ويتحدث افي دغان، الذي قدمته صحيفة "يديعوت احرونوت" في مقابلة اجرتها معه ونشرتها في عددها الصادر بتاريخ 12.4.1998 على انه مسؤول كبير سابق في "الموساد" تحول لاحقا الى "العمل الخاص والحياة المدنية" بعد ثلاثين عاما امضاها في العمل السري، عن تجربته في مجال تجنيد العملاء.. يقول "دغان"، الذي ترأس بين السنوات 1990- 1997 القسم الاكثر اهمية في الموساد، قسم جمع المعلومات: ".. ليست هناك اداة لجمع المعلومات افضل من تشغيل العملاء... صحيح ان التنصت والكاميرات الخفية هامة الا ان المعلومات التي يحملها العميل هي التي تساعد على فهم المعطيات وتحليلها..".
وبالعودة الى مرجعيات تبلور مهام ووظائف "الموساد"، كما تسردها المصادر الصهيونية، يتضح ان الجهاز اضطلع منذ تأسيسه، الى جانب مهمته الاساسية في جمع المعلومات في الخارج، بوظيفة ودور هامين في تنظيم حملات تهجير لليهود من الدول العربية، ومن بين الحملات الشهيرة التي اشرف "الموساد" على تنظيمها كعمليات احيطت بالسرية، احيانا من خلال عقد "صفقات" وتقديم رشاوى واحيانا اخرى تحت طائلة ممارسة الابتزاز والتخويف والترهيب، تهجير القسم الاكبر من يهود المغرب واليمن والعراق في الخمسينيات، وتهجير اليهود (الفلاشا) من اثيوبيا اواسط الثمانينيات، وقد تمت هذه العمليات والحملات بواسطة وحدة خاصة في " الموساد" يطلق عليها اسم "بتسور".
وبحكم الطابع السري الذي اتسمت به غالبا ولا تزال دبلوماسية الدولة العبرية وسياستها الخارجية، كنتاج بديهي منبثق عن طبيعة تكوينها ونشوئها، فقد كان من الطبيعي ان يضطلع جهازها التجسسي "الموساد" بمسؤوليات ووظائف هامة في نسج وارساء علاقات وصلات الدولة العبرية الخارجية، وحتى في مجال عقد اتفاقيات وصفقات عسكرية وتجارية واقتصادية واحيانا سياسية، لحسابها مع دول وجهات مختلفة في انحاء العالم.
وقد اقام "الموساد" لهذا الغرض، في وقت لاحق، قسما رئيسيا خاصا ضمن صفوفه ليكون مكلفا ومسؤولا عن ملف العلاقات الخارجية.. ولا يزال هذا القسم الذي يطلق عليه اسم "تيفيل" يدير الى الان عشرات الممثليات والمحطات الثابتة والمتنقلة في العديد من دول العالم، يعمل بعضها بصفة رسمية وبعضها الاخر الى جانب سفارات الكيان الصهيوني او تحت غطاء بعثاتها الدبلوماسية والتجارية والاقتصادية وغيرها .. وكثيرا ما تسببت النشاطات الموازية لممثليات ومراكز هذا القسم في "الموساد" باحتكاكات واحتجاجات، طفت على السطح احيانا، مع وزارة الخارجية الصهيونية وبعثاتها الدبلوماسية في الخارج، التي رأت في نشاطات "الموساد" هذه ليس فقط مصدر منافسة لوظيفتها بل تجاوزا وتهميشا لصلاحياتها ودورها كممثل وناطق رسمي للدولة العبرية في الخارج.
وبحسب ما يسرده كتاب "امراء الموساد" فقد تحول "قسم الاتصال والعمل السياسي" في الموساد منذ العام 1963 الى ما يشبه "وزارة خارجية سرية ثانية، كانت تتفوق في بعض الاحيان على الوزارة الاصلية".
ومهمة هذا القسم تتمثل في اختراق المؤسسات والدوائر التجارية والصناعية والمعلوماتية، خاصة الامنية والعسكرية، وغيرها من المؤسسات والاجهزة الحساسة في الدول المستهدفة عن طريق ارسال مستشارين او دس "عملاء محليين" يتمتعون بمراكز نفوذ وتأثير، ليس بهدف جمع المعلومات عن برامج وخطط وتوجهات هذه الدول فقط، بل ولممارسة التأثير على سياسات حكوماتها بقصد توجيهها في اتجاهات معينة بما يخدم مصالح واهداف اسرائيل والحركة الصهيونية .
