دراسة شراء منظومة مراقبة تحت الماء لمواجهة التهديدات المتزايدة
الغواصات تستخدم من قبل أربعين دولة في العالم ومنذ نهاية الحرب الباردة وتفكك حلف وارسو، انخفض العدد الإجمالي للغواصات العاملة في العالم. فقد قام الاتحاد السوفيتي السابق وبعض دول الناتو بإخراج عدد من الغواصات عن العمل ولم يتم استبدالها خلال السنوات الخمسة والعشرين الماضية، وفي الوقت ذاته، فقد ارتفع عدد الدول التي تستخدم الغواصات. في يومنا هذا، هناك أكثر من 500 غواصة تستخدم في أساطيل القوات البحرية لأربعين دولة، ولا تزال الغواصات تشكل جزءاً هاماً من القوات البحرية في كافة أنحاء العالم لأسباب وجيهة.
تتراوح أنواع من الغواصات من غواصات «تايفون» أو «الإعصار» الروسية التي تتميز بطولها العظيم الذي يصل إلى 172 مترا وحمولة تصل إلى 48،000 طن، والغواصات الصغيرة جداً التي لا يزيد طولها عن 10 امتار.
تستطيع بعض الغواصات إطلاق طوربيدات وصواريخ كروز، أو الصواريخ الباليستية برؤوس حربية تقليدية أو نووية، كما يمكن استخدامها في زرع الألغام وكما تختلف أنواع الغواصات، تختلف وتتنوع مهماتها أيضا وتشمل كشف وتدمير الغواصات المعادية والسفن السطحية المعادية والسفن التجارية وزرع الألغام في المياه الدولية أو المعادية والتسلل السري للمناطق المعادية وإدخال أفراد القوات الخاصة على سواحل أو أهداف العدو وتوفير المعلومات الاستخباراتية في العملية السرية وحماية حاملات الطائرات والسفن المساندة من تحت البحر وضرب الأهداف الأرضية بالصواريخ.
يستمر عدد محدود من الدول على مواصلة استخدام الدفع النووي، وذلك لأسباب تعزيز الهيبة الوطنية أو كسياسة من سياسات سباق التسلح. إلى جانب الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وبعض القوات البحرية الأخرى التي تستخدم الغواصات ذات الدفع النووي لعدة عقود، قامت بعض الدول بالعديد من الخطوات الهامة نحو تحقيق هذا الهدف، مثل البرازيل والهند، على الرغم من مواجهة الصعوبات التقنية والمالية.
تعمل معظم الغواصات في كافة أنحاء العالم بمحركات الدفع التقليدي التي تعمل بالديزل والكهرباء، وكان لظهور تقنية ( تكنولوجيا) دفع الهواء المستقل الذي يسمح للغواصات غير النووية بالبقاء تحت الماء لفترات أطول من الوقت من السفن التي تعمل بالديزل خطوة هامة إلى الأمام، وبالتالي زيادة القدرة والفاعلية. وقد سجلت الغواصة الألمانية U 32، إحدى غواصات الطائفة U 212A، رقما قياسياً عالمياً جديداً في الغوص للغواصات غير النووية بعد أن تمكنت من البقاء تحت الماء لمدة 18 يوماً في عام 2013 باستخدام نظام الدفع الهوائي المستقل مدعوماً بخلايا الوقود مع الهيدروجين والأكسجين السائل. ولذلك، توفر تقنية الدفع الهوائي المستقل بديلاً معقولاً للقوات البحرية التي لا تتطلب الغواصات النووية، ولكنها بحاجة إلى غواصات حديثة جداً.
الخليج العربي منطقة معقدة أمام عمليات الغواصات
معظم قراء هذا المقال يعرفون جيداً السمات الجغرافية للخليج العربي، ولكن الميزات الهيدروغرافية مليئة بالمفاجآت وتتصف مياه الخليج العربي بأنها ضحلة جداً بشكل عام، مع عمق أقصاه 90 متراً ومتوسط عمق يصل إلى 50 متراً. وعلى غرار مضيق هرمز، فمياه الخليج العربي عميقة بما فيه الكفاية لسفن السطح، ولكنها تعتبر ضحلة للغواصات التي تزيد عن حجم الغواصات القزم.
