كان تركيز غرفة عمليات الحرب الجوية للتحالف على القيادة العراقية كبيرا منذ بدء الحرب. و قد وصلت قائمة الاهداف ضمن هذا البند الى 35 ملجأ و مقر قيادة و سيطرة و مقر يوم 17 يناير - اول ايام القصف الجوي. و ستصل اهداف هذا البند الى 46 قبيل نهاية الحرب. و اغتيال قادة العدو هدف قديم قدم الحرب نفسها. لكن غالبية قصص النجاح كانت من قبيل الصدفة مثلما حصل مع الجنرال عبد المنعم رياض عام 1969 و الذي قتلته قذيفة اسرائيلية. اما النجاح المنسوب لعمل استخباري فهو نادر جدا. و اكبر مثال عليه كان كسر الشيفرة اليابانية و رصد و اسقاط طائرة الادميرال ياماموتو - مهندس ضربة بيرل هاربور بعد بدء الحرب العالمية الثانية بقليل.
و كان امل المخطط الامريكي ان تنجح تقنيات الاستطلاع و التجسس اضافة للقنابل الموجهة في قتل القيادات العراقية. و كان على رأس الاسماء طبعا صدام حسين. و قد صرح الجنرال مايكل دوجان - رئيس اركان القوات الجوية - ان صدام هو محور جهود عمليات التحالف. و قد طرده تشيني من وظيفته بعد هذه الزلة الاعلامية. حيث كان القانون الامريكي يمنع اغتيال القادة الاجانب. و بالتالي للحفاظ على نص القانون، يجب على الضباط التأكيد ان ما حصل كان عملية قصف ﻷهداف عسكرية و انه صادف ان كان صدام في تلك المنطقة.
السبب الاخر لمحاولة ابعاد صدام عن دائرة الاستهداف - علنا - كان ما حصل في بنما عام 1989. عندما غزتها امريكا ب 25 الف جندي و امضوا 4 ايام - محرجة - بحثا عن قائد البلد. و بالتالي كان التوجه هو ان الحملة لا يجب ان تكون ضد شخص. بل لتحقيق هدف.
و كان التقديرات تتراوح بين القادة. شوارتزكوف ظن الاحتمال (عاليا) ان يتم قتله في الحرب، و رئيس اركان القوات الجوية (الجديد) قدر الرقم ب 30%. و الكل كان يعرف قدرة الرئيس العراقي على النجاة من محاولات الاغتيال.
و بدأت الحرب الجوية على امل تحقيق هذا الهدف و انهاء الحرب مبكرا. و خصصت عدة ضربات على القصور الرئاسية في بغداد، مقر قيادة في ابو غريب، مقر صدام في التالجي كلها على اثر معلومات انه امضى الليلة السابقة هناك.
و لكن الحلفاء لم يملكوا معلومات "طازجة" عن وجود الرئيس العراقي. و استنتجت المخابرات انه صدام ينام في بيوت عادية و انه نادرا ما يمضي ليلتين في نفس المكان. و مع استمرار الحملة الجوية تم سحب الكثير من الطائرات لضرب الجبهة تمهيدا للحرب البرية و بالتالي تراجع احتمال اصطياد القائد العراقي.
و قنع المخططون الامريكيون ان صدام، و ان بقي حيا، فانه لا يملك القدرة على توجيه الجيش - مشكلة كبيرة في مجتمع تقليدي تاتي فيه الاوامر من فوق - اكثر مما كان لدى نابليون عام 1815. و صار البعض يرى ان ضرب المقار الاستخباراتية و الامنية العراقية قد يخفف من قبضة النظام على الشعب مما يسمح بالقيام بثورة.
على قائمة الاهداف المحتملة كمراكز قيادة، كانت شبكة الملاجئ التي انشأتها شركة فنلندية في اوائل الثمانينات. حيث تم بناء 25 ملجأ في منطقة بغداد و ضواحيها. و في عام 1985 تم اضافة المزيد من التحصينات لعشرة من تلك الملاجئ و شملت التحصينات عزلها من المجال الكهرومغناطيسي المولد من ضربة نووية. و قد حصلت الاستخبارات الامريكية على مخططات هذه الملاجئ العشرة و استنتجت انها ملاجئ للقيادة العراقية. اظهرت الصور الفضائية ان العراقيين احاطوا الملاجئ بسياج و لكن لم تظهر اي تحركات تشي ان هذه الملاجئ مأهولة. و كانت الخطة ان يتم قصفهم ثالث ايام الحرب الجوية. و لكن رأت القيادة تأجيل الضربة كون الملاجئ فارغة.
