البشع إلى أن أذن الله عز وجل – لروحه المجاهدة أن تصعدإلى دارها في الآخرة ؛ ثم قام السفاح هولاكو بقطع رأسه ثم وضعها في رمحوأمر أن يطاف برأسه في كل بلاد الشام وذلك ليكون عبرة لكل المسلمين ؛وانتهى المطاف برأسه ‘لى دمشق وعلقت رأسه فترة على أحد أبواب دمشق وهو باب" الفراديس " ثم انتهى المقام به إلى أن دفن في أحد المساجد وعرف هذاالمسجد بعد ذلك بمسجد الرأس .
سقوط حلب واشتد القصف التتري على حلب واستمر الحصار للمدينة لسبعة أيام فقط ؛ ثمأعطى التتار الأمان لأهلها إذا فتحوا الأبواب دون مقاومة ؛ لكن زعيمالمدينة " توران شاه " قال لهم أن هذه خدعة لأن التتار لا أمان لهم ولاعهد ؛ لكن الشعب الحلبي كان قد أصيب بالإحباط الشديد وقادهم هذا الإحباطإلى الرغبة في التسليم ؛ فاتجه عامتهم إلى فتح الأبواب لهولاكو ؛ لكنقائدهم وبعض المجاهدين في المدينة رفضوا واعتصموا بالقلعة داخل المدينة ؛وفتحت الأبواب ودخل التتار داخل مدينة حلب وما إن سيطروا على محاور حلبحتى ظهرت النوايا الحقيقية الخبيثة للتتار فقد أصدر هولاكو أمرا بقتلالمسلمين في حلب وترك النصارى ؛ وهكذا بدأت المذابح البشعة في رجال ونساءوأطفال حلب وتم تدمير المدينة تماما ؛
ثم إتجه هولاكو إلى حصارالقلعة التي في داخل حلب ؛ وأشتد القصف على القلعة وانهمرت السهام من كلمكان ؛ ولكن القلعة صمدت وقاومت أربعة أسابيع كاملة إلى أن سقطت فيالنهاية ودخل هولاكو القلعة وقتل كل من كان فيها وأبقى رجلا واحد وهوالقائد البطل " توران شاه " لم يقتله كما فعل مع الكامل محمد ولكنه إحتفظبه معه أسيرا .
إستقر الوضع لهولاكو في حلبوخارت كل مقاومة كانت بها ؛ ثم أراد هولاكو أن ينتقل إلى منطقة أخرىبالشام فاستقدم الأشرف الأيوبي أمير حمص وهو من الأمراء الذين والو هولاكوقبل ذلك فأظهر له هولاكو كرما غير عادي فقد أعطاه مدينة حلب إلى جوارمدينة حمص لكي يضمن الولاء التام له .
ثم اتجه هولاكو إلى الغرب بعدسقوط حلب واتجه إلى حصن " حارم " وهو حصن إسلامي يبعد 50كم من حلب ؛فحاصره ثم فتحه وذبح كل من فيه ؛ وأكمل سيره إلى الغرب حتى وصل إلى إمارة" أنطاكيا " وهي إمارة الحليف النصراني الأمير بهمند ؛ وحول أنطاكيا ضربهولاكو معسكره ؛ ثم دعى إلى عقد مؤتمر لبحث الأوضاع في المنطقة ، وبدأالحلفاء في كل المنطقة يتوافدون على هولاكو ؛ فجاء الملك الأرمني هيثوموأمير أنطاكيا بهمند وأمراء السلاجقة المسلمون كيكاوس وقلج أرسلان الرابع؛ وبدأ هولاكو يصدر مجموعة من الأوامر والقرارات والجميع يستمعون وهيالآتي :
أولا : يكافأ ملك أرمينيا هيثوم بمكافأه كبيرة من غنائم حلب ؛ وذلك تقديرا لدور الجيش الأرمني في إسقاط بغداد ثم ميافرقين ثم حلب. ثانيا : على سلطاني السلاجقة أن يعيدا بعض المدن والقلاع التي كان المسلمون قد فتحوها قبل ذلك إلى ملك أرمينيا. ثالثا : يكافأ بهمند أمير أنطاكيا على تعاونه مع هولاكو فأعطاه هولاكومدينة اللازقية المسلمة هدية وهي المدينة التي حررت من الصليبيين على يدصلاح الدين – رحمه الله. رابعا : تعين بطريرك جديد للكنيسة في أنطاكيا ؛ وهو بطريرك يوناني ارزثكسي فعينة هولاكو على كنيسة أنطاكيا الكاثوليكية .