في الجزء الشمالي من الخليج العربي، تختلط المياه العذبة من شط العرب مع المياه عالية الملوحة، مما يؤدي إلى خلق ظروف صعبة لأنظمة السونار وتيارات مد وجزر قوية. كما المياه أصوات عالية من السفن التجارية وسفن الصيد ومنصات النفط التي تساعد على إخفاء أصوات الغواصات. يؤدي وجود عدد كبير من سفن الصيد والعوامات إلى إنتاج صورة سطح مشوشة على شاشة الرادار تسلل دون كشفها. من ناحية أخرى تؤدي المياه الضحلة إلى تعرض الغواصات لاكتشافها بصرياً من الجو أو من سطح الماء.
كل هذا يجعل منطقة الخليج العربي بأكملها مكاناً خطراً للغاية حتى بالنسبة للبحارة من ذوي الخبرة الكبيرة، ويجعل من الصعب جداً اكتشاف وتعقب الغواصات.
الغواصات في منطقة الخليج العربي
تقوم القوات البحرية المختلفة بإستخدام عمليات الغواصات في الخليج العربي على الرغم من الظروف الهيدروغرافية الصعبة، ويتم إرسال غواصات من دول حليفة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة بشكل منتظم سعياً لتحقيق أهدافها الاستراتيجية في المنطقة.
وفقا لتقارير صحفية، تنشر إسرائيل غواصة من فئة «دولفين» إلى الخليج العربي بشكل مستمر، تمتلك الغواصات من فئة «دولفين» 10 أنابيب طوربيد، أربعة منها ذات قطر أكبر من (650 ملم) والستة الأخرى يبلغ قطرها (533 مم) لتركيب صواريخ كروز التي يمكنها أن تحمل رأس حربي نووي يبلغ وزنه 200 كيلوغرام. ينبع التحدي الأكبر لدول مجلس التعاون الخليجي في نشر العديد من الغواصات الإيرانية ومن زيادة حشد تهديد الغواصات في الخليج العربي.
لقد تعلمت إيران دروساً من الحروب الأخيرة، وتركز تكتيكاتها البحرية الآن على الهجمات الجماعية من قبل قوات سطحية خفيفة وزوارق سريعة وزرع الألغام والأعمال التي تقوم بها بطاريات الصواريخ الساحلية والقوات الخاصة والعديد من الغواصات من فئات مختلفة.
تمتلك ايران الأسطول الوحيد تحت الماء من بين كافة الدول المطلة على الخليج العربي، ويقدر أن القوات البحرية الإيرانية والذراع البحري للحرس الثوري الإيراني تعمل حالياً بما يصل إلى 30 غواصة. في صراع محتمل، من المرجح أن تستخدم ايران غواصاتها في زرع الألغام واطلاق الطوربيدات على القوات البحرية التابعة للولايات المتحدة وحلفاء دول مجلس التعاون الخليجي وكذلك السفن التجارية في منطقة الخليج العربي ومضيق هرمز، والتي تشكل 20 % من حركة النفط العالمية. كما قد تستخدم الغواصات الإيرانية لمهام الاستطلاع والإنزال السري للقوات الخاصة.
لقد نمت قوة الغواصات الإيرانية بشكل كبير على مدى السنوات العشر الماضية، ونتوقع أن هذا التقدم لم ينته بعد. بين عامي 1992 و 1996 قامت إيران بإدخال ثلاث غواصات روسية من طراز كيلو تعمل بالديزل والكهرباء إلى الخدمة. أطلق اسم «طارق» على هذه الغواصات وتتمركز في بندر عباس في مضيق هرمز. تتمتع هذه الوحدات بحمولة تصل إلى 3،900 طن تحت الماء، ويمكنها أن تحمل 18 طوربيداً أو 24 لغماً بحرياً. وهي مصممة للحرب السطحية والحرب المضادة للغواصات وهي مثالية لضرب السفن في هجمات مفاجئة.
يتم نشر هذه الغواصات من طراز «كيلو» في بعض الأحيان في المياه العميقة من بحر العرب في المحيط الهندي وخليج عمان والجزء الشرقي من مضيق هرمز. إلا أن فاعليتها في منطقة الخليج العربي خاصة وإنها تتطلب مياها بعمق لا تقل عن 40 متراً للعمليات تحت الماء وبالتالي فلا يمكنها الوصول إلا إلى ثلث الخليج. تستخدم أنظمة الدفع في هذه الغواصات مزيجا من الطاقة الكهربائية عند الإبحار تحت الماء والديزل عندما تكون على السطح وأثناء إعادة شحن البطاريات.