وعموما، وبحسب مصادر مختلفة، فان جهاز "الموساد"، الذي شهد في عهد رئيسه الثالث الجنرال مائير عميت (1963- 1968) اوسع اصلاحات وتغييرات في بنيته وهيكله التنظيمي اصبح، ولا يزال تقريبا، يتكون من مجموعة اقسام ودوائر رئيسية تتبعها شعب ووحدات ومحطات ميدانية وفرعية، تعرف وفق التسميات التالية:
• قسم جمع المعلومات، ويدعى "تسومت" (مفترق) وهو منظم على اساس اقليمي ووظيفي تخصصي، تتبع له وحدة ميدانية رئيسية تسمى "متسادا"(حصن، قلعة) تنظم وتضم في صفوفها الجواسيس الصهاينة (اليهود).
• قسم العمليات، ويعد من الاقسام الرئيسية الاهم في "الموساد"، وتتبع له دائرة للتخطيط العملياتي والتنسيق، كما تخضع لمسؤوليته المباشرة وحدات وفرق التنفيذ الميدانية المتخصصة في عمليات التجسس المعقدة والاغتيالات والتصفيات الجسدية وعمليات "الاختطاف" وما شابه..
• قسم الاتصال - الارتباط- والعمل السياسي، ويطلق عليه اسم "تيفيل" وتعني في تعريبها (المعمورة) او (الكون).. وهو قسم واسع وكبير مكلف بمسؤولية العلاقات الخارجية بما يشمل اقامة وادارة روابط وعلاقات التنسيق والتعاون مع اجهزة الاستخبارات والتجسس في دول العالم وتنظيم الاتصالات مع الجاليات والاقليات اليهودية في "الدول المعادية"، كما ومن مهمة هذا القسم المنظم اقليميا ووظيفيا على اساس تخصصي مساعدة حكومات الدولة العبرية عن طريق ممثلياته ومحطاته العلنية والسرية الخارجية، في اقامة وعقد الاتفاقات والروابط السياسية والدبلوماسية والامنية وغيرها مع جهات وحكومات في دول اخرى.
• قسم الادارة والتنظيم: ويعنى بشؤون العمل والتنظيم الداخلي للموساد ..
وتعمل الى جانب هذه الاقسام الرئيسية، مجموعة دوائر مساعدة، متخصصة في مجالات البحث والتخطيط والعمليات الفنية والتكنولوجيا والتدريب والتنظيم، اضافة الى شعب ووحدات ميدانية تنفيذية.. وبحسب ما يذكره الصحافي يوسي ميلمان، في تقريره المنشور في صحيفة "هآرتس" في 26.2.1998 ، فان جهاز "الموساد"، وفي اطار تكليفه بمسؤولية "تنظيم هجرة اليهود الذين يمرون في ظروف صعبة ويقعون تحت تهديد انظمة معادية، وكذلك المساعدة في الدفاع عنهم اذا ما دعت حاجة لذلك"، قام بتشكيل وحدة ميدانية هامة لهذا الغرض تعمل تحت اسم "بتسور" وتعني (تحصين).
وتشرف على قيادة عمل "الموساد" وانشطته هيئة قيادية عليا تضم رؤساء الاقسام وقادة الدوائر والوحدات الكبيرة، وتعمل هذه الهيئة التي يكون اعضاؤها عادة من ذوي الالمام العالي والخبرة والتجربة الشخصية في مجال العمل الاستخباري والتجسسي الميداني، كـ "هيئة اركان الموساد" وتعادل رتب اعضائها الرتب العسكرية لاعضاء هيئة الاركان العامة للجيش الصهيوني – جنرال وميجر جنرال (عميد).
يقول مراقبون ان "الموساد" برهن بلا شك، خلال سنوات عمله الطويلة، على قسوته وفاعليته كجهاز للتجسس والعمليات الخاصة.. وبالرغم عن حرص الدولة العبرية الشديد على ابقاء هالة الغموض والسرية المتناهية حول "الموساد" ونشاطاته، الا ان الصهاينة عموما، والمطلعون منهم على وجه الخصوص، ما زالوا يذكرون بقدر كبير من التفاخر والاعجاب مسلسل عمليات الاغتيال والتصفيات الجسدية "الناجحة" وغيرها من العمليات المنسوبة للموساد فيما مضى، حتى في اثناء انشغال كبار مسؤوليهم في مراجعة وتفحص الاسباب والاخطاء التي ادت الى فشل عملية ما، نفذها "الموساد" وعملاؤه في بلد او مكان ما في الخارج، كما حدث بعد محاولة الاغتيال الفاشلة لخالد مشعل في الاردن، في ايلول 1997 وعملية "التجسس" الفاشلة في سويسرا في شباط 1998.