سقوط دمشق
وبدأ هولاكو بعد ذلك بالتحرك بالجيشالتتري ناحية الجنوب ؛ وعندما بدأ هولاكو في التحرك جاء إليه وفد من أعيان" حماه " وكبرائها يقدمون له مفاتيح المدينة ويسلمونها دون قتال ؛ فقبلمنهم هولاكو المفاتيح واعطاهم الأمان الحقيقي في هذه المره لكي يشجع كلالملوك في الشام ان يفتحوا أبواب بلادهم كما فتحت حماه ؛ ثم ترك حماهوانتقل بعد ذلك إلى حمص وهي بلد صديقه فتركها ولم يدخلها واتجه مباشرة إلىدمشق والمسافة بين حمص ودممشق 120 كم فقط ؛ فعلم الناصر يوسف أمير دمشق أنهولاكو قادم إليه ؛ فعقد مجلسا إستشاريا أعلى ضم معظم قادة الجند وأخذوافي التباحث والتشاور وطال النقاش والحوار ووصلوا في النهاية إلى القرار ؛
والقرار هو الفرار فليس لديهم أي فرصةفي الدفاع عن المدينة ولا التفكير أصلا في الدفاع عنها ؛ فسيفر الأميرالناصر يوسف والأمراء سيفرون والجيش كذلك وستبقى مدينة دمشق وشعبها الكبيردون حمايه ولا دفاع وإنا لله وإنا إليه راجعون ؛ وعند قرب قدوم التتار إلىالمدينة إجتمع أعيان دمشق وكبرائها وقرروا أن يفعلوا مثلما فعل أهل حماه ؛سيأخذون مفاتيح المدينة ويسلمونها إلى هولاكو ويطلبون منه الأمان ؛ ولميخالف هذا الرأي إلا قله من المجاهدين قرروا التحصن في قلعة دمشق والدفاعحتى النهاية ؛ وبالفعل أعطى هولاكو أهل دمشق الأمان الحقيقي كما أعطى أهلحماه ؛ وقبل أن يدخل دمشق حدث مالم يكن في حسبانه فقد مات منكوخان زعيمدولة التتار ؛ فقد جائته الأخبار قبل أن يصل دمشق بقليل ؛
فقد كانت هذه أذمة كبيرة فقد كانمنكوخان يحكم دوله مهولة إتسعت في وقت قياسي فحدوث أي إضطراب في الحكمسيؤدي إلى كارثة وهو أحد المرشحين لقيادة دولة التتار بدلا من قيادة الشاموما حولها ؛ فترك الجيش التتري وسارع بالعوده باتجاه العاصمة قورقورم لكنهعندما وصل إلى تبريز في إيران إكتشف أن التتار قد عينوا غيره فقد عينواكوبي لاي أميرا على دولة التتر بكاملها ؛ وكان ذلك بمثابة الصدمة لهولاكوفلم يكمل الطريق إلى العاصمة وآثر أن يمكث في تبريز ولم يعد بعد ذلك إلىالشام ؛ واخذ يراقب الموقف من تبريز ويدير كل هذه الممتلكات الواسعة التيفتحها ؛ وحمل أعيان دمشق ا
موضوع: رد: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الأربعاء 24 نوفمبر 2010 - 7:46
وبدأالتتار يوجهون انظارهم تلقاء مصر ..ولكن الله عز وجل قيض للعالم الاسلامىعبدا من عباده شاء الله ان يكسر به شوكة التتار وهو سيف الدين محمود بنممدود رحمه الله او المملوك قطز كما شاع على السن الناس.
[size=16]تسلطن بعد أن خلع الملكالمنصور علي ابن الملك المعز أيبك في يوم السبت 17من ذي القعدة سنة 657هـ- 1959م، بعد أن تفاقم خطر التتار، وأصبحت مصر مهددة بغزوهم الوشيك. وكانت مصر على إثر وفاة ملكها الصالح، ومقتل ولده الملك المعظم قد رفعتعلى عرشها امرأة هي: شجرة الدر -أرملة الملك الصالح-، فكانت أول ملكة، كماكانت آخر ملكة اعتلت عرش مصر الإسلامية. وأقيم للسلطنة نائب قوي، هوالأمير عز الدين أيبك -كبير المماليك البحرية-، ليعاون شجرة الدر في تدبيرالأمور، وبالرغم مما أبدته شجرة الدر من حزم وبراعة في تسيير أمور الدولة،
وتصفية الموقف مع الصليبيينوإجلائهم عن مصر فقد كان جلوس امرأة على عرش مصر نذيرًا بوقوع الفتنوالاضطرابات، حيث أبى معظم الأمراء أن يحلفوا يمين الطاعة للملكة الجديدة،لذلك رأت شجرة الدر أن تتزوج من الأمير عز الدين أيبك، فلما لم تفلح هذهالخطوة في تهدئة الأمور رأت أن تتنازل عن العرش لزوجها، فتولى الأمير عزالدين أيبك عرش مصر باسم الملك المعز، وذلك في آخر ربيع الثاني سنة 648 هـ1250م، وحكم مصر زهاء سبع سنين.
وكانت شجرة الدر وراء زوجهاتعينه في تصريف الأمور، حتى دب الخلاف بين الزوجين، لاعتزام المعز الزواجثانية، فدبرت شجرة الدر مؤامرة لاغتياله، ونفذتها في بيتها يوم الثلاثاء23 من ربيع الأول من سنة 655 هـ - 1257م.
وتولى الملك المنصور علي ابنالملك المعز أيبك، المُلْكَ يوم الخميس 25 من ربيع الأول من سنة 655 هـ1257م، وكان عمره 15 سنة، فلم يكن قادرًا على تحمل أعباء الملك في ظروفحرجة للغاية؛ إذ كانت البلاد مهددة بالغزو التتري، لذلك خلعه قطز، وتولىالملك مكانه سنة 657 هـ - 1259م، وكان هدفه: حرب التتار، وإنقاذ مصر خاصةوالبلاد العربية عامة من خطر غزوهم الكاسح.
الموقف العام
ولعل في عرض الموقف العامالعصيب التي كانت مصر ودول العالم الاسلامى تجتازه من جراء الغزو التتريالجارف ما يبرز مبلغ التضحية التي بذلها قطز في قبوله تحمل المسؤوليةحينذاك، في بلد مهدد بغزو خارجي ماحق، وارتباك داخلي فظيع، وقد كانبإمكانه أن يستمتع بالسلطة الفعلية بالرغم من بقاء الملك المنصور في الحكمدون أن يكون المسؤول الأول في مثل تلك الظروف الحرجة، ولكنه آثر المصلحةالعامة على مصلحته الشخصية، فقضى أولاً على الارتباك الداخلي، ووضع الأمورفي نصابها، ثم وجه همه إلى العدو الخارجي، فاستطاع بأعجوبة خارقة حقًاإحراز النصر وإنقاذ مصر والبلاد العربية من التتار وقواتهم الضاربة.
