كأنما لا يكفي الشرق الأوسط الحروب التي تدور على اراضيه، حتى يفتح الاسرائيليون والفلسطينيون جبهة صراع جديدة، بدأت منذ نحو عام وكانت ساحتها عالم الكومبيوتر، وميدانها المباشر الموقع الالكتروني "فيس بوك" الشهير، أي انها بمعنى ما كانت "حربا افتراضية" على الرغم من وجود خسائر وضحايا كما في أي حرب، بعضهم حقيقي والبعض الآخر "افتراضي"، او ذو تأثير معنوي على الأقل.
فقد أُقحم "فيس بوك"، وهو شبكة الكترونية اجتماعية، يشارك فيها حوالي 12 الفا من أعضاء الشبكة الفلسطينية، و65 الفا من الشبكة الاسرائيلية (حتى ساعة اعداد هذا التقرير)، ويحظى بشهرة عالمية وإقبال شعبي كبير، خصوصا بين الشباب، وطلاب الجامعات بالذات، في الصراع العربي – الاسرائيلي، عندما اقدم على اسقاط اسم فلسطين من قائمة البلدان التي يختارها المشاركون في الموقع عند تسجيل مشاركتهم (بعدما كان الاسم موجودا اساسا)، وحرم بالتالي، آلاف الفلسطينيين اعضاء الشبكة، من اختيار فلسطين كمكان انطلاقهم، وفجر بذلك جدلا على مستوى عالمي في ساحة افتراضية، يوازي الجدل الدائر فوق الأرض، والذي يمتد الآن على مساحة خريف هذا العام حيث تبذل الجهود لعقد مؤتمر دولي للسلام.
وقد اطلق هذا الاجراء، الذي أثار غضب الفلسطينيين وأنصارهم، شرارة الجدل حول فلسطين نفسها، حيث تبادل "مقاتلو لوحة المفاتيح"، القصف المركز في حربهم الكلامية طيلة عام تقريبا.
فثمة من لا يعتقدون ان فلسطين بلدا، او أنها يجب ان تكون كذلك. وآخرون يجدون في وضع اسمها ضمن قائمة "فيس بوك" تهديدا لوجود اسرائيل. وبعض هؤلاء ينشط ويستنكر وجود مواقع على الشبكة تدعو الى مقاطعة البضائع والمنتجات الاسرائيلية، او تندد بالسياسات الاسرائيلية في الاراضي الفلسطينية المحتلة، ويعتبر ذلك ظلما لإسرائيل. وبالمقابل اعرب المشاركون في الشبكة الفلسطينية عن دهشتهم لموقف "فيس بوك". وكتب احدهم: "فلسطين حقيقة قائمة، وإذا لم تكن قد حظيت بالاعتراف بها كدولة الآن، الا انها حقيقة لا تستطيع حتى اسرائيل انكارها". وعلق اريك هيرتر متسائلا: " هل تريدونهم (الفلسطينيين) ان يوقعوا كإسرائيليين؟ انهم ليسوا اسرائيليين، ولا توجد قوة يمكن ان تجعلهم كذلك". وكتبت احدى عضوات الشبكة الفلسطينية لـ"فيس بوك" تسأل، بأي شبكة تلتحق اذا كانت فلسطين لم تعد بين الخيارات المطروحة على المشتركين؟ وتلقت جوابا على حد زعمها يقول: التحقي بالقسم الخاص بالضفة الغربية وقطاع غزة. اما اكثر التعليقات تأثيرا، فكان تهديد مشارك من الامارات العربية بإغلاق مساحته على الشبكة، وآلاف مستخدمين آخرين، اذا ما بقي اسم فلسطين خارج قائمة "فيس بوك".
ولم يقنع الموقف حتى بعض مؤيدي اسرائيل. فقد كتب جوناثان رافي ماتس، وهو مشارك من مؤيدي اسرائيل، وله اقارب فيها: "لقد وجدت في القول بأن الاعتراف بوجود شعب فلسطيني يعيش في ارض تدعى فلسطين، يشكل اهانة لإسرائيل، أمرا مضحكا. فالحكومة الاسرائيلية نفسها، اعلنت عن رغبتها في رؤية فلسطين دولة. فلماذا يحرم سكان تلك الدولة المستقبلية، (والمساحة الجغرافية التي لا تدعي اسرائيل ملكيتها)، من شبكتهم على الموقع بطريقة غير عادلة؟".
واعتبر رونالد حبش، من جامعة ايلونويز الاميركية، وعضو الشبكة الفلسطينية، حملة في عدم اعتراف "فيس بوك" بفلسطين كشعب، أمرا عدوانيا جدا ومعاديا للفلسطينيين.
