يرى الخبير الاقتصادي الدولي وزير الاستشراف الجزائري الأسبق، بشير مصطفى، أن الاتفاق النووي الذي أمضاه الغرب مع إيران، سيؤدي إلى زيادة عجز ميزانيات الدول المصدرة للنفط في الخليج ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، كما اقترح في هذا الحوار الذي أجرته مع مجلة "المجتمع"، ستة مفاتيح لإحداث طفرة في الاقتصاد العربي، يمكنها أن تخلصه من تقلبات سوق النفط العالمية، التي باتت توظَّف دولياً لإحداث هزات اجتماعية وسياسية واقتصادية في دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، التي تعتمد اعتماداً كلياً على الريع.
كما توقع الخبير وجود تقسيم جديد سيتم في عام 2016م بمناسبة الذكرى المئوية لاتفاقية "سايكس بيكو"، سيشمل العراق وسورية بشكل أساسي، وبدرجة أقل احتمالاً اليمن وليبيا، والهدف، كما قال، هو هدف إستراتيجي إقليمي يتعلق بالأمن القومي لـ"إسرائيل".
- ·بعد تدني أسعار النفط، ودخول الاتفاق النووي بين إيران والغرب حيز التنفيذ، ما أكبر الانعكاسات والأخطار على اقتصاديات الدول العربية؟ وهل سيستمر تدني الأسعار مستقبلاً؟
- الأمر يتعلق بالتوازنات الإقليمية على ثلاثة مستويات؛ الأمنية، والسياسية والاقتصادية، فالاتفاق الإيراني مع مجموعة (5+1) يسمح لهذه الدولة المهمة في المنطقة من تحقيق ما يلي: العودة لتصدير النفط بحجم ثلاثة ملايين برميل في اليوم، على مدى 3 - 4 سنوات، حيث بدأت الطلبات الجديدة على النفط الإيراني من الصين وكوريا الجنوبية.
كما سيؤدي هذا الاتفاق إلى تعميق اللاتوازن الإستراتيجي في المجال النووي مع دول الجوار، وكذا تحقيق موارد جديدة لتمويل الصناعات الناشئة في إيران قد تلامس 200 مليار دولار على المدى المتوسط.
تراجع أسعار النفط لم يكن لأسباب ظرفية، ولكن لأسباب هيكلية تعود إلى التصميم الجديد لخارطة الاستهلاك الطاقوي في العالم، وتراجع مؤشرات النمو في الصين ودول الاتحاد الأوروبي لفترة طويلة نسبياً، ومما سرع من عملية هذا التراجع، زيادة المعروض من النفط في أسواق "السبوت"؛ أي أسواق البيع العاجل، ثم الاتفاق الأمريكي الإيراني في الملف النووي (رفع العقوبات على صادرات إيران من النفط)، وأخيراً رفع الحظر على تصدير النفط من الولايات المتحدة الأمريكية والذي أقره القانون التجاري الأمريكي عام 1973م.
الانعكاسات على الدول العربية ستكون كما يلي:
زيادة عجز ميزانيات الدول المصدرة للنفط في الخليج ومنطقة شمال أفريقيا والشرق الأوسط، مع تأثر يتفاوت من دولة لأخرى على حسب المخزون من النقد الأجنبي ومعدل النمو، زيادة على توقف المشاريع الرأسمالية الكبرى التي تتطلب خطوط تمويل متوسطة المدى، اختلالات على مستوى مؤشرات الاقتصاد الكلي (الميزان التجاري، ميزان المدفوعات، سعر صرف العملة، التضخم، سعر الفائدة)، وهنا أيضاً يتفاوت الأثر من دولة لأخرى على حسب السياسات الاجتماعية المتبعة في كل دولة، إضافة إلى تراجع مؤشرات الدعم الاجتماعي مثل دعم الأسعار، الخدمات الصحية، زيادة الأجور، وهذا تحت ضغط عجز الموازنة، هذا الأثر الأخير يمكن أن يؤدي في عدد من الدول العربية النفطية إلى اهتزازات اجتماعية في المدى القريب.