في بداية فبراير، شغلت 3 من هذه المقرات. و كانت المعطيات الاولية تشير الى ان وزارة الاعلام و وزارة الدفاع تشغل 2 من هذه المقرات. اما المقر الثالث فكان في ضاحية العامرية قرب شارع الاردن جنوب غرب بغداد. و كان الملجأ في حى للطبقة المتوسطة الى جانب مدرسة و مسجد. و كانت العلامة الاشارية امام المبنى تقول: "دائرة الدفاع المدني - ملجأ عام رقم 25" و قد اطلق عليه الامريكان اسم ملجأ الفردوس بسبب قربه من منطقة الفردوس.
تقارير الاستخبارات تشير الى ان الملجأ تم طلائه بشكل مموه في شهر يناير. و اشارت الصور اللاحقة الى ازدياد النشاط حول الملجأ و وجود سيارات عسكرية خارجه. و بدءا من 5 فبراير بدأت الاستخبارات الامريكية تلتقط اشارات لاسلكية حول المبنى. و بدأت الشكول حول ان المبنى تستخدمه المخابرات العراقية بسبب ان المبنى الاصلى قرب نادي الخيول تم ضربه اول الحرب.
يوم 10 فبراير زار مسؤول المخابرات غرفة العمليات الجوية و اقترح اعادة المبنى لقائمة الاهداف. و بدورها المخابرات العسكرية درست المزيد من الصور للملجأ و تم التساؤل حول احتمال انه ملجأ مدني و ليس عسكري؟ و لكن لم توجد اي ادلة تشير الى استخدامه بشكل مدني، مع وجود دائم للسيارات العسكرية حوله الملجأ. و لكن قائد العلميات الجوية لم يقتنع بهذه الادلة. و قال ان العراق دولة بوليسية، و انه حتى المطاحن قد يتم طلاؤها بشكل عسكري مموه.
لكن بعدها بأيام، وصلت معلومات من احد جواسيس واشنطن القليلين في العراق - مسؤول عراقي متعاون مع الامريكان. و قد ابلغ الجاسوس - الثقة - ان المخابرات بدأت تستخدم الملجأ رقم 25. و عندها تم اعادة الملجأ لقائمة الاهداف. و تم ضرب الملجأ يوم 13 فبراير من طائرتين F-117 كل منها القت قنبلة 2000 رطل موجهة بالليزر.
اكثر الناس حظا ممن كانوا في الملجأ هم من مات فورا. اما الباقي فعانوا من حريق مهول و ركام. استغرق اخراج الجرحى و الموتى لساعات. و قال العراق ان الضحايا 400 قبل ان يتم تعديل الرقم لاحقا ل 204 قتيل.
تم ايقاظ قائد العمليات الجوية من نومه و قيل له: "التقطنا اشارات لا سلكية من بغداد، يبدو ان الملجأ كان فيه مدنيين, ستصل الاخبار الى سي ان ان قريبا". و قد اتصل بالسرب الذي نفذ العملية و قال لهم لو حصل اي خطأ فهو ليس خطأهم. و وقعت واشنطن في حرج كبير، و صار على الجيش ان يشرح كيف ان حربا لاخراج العراق من الكويت ادت لقصف ملجأ في بغداد! و ذهب باول حاملا الصور و ادلة المخابرات ليشرح للرئيس الامريكي بوش ماذا حصل.
و ساهمت هذه الكارثة ( و كارثة القذيفة البريطانية التي ادى خطأ ميكانيكي الى اسقاطها على سوق و قتل 130 عراقي بدل ضرب جسر قريب) في تخفيف الطلعات على المدن ﻷقصى حد. و صارت موافقة كولن باول شخصيا مطلوبة قبل اي مهمة مماثلة.
ٌR. Atkinson - Crusade