وقد اجمع اكثر من تسعة آلاف عضو في الشبكة الفلسطينية، على ان رفع اسم فلسطين من القائمة، هو انتهاك لسياسة "فيس بوك" نفسها التي تمنع وجود اي موقع يحتوي على قذف أو افتراء، او خرق او انتهاك، او بذاءة، او تحريض، او عنصرية او تمييز عرقي. حقا "كم هو مؤسف ان يتدخل (فيس بوك) في السياسة"، كما كتبت احدى المشاركات البريطانيات من اصل فلسطيني.
ورغم الجدل الذي امتد لشهور طويلة، لم يصدر من جانب "فيس بوك" أي تعليق.
في حصيلة الشهور الأولى للمعركة الافتراضية، بدا ان الحل الذي يدعو الى قيام دولتين فلسطينية وإسرائيلية، تعيشان جنبا الى جنب بسلام، مستحيل حتى على الانترنيت، الذي تنتهي حروبه عند مكاسب افتراضية. لكن من قال ان تلك الحرب، التي لم يسل فيها سوى دم الكتروني، لم تكن معركة سياسية وفكرية حول مستقبل فلسطين، واحتمال قيام دولة فلسطينية مستقلة؟!. لقد ادرك الفلسطينيون وأنصارهم، ان خسارة كهذه تنطوي على معان كبيرة. لذلك انخرطوا بقوة في معركة استرداد "موقعهم الجغرافي"، بإعادة ادراج اسم فلسطين على القائمة، وأطلقوا حملة احتجاج، عبرت عنها عريضة تطالب المشاركين والمعارضين لموقف "فيس بوك" التوقيع عليها، ومما جاء فيها: "لا سبب يدعو الى خلق مجموعة معادية لفلسطين والتسبب في حرب الكترونية لا يستفيد منها احد. ذلك ان هدفها الوحيد هو إيذاء الآخرين، خصوصا المشاركين الجدد الذين لن يجدوا بلادهم على قائمة الشبكة. بكل صدق نسأل: ما الذي يعني مجموعة شبكة "فيس بوك" ان لا تكون فلسطين بلدا، ويتم شطبها من القائمة كبلد، او ان تكون فلسطين على القائمة او لا تكون؟
وكانت حصيلة الحملة، خلال شهور، جمع 10509 توقيعات (حتى اعداد هذا التقرير)، اعادت بعدها ادارة "فيس بوك"، اسم فلسطين الى القائمة.
لقد ربح الفلسطينيون الحرب الافتراضية التي اطلق الاسرائيليون شرارتها، إذ لم يعد "فيس بوك"، قادرا، بعد هذا التراجع، على رفع اسم فلسطين من القائمة مجددا. كما ربح جميع المشاركين، من الجانبين وأنصارهم، حقهم في متابعة الجدل والحروب الكلامية حول فلسطين وإسرائيل، فهي على الأقل، افضل من صواريخ الدبابات وطائرات أباتشي الاسرائيلية ومن صواريخ الفلسطينيين او عملياتهم الانتحارية. ويعتبر "فيس بوك" من المواقع التي يمكن اعتبارها "مؤشرا" لآراء الناس حول ما يحدث على جميع الصعد، وهو يضم اكثر من 50 مليون مشترك من جميع انحاء العالم، ويكفي المتصفح ان يدخل الى احدى "المجموعات" التي يشكلها ذوو الاهتمامات المشتركة على الموقع ليعرف ماذا يقول من هم "مع" ومن هم "ضد". وقد حاولت "الشرق الأوسط" الاتصال بالقائمين على الموقع من خلال عنوان مكتبهم الصحافي للحصول على تعليق لهذه القصة، الا ان المكتب لم يتجاوب مع هذه المحاولات.
* قل لي «مجموعتك» أقل لك من أنت
* يحوي "فيس بوك" عددا كبيرا من "المجموعات" التي يكونها اصحاب الاهتمامات المشتركة من مشتركيه الذين يفوقون الـ 50 مليون شخص من حول العالم. وهناك مجموعات تتمحور حول اهتمامات اكاديمية، سياسية، علمية، تجارية، مؤسساتية، اجتماعية وغيرها الكثير. وهناك "مجموعات" تؤسس فقط من اجل الترفيه، وفي ما يلي بعض "المجموعات" المثيرة للاهتمام.. والاستغراب، وعدد المشاركين فيها حتى اعداد هذه القصة: