طبقاً لِما ذكره عوديد إيران كبير المفاوضين الإسرائيليين للصحفي الفرنسي تشارلز أندرلاين:
"مررنا بمناقشات لا نهائية حول قضية الحدود بين الدولتين، كان الفلسطينيون يقولون: من الواضح وفقاً للقرار (242) أن الحدود هي خط 1967. وهنا سألتهم: وماذا عن القدس؟ هنالك مناطق يهودية شاسعة على الجانب الآخر من خط 1967. فأجابوا بوضوح وود: أن هذه المناطق يمكن أن تظل تحت السيادة الإسرائيلية في إطار اتفاقية ... فطلبت مقابلة باراك عند منتصف الليل في تل أبيب، لأخبره أن الوقت قد حان لتقديم خارطة الوضع النهائي للفلسطينيين. وافق باراك وفُوضت بتقديم خريطة دون أي اسم عليها، تُقسم الضفة الغربية إلى ثلاثة قطاعات: 66% من الضفة الغربية تحوّل فوراً إلى الفلسطينيين ضمن إطار أوسلو، 20% تُضم إلى إسرائيل، 14% تظل تحت السيطرة الإسرائيلية لفترة غير محددة".
ولكن طبقاً لِما ذكره كلايتون سويشر فإن هذا العرض الذي يعتبر الأشد إذلالاً للفلسطينيين، فإن الأخيرين رفضوه بتلك الصيغة. ومع ذلك ورغم هذه البداية السيئة أثبت الفلسطينيون ليونتهم، حيث كان عرفات يراقب التطورات عن كثب، وأراد أن يعرف فيما إذا كان الإسرائيليون سيظهرون ما يماثل نيته الحسنة؛ فقد اعترف الفلسطينيون بالجذور التاريخية لليهود في القدس، وأبدوا مرونة كبيرة تجاهها حين عرضوا التنازل عن أجزاء من القدس ضمن المناطق الفلسطينية وراء الخط الأخضر التي يعتبرها الإسرائيليون أنها يهودية. كما طرحوا فكرة رفضتها الدول العربية مثل مصر والأردن وسوريا، بالإشارة إلى استعدادهم للنظر في مسألة تبادل الأراضي. وحسب سويشر فللمرة الأولى يقبل الفلسطينيون بفكرة ضم إسرائيل لحوالي 4% من الضفة الغربية، شريطة أن تقدّم إسرائيل ما يعادلها بالضبط من أراضي ما قبل عام 1967. ومع ذلك لم يحصل المفاوضون الفلسطينيون مقابل هاتين الخطوتين الهامتين، إلاَّ على وعودٍ بإعادة بعض القرى الفلسطينية، والالتزام العاطفي المؤثّر لباراك بأنه قد يسمح يوماً ما بإقامة دولة فلسطينية.
ومما سبق يتضح لنا أن الطرف الإسرائيلي اتبع مع الطرف الفلسطيني سياسة أقل ما يمكن وصفها، بأنها سياسة يشوبها مزيج من البراغماتية والمكيافللية. فمن خلال تلك السياسة أرهقت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة القيادة الفلسطينية خلال المفاوضات، بأن أوصلت تلك القيادة إلى مرحلةٍ تُشعرها فيها بأن اقتراب حل القضايا النهائية بات قاب قوسين أو أدنى، ثمَّ وفي لحظةٍ مباغتة تجد تلك القيادة نفسها بعيدة عن الحل النهائي بمسافات طويلة. ويبدو أن الهدف الإسرائيلي الرئيس من اتباع تلك السياسة هو إجبار الفلسطينيون في نهاية المطاف على تقديم تنازلٍ ما، قد يؤدي إلى أية حل يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية.
المرجع:
الموقف التفاوضي للرئيس ياسر عرفات في قمة كامب ديفيد
Yasser Arafat Negotiation position at Camp David Summitبحث مقدّم لمؤتمر الشهيد الرمز ياسر عرفات
تاريخ وذاكرة
15 – 17 تشرين ثانٍ (نوفمبر) 2011
أ.د. أسامة محمد أبو نحل
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر
جامعة الأزهر – غزة