يؤكد الموقف الجزائري الرافض للتدخل الأجنبي خصوصا حلف الناتو في ليبيا، النوايا الحسنة للديبلوماسية الجزائرية اتجاه جيرانها، مثلما هو الشأن بالنسبة لمالي التي تبذل الجزائر جهودا مضنية من أجل إعادة السلم والشرعية إليها، كما عكست الجهود نحو تونس الشقيقة هذه الرسالة الواضحة المعالم، حيث لا تسعى الجزائر تحت أي ظرف كسب مواقع على حساب جيرانها، وهو ما يمكن أن ينطبق على مستقبل العلاقات الثنائية مع الرباط، فقد عكست رسالة بوتفليقة للعاهل المغربي في الذكرى السابعة والعشرين لتأسيس اتحاد المغرب العربي، ورد محمد السادس عليها الذي جاء سريعا، تغييرا في ملامح تلك العلاقات التي ظلت تتسم بالبرودة والتوتر، والرئيس بوتفليقة الذي تحرر بشكل واضح من ازدواجية القرار وموازين القوى يمكن له اليوم التوجه بسفينة العلاقات مع الرباط نحو تغيير استراتيجي لبناء اتحاد المغرب العربي، وكذا تشكيل وحدة قوية بشأن القضايا المشتركة بعد تصفية المفات العالقة التي تعتبر ثنائية بشكل مباشر، بينما يمكن معالجة القضايا ذات الاهتمام المشترك في سياقها وإطارها الإقليمي والأممي كقضية الصحراء الغربية، دون أن يربط المغرب ذلك بعلاقاته مع الجزائر، فيما يمكن للمغرب أن يحكم قبضته بقوة على شبكات تهريب المخدرات التي تغرق الجزائر عبر الحدود الغربية بكميات ضخمة من أطنان الكيف القادم من مزارع الريف، وقد لمحت الجزائر بشكل غير مباشر إلى شروطها الثلاثة من أجل عودة مسار العلاقات الثنائية وإعادة فتح الحدود المشتركة، والتي لن تتجاوز هذه الصائفة إن سارت النويا الحسنة نحو التجسيد الفعلي، بعدما تشكلت قناعة لدى قيادات البلدين أن التطورات الأمنية السريعة والمخاطر التي تحملها قادمة من ليبيا ومن الشرق الأوسط ومنطقة الساحل، تفرض التنسيق بين الطرفين وبذل الجهود من أجل مناعة الأمن القومي للجزائر والمغرب معا، فقد أكدت الأحداث المتواترة في الشرق الأوسط والخليج العربي، أن الخلافات "المشتركة" فعلت وسهلت عمليات اختراق الأمن القومي لعدة دول تصارع اليوم الإرهاب والتطرف، وأن الأوضاع الاقتصادية يمكن أن تحل معها رياح زعزعة استقرار دول المنطقة، والتجربة الليبية خير دليل على ذلك، وبعكس ذلك وبفضل التجاوب الأمني والسياسي لتونس مثلا، فإن الجزائر نجحت في آداء دور هام في تقوية الأمن القومي للمنطقة، وهذا ما يمكن أن ينطبق على باقي دول المنطقة برمتها.

إن التغييرات الحاصلة على عدة مستويات سياسيا وأمنيا تفرض منطقها، حيث بدأت حكومات المنطقة تعي جيدا خطورة أي تهاون في التنسيق فيما بينها، ويبدو أن ساعة الحقيقة قد دقت لإعادة المياه إلى مجاريها مثلما هو الشأن بالنسبة لكافة دول العالم، خصوصا وأن المغرب ظل يتجاهل دعاوى التنسيق الأمني منذ غلق الحدود.


االمصدر