الجزائر البلد العربي الوحيد الذي يملك قمرا صناعيا علميا
أخجل من مهزلة أن مصر ضيعت قمريها الصناعيين
هكذا حولت اعتباري متخلفا عقليا إلى عالم في "الناسا"
العالم العربي يصرف أكثر من 100 مليون دولار سنويا في الأعراس ولا يصرف ربع المبلغ في التحصيل العلمي
يحدثنا العالم المصري في وكالة ناسا عصام حجي، عن طريقه الذي لم يكن سهلا نحو أكبر وكالة علمية في العالم، واضعا إيانا في صورة المكانة الحقيقية التي تحتلها الجزائر عالميا في مجال علم الفضاء. وتذمر عصام حجي خلال لقاءنا به على هامش تنشيطه لواحدة من أهم المؤتمرات العلمية الذي احتضنتها العاصمة الإماراتية دبي مؤخرا، تذمر من عدم إيلاء الحكومات العربية للأدمغة المهاجرة دون الاستفادة منها لصالح بلدانهم التي تعد من العالم الثالث، مشيرا إلى أن ما حققته الجزائر من خلال امتلاكها لقمرين فضائيين علميين انجازا مشرفا في العالم العربي.
أولا نريد أن نسمع قصة نجاح عصام حاجي؟ النقلة من الوطن الذي لا يعترف نحو وكالة الفضاء الرائدة في العالم؟
القصة بدأت منذ سنوات طويلة.. حوالي عقدين حينما وصلت لسن "الخدمة الوطنية"وقتها كنت طالب في الجامعة، ووقفت في طابور الانتظار وكنت يومها آخر واحد بحكم أنني وصلت متأخر، وحينما وصل دولي سألني العقيد عن طموحي وعملي الحالي، وكنت قد جهزت ورقة وكتبت فيها اسمي وسني وأنني طالب مهتم بشؤون الفضاء وعلم الفلك، وقتها انفجر العقيد ضاحكا على ما كتبته واعتبرني متخلف عقليا وهذا ما قاله لي فعلا وتم إعفائي من الخدمة الوطنية بحجة "التخلف العقلي" ولكني لم ألتفت للموضوع حتى أني لم أعطه أهمية بل ضحكت من القصة وواصلت مشوار دراستي وكنت كل عزيمة على النجاح بغض النظر ملامح طموحي.
الطريق إلى "الناسا" يشبه الطريق نحو المستحيل بالنسبة لشاب عربي وطالب جامعي في مجال علم الفضاء "أو على الأقل كما يخيل للأغلبية، كيف كان بالنسبة لك؟
لم أحلم يوما بالدخول إلى وكالة الناسا ولم يخطر ببالي ذلك، كي أكون صادقا، ولكن ما يمكن تأكيده هو أنني تمسكت بحلم النجاح في مجالي دون تحديد وجهة العمل أو وجهة النجاح، كان التحصيل العلمي والتطوير في مجالي والوصول إلى أعلى وأبعد نقطة في التفكير والتعمق فيما يجب الوصول إليه همي الأكبر، وصعدت السلم درجة درجة، دون حرق أو تجاوز المراحل، فأنا أؤمن بأن النجاح الحقيقي هو ذلك المسار الراكز الذي يخطوه الشخص في حياته بثبات أكبر من الهدف الذي يصله.
وغالبا ما تكون سعادتنا بالنجاح بقدر تعبنا عليه، ومشقتنا وبقدر إيماننا بما يمكن أن نقدمه سنسعد وبقدر ما يكون الطريق شائك نحو النجاح يصبح الوصول إليه ألذ، لذلك كنت أتخذ من كل عقبة مصعدا وخطوة جديدة نحو الهدف وبتوفيق من الله تكرس مساري بالوصول إلى وكالة ناسا.لم تكن الناسا في حساباتي ولم أحلم بدخولها نهائيا، ولكني كنت مؤمن بما كنت أقوم به..
ومشواري نحوها كان بالتدرج وليس مرة واحدة، فقد حصلت على الباكالوريوس في علوم الفلك من جامعة القاهرة، وبعدها على درجة الماجستير والدكتوراه بعلم اكتشاف الكواكب من جامعة باريس 6. تدرجت بعملي من مساعد باحث ثم باحث متميز ثم باحث رئيسي ثم رئيس مشروع، وأعمل حاليا في معمل الدفع الصاروخي في القسم المختص بالتصوير الراداري، وساهمت في 6 مركبات فضائية.
هل لنا أن نطلع على التخصصات التي عملت بها في مجالك.. وهل ترى أننا في حاجة لدراسة المريخ في الوقت الذي أصبحت حياة الإنسان على كوكب الأرض غير مؤمنة وسط الأوضاع الأمنية في العالم.. أو بصيغة أخرى هل دراسة الكواكب أولوية حاليا؟
عملت في قسم التصوير الراداري على مشاريع استكشاف بُنى الأجرام والكواكب في نظامنا الشمسي، من أقمار زحل والمشتري إلى المريخ وحتى المذنبات. إن الهدف في دراسة ما يحيط بنا من كواكب وأقمار وكواكب ومذنبات، هو محاولة فهم كيفيّة تطور الماء في تكوينات هذه الأجرام، وقد أعطت الدراسة صورة واضحة عن دورة المياه على الأجرام المدروسة بما فيها الأرض، وساعدتنا على تحديد آثار التغيّر المناخي، ومراقبة ذوبان الجليد في القطب الشمالي، والتصحر الذي أصاب أجزاء من الكرة الأرضيّة نتيجة هذا التغيّر.