إيران قادرة على إنتاج الغواصات صغيرة بأعداد كبيرة، وفي الفترة ما بين عامي 2007 و 2012، تم بناء ما مجموعه 21 غواصة من طراز «غدير» الخفيفة في حوض بناء السفن الإيراني.
تشكل هذه الغواصات الصغيرة حالياً العمود الفقري لأسطول الغواصات الإيرانية، ويبدو أن الغواصات من طراز 120 طن قد تم تصميمها على شاكلة الغواصات الكورية الشمالية.
إيران أيضاً تستخدم غواصة واحدة إضافية من طراز «نهانغ» والتي دخلت الخدمة في عام 2007 وتتبلغ قدرتها على حمل 400 طن تحت الماء. ونظرا لما يبدو أنها مشكلات فنية حادة، فلم تم بناء أي غواصة أخرى من هذا الطراز. تمتلك كلتا الغواصتين المذكورتين أنابيب لإطلاق طوربيدات وهي قادرة على زرع الألغام وربما يمكن استخدامها لنقل وإدخال عناصر قوات خاصة إلى أراضي العدو.
كما تعمل إيران أيضاً على إجراء التجارب على غواصات ذات مقعدين لإرسال السباحين والغطاسين، ونظرا ً لقدرتهم المحدود على التحمل وحمولتها المحدودة، يمكن أن استخدام هذه المركبات بشكل رئيس لزراعة الألغام وعمليات الاستطلاع والعمليات الخاصة، ويقتصر عملها العمليات في المياه الساحلية.
يبدو أن إيران تعمل على تطوير وبناء غواصتين اثنتين تعمل بالديزل والكهرباء، والتي يمكنها أن تملأ الفجوة بين الغواصات من طراز «كيلو» والغواصات الصغيرة. تتمتع الغواصات التي تعمل بالكهرباء والديزل من طراز «قاسم» و «بساط» بحمولة تصل إلى 1،000 طن وتحمل الطوربيدات والألغام وربما الصواريخ. لقد تم إدخال الغواصة الأولى إلى الخدمة في عام 2013.
وهناك غواصة أخرى تعمل بالكهرباء والديزل من طراز «فاتح،» وسيتم الإعلان عن إدخال أول غواصة منها الخدمة في عام 2015، ويبلغ طولها 48 متراً وتمتلك القدرة على حمل 500 طناً.
تعتبر الجهود الإيرانية في بناء قوة غواصات فاعلة لافتة للنظر وطموحة للغاية، ومنذ ما يقرب من عشر سنوات تعمل ايران على زيادة عدد الغواصات باستمرار. ويبقى تطوير الجودة والقدرات بالإضافة إلى مواصلة زيادة أعداد الغواصات هدفاً حاسماً للبحرية الإيرانية.
رغم كل ذلك، فلم تصل إيران إلى مستوى القوى الكبرى في مجال تقنية الغواصات، فلا تعتبر الغواصات من طراز «غدير» و«نهانغ» من الغواصات المتطورة جداً، وهي ذات قدرات محدودة وجودة أقل من نظيراتها. إلا أن الغواصات الصغيرة ذات الأعداد الكبيرة والزوارق المتطورة الجديدة التي تعمل بالكهرباء والديزل هي دون أي شك قادرة على العمل في المياه الضحلة للخليج العربي ومضيق هرمز، وتنسجم مع المياه الصاخبة في الخليج، بانتظار أهداف وتشكل تهديداً حقيقاً لحركة الشحن الدولي والقوات العسكرية. تشكل الأنواع العديدة من الغواصات الإيرانية أسطولاً يشكل تهديداً متزايداً لأمن دول مجلس التعاون الخليجي.