ففي سنة أربع وخمسين وستمائةهجرية 1256م، مَلَكَ التتار سائر بلاد الروم بالسيف، فلما فرغوا من ذلك،نزل هولاكو بن طولوي بن جنكيز خان كالإعصار على بغداد في صفر من سنة ستوخمسين وستمائة هجرية 1285م، ودخلوها دخول الضواري المفترسة، وقتلوا مئاتالآلاف من أهلها، ونهبوا خزائنها وذخائرها، وقضوا على الخلافة العباسية،وعلى معالم الحضارة الإسلامية، ثم قتلوا الخليفة المستعصم بالله وأفرادأسرته وأكابر دولته.. وتقدم التتار إلى بلاد الجزيرة، واستولوا على "حران" و"الرُّها" و"دياربكر" في سنة سبع وخمسين وستمائة هجرية 1259م، ثم جاوزا الفرات، ونزلوا على"حلب" في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية 1260م، واستولوا عليها وجرتالدماء في الأزقة أنهارًا. ووصل التتار إلى "دمشق"، وسلطانها الناصر يوسف بن أيوب، فخرج هاربًا ومعهأهل اليسار، ودخل التتار دمشق، وتسلموها بالأمان، ثم غدروا بأهلها وفتكوابهم، ونهبوا وسلبوا ودمروا. وتعدوا دمشق، فوصلوا إلى "نابلس"، ثم إلى "الكرك" وبيت المقدس، وتقدمواإلى "غزة" دون أن يلقوا مقاومة تذكر، واضطر هولاكو فجأة إلى مغادرة سورية،بعد أن جاءته الأخبار بوفاة أخيه الأكبر "منكوقاآن" في الصين، وبتنازعأخويه الآخرين "قوبيلاي" و"أريق بوكا" ولاية العرش. وقد استثمر التتار حرب الصاعقة، التي تعتمد على سرعة الحركة، كما استثمرواحرب الأعصاب إلى أقصى مدى، فنشروا الذعر والخوف في كل مكان، وحيثما اتجهتقواتهم كانت تسبقهم الأقاصيص عن طغيانهم وقسوتهم ومذابحهم. موقف أوروبا فرحت أوروبا النصرانية بانتصار التتار على المسلمين، فقد كانوا من أصدقاءالنصارى وفيهم بعض النصارى، ولهولاكو نفسه زوجة نصرانية، فضلاً عن أنالقائد الذي ولي أمر سورية عندما غادرها هولاكو كان نصرانيًا، كل هذا جعلالبابوات وحكام غرب أوروبا ينظرون إلى التتار وكأنهم حلفاؤهم في قتالالمسلمين.
والواقع أن فكرة تكوين حلف منالأوروبيين والتتار لتدمير البلاد الإسلامية، كانت موضع تفكير البابوات فيعصور متتالية، وكانت سياسية هؤلاء تهدف إلى نشر الدين النصراني بينالتتار، وقد تبادل التتار وحكام أوروبا البعوث، وعلى سبيل المثال: فقد دعالويس التاسع قسمًا من رجال أمير التتار إلى فرنسا، حيث فاوضهم على عقداتفاقية عسكرية، تنص على أن يقوم طرفاها بعمليات حربية على المسلمين، يكونفيها دور التتار غزو العراق وتدمير بغداد والقضاء على الخلافة الإسلامية،ويكون دور الصليبيين حماية هذا الغزو التتري من الجيوش المصرية, وتجريدجيوشهم لمنع نجدة القوات المصرية للمسلمين في آسيا، وبالأحرى تقوم بعزلمصر عزلاً تامًا عن سائر البلاد الاسلامية.
ولم يكفّ لويس التاسع عنالعمل لاستمالة التتار، وتسخير قوتهم المدمرة لضرب الإسلام، ففي السابععشر من يناير سنة 1249م سنة 646هـ أرسل إلى أمير التتار هدايا ثمينة حملهاإلى الأمير وفد على رأسه الراهب الدومنيكي "أندريه دي لونجيمو"، ومما يذكرأنه كان من بين هذه الهدايا قطعة من الصليب المقدس وصورة للسيدة العذراء،ومختلف النماذج الصغيرة لعديد من الكنائس. ويقول الأسقف "دي مسنيل Du Masnil" -نائب مدير البعثات التبشيرية في روما-في كتابه عن الكنيسة والحملات الصليبة: "اشتهر هولاكو بميله إلى النصارىالنسطوريين، وكانت حاشيته تضم عددًا كبيرًا منهم، من بينهم قائدهم الأكبر"كتبغا" وهو تركي الجنس نصراني نسطوري، كما كانت الأميرة "دوكس خاتون"زوجة هولاكو نصرانية أيضًا.
ولقد لعب نفوذ هذه الأميرةعلى زوجها دورًا خطيرًا، تفخر به الكنيسة في تجنيب أوربا النصرانية أهوالالغزو التتري، وتوجيه غزوهم إلى العرب المسلمين في الشرق العربي، حيث ذبحتقوات التتار العرب المسلمين في مذابح بغداد، في الوقت الذي أبقت فيه علىالنصارى في تلك المدينة، فلم تمسهم في أرواحهم أو أموالهم بأذى، كما لعبتالأميرة دورًا في إغراء زوجها باحتلال سورية الإسلامية.
ويصف الأسقف حملة التتار فيقول:"لقد كانت الحملة التترية على الإسلام والعرب حملة صليبية بالمعنى الكامللها، حملة نصرانية نسطورية، وقد هلل لها الغرب وارتقب الخلاص على يد"هولاكو" وقائده النصراني "كتبغا" الذي تعلق أمل الغرب في جيشهما، ليحققله القضاء على المسلمين، وهو الهدف الذي أخفقت في تحقيقه الجيوش الصليبية،ولم يعد للغرب أمل في بلوغه إلا على أيدي التتار خصوم العرب والمسلمين.