وأظن أن هذه الدراسات كافية لتجيب على ضرورة التعمق في علمنا وعدم التوقف عند من يطالبون بتسخير التمويلات الموجهة لهذا العلم للغذاء.. نعم دراسة المريخ والكون ضرورة لابد منها بغض النظر عن الأحداث التي يشهدها العالم، لماذا نربط خيباتنا بانتصارات قد أنجزتها البشرية في مجالات أخرى؟ يجب أن نتجاوز هذا المفهوم البدائي والبحث عن الغذاء إلى ماهو أشمل وأوسع، حل القضايا الإنسانية لا يكون بتوقيف التحصيل العلمي مهما كان.. نحتاج فقط لمهلة من التفكير كي ندرك ذلك.
يرى الكثيرون أن للنجاح سر وعنوان، خاصة عند الشاب العربي الذي أغلقت في وجهه كل السبل، أو على الأقل كما يعتقد هو؟ هناك الكثير من الشباب العربي المختص في علم الفضاء يحلم بالالتحاق يوما ما بالناسا، ماهي الوصفة لذلك؟
لا يوجد وصفة خاصة للنجاح، بتعبير آخر لا يوجد خطوات تسير بها توصلك للعمل في ناسا، غير أن ما وصلتُ إليه كان بسبب حبي لعلوم الفضاء والفلك منذ الصِغر، كان كلًّ همي ينصب على التعلّم، وإلى الآن دوري في "ناسا" هو أن أتعلم. كنت أتصوّر دائماً أن مسيرة تحصيلي العلمي ستتوقف عند حدٍ معين، وعند دخولي إلى جامعة باريس اعتقدت أنني قد وصلت إلى حديّ الأقصى، بيدَ أنه تعاظمت فرصي تدريجياً نتيجة شغفي في البحث عن أجوبة في علم الفضاء، وتدرّجت من دورة تدريب مدتها ثلاثة شهور في جامعة باريس إلى الماجستير والدكتوراه ثم مُعيد في الجامعة، بعدها ذهبت إلى دورة تدريبية في "ناسا" مدتها 15 يوماً لكنها امتدت إلى 15 سنة.
لذلك رسالتي إلى الشباب الجزائري المهتم بعلم الفضاء أن يتمسك بحلمه في الوصول إلى أهداف أكبر وأكبر وهم مؤهلون للوصول إلى الناسا لا لشيء فقط لأنه هنالك جزائريون في هذه الوكالة، وأن الجزائر تولي أهمية بهذا المجال مقارنة بدول أخرى.
بعد أن تم تشخيصك سابقا على أنك "متخلف عقليا".. نعتذر عن المصطلح ولكننا نعلم أنك تفتخر به، لتصل إلى أكبر الوكالات العلمية في العالم كواحد من الرواد في المجال، إلى متى يبقى عالمنا العربي يستنزف عقوله ويبيع موهوبيه بالرخيس؟
لا يوجد في الوطن العربي أي منظومة لإدارة الموهوبين، الإعلام العربي يريد علماء يفخر بهم لا أن يستفيد منهم، حيث يتم استغلال الصور المشرقة للعلماء العرب في الخارج لتغطية وتعتيم واقع التعليم السيئ في الوطن العربي ليس تكريماً لهم بل استغلالا لصورتهم. وهذا ما حصل في مصر والجزائر والكثير من الدول العربية التي لم تعرف قيمة أدمغتها إلا بعد أن هاجرت لتتفاخر بها فيما بعد وتنسبها إليها وتتناسى إنها طردتها قبل ذلك.
حبذا لو تضعنا في صورة الاهتمام الرسمي العربي بمجال علم الفضاء ؟
أولا أريد أن أثني على الجزائر لأنها البلد العربي الوحيد الذي يملك قمرين فضائيين علميين، ومنذ مدة وتتابعهما باستمرار وهذه مفخرة، كما أنني أخجل بالتصريحات المصرية الرامية إلى أنها كانت تملك قمرين علميين وأنها ضيعتهما، إنها المهزلة فعلا،من لم يستطع أن يحافظ على مدار قمرين فضائيين علميين من الخروج عن خطهما، لن يستطيع أن يحافظ على العقول من الهجرة.
بحكم خبرتك وعملك في وكالة الناسا، هل لك أن تعطينا ترتيب عدد العلماء الجزائريين في الوكالة عربيا؟
الجزائر تحتل المرتبة الثالثة من حيث تواجد علماءها بالناسا، بعد مصر وسوريا، رغم أنه يوجد العديد من الفرنسيين من أصول جزائرية المتواجدين بالوكالة، ولو كانوا متجنسين بالجنسية الجزائرية لانقلبت الموازين فعلا. هنالك أسماء جزائرية مهمة وكبيرة في مجال علم الفضاء وهم زملاءنا وتربطني ببعضهم علاقات صداقة، ولن أنس أيام التصفيات لنهائيات كأس العالم والمباريات الحامية التي جمعت الفريقين الجزائري بنظيره المصري، وهنا سأبتعد قليلا عن الموضوع لأصرح بأنني ناصرت الفريق الجزائري لا لشيء فقط ليقيني بأنه فريق مشرف، وهذا ما حصل فعلا حيث أعطى صورة جيدة عن الكرة العربية.
وبعيدا عن ذلك ما يقهرني أن العائلات العربية مستعدة لصرف الآلاف بل الملايين من أجل حفلات الأعراس في حين ترفض أن تمنح إبنها ذات المبلغ للتحصيل العلمي والتدريبات، والواقع يقول أن الدول العربية تصرف في الأعراس وحفلات الزفاف والختان حوالي 100 مليون دولار سنويا وفي كل بلد في حين لا يصرف ربع هذا المبلغ في المجال الفكري والعلمي.
المصدر