ومن الملاحظ واللافت للنظر ان "الموساد"، الذي يخضع النشر عن نشاطاته وعملياته لرقابة عسكرية مشددة في الدولة العبرية، ينشط دوما لا سيما بعد كل فضيحة او فشل ذريع يرتبط اسمه بهما، في تسريب معلومات وتقارير الى وسائل الاعلام، احيانا بواسطة صحافيين صهاينة واجانب "مقربين"، واحيانا اخرى عن طريق عملاء ومسؤولين "سابقين" في الجهاز، وتتسم هذه التقارير والمعلومات المسربة غالبا بطابع "التمجيد بمآثر ونجاحات" سابقة تنسب للموساد، و"الدفاع عنه" في غمرة فضيحة او فشل يمنى بهما.
بعد استقالة داني ياتوم من رئاسة "الموساد" (في اواخر شهر شباط 1998)، نشرت الصحف العبرية اليومية عشرات التقارير والمقالات التي تميز الكثير منها بهذا الطابع.
وعلى رغم ما يبديه "الموساد" والقائمون عليه من حرص شديد حتى الان على فرض قاعدتي "السرية والتنصل" حول نشاطات وعمليات الجهاز، كما شدد على ذلك رئيسه الاسبق افرايم هليفي، الذي اشار الى ان "الحالتين" (الفشلين في الاردن وسويسرا) اللتين اعترف "الموساد" بسؤوليته عنهما "شاذتين عن القاعدة"، الا ان التسريبات، التي تمت بقصد او دون قصد، سمحت بتكوين اطلالة معينة على سجل "النجاح والفشل" للعمليات التي نفذها "الموساد" او نسب له الوقوف وراء تنفيذها.
ومن أبرز العمليات "الناجحة" التي ارتبط تنفيذها باسم "الموساد"، والتي تذكرها بشكل خاص مصادر وتقارير صهيونية:
• الإشراف منذ اوائل الخمسينيات على تنظيم سلسلة حملات تهجير سرية للقسم الاكبر من الجاليات اليهودية التي كانت تقيم في الدول العربية، وخاصة يهود العراق و المغرب واليمن، وكان آخر هذه الحملات السرية تهجير اليهود الاثيوبيين (الفلاشا) في منتصف الثمانينيات، والتي اطلق عليها اسم "عملية موسى"، حيث تم نقل بضعة الاف من اليهود الفلاشا الى اسرائيل عبر رحلات جوية اقلعت من مطار الخرطوم (عاصمة السودان) بموجب صفقة "رشوة" عقدها "الموساد" مع الرئيس السوداني في حينه جعفر النميري، الذي اطيح به من الحكم بعد تكشف تواطئه في تسهيل هجرة اليهود الاثيوبيين.
• ينسب الصهاينة لجواسيس "الموساد"، كانجاز هام، الحصول على الخطاب السري الذي القاه الزعيم السوفياتي نيكيتا خروتشوف، امام المؤتمر العام للحزب الشيوعي الحاكم، في موسكو في شباط 1956، حيث قام "الموساد" بتسليم "النص الكامل" للخطاب السري، الذي شجب فيه خروتشوف "جرائم" سلفه ستالين، لوكالة المخابرات المركزية الاميركية الـ "سي اي ايه"، في نطاق اتفاقية التعاون الموقعة بين الجهازين، الصهيوني والاميركي، وقد وصف رئيس "الموساد" في حينه ايسار هارئيل، هذه "الخدمة" في مذكراته بقوله "لقد قدمنا لنظرائنا الاميركيين وثيقة تعتبر من اهم الانجازات في تاريخ الاستخبارات ..".
• اختطاف المسؤول النازي السابق ادولف ايخمان من الارجنتين عام 1960 ونقله الى اسرائيل حيث تمت محاكمته واعدامه.
• اغواء طيار في الجيش العراقي واقناعه بالهرب بطائرته الحربية "ميغ 21" الى الدولة العبرية عام 1966.