وقد بادر "هاتون الأول" -ملكإرمينية - و"بوهومونت السادس" - أمير طرابلس -، وأمراء الإفرنج "صور"و"عكا" و"قبرص" بادر هؤلاء جميعًا إلى عقد حلف مع التتار، يقوم على أساسالقضاء على المسلمين كافة في آسيا، وتسليم هؤلاء الأمراء بيت المقدس.
ويقول "دي مسنيل" في كتابه عن تاريخالتبشير: "إن النصارى هم الذين حرضوا "هولاكو" على الرحيل عن سورية إلىبلاده، ومحاربة أخيه هناك، بسبب موالاته للإسلام".
وأخيرًا انتهى أمل الصليبيينبدخول التتار في الإسلام، وفي ذلك يقول الأسقف "دي مسنيل" واصفًا هذهالخاتمة: "وهكذا نرى الإسلام الذي كان قد أشرفت قوته على الزوال، يستردمكانته، ويستعيد قوته، ويصبح أشد خطرًا من ذي قبل".
لقد كانت مهمة قطز صعبة جداً،لأنه كان عليه أن يواجه الخطر الداخلي المتمثل بالارتباك والفوضى في نظامالحكم والصراع على السلطة، وفي الوقت نفسه كان عليه أن يواجه الخطرالخارجي المتمثل بالغزو التتري الداهم المتحالف مع الصليبيين في الغربوالشرق معًا.
زحف التتار
قبل مغادرة "هولاكو" سورية أرسل رسولاً من رجاله وبرفقته أربعون رجلاً من الأتباع إلى قطز يحملون إليه رسالة منه جاء فيها:
"من ملك الملوك شرقًا وغربًا القائدالأعظم: باسمك اللهم، باسط الأرض، ورافع السماء، يعلم الملك المظفر قطزالذي هو من جنس المماليك الذين هربوا من سيوفنا إلى هذا الإقليم، يتنعمونبأنعامه، ويقتلون من كان بسلطانه بعد ذلك، يعلم الملك المظفر قطز وسائرأمراء دولته وأهل مملكته بالديار المصرية وما حولها من الأعمال، إنا نحنجند الله في أرضه، خلقنا من سخطه، وسلطنا على مَن حَلَّ به غضبه، فلكمبجميع البلاد معتبر، وعن عزمنا مزدجر، فاتعظوا بغيركم وأسلموا لنا أمركم.قبل أن ينكشف الغطاء، فتندموا ويعود عليكم الخطأ، فنحن ما نرحم من بكى،ولا نرقّ لمن شكر، وقد سمعتم أننا قد فتحنا البلاد، وطهرنا الأرض منالفساد، وقتلنا معظم العباد، فعليكم بالهرب، وعلينا الطلب، فأي أرضتؤويكم، وأي طريق تنجيكم، وأي بلاد تحميكم؟! فما لكم من سيوفنا خلاص، ولامن مهابتنا مناص، فخيولنا سوابق، وسهامنا خوارق، وسيوفنا صواعق، وقلوبناكالجبال، وعددنا كالرمال، فالحصون عندنا لا تمنع، والعساكر لقتالنا لاتنفع، ودعاؤكم علينا لا يُسمع، فإنكم أكلتم الحرام، ولا تعفُّون عند كلام،وخنتم العهود والأيمان، وفشا فيكم العقوق والعصيان، فأبشروا بالمذلةوالهوان، فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحقوبما كنتم تفسقون، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون، فمن طلب حربناندم، ومن قصد أماننا سلم، فإن أنتم لشرطنا وأمرنا أطعتم، فلكم ما لناوعليكم ما علينا، وإن خالفتم هلكتم، فلا تهلكوا نفوسكم بأيديكم، فقد حذّرمن أنذر. وقد ثبت عندكم أنا نحن الكفرة، وقد ثبت عندنا أنكم الفجرة، وقدسَلَّطَنا عليكم من له الأمور المقدّرة، والأحكام المدبرة، فكبيركم عندناقليل، وعزيزكم عندنا ذليل، فلا تطيلوا الخطاب، وأسرعوا برد الجواب، قبل أنتضرم الحرب نارها، وترمي نحوكم شرارها، فلا تجدون منا جاهاً ولا عزًا، ولاكافيًا ولا حرزًا، وتدهون منا بأعظم داهية، وتصبح بلادكم منكم خالية، فقدأنصفناكم إذ راسلناكم، وأيقظناكم إذ حذرناكم، فما بقي لنا مقصد سواكم،والسلام علينا وعليكم، وعلى من أطاع الهدى، وخشي عواقب الردى، وأطاع الملكالأعلى".وكان ذلك في سنة ثمان وخمسين وستمائة هجرية "أوائل سنة 1260م".
فلما سمع قطز ما في هذاالكتاب جمع الأمراء، واتفقوا على قتل رُسُل هولاكو، فقبض عليهم، واعتقلوا،وأمر بإعدامهم فأعدموا توسيطًا-أي:ضربوا بالسيف في وسطهم ليشطروا شطرين -،كل مجموعة منهم أمام باب من أبواب القاهرة، وعُلقت رؤوسهم على باب"زويلة". لقد عقد قطز العزم على حرب التتار، وكان قراره نهائيًا لا رجعةعنه؛ إذ هو المسوغ الوحيد لاستيلائه على السلطة، وتواترت المعلوماتالموثوق بها عن زحف التتار باتجاه مصر، كما علم المصريون باستيلاء التتارعلى سورية وفلسطين، كما وصل إلى القاهرة كمال الدين عمر بن العديم أحدالعلماء الأعلام رسولاً من الملك الناصر صلاح الدين يوسف صاحب حلب والشاميطلب من قطز النجدة على قتال التتار. وجمع قطز القضاة والفقهاء والأعيان لمشاورتهم فيما يعتمد عليه من أمرالتتار، وأن يؤخذ من الناس ما يستعان به على جهادهم، وحضر أصحاب الرأي فيدار السلطنة بقلعة الجبل، وحضر الشيخ عز الدين بن عبد السلام،
والقاضي بدر الدين السنجاري-قاضي الديار المصرية-، وأفاضوا الحديث، فكان الاعتماد على ما يقوله ابنعبد السلام، وخلاصة ما قال: "إنه إذا طرق العدو بلاد الإسلام وجب علىالعالم قتالهم، وجاز لكم أن تأخذوا من الرعية ما تستعينون به على جهادكم،بشرط ألا يبقى في بيت المال شيء، وتبيعوا مالكم من الحوائص-أي:حزام الرجلوحزام الدابة- المذهبة والآلات النفيسة، ويقتصر كل الجند على مركوبهوسلاحه، ويتساووا هم والعامة، وأما أخذ الأموال من العامة، مع بقايا فيأيدي الجند من الأموال والآلات الفاخرة فلا يجوز".
