نقاط ضعف أمريكا أمام سوريا
يركز أغلب الكتاب والمحللين في تناولهم لتوتر العلاقات الأمريكية السورية على القوة الأمريكية وما يمكن أن تمارسه ضد سوريا لتأتي بها إلى بيت الطاعة. يتناول المحللون قدرات أمريكا العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية، وطاقتها على خنق سوريا بطرق متعددة من أجل خضوع القيادة السورية والاستجابة للمتطلبات الأمريكية. لكنه من الصعب أن نجد تحليلا لنقاط الضعف التي تعاني منها أمريكا في محاولاتها حشر سوريا في الزاوية. في هذا المقال، أحاول اللمس على بعض النقاط التي تعتبر نقاط ضعف أمريكا في هذا السجال. بالطبع لا أحاول هنا رسم صورة وردية، بقدر ما أحاول أن أقول أن أمريكا لا تملك دائما كل الأوراق في يدها وتستطيع أن تفعل ما تشاء قي أي وقت. ألخص النقاط بالتالي:
أولا: ربما تتمثل أهم نقطة في أن أمريكا لا تستطيع غزو سوريا تحت الظروف العسكرية الأمريكية الحالية. كان في نية إدارة الرئيس بوش تطوير القدرات العسكرية الأمريكية التقليدية لكي تكون قادرة على شن حربين رئيسيتين في آن واحد، لكن يبدو أن التخطيط لم يأت على قدر الفكرة بسبب الظروف الصعبة التي تلاقيها القوات الأمريكية في العراق. ربما ظنت الولايات المتحدة أنها ستحرز نصرا مؤزرا وسريعا في العراق، وأن الأرباح التي يمكن أن تجنيها من العراق ستساهم كثيرا في تمويل الإسراع في الإنتاج العسكري وتقديم المزيد من الإغراءات للشباب الأمريكي لزيادة أعداد الجيش الأمريكي. هذا لم يحصل، ولا تشير الإحصائيات المتوفرة بأن أمريكا تملك الآن من الأدوات أو الأفراد ما يؤهلها لغزو سوريا.
هذا فضلا عن أن الإدارة الأمريكية تواجه الآن احتجاجا داخليا متصاعدا ضد الحرب في العراق لأسباب متعددة، ولا أخالها راغبة في صب زيت على النار. إنها منهمكة في البحث عن مخرج للخروج من العراق غير مهزومة، ولن تنهمك في إعداد الخطط لدخول سوريا.
ثانيا: من الممكن أن تقوم الولايات المتحدة بعمليات عسكرية منبعدة انتقائية ضد أهداف سورية، ومن الممكن أن تحرض الدول نحو حصار سوريا اقتصاديا، لكن هذا لن يساهم كثيرا في تحقيق الأهداف الأمريكية التي تتلخص بتعاون سوري مطلق فيما يخص العراق، وتجريد فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية من سلاحها، وأخذ مسألة المفاوضات مع إسرائيل مأخذ الجد. السبب أن محاولات إضعاف النظام السوري سينعكس سلبا على قدرة هذا النظام على ضبط الأمور الداخلية مما يؤدي حتما إلى إضعاف السيطرة الأمنية على الحدود العراقية السورية. إذا كانت سوريا الآن توظف طواقم أمنية بالمئات لمراقبة الحدود مع العراق، فإن الأعداد ستتقلص مستقبلا نظرا لضعف الأحوال الاقتصادية. أي أن أمريكا تغامر بصناعة فوضى تنعكس سلبا عليها.
هنا تبرز أهمية صناعة التخويف عن بعد. ربما يفلت الشخص أو الجهة المراد ردعها دون اشتباك من شراك الخوف إذا تحول الردع إلى عمل مباشر. قد يخشى المستهدف المواجهة فيلتمس سبلا للهرب، ولكنه قد يستأسد إذا وقعت الواقعة. تنصاع القيادة السورية الآن لكثير من الضغوط الأمريكية فيما يخص عددا من الأمور، لكنها قد تجد نفسها بطلا رغم أنفها إذا تمت مهاجمتها.
وقد يؤدي إضعاف النظام أيضا إلى تنشيط خلايا فلسطينية ولبنانية للعمل على جبهة الجولان ضد إسرائيل.
ثالثا: بإمكان سوريا، إن أيقنت أن أمريكا تسعى إلى إسقاط النظام، أن تتغاضى عن حراسة الحدود السورية من كل الجهات. من الممكن أن تفتح الحدود السورية للمتسللين باتجاه العراق، وباتجاه الأردن ولبنان وإسرائيل. أي أنه من الممكن أن تتبنى القيادة السورية خطوات هامة في هذا المجال من شأنها أن تزعزع الاستقرار في المنطقة، وأن تعرض أمن القوات الأمريكية في العراق للمزيد من الأخطار. كما أنه بإمكان سوريا إلحاق هزيمة عسكرية سريعة بأصدقاء أمريكا في لبنان، وبإمكانها إشغال إسرائيل بقتال عصابات وتفجيرات في جنوب لبنان وفلسطين.
رابعا: تراهن سوريا على قدرة حزب الله في خوض حرب عصابات فعالة، وتعريض أي قوات أجنبية تنزل في لبنان إلى خسائر كبيرة جدا. لن تستطيع أمريكا إنزال قواتها في لبنان بسلام، ولا يعتبر التهديد العسكري من ناحية العراق سليما من الناحية التكتيكية بسبب اتساع الانتشار الجغرافي المطلوب.
خامسا: التضييق على سوريا اقتصاديا سيكون مدعاة لتضييق سوريا على لبنان اقتصاديا. تستطيع سوريا أن تخنق لبنان لأن تجارة لبنان البرية لا بد أن تمر من سوريا. وإذا كان للبنان أن تستعمل المنفذ الإسرائيلي فإن التحالف الهش القائم الآن بين أطراف لبنانية سينفرط، وربما ينقسم الجيش اللبناني وتبرز طائفيته من جديد. لا أظن أن أمريكا معنية بدفع حلفائها في لبنان إلى أحضان إسرائيل بطريقة غير سلسة وفجائية حتى لا تلحق بهم أضرار على المستويين الشعبي العربي والعسكري الداخلي.
سادسا: لحقت بأمريكا أضرار كثيرة على مستوى سمعتها وشعبيتها عالميا. كثيرون بخاصة في العالم الغربي أخذوا يوجهون نقدا علنيا ولاذعا للولايات المتحدة ومحاولاتها التفرد بالقرار ونشر عدم الاستقرار في مناطق مختلفة من العالم. أمريكا تحاول الآن تحسين صورتها في أوروبا وفي البلدان العربية، وستكون حذرة جدا في اتخاذ قرارات بمعزل عن الأمم المتحدة وما تسميه هي الشرعية الدولية.