الموضوع مهم وخطير .. لكنه كبير جدا .. ولكن أحاول -من خلال تتبعي له- توضيح نقاط:
(1) على مدار عمر الإسلام لا تكاد تجد من يريد رواج بضاعته على المسلمين إلا بنسبتها للإسلام .. بصور متعددة؛ أبرزها وأخطرها:
- وضع الأحاديث المكذوبة على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
- تحريف معاني القرآن والسنة لتناسب رأي المتكلم أو الداعي.
إلا أن كل طريق سلكه أهل الباطل قيض ربّ العالمين من علماء الإسلام من يرد باطلهم ويكشف زيفه.
وكلما مر زمن استحدث أهل الباطل طرقا جديدة .. وقام أهل العلم بواجبهم كذلك ..
(2) إلا أنه بمرور الزمان يخف صوت العلم الصحيح .. بقلّة أهله شيئا فشيئا.. ويعلو صوت الباطل .. بكثرة أهله ودعاة الضلالة..
وهذا كله مصداقا لأقوال النبي صلى الله عليه وسلم ..
* من ذلك ما رواه البخاري عن عبدالله بن عمرو -رضي الله عنه- أنه قال: " سَمِعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقول : إن اللهَ لا يقبضُ العلمَ انتزاعًا ينتزِعُهُ من العبادِ، ولكن يقبضُ العلمَ بقبضِ العلماءِ، حتى إذا لم يُبْقِ عالمًا، اتخذَ الناسُ رُؤوسًا جُهَّالًا، فسُئِلوا، فأفْتَوا بغيرِ علمٍ، فضلوا وأضلوا".
* وأيضا ما رواه عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال لما شكوا إليه أمر الحجاج بن يوسف : "اصبِروا، فإنه لا يأتي عليكم زَمانٌ إلا الذي بعدَه شرٌّ منه، حتى تَلقَوا ربَّكم، سمِعتُه من نبيِّكم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم"
حتى ينتهي الأمر إلى أن يعود الإسلام كما بدأ .. غريبا !
فقد روى البخاري عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إنَّ الإسلامَ بدأ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطوبَى للغرباءِ".
(3) وإذا تدبرت هذا في زماننا وجدت الأمر عيانا بيانا .. من المسلمين، وممن هم خارج الإسلام من أهل الديانات الأخرى ممن يكيدون للإسلام والمسلمين .. في أن كل ما يراد له الانتشار والشيوع تتم نسبته إلى الإسلام.
* أما غير المسلمين فمن ذلك ما نراه جميعا على كثير من منتجاتهم : ( حلال - ذبح على الشريعة الإسلامية - مطابقة للشريعة الإسلامية - إلخ ) وهذا إن كان حقيقي فلا إشكال فيه .. لكن:
تحول إلى مجرد عنوان للترويج فقط .. كما كان من "الأسماك" التي كتبوا عليها (ذبح على الشريعة الإسلامية) .. و"الدجاج" الذي كتبوا عليه "ذلك" وهو سليم الرقبة ومتصل الرأس .. وغير ذلك أمثلة هي أشد لا تحضرني الآن.
وأخطر ذلك على الإطلاق محاولاتهم لإفساد عقائد المسلمين وشريعتهم عليهم من الداخل .. كيف؟
باستمالة أفراد من المسلمين أنفسهم؛ بحيث يقوم كل واحد بدور يريدونه هم .. يلقون عليه الشبهات التي لا يجد ما يردها .. ثم يلقنونه جوابا .. لكن ليس بتفنيدها في نفسها وإنما بسلخ ما تدور حوله الشبهة من الإسلام وإخراجه منه.
ثم ينطلق ناشرا ما لديه ومعه الدعم غير المحدود الذي غالبا لا يظهر له .. وهو عند نفسه قد اهتدى لما لم يهتدي إليه أئمة المسلمين !
فالضلال إن أتى من مسلم وتحت اسم الإسلام فله حظه من الرواج على المسلمين .. وهذا هو موطن الخطر !
* وأما المسلمين فللجماعات ومن سلك سبيلها الحظ الأوفر في هذا ..
وكان ذلك في صور .. أذكر واحدة منها وهي: * إيجاد البدائل "الإسلامية / الشرعية" عن ما يخوض فيه الناس من المحرمات ..
لكن ذلك بدلا من أن يأخذ نطاقا صحيحا بحيث يكون البديل شرعيا فعلا .. اتخذ مسارين آخرين ..
- أحدهما: التنقيب في كتب الفقه وغيرها لإيجاد أي قول ينتج عنه بديل لذلك المحرّم وهذا الرأي غالبا لا يكون إلا مجرد رأي لا حجة عليه وإنما قصارى ما فيه أنه منسوب لعالم ..
وبدلا من أن يكون الناتج: ترك المحرم = العمل بالبديل الشرعي .. أصبح: ترك المحرم = العمل بمحرم آخر (يسمى شرعيا / إسلاميا)..
والكلام يطول حول الفرق بين تتبع الاختلافات لأخذ ما يوافق هوى المسلم وبين ما يوافق الحق الذي لا يتعدد ..
فقد قال تعالى: "وَأَنَّ هَٰذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ۖ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ۚ ذَٰلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ" .. فبيّن -سبحانه- أن الحق واحد فقط وليس متعددا فضلا عن أن يكون متضادا -كما هو حال الآراء المختلفة-.