وانفض المجلس على ذلك، ولميتكلم السلطان، وهو الملك المنصور علي ابن الملك المعز أيبك، لعدم معرفتهبالأمور ولصغر سنه، فلهج الناس بخلع السلطان وتولية قطز حتى يقوم بهذاالأمر المهم. فقد علم قطز أنه لا بد من خروجه من مصر على رأس قواتهالعسكرية لقتال التتار، ولكنه لا يستطيع أن يفعل ما يريد، لأن الآراءمغلولة لصغر سن السلطان، ولأن الكلمة مختلفة، فجمع قطز الأمراء والعلماءمن أصحاب الرأي، وعرفهم أن الملك المنصور هذا صبي لا يحسن التدبير في مثلهذا الوقت الصعب، ولا بد من أن يقوم بأمر الملك رجل شهم يطيعه كل أحد،وينتصب للجهاد في التتار، فأجابه الجميع: ليس لها غيرك.
لقد كان الجواب على رسالةهولاكو هو: القتال، ولا شيء غير القتال. وكان هذا القرار متفقًا عليه منالجميع قبل وصول وفد هولاكو، وقبل وصول رسالته إلى القاهرة.
ولم يكن إعدام الوفد إلا حافزًا جديدًا لقطز وقواته على القتال، دون أن يتركوا الباب مفتوحًا لحل آخر غير القتال.
وهذا موقف لقطز في مثل تلكالظروف التي كانت تحيط به، موقف يُحمد عليه، لأنه انتزع آخر أمل من نفوسالمترددين والانهزاميين في احتمال رضوخ قطز إلى مطالب التتار، فقال قطزقولته الحاسمة: "إن الرأي عندي هو أن نتوجه جميعًا إلى القتال، فإذا ظفرنافهو المراد، وإلا فلن نكون مسلمين أمام الخلق".
الحشد
خرج قطز يوم الإثنين الخامسعشر من شعبان سنة 658 هـ - 1260م بجميع عسكر مصر ومن انضم إليهم من عساكرالشام ومن العرب والتركمان وغيرهم من قلعة الجبل في القاهرة، يريد معسكرالصالحية، معسكر مصر الكبير في شرق الدلتا.
وقبل ذلك، وفي اليوم نفسه، أحضر قطز رسل "هولاكو" وأعدمهم، ليضع قواته المسلحة أمام الأمر الواقع: لا مفر من القتال.
ونودي في القاهرة والفُسطاطوسائر أقاليم مصر بالخروج إلى الجهاد، وتقدم قطز إلى جميع الولاة يحثالأجناد للخروج إلى القتال، وسار حتى وصل إلى الصالحية، وتكامل حشد قواته،فجمع الأمراء وكلمهم بالرحيل، فأبوا كلهم عليه وامتنعوا عن الرحيل، فقاللهم: "يا أمراء المسلمين، لكم زمان تأكلون أموال بيت المال، وأنتم للغزاةكارهون، وأنا متوجه، فمن اختار الجهاد يصحبني، ومن لم يختر ذلك يرجع إلىبيته، فإن الله مطلع عليه، وخطيئة حريم المسلمين في رقاب المتأخرين".
وتكلم الأمراء الذين اختارهموحلّفهم مؤيدين له في المسير، فلم يسع البقية غير الموافقة. لقد جمع قطزقادته قبل المسير، وشرح لهم خطورة الموقف، وذكرهم بما وقع من التتار فيالبلاد التي غزوها من شنيع السفك والتخريب، وما ينتظر مصر وأهلها من مصيرمروع إذا انتصر التتار، وحثهم وهو يبكي على بذل أرواحهم في سبيل إنقاذالإسلام والمسلمين من هذا الخطر الداهم، فضج القادة بالبكاء، ووعدوا ألايدخروا وسعًا في سبيل مقاتلة التتار، وإنقاذ مصر والإسلام من شرهم.
ولكن لماذا خاف قادة قطز التتار؟
كان هولاكو في خلق لا يحصيهمإلا الله، ولم يكونوا من حين قدومهم على بلاد المسلمين سنة 616 هـ - 1219ميلقاهم عسكر إلا فلّوه، وكانوا يقتلون الرجال ويسبون النساء ويستاقونالأسرى وينهبون الأموال، لذلك آثر قادة قطز بعد إكمال حشد قواتهم حمايةمصر لا غير، لكثرة عدد التتار واستيلائهم على معظم بلاد المسلمين، لأنالتتار لم يقصدوا إقليمًا إلا فتحوه، ولا عسكرًا إلا هزموه، ولم يبق خارجحكمهم إلا مصر والحجاز واليمن، وقد هرب جماعة من المغاربة الذين كانوابمصر إلى المغرب، لقد كانت المعنويات منهارة،
فلا عجب أن يبذل قطز كل جهدهلرفع معنويات قادته ورجاله خاصة، والشعب المصري عامة، وأن يستحث القادرينعلى حمل السلاح للجهاد بأرواحهم، والقادرين على تقديم الأموال للجهادبأموالهم، وأن يحشد كل طاقاته المادية والمعنوية للحرب، فلا يعلو صوت علىصوت المعركة، ولا يُقبل عذر من أحد قادر على الجهاد بماله وروحه، وقد قدمقطز مثالاً شخصيًا رائعًا في الجهاد بماله وروحه في سبيل الله.
