إن ظاهرة التدخل الإنساني ليست جديدة في العلاقات الدولية ولكنها أصبحت بارزة ومميزة بصورة كبيرة بعد انتهاء الحرب الباردة وبروز النظام الدولي الجديد الذي تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ نتج عن سقوط المنظومة الاشتراكية تفشي الصراعات الداخلية في الكثير من الدول مما أدى إلى انتشار العديد من المظالم والحروب والصراعات الداخلية والإقليمية وخاصة ما يتعلق بالعرقيات، ففرض هذا على الدول والمنظمات الدولية مبرر التدخل لحماية هذه الأقليات تحت مسوغات حماية حقوق الإنسان وحماية الأقليات وتقديم المساعدة الإنسانية، ومما ساعد على ذلك سعي الدول الرأسمالية وخصوصاً الولايات المتحدة الأمريكية إلى نشر القيم الغربية والفلسفة الرأسمالية المتمثلة في الليبرالية والديمقراطية وآليات اقتصاد السوق وخصوصاً في الدول الناشئة والمتحولة.
يشتمل التدخل الإنساني على المساعدة الإنسانية والتدخل العسكري بشقيه السلمي والعنيف، ويتم ذلك في الغالب تحت غطاء قانوني من الأمم المتحدة، ولكن ذلك يتعارض في بعض جوانبه مع مفاهيم ثابتة في القانون الدولي والعلاقات الدولية مثل مفهوم السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول المستقلة المنصوص عليها في القانون الدولي.
يتضمن الكتاب دراسة نظرية لظاهرة التدخل الإنساني والحالات التاريخية التي تمت في العلاقات الدولية، ودراسة مسألة التدخل الإنساني في القانون الدولي ومدى مشروعية هذا التدخل. وكذلك تطور هذه المسألة بعد انتهاء الحرب الباردة والجوانب التي وصلت إليها، وينتهي الكتاب بدراسة ثلاث حالات تطبيقية من التدخل الإنساني تمت في العراق والصومال وكوسوفا، تبين التوظيف السياسي لنظرية التدخل الإنساني في العلاقات الدولية المعاصرة ومدى قانونيتها والفائدة المرجوة منها.