كيفية مشاغلة الغواصات
مفتاح النجاح في الحرب المضادة للغواصات هو الاستخبارات والمراقبة الجيدة، وكلما تم اكتشاف طرق نشر غواصات العدو ومواقع تمركزها بصورة اسرع، كلما شكل ذلك فرصة أفضل لبناء الصورة من أجل تحقيق الهدف، سواء أكان ذلك تجنبها، أم إرباكها أم ردعها أم تدميرها. ويمكن أن تشمل القوات المستخدمة الحرب المضادة للغواصات سفن للحرب المضادة الغواصات وطائرات الدوريات البحرية ومروحيات الحرب المضادة للغواصات وأنظمة المراقبة تحت الماء.
ومن الأهمية بمكان الاستفادة من نقاط القوة في الموارد المحددة، حيث ينبغي استخدام الغواصات والسفن للبحث في المنطقة والطائرات لكشف المناطق الواسعة والتتبع والملاحقة. وتستخدم الغواصات في المواقع التي تكون فيها وحدات السطح أو الجو في خطر شديد، والاستفادة من أسلحتها الثقيلة ذات التحكم الذاتي. تتمتع طائرات الدوريات البحرية بالسرعة، ويمكن إعادة تكليف بسهولة وجلب أسلحتها الخاصة إلى المسرح. تمتلك مروحيات الحرب المضادة للغواصات سرعة ومرونة جيدة في التكليف، وقد توفر منظومات الاستطلاع المراقبة المستمرة للبيئة تحت الماء دون استخدام وحدات بحرية.
ماذا يعني كل ذلك لدول مجلس التعاون الخليجي؟
تشكل الغواصات الإيرانية تهديداً محتملاً للأمن في الخليج العربي وللسفن التجارية والسفن العسكرية. وكما ذكرنا، فإن أسطول الغواصات الإيراني مستمر في مواصلة بناء وزيادة أعداده وقدراته.
تمتلك القوات الأمريكية المنتشرة في الخليج العربي قدرات ممتازة ضد الغواصات، إلا أن قدرات كل من دول مجلس التعاون الخليجي محدودة بالمقارنة مع المتطلبات والتحديات المقبلة في مياه الخليج العربي.
للتعامل مع التهديد الغواصات الإيرانية في المدى القريب، يوصى باتخاذ التدابير التالية، والبعض منها قيد الدراسة أو القرار:
1- تكثيف الاستخبارات والمراقبة والتركيز على نقاط الضعف ونقاط القوة في الغواصات الإيرانية ومواردها ومناطق عملياتها والإجراءات التعبوية والخدمات اللوجستية والاتصالات والأسلحة والتدريب.
2- تكثيف تبادل المعلومات بين دول مجلس التعاون الخليجي والحلفاء الآخرين في المنطقة مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة.
3- المشاركة المتكررة في التمارين متعددة الجنسيات بكافة موارد الحرب المضادة للغواصات في القوات البحرية والجوية لدول مجلس التعاون الخليجي والتي تجرى في منطقة الخليج العربي، مثل تمرين «القرش العربي».
4- الدراسة الموسعة لإجراء تدريب على الحرب المضادة للغواصات والمتعلقة بالتمارين الوطنية أو الإقليمية لدول مجلس التعاون الخليجي.
5- تكثيف التدريب المشترك لموارد الحرب المضادة للغواصات في القوات البحرية والقوات الجوية لدول مجلس التعاون الخليجي في التمارين الاصطناعية والبحرية في القطار أجل التدريب على الأوامر المستدامة للحرب المضادة للغواصات.
6- دراسة شراء منظومة مراقبة تحت الماء في منطقة الخليج العربي.
7- إنشاء قوة بحرية دائمة في الخليج لدول مجلس التعاون.
أما الاستجابة لتهديد الغواصات الإيرانية في المدى المتوسط فيمكن أن تشمل ما يلي:
- شراء غواصات تقليدية حديثة وذات تقنية عالية ذات دفع هوائي مستقل وقادرة على تنفيذ عمليات في المياه الضحلة كوسيلة مناسبة أخرى لتعزيز القدرات المضادة للغواصات في دول مجلس التعاون الخليجي وفي هذا السياق ينبغي أن يوضع في الاعتبار أن بناء قوة غواصات قتالية جاهزة سيستغرق عدة سنوات بعد اتخاذ القرار بالشراء.
- شراء المزيد من طرادات أو الوسائل الأخرى للحرب المضادة للغواصات ذات القدرات، مثل الغواصات غير المأهولة.
مصدر