هناك انعكاسات إيجابية يجب توقعها، وهي: ضبط أكثر للسياسات الاقتصادية، ترشيد نفقات الحكومات، ترسيخ مبدأ حقيقة السوق (السلع – النقد – البنوك) بترسيخ مبدأ شفافية الاقتصاد، وهذا على خلفية حقيقة الاقتصاد المبني على النفط.
- ·الاقتصاد العربي، اقتصاد قائم على الريع، فما أنجع الحلول للانتقال من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوع الموارد؟
- الحل يكمن في رؤية متوسطة وبعيدة المدى مبنية على مفاتيح النمو المستديم، وهي 6 مفاتيح:
تطبيق أسلوب الاستشراف واليقظة الإستراتيجية في تصميم سياسات النمو، وهذا يؤدي إلى تصميم نموذج قياسي للنمو للمدى البعيد (عام 2050م)، خطة طريق تنويع الاقتصاد لحفز القطاعات الراكدة (صناعة – فلاحة – اتصال ومعلومات – رأسمال بشري – خدمات عالية المحتوى التكنولوجي – مهن المستقبل – الصناعات التحويلية – الطاقات الجديدة – المعرفة)، إصلاح التعليم ليلتقي مع أهداف النمو الاقتصادي وتنويع الاقتصاد، ربط الجامعات بالبحث التطبيقي والمؤسسة وأهداف الابتكار، إدارة حديثة للمؤسسة الاقتصادية حسب معيارية الشراكة الإستراتيجية بين الدولة والقطاع الخاص والإدارة حسب أهداف الاستشراف، وأخيراً ضبط السياستين النقدية والمالية على معيارية الابتكار في المنتجات والأداء.
- ·اليقظة الإستراتيجية من المفاهيم والرؤى الاستشرافية التي تطرحونها بقوة في كل كتاباتكم وبحوثكم، فما أساسات هذه الرؤية؟
- هذه النظرية تندرج في إطار الرؤية الاقتصادية والاجتماعية بعيدة المدى (عام 2030م) والمبنية على الذكاء والمعلومة الإحصائية وتوظيفهما في تصميم السياسات متوسطة وبعيدة المدى، والهدف من ذلك هو احتواء المتغيرات العشوائية الكامنة في المستقبل وإدارتها مثل صدمات الأسواق وتكاليف التكنولوجيا والتحول الطاقوي والتحولات السياسية والديمجرافية.
أساسيات هذه النظرية هي ثلاثة: شبكات رصد المعلومات الكامنة في المستقبل، مجموعات تحليل المعطيات لتحويل تلك المعلومات الى احصائيات يمكن تخزينها ومتابعتها، خلايا اليقظة الإستراتيجية على مستوى الحكومات والقطاعات والجماعات المحلية لاستغلال التحليل المذكور في وضع التوصيات العملية الملائمة للأهداف الإستراتيجية الثلاثة التي هي الإقلاع الاقتصادي المبني على التنوع والصعود الاقتصادي المبني على التفوق والتقدم الاقتصادي المبني على الرفاه، ولكل هدف مدى زمني (في حالة الجزائر نتحدث عن أعوام 2021 – 2030 – 2050م).
