حين تصبح نتائج المواجهات الدائرة على الأرض مرهونة في أحايين كثيرة بوسائل جوية حديثة وحاسمة للغاية، يصبح الأمر حساساً بالنسبة للدولة الأعظم في العالم، وهي تحاول إعادة رسم خريطة مصالحها في أنحاء الكرة الأرضية، عبر مقاتلاتها الجوية في سماوات العالم وحاملات طائراتها في بحاره ومحيطاته. عندئذ يصبح منصب قيادة أركان القوات الجوية الأميركية موقعاً مثيراً للاهتمام، كما يتعذر النظر لشاغله على أنه موظف كغيره من موظفي المنظومة العسكرية.
ولذلك السبب فقد اهتم الإعلام في الولايات المتحدة الأميركية وخارجها، بقرار الرئيس باراك أوباما، الجمعة الماضي، والقاضي بتعيين الجنرال دافيد غولدفين رئيساً جديداً لأركان القوات الجوية الأميركية، القرار الذي أعلنه وزير الدفاع آشتون كارتر، في كلمة ألقاها من مقر البنتاجون، وصف فيها الجنرال غولدفين بأنه أحد أبرز المفكرين الاستراتيجيين في وزارة الدفاع الأميركية، وبأنه يمتلك خبرة واسعة وله إنجازات ونجاحات كبيرة.
ويتولى غولدفين حالياً قيادة القوات الجوية في القيادة الوسطى الأميركية، كما سبق له أن شغل العديد من المواقع في سلاح الجو الأميركي، وقام بمهمات قتالية في يوغسلافيا السابقة وفي الشرق الأوسط.
ودافيد غولدفين هو جنرال (بأربعة نجوم) في سلاح الجو الأميركي، ولد في عام 1959، والتحق بالقوات المسلحة الأميركية بعد انضمامه إلى أكاديمية سلاح الجو الأميركي وتخرجه فيها عام 1983، فعمل ربان طائرة مقاتلة، إلى أن أصبح في رصيده أكثر من 4100 ساعة طيران باستخدام طائرات مختلفة مثل: «تي -37» و«تي -38» و«أف -16» و«أف -17» و«أم كيو -9». كما تولى القيادة في عدة مواقع، بما في ذلك قيادة السرب المقاتل الـ49، والسرب المقاتل الـ52، والقاعدة الجوية الأميركية «سبانجلم» في ألمانيا، ومجموعة العمليات الـ366، وقاعدة هولمان الجوية بولاية نيومكسيكو، وقاعدة ماونتن الجوية في ولاية إيداهو، ثم السرب المقاتل الـ555، وقاعدة «أفيانو» الجوية التابعة لحلف «الناتو» في إيطاليا.
وتم إرسال غولدفين للمشاركة في العديد من المهمات العسكرية، حيث ذهب عدة مرات إلى جنوب غرب آسيا، حيث شارك في عمليتي «درع الصحراء» (1990) و«عاصفة الصحراء» (1991).
ومن مركز «فيسنزا» للعمليات المختلطة، شارك غولدفين في عملية «القوة المتعمدة» التي أطلقها «الناتو» ضد القوة العسكرية لصرب البوسنة عام 1995. كما قاد في عام 1999 سرباً من الطائرات في عملية «القوة المتحالفة» التي نفذها الناتو لإخراج القوات الصربية من كوسوفو. لكن وحدات الدفاع الجوي الصربية أسقطت طائرته في غرب صربيا يوم 2 مايو 1999، بيد أن استخدامه جهاز القفز الآلي مكنه من تفادي الوقوع أسيراً لدى القوات الصربية، قبل أن يتم إنقاذه من قبل مروحيات فريق البحث والإنقاذ التابع للناتو.
ومن المهمات السابقة التي أنيطت بغولدفين، منصب نائب مدير مكتب قائد أركان القوات الجوية للبرامج والخطط الاستراتيجية في مقر قيادة القوات الجوية الأميركية في واشنطن ديسي، كما عمل مديراً للعمليات في قيادة العمليات الجوية، ومقرها قاعدة لانجلي المشتركة بولاية فرجينيا.
وقد توطدت علاقة غولدفين ببلدان الشرق الأوسط بعد تعيينه في عام 2010 قائداً لسلاح الجو في القيادة الأميركية الوسطى، وهي قيادة يشمل نطاق مسؤولياتها بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا وآسيا الوسطى، إذ تتبع لها كل القواعد العسكرية الأميركية في بلدان المنطقة، كما تقوم بعمليات قتال ودعم وإسناد في العديد من الأماكن، مثل العراق وأفغانستان وباكستان واليمن.
وبرز اسم غولدفين في الإعلام العربي منذ أواخر عام 2012، حين قام بتسليم ست مروحيات عسكرية إلى الجيش اللبناني، كجزء من رزمة مساعدات عسكرية أميركية بقيمة 58 مليون دولار. وهي أكبر رزمة مساعدات أحادية في تاريخ العلاقات اللبنانية الأميركية العسكرية المشتركة، كما أنها أول شحنة من الطائرات المروحية إلى لبنان خلال 15 عاماً. وقالت السفارة الأميركية في بيروت إن تسليم المروحيات «يشدد على جهود الولايات المتحدة لتقوية قدرات الجيش اللبناني، مدركةً أهميته كقوة الدفاع الشرعية الوحيدة لتأمين حدود لبنان والدفاع عن سيادة واستقلال الدولة فيه».
بعد هذه التجربة الطويلة، والعدد الكبير من المهام داخل سلاح الجو الأميركي، يتربع الجنرال غولدفين على رأس قطاع ضخم يعرف كل مشكلاته تقريباً. فالقوات الجوية الأميركية هي فرع من القوات المسلحة الأميركية وإحدى خدماتها السبع الرئيسية، وقد تم تكوينه في 18 سبتمبر 1947، وهو آخر فرع رئيسي تأسس في الجيش الأميركي، لكنه الأكبر والأكثر كثافة تكنولوجية بين كل قوات الجو في العالم، إذ لديه نحو 5800 طائرة خادمة، و2130 صاروخ كروز، و450 صاروخاً بالستياً (عابراً للقارات)، كما يعمل فيه نحو 316 ألف شخص، وتتجاوز ميزانيته 144 مليار دولار.
بيد أن القائد المنصرف لسلاح الجو الأميركي، الجنرال مارك ويلش، والذي يخلفه غولدفين في هذا المنصب، اشتكى مراراً من أن التقشف في ميزانية البنتاغون أثّر في جاهزية القوات الجوية الأميركية، وحذّر في ديسمبر الماضي من أن ذخائر الجيش الأميركي آخذة في النفاد مع استمرار الحملة العسكرية ضد تنظيم «داعش» في العراق وسوريا، والتي بدأت في عام 2014. وقد أوضح ويلش أن قواته تستخدم ذخائر بصورة أسرع من إمكانية تزويدها باحتياجاتها لسد أي نقص محتمل، وأكد الحاجة لتوفير التمويل اللازم لضمان استمرار الحرب ضد «داعش».
ومن المؤكد أن مشكلة كهذه وغيرها، لابد أن يدركها غولدفين وهو يتسلم ذات المنصب، بعد الموافقة المتوقعة من مجلس الشيوخ على تسميته فيه، ولا لما أثنى عليه كارتر كل ذلك الثناء. فهو ليس عسكرياً عادياً بمقاييس الموقع والمسؤولية القيادية!
http://www.alittihad.ae/wajhatdetails.php?id=89310