كما أن قطز صمّم على لقاءالتتار خارج مصر، وألا ينتظرهم في مصر للدفاع عنها على الأرض المصرية، حتىيجنب مصر ويلات الحرب أولاً، ويرفع معنويات رجاله ومعنويات المصريينثانيًا، ويوحي للتتار بأنه لا يخافهم فيؤثر ذلك على معنوياتهم ثالثًا،ولأن المدافع لا ينتصر مطلقًا إلا في نطاق ضيق محدود بعكس المهاجم الذييؤدي انتصاره إلى كارثة تحيق بعدوه رابعًا، ولأن الهجوم أنجح وسائل الدفاعخامسًا وأخيرًا.
إن تصميم قطز على قبول المعركة خارج مصر، كان قرارًا عسكريًا فذًا.
المعركة
وخرج قطز من مصر في الجحافلالشامية والمصرية، في شهر رمضان من سنة 658 هـ- 1260م وغادر معسكرالصالحية بجيشه، ووصل مدينه "غزة" والقلوب وجلة، وكان في "غزة" جمع التتاربقيادة "بيدر"، وكان بيدر هذا قد أخبر قائده "كتبغا نوين" الذي كان في سهل"البقاع" بالقرب من مدينة "بعلبك" بزحف جيش قطز، فرد عليه: "قف مكانكوانتظر".
ولكن قطز داهم "بيدر" قبل وصول "كتبغا نوين" فاستعاد غزة من التتار، وأقام بها يومًا واحدًا، ثم غادرها شمالاً باتجاه التتار.
وكان"كتبغا" مقدم التتار على جيش "هولاكو" لما بلغه خروج قطز، وكان في سهلالبقاع قد عقد مجلسًا استشاريًا، واستشار ذوي الرأي في ذلك، فمنهم من أشاربعدم لقاء جيش قطز في معركة، والانتظار حتى يجيئه مدد من "هولاكو" ليقوىعلى مصاولة جيش المسلمين، ومعنى هذا مشاغلة جيش قطز بالقوات المتيسرة لديهريثما ترده النجدات التي تضمن له النصر، ومنهم من أشار بغير ذلك -قبلالمعركة- اعتمادًا على قوات التتار التي لا تقهر، وهكذا تفرقت الآراء،وكان رأي "كتبغا نوين" قبول المعركة ومواجهة جيش قطز، فتوجه من فورهجنوبًا باتجاه القوات المصرية.
وكان أول الوهن اختلاف الآراء وظهور رأي يحبذ الانسحاب، ورأي يحبذ عدم الانسحاب وقتال قطز.
وبعث قطز طلائع قواته بقيادةالأمير ركن الدين بيبرس البندقداري لمناوشة التتار واختبار قواتهم،واستحصال المعلومات المفصلة عن تنظيمهم وتسليحهم وقيادتهم، فالتقى بيبرسبطلائع التتار في مكان يقع بين "بيسان" و"نابلس" يدعي: "عين جالوت" في"الغور" غور الأردن، وشاغل التتار حتى وافاه قطز على رأس القوات الأصليةمن جيشه، وفي يوم الجمعة 25 رمضان سنة 658هـ- 6 سبتمبر1260م نشبت بينالجيشين المتقابلين معركة حاسمة، وكان التتار يحتلون مرتفعات "عين جالوت"،فانقضوا على جيش قطز تطبيقًا لحرب الصاعقة التي دأب التتار على ممارستهافي حروبهم، تلك الحرب التي تعتمد سرعة الحركة بالفرسان، وكان القتالشديدًا لم يُر مثله، حتى قتل من الجانبين جماعة كثيرة.
وتغلغل التتار عميقًا،واخترقوا ميسرة قطز، فانكسرت تلك الميسرة كسرة شنيعة، ولكن قطز حمل بنفسهفي طائفة من جنده، وأسرع لنجدة الميسرة، حتى استعادت مواقعها. واستأنف قطز الهجوم المضاد بقوات "القلب" التي كانت بقيادته المباشرة،وكان يتقدم جنوده وهو يصيح: "واإسلاماه.. واإسلاماه.." واقتحم قطز القتال،وباشر بنفسه، وأبلى في ذلك اليوم أعظم البلاء، وكانت قوات "القلب" مؤلفةمن المتطوعين المجاهدين من الذين خرجوا يطلبون الشهادة، ويدافعون عنالإسلام بإيمان، فكان قطز يشجع أصحابه، ويحسّن لهم الموت، ويضرب لهم المثلبما يفعله من إقدام ويبديه من استبسال.
وكان قطز قد أخفى معظم قواتهالنظامية المؤلفة من المماليك في شعب التلال، لتكون كمائن، وبعد أن كربالمجاهدين كرة بعد كرة حتى زعزع جناح التتار، برز المماليك من كمائنهموأداموا زخم الهجوم بشدة وعنف.
وكان قطز أمام جيشه يصرخ:"واإسلاماه.. واإسلاماه.. يا الله انصر عبدك قطز على التتار"، وكان جيشهيتبعه مقتديًا بإقدامه وبسالته، فقتل فرس قطز من تحته، وكاد يعرض للقتللولا أن أسعفه أحد فرسانه، فنزل له عن فرسه.
وسارع قطز إلى قيادة رجالهمتغلغلاً في صفوف أعدائه، حتى ارتبكت صفوف التتار، وشاع أن قائدهم "كتبغانوين" قد قُتل، فولوا الأدبار لا يلوون على شيء. وكان "كتبغا نوين" يضرب يمينًا وشمالاً غيرة وحمية، وكان يكر علىالمسلمين، فرغَّبه جماعة من أتباعه في الهرب، ولكنه لم يستمع إليهم وقال:"لا مفر من الموت هنا، فالموت مع العزة والشرف خير من الهرب مع الذلوالهوان".