فمن برّر جواز الاختيار بالهوى عند الاختلاف فسيبرر كل ضلال؛ لأنه سيجد الاختلاف في كل شيء حتى فيما هو حق لرب العالمين خالصا.
وإنما المسلم يدور مع الحق حيث دار.
- والمسار الثاني: مجرد إطلاق اسم (شرعي / إسلامي) على المحرم الصريح مع تعديل لا يغير في السبب الذي حرّم من أجله..
وقد يستخرجون فتوى له من شيخ من شيوخهم المعاصرين .. بتحريف الأدلة وتنزيلها على غير منازلها .. أو إعمال للقواعد الشرعية في غير مواضعها.
انظر حولك وستجد كل هذا ينطبق على الكثير جدا اليوم .. حتى وصل الأمر للموبقات ..
(4) لم ينته الأمر عند هذا الحد .. بل وصل إلى تنزيل ذلك على المسلمين كأفراد ! .. كيف؟ >> قسموا الناس إلى: إسلاميين .. وغير إسلاميين.
- فأما المسلم الإسلامي! : فهو ابن الإسلام حقا وإن كان أشد علمانية من العلمانيين أنفسهم ! .. فعلمانية بعض الجماعات بل علمانية أكبر جماعة هي أعظم من علمانية العلمانيين أنفسهم ..
فمثلا: هل العلماني الذي ينادي بعدم تطبيق الشريعة في الحياة العامة أشد ضررا من (الإسلامي !) الذي يقول إن المطلوب تطبيقه من الشريعة هو الخطوط العريضة .. الحرية والمساواة والعدل إلخ فقط .. وهي نفسها المباديء التي ينادي بها العلماني أيضا؟
فمن أضر .. الإسلامي الذي يمسخ معنى الشريعة المطلوبة التطبيق في حياة المسلمين أم العلماني الذي لم يمسخها ولم يبدلها؟!
وليس المقصود نصرة أحدهما فكلاهما شر .. وإنما أردت توضيح أيهما أشرّ .. والأهمّ من ذلك الحثّ على أن لا نقف عند حدود الشعارات !
( وإنما ذكرت العلمانية لما تستحوذ عليه من غالب خطاب تلك الجماعات )
- وأما المسلم غير الإسلامي؛ فهو:
إما معارض لتوجهاتهم فيجعلونه علماني تارة وعميلا تارة -وإن كان من أتقى خلق الله وأشدهم تمسكا بالإسلام- ..
وإما ألا تظهر منه معارضة لتوجهاتهم فهو عندهم لايحمل همّ الإسلام والمسلمين ، إلخ !
* وهذه هي البداية لما وصلوا إليه اليوم من تكفير وتدمير وتفجير في ديار المسلمين ..
فهم إنما تربوا على أنهم هم الإسلام والإسلام هم .. ومن يعارضهم إنما يعارض الإسلام .. ومن يعارض الإسلام ما حكمه ؟! .. ومن أيّ الفريقين هو ؟!
* أقول هذا وأؤكد أن أغلب من يطلق عليهم وصف العلمانية ليسوا عليها وإنما هم في الغالب لا يدركون مآلات كلماتهم ..
وأيضا ليس كل من ينتسب إلى تلك الجماعات يدرك ما هي عليه في حقيقة أمرها؛ وإنما هو كالقشة على سطح النهر يجرفها التيار حيث سار !
ولكن كل منهما يطلب منه التوقف وفهم حقيقة الإسلام والعمل به .. وترك ما يخالفه
(5) ومن تأمل في سيرة تلك الجماعات وأنصف .. وجد أن الأمر المطلوب ليس هو ما يتخذونه شعارا .. وما هم إلا كمن قتل رجلا بزعم أنه يريد أن يحييه ! .. كيف؟
.. كل ما يعترض طريقهم من معالم الإسلام يغيّرونه ليوافق مناهجهم .. في جوانبه كلها حتى جانب العقيدة.
بتتبع النصوص التي لا تصح للاحتجاج بها .. أو بتتبع الآراء التي لا حجة عليها .. أو باستصدار فتاوى لمعاصرين "ممشيخين" .. طالما كل ذلك يوصلهم لما يريدونه !
والهدف في النهاية إحياء الإسلام ! .. فأين هو بعد كل هذا التحريف فيه وطمس معالمه؟!
(6) الموضوع متشعب جدا .. ومن أراد النجاة فقد وضحها رب العالمين في كتابه:
(( وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَىٰ وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّىٰ وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ ۖ وَسَاءَتْ مَصِيرًا ))
(( فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ ))
فأوجب الرجوع لما كان عليه أولئك المؤمنين الذين خاطبهم في الآيات وهم الصحابة .. ووضح النبي صلى الله عليه وسلم أن التابعين وأتباعهم أيضا على ذلك فقال:
" خيرُ الناسِ قَرْنِي ، ثمَّ الَّذِينَ يَلُونَهم ، ثم الَّذِينَ يَلُونَهم ، ثُمَّ يَجِيءُ قومٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمينَهُ ، ويَمينَهُ شَهَادَتَهُ" ، رواه البخاري في صحيحه عن عبدالله بن مسعود -رضي الله عنه-.
آمل أن أكون قد أسهمت بشيء في هذا الموضوع .. وأعتذر للإطالة ولكن الموضوع نفسه كبير .
والله المستعان