- ·تشهد منطقة الشرق الأوسط أحداثاً كبيرة، تهدد بتقسيم المنطقة إلى دويلات، فهل يمكن القول: إن ما يحدث هو استنساخ لحقبة "سايكس بيكو"، وكيف يجب أن يواجه العرب مثل هذه المخططات؟
- تصميم خارطة "سايس بيكو 2" (عام 2016م)، بدأ منذ فترة؛ أي منذ اتفاقية "سايس بيكو1" (عام 1916م)، بترسيم الأنظمة الاستبدادية والغزو الثقافي والتطرف الديني والمذهبية، والثمار الأولى لهذا التصميم ظهرت مع الغزو الأمريكي للعراق عام 2003م، ثم مع بداية عام 2010م؛ أي مع بدايات ما يعرف بثورات "الربيع العربي" التي شملت نفس الدول التي شملتها اتفاقية "سايكس بيكو" المعروفة، وأضيف لها اليمن ومنطقة المغرب العربي وجنوب الصحراء تحضيراً لتقسيم جديد سيتم في عام 2016م بمناسبة الذكرى المئوية لاتفاقية "سايس بيكو"، ويشمل الدول العراق وسورية بشكل أساسي وبدرجة أقل احتمالاً اليمن وليبيا.
والهدف من وراء ذلك هو هدف إستراتيجي إقليمي يتعلق بالأمن القومي لـ"إسرائيل"، حيث يتعلق الأمر بمؤشرات النمو الديمجرافي والتوازن النووي والتفوق العلمي والتماسك الاجتماعي والمذهبي، وأخيراً التفوق العسكري والاقتصادي.
- ·الكثيرون طرحوا فكرة السوق العربية المشتركة، أو حتى سوق إسلامية موحدة، على شاكلة السوق الأوروبية، فلماذا فشلت مثل هذه المشاريع حتى الآن، وخفتت الأصوات التي كانت تنادي بها؟
- الأمر يتعلق بطبيعة الأنظمة العربية التي يغلب عليها الطابع الاستبدادي وليس الشعبي الانتخابي، ثم فعالية العامل الخارجي المبني على فكرة التقسيم التي جاءت بها اتفاقية "سايس بيكو" ويجري الآن الاستثمار فيها.
إذن، التقاء العامل الداخلي مع قوة العامل الخارجي رسخ الواقع الحالي الذي هو واقع معاكس تماماً لأفكار التكتل (الاندماج أو التكامل)، أنظمة الحكم مازالت تتمتع بتأثير قوي في توجيه القرارات ذات الطابع القومي (فشل مسار الجامعة العربية والاتحاد المغاربي) حتى الساعة، واستغلال القوى العظمى المتحكمة في القرارات الدولية لمحتوى هذه الأنظمة وتوجيهها وفق رؤية إستراتيجية عَمّق من هذه الحالة.
المطلوب حالياً هو استكمال التحرر من تأثير القوى العظمى وفق رؤية التفاوض والدفاع عن المصالح الوطنية والقومية وتقاسم الفرص (المشهد الإيراني)، ثم توسيع منسوب الديمقراطية التشاركية في البلدان العربية (النخبة، الأحزاب، المجتمع المدني والحكومات) نحو وضعية "التماسك السياسي" الممهد للوحدة الشاملة.
- ·ما توقعاتكم الاقتصادية؛ العربية والعالمية، لعام 2016م؟
- اتفاقية جديدة للحد من الاحتباس الحراري بديلة عن اتفاقية "كيوتو" عام 1997م، رسوم جديدة على إنتاج وتصدير واستهلاك النفط، وكذا ظهور دولة أو دولتين جديدتين (طابع كونفدرالي أو استقلال ذاتي) في منطقة الشرق الأوسط والجزيرة العربية.
إضافة إلى ذلك، حدوث اهتزازات اجتماعية في عدد من الدول النفطية العربية مصاحبة لموجة جديدة من التضخم والعجز الاقتصادي، واستمرار تراجع أسعار النفط إلى حدود 30 - 35 دولاراً للبرميل، مع تراجع إيرادات الدول النفطية إلى مستويات تاريخية قياسية، وإحداث تغييرات حكومية مهمة في دول عربية تفتح الباب أمام أفكار سياسية واقتصادية جديدة تخدم أهداف النمو.
http://mugtama.com/reports/item/23050-2016.html