ورغم أن جنوده تركوه وهربوا فقد ظل يقاتل حتى قُتل، وفي رواية أخرى أن جواده كبا به، فأسره المسلمون، والرواية الأولى أصح.
وكانت هناك مزرعة للقصببالقرب من ساحة القتال، فاختفى فيها فوج من التتار، فأمر قطز جنوده أنيضرموا النار في تلك المزرعة، وأحرقوا فوج التتار جميعًا. وبدأ المسلمون فورًا بمطاردة التتار، كما طاردهم المسلمون الذين لم يكونوامن جيش قطز، حتى دخل قطز دمشق في أواخر شهر رمضان المبارك، فاستقبله أهلهابالابتهاج. وامتدت المطاردة السريعة إلى قرب مدينة حلب، فلما شعر التتار باقترابالمسلمين منهم تركوا ما كان بأيديهم من أسارى المسلمين، ورموا أولادهم،فتخطفهم الناس، وقاسوا من البلاء ما يستحقونه.
أسباب النصر
يجدر بنا أن نتوقف قليلاً لمعرفة أسباب انتصار قطز على التتار. إن كل الحسابات العسكرية تجعل النصر إلى جانب التتار بدون أدنى شك، ولكنالواقع يناقض كل تلك الحسابات، فقد انتصر قطز، وانهزم التتار. فقد كان لقادة التتار تجارب طويلة في الحروب، ولم يكن لقطز وقادته مثلتجارب قادة التتار ولا ما يقاربها، والقائد المجرب أفضل من القائد غيرالمجرب قطعًا، وكذلك الجيش المجرب أفضل من الجيش الذي لا تجربة له. وكانت معنويات التتار قادة وجنودًا عالية جدًا، لأنهم تقدموا من نصر إلىنصر، ولم تهزم لهم راية من قبل أبدًا، وكانت معنويات قادة قطز وجنودهمنهارة، وقد خرج أكثر القادة إلى القتال كرهًا. وقد انتصر التتار في حرب الأعصاب، فكانوا ينتصرون بالرعب، مما يؤثر فيمعنويات أعدائهم أسوأ الأثر، والجيش الذي يتحلى بالمعنويات العالية ينتصرعلى الجيش الذي تكون معنوياته منهارة. وكانت كفاية جيش التتار متفوقة على كفاية جيش قطز فواقًا كاسحًا، لأن جيشالتتار خاض معارك كثيرة، لذلك كانت تجربته العملية على فنون القتال باهرةإلى أبعد الحدود، أما جيش قطز، فقليل التجربة العملية قليل التدريب. والجيش الذي يتحلى بالكفاية -خاصة في ميدان التدريب العملي- ينتصر على الجيش الذي لا كفاية عملية لديه. وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز عَددًا وعُددًا، وقد ازداد تعداد جيشالتتار بالذين التحقوا به من الموالين والمرتزقة والصليبيين، بعد احتلالهأرض الشام، والتفوق العَددي والعُددي من عوامل إحراز النصر. وكان جيش التتار يتمتع بمزية فرسانه المتدربين، وكان تعداد فرسانه كبيرًا،مما ييسر له سرعة الحركة، ويؤدي إلى تطبيق حرب الصاعقة التي كانت من سماتحرب التتار، والجيش الذي يتحلى بسرعة الحركة يتغلب عل الجيش الذي لا يتحلىبهذه الميزة. وكانت مواضع جيش التتار في عين جالوت أفضل من مواضع جيش قطز، لأن تلكالمواضع كانت محتلة من التتار قبل وصول جيش قطز إلى المنطقة التي كانت تحتسيطرة التتار. وللأرض أثر عظيم في إحراز النصر وكان جيش التتار متفوقًا على جيش قطز في قضاياه الإدارية؛ إذ كان يستندعلى قواعده القريبة في أرض الشام، وهي التي استولى عليها واستثمر خيراتها،بينما كانت قواعد جيش قطز بعيدة عنه، لأنه كان يعتمد على مصر وحدها فيإعاشته، والمسافة بين مصر وعين جالوت طويلة؛ خاصة في تلك الأيام التي كانتالقضايا الإدارية تنقل على الدواب والجمال مخترقة الصحاري والوديانوالقفار. هذا التفوق الساحق الذي بجانب التتار في سبع مزايا حيوية: التجربة العملية، والمعنويات العالية، والكفاية القتالية، والعدد والعدة،وسرعة الحركة، والأرض، والقضايا الإدارية، هذا التفوق له نتيجة متوقعةواحدة، هي: إحراز النصر على قطز وجيشه أسوة بانتصاراتهم الباهرة على الروموالفرس والعرب والأمم الأخرى في زحفهم المظفر الطويل. ولكن الواقع أن الجيش المصري انتصر على جيش التتار، فكيف حدث ذلك؟ أولاً: قدّم شيوخ مصر، وعلى رأسهم الشيخ العز بن عبد السلام إرشاداتهمالدينية لقطز، فأخذ بها ونفذها على نفسه وعلى رجاله بكل أمانة وإخلاص،وأمر رجاله بالمعروف ونهاهم عن المنكر، فخرج الجيش من مصر تائبًا منيبًاطاهرًا من الذنوب. وكان على رأس المجاهدين جميع القادرين من شيوخ مصر على السفر وحمل السلاح وتحمل أعباء الجهاد. ثانيًا: قيادة قطز الذي كان يتحلى بإرادة القتال بأجلى مظاهرها، فكانمصممًا على قتال التتار مهما تحمل من مشاق، وبذل من تضحيات، ولاقى من صعاب. ولعل إصراره على مهاجمة التتار خارج مصر، وعدم بقائه في مصر، واختيارهالهجوم دون