الصناعة الحربية الروسية والناتوبقلم: إيليا كرامنيك، معلق "نوفوستي" العسكري
تسترعي الانتباه من بين مختلف معروضات معرض تقنيات الطيران والفضاء "إيلا ـ 2008" الجاري في برلين حاليا، المقاتلة المطورة من طراز "ميغ ـ 29" المطلية بألوان تمويه فريدة من نوعها، التابعة لسلاح الجو السلوفاكي. إن هذه الطائرة ، المعروفة بماركة "ميغ ـ 29 س د"، هي مقاتلة سوفيتية الصنع، تم تحويرها وفق مواصفات الناتو.
وجدير بالذكر أن قضية مصير المعدات الحربية السوفيتية برزت منذ فترة طويلة، وبالتحديد من زمن توحيد الألمانيتين. وعرضت ألمانيا الموحدة بنفسها وفتذاك كيفية اعتماد الخيارين المحتملين في هذا المجال، بحفاظها على نماذج الأسلحة السوفيتية الحديثة جدا (لفترة معينة) من جهة، وتصريف الأنظمة الباقية القديمة إلى بلدان ومناطق أخرى من تركيا وحتى الدول الأفريقية، من جهة أخرى.
وبانضمام بلدان معاهدة وارسو سابقا إلى الناتو تعقد الوضع أكثر. فإن العدد الهائل من المعدات الحربية السوفيتية الصنع، التي كانت تتسلح بها جيوش بولندا وتشيكيا والمجر ودول أخرى، هدد بتقويض منظومة سلاح الناتو المشوشة للغاية أصلا بصورة نهائية.
ولم ينقذ الوضع حتى استبدال الأسلحة الروسية بأنظمة غربية. فإن الأسلحة الجديدة من صنع البلدان الغربية الرئيسية هددت بسبب قيمتها العالية بالتحول إلى عبء ثقيل على عاتق "الديمقراطيات الفتية"، بينما الأنظمة الغربية القديمة التي استؤنف استخدامها فيها فكانت تتخلف بمواصفاتها في الغالب عن الأسلحة السوفيتية المصنوعة في الستينات ـ الثمانينات والمتوفرة لدى الدول الأعضاء في حلف وارسو سابقا. كما كان تطوير الأولى (الغربية) وتحديثها يحتاج إلى أموال طائلة.
وكان المخرج في تحوير المعدات السوفيتية الصنع وفق المواصفات الغربية. وكانت هناك مشاريع مختلفة لمختلف نماذج المعدات البرية والبحرية والجوية، ويجدر هنا التوقف عند مشروعين ـ "ميغ ـ 21، Lancer" لسلاح الجو الروماني، و"ميغ ـ 29 س د" ـ السلوفاكي.
وجرى تحوير الأولى من طائرات "Lancer" الآنفة الذكر بمشاركة الاختصاصيين الإسرائيليين الذين أتقنوا منذ زمن بعيد تحوير معدات الطيران من مختلف الأنواع والأعمار، إلى مستوى "طائرة القرن الحادي والعشرين". وجهزت شركة "IAI" الطائرات الحربية "ميغ ـ 21 م/م ف" وطائرات التدريب الحربية "ميغ ـ 21 أو م" من سلاح الجو الروماني، بأجهزة متن جديدة، بما فيها شاشات الكريستال السائل المتعددة المهمات، ومنظومة تحديد الأهداف مع كمبيوتر وكذلك مختلف المنظومات التي تتيح استخدام الأسلحة سواء السوفيتية/ الروسية أو الغربية الصنع.
لكن تمخض هذا المشروع الذي كان يعد بالتوفيق، عن نتائج سيئة كبيرة. فإن المقاتلات التي جرى تحويرها بدون مشاركة المصمم، وخضعت علاوة على ذلك إلى تصليح عام استخدمت فيه قطع غيار مشكوك في أمر منشأها، أخذت تسقط، فاقدة مجد الطائرات المضمونة التي لا تتعطل، الذي كانت "ميغ ـ 21" تحظى به طوال فترة تطورها، ابتداء من الخمسينات. وأرغمت هذه النتيجة البلدان التي تستخدم المعدات الجوية السوفيتية، وتنوي تحويرها، إلى الاهتمام أكثر باختيار المتعهد.
وفي النتيجة قررت بلغاريا وسلوفاكيا، اللتان تواصلان استخدام المقاتلات السوفيتية، والمقصودة هنا "ميغ ـ 29"، التوجه إلى البلد المنتج لتصليحها وتطويرها وتحديثها.
وأصبحت "ميغ" السلوفاكية، في الغالب أفضل مثال موفق لتحوير المعدات الجوية السوفيتية وفق مواصفات الناتو. ويجري تجهيز هذه الطائرات برادار مطور روسي الصنع، ومنظومة تزود بالوقود في الجو، وكذلك منظومات اتصال وملاحة وتحديد الهوية، غربية. كما زودت كابينة القيادة بشاشات الكريستال السائل. وتركت مجموعة السلاح على حالها دون تغيير، إذ تروق للعسكريين السلوفاكيين المواصفات التقنية التكنولوجية للصواريخ الروسية "أر ـ 27" و"أر ـ 73".
واجتازت طائرات "ميغ" المحورة أيضا تصليحا عاما يتيح لها البقاء في الخدمة حتى بداية ثلاثينات القرن الحالي. ومن الممكن أن تخضع الطائرات خلال هذه الفترة، لتصليح عام جديد باستخدام معدات حديثة، تتيح لها الحفاظ على قدرات قتالية عالية.
وإن التنفيذ الناجح للعقد السلوفاكي يثبت أنه بوسع الصناعة الحربية الروسية التنافس مع الغربية في فضائها، في ميدان تجهيزات المعدات الجوية لقوات بلدان الناتو. وهذا لا يقتصر على المعدات الجوية، فاليونان التي تشتري السفن ومنظومات الدفاع الجوي الروسية، خير مثال على ذلك. ويجدر التعويل على أن العقود المتوفرة في الوقت الحاضر، سواء التي تم تنفيذها أو التي لا يزال العمل مستمرا فيها، هي مجرد بداية ـ بداية عودة صناع السلاح الروس إلى السوق الأوروبية.