الدفاع، واستبعاده خطة الدفاع المستكن، هو الذي جعل رجاله قادةوجنودًا في موقف لا يؤدي إلا إلى الموت أو النصر، مما جعلهم يستقتلون فيالحرب، لأنه لم يكن أمامهم في حالة الهزيمة غير الإبادة والإفناء. إن قطز لم يجاهد ليتولى السلطة، بل تولى السلطة من أجل الجهاد. ثالثًا: إيمان قطز بالله واعتماده عليه، وإيمان المتطوعين في جيشه منالمجاهدين الصادقين الذين خرجوا طلبًا للشهادة، كان له أثر عظيم في إحرازالنصر. إن أثر قطز والمجاهدين معه في معركة عين جالوت كان عظيمًا، وحين اطمأن قطزإلى نصر الله ترجل عن فرسه، ومرغ وجهه في التراب تواضعًا، وسجد لله شكرًاعلى نصره، وحمد الله كثيرًا وأثنى عليه ثناءً عاطرًا. لقد كان انتصار المسلمين في "عين جالوت" على التتار انتصار عقيدة لا مراء. الشــهيد لم تمض أسابيع قلائل، حتى طُهرت بلاد الشام كلها من فلول التتار، فرتب قطزأمور البلاد، واستناب على دمشق أحد رجاله، ثم خرج من دمشق عائدًا إلى مصر،إلى أن وصل إلى "القصير"، وبقي بينه وبين الصالحية المعسكر الذي حشد فيهقواته قبل الحركة لقتال التتار مرحلة واحدة، ورحلت قواته إلى جهةالصالحية، فانقض عليه عدد من الأمراء وقتلوه على مقربة من خيمته، ذلك يومالسبت 16 من ذي القعدة سنة 658 هـ- أكتوبر- 1260م، ولم يمض يومان على قتلهحتى حلّ "بيبرس" مكانه باسم الملك الظاهر. وقد دفن قطز في موضع قتله، وكثر أسف الناس وحزنهم عليه، وكان قبره يُقصد دائمًا للزيارة.. وكانت سلطنة قطز سنة إلا يومًا واحدًا. وكان قطز بطلاً شجاعًا مقدامًا حسن التدبير، يرجع إلى دين وإسلام وخير،كما قال فيه الذهبي، وله اليد البيضاء في جهاد التتار، فعوض الله شبابهبالجنة ورضي عنه. لقد كان قطز صادقًا عزيز النفس، كريم الأخلاق، مجاهدًا من الطراز الأول. قُتل قاهر التتار مظلومًا، فخسر روحه وربح الدنيا والآخرة، وسجله التاريخفي أنصع صفحاته - رضي الله عنه وأرضاه-، وجعله قدوة صالحة لقادة العربوالمسلمين، فما أشبه غزو التتار بغزو الصهاينة، وما أشبه دعم الصليبيينالقدامى للتتار بدعم الصليبيين الجدد للصهاينة، وما أحوجنا اليوم إلى مثلهقائدًا يتخذ الهجوم مبدأ، ولا يكتفي بالدفاع، ويتخذ العمل منهجًا ولايكتفي بالكلام، ويقاتل اليهود وعباد الصليب على كل شبر اغتصب من دولةالخلافة ويطلب الموت لتوهب له الحياة ..... ..تم بحمد الله ..
موضوع: رد: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الأربعاء 25 مارس 2015 - 20:33
السلام عليكم ؟ الموضوع مكتوب من 2010 وانا كثير إستفدت منه حق بحثي عن عين جالوت في أحد يقدر يرد علي صاحب الموضوع اخذ المعلومات من اي كتب ومصادر ضروري الرد بليز وشكرا جزيلا على هذا الموضوع القيم
Enlightenment
عريـــف
الـبلد : المهنة : أفضل من مهنتك المزاج : جذاب لكن خطير لا تحاول تقليديالتسجيل : 24/03/2015عدد المساهمات : 50معدل النشاط : 55التقييم : 3الدبـــابة : الطـــائرة : المروحية :
موضوع: رد: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الأربعاء 25 مارس 2015 - 20:43
طالبة تاريخ كتب:
السلام عليكم ؟ الموضوع مكتوب من 2010 وانا كثير إستفدت منه حق بحثي عن عين جالوت في أحد يقدر يرد علي صاحب الموضوع اخذ المعلومات من اي كتب ومصادر ضروري الرد بليز وشكرا جزيلا على هذا الموضوع القيم
http://waqfeya.com/book.php?bid=7361
هذا هو الكتاب أعتقد
الموéوع مفيد لكن لو تقبلين نصيحتي إستعمليه فقط كيف تأخذي فكرة عامة عن القصة لأنه تاريخيا غير سليم، حبّذ لو تراجعين المصادر الغربية لأنها أكثر موضوعية و حيادية
موضوع: رد: قصة غزو التتار للعالم الاسلامى كاملة و مفصله كجزء من تاريخ امتنا الجمعة 26 يونيو 2015 - 3:19
Enlightenment كتب:
http://waqfeya.com/book.php?bid=7361
هذا هو الكتاب أعتقد
الموéوع مفيد لكن لو تقبلين نصيحتي إستعمليه فقط كيف تأخذي فكرة عامة عن القصة لأنه تاريخيا غير سليم، حبّذ لو تراجعين المصادر الغربية لأنها أكثر موضوعية و حيادية
هل تعرف من أرخوا لتلك الحقبة .. ممن عاصروها .. ورأى بعضهم أحداثها رأي عين .. من المؤرخين المسلمين ?! هل تعرف مناهجهم في تناول تاريخهم ?!
وأي غرب كان وقتها ?! أتقصد الغرب الذي هو نفسه يصف حالته في تلك الفترة بالعصور المظلمة?! ومنذ متى والغرب حياديا في تناول تاريخ المسلمين ?!