الاثبات بالاتجاه المعاكس:
لو كان إذن أداء الضباط الصغار في ميدان المعركة (بشكل عام من قائد فصيل وسرية إلى قائد لواء وفي بعض الأحيان قادة فرق) هو النقطة المفصلية في نجاح أو فشل العمليات العسكرية على الأرض, فلا بد إذن من إثبات في الجانب المعاكس أن تغييراً في هذا الأداء من جانب هؤلاء الضباط كان في المقابل يحقق نتائج أفضل. مع الأسف الشديد فإن الأمثلة على مثل هذا الأداء الجيد من جانب هؤلاء الضباط التكتيكيين والقادة والميدانيين وتجنب الأخطاء الفادحة التي نوقشت في الحلقة الماضية (الثالثة) على صفحة ايلاف, أقول إن مثل هذه الأمثلة رغم أنها موجودة ولكنها كانت في حكم النادرة.... وكان يسيطر على مثل هذه الأمثلة بروز عدد قليل جداً من الضباط الصغار الجيدين الذي يستوعبون ويطبقون الإجراءات التكتيكية الصحيحة ويقتنصون المبادرة ويتحركون بدلاً من السكون, ولكن تأثيرهم كان محدوداً كونهم في الأساس أقلية في غاية الصغر. لكن لا بأس من تقديم بعض هذه الأمثلة لتبيان جدوى هذه الفضائل في المستويات الدنيا من سلاح الضباط والفوائد التي تأتي بها هذه الفضائل حتى في ظروف حالكة مما يبين (كما يهدف المؤلف كينيث بولاك) أن النقطة الحاسمة في الأداء العسكري العربي كان أداء وكفاءة صغار ضباطه.
وربما كان الأفضل أن نبتدئ بسنة 1991 التي شهدت أكبر هزيمة لجيش عربي في القرن العشرين وواحدة من أفدح الهزائم في التاريخ العسكري بشكل عام.
في يوم 26 فبراير وقفت فرقة "توكلنا على الله" في مواجهة الفيلق السابع الامريكي في محاولة تغطية انسحاب القوات العراقية ومنع تطويقها كلها (وهو الأمر الذي أدى بالفعل إلى تمكن فرق عديدة من الافلات من حركة التطويق الامريكية). الفرقة العراقية وقفت ومعها مئتين دبابة أمام قوة امريكية تفوق عدداً تملك ألف دبابة عدا عن التفوق التكنولوجي العالي والسيطرة الجوية. ويعتبر الفيلق السابع الامريكي قوة أكبر وأحدث تسليحاً من الفرق الأخرى الامريكية ولكنها مع ذلك واجهت أمام فرقة توكلنا مصاعب أكبر من تلك التي واجهها فيلق المارينز الأقل تسليحاً, وكان السبب في طبيعة الخصم.
لكن فرقة توكلنا قاتلت بشراسة وعناد من ظهيرة يوم 26 حتى صباح 27.... إلا أن الشراسة لم تكن تكفي....لكن الفارق كان أن عناصر قليلة جداً ومحدودة من الفرقة العراقية أبدت شيئاً بسيطاً جداً من المهارات التكتيكية المطلوبة والمناورة والحركة والاجراءات الأمنية والاستطلاع فكان أداؤها أفضل من باقي فرق الجيش العراقي (رغم أن اداءها التكتيكي والمبادرة والمناورة كانت ما تزال تقبع تحت المستوى الغربي بكثير). إذ نجحت فرقة توكلنا في تدمير وإعطاب أعداد من عربات مشاة مدرعة أمريكية من طراز M-2 وM-3 أكثر من أي فرقة عراقية عراقية كما نجحت في إخراج أربع دبابات أمريكية من طراز M.I.A.I
من المعركة وهو إنجاز لم تحققه أي وحدة عراقية أخرى. أما ما هو السبب في هذا "الإنجاز" المتواضع جداً ولكن الأفضل بين بقية وحدات الجيش العراقي؟ لأن قائد الفرقة كان قد نصب مواقع مراقبة أمام فرقته للإنذار باقتراب العدو, ولأن "حفنة" صغيرة جداً من الدبابات قررت الخروج من مواضعها لتناور وتحصل على موقع يسمح لها بتوجيه ضربة جانبية على العربات المدرعة الأمريكية, ولأن حفنة ضئيلة جداً من هذه الدبابات قررت فعل ذلك فقد نجحت في تحقيق نتيجة أفضل من القوات العراقية الأخرى. ولكنها لم تكن إلا أقلية, فغالبية دبابات وقوات الفرقة تشبثت بعناد بمواقعها دون مناورة حتى عندما تم اجتيازها والالتفاف عليها, كما أن هذه الدبابات كانت تقاتل لوحدها والمشاة لوحدها. ولنا أن نتوقع ماذا كانت ستكون النتيجة لو أن كل دبابات فرقة توكلنا قررت اتباع مثال ذلك العدد الصغير جداً من الدبابات التي عرفت أهمية المناورة والحركة فنجحت في إصابة العدو رغم الفارق الهائل جداً في التكنولوجيا بين الطرفين والفارق الهائل في مدى مدفعية دبابات الطرفين؟ لا شك أن الفرقة كانت ستخسر المعركة بالتأكيد ولكن ليس قبل التسبب بوجع رأس كبير للأمريكان.
في سنة 1973 كان صاحب الأداء الميداني الأفضل هم قادة الفرق السوريون (وقد جئنا على ذكر من أثنى عليهم المؤلف وهم حسن تركماني وتوفيق الجهاني وعلي أصلان) حيث كان لمبادراتهم الشخصية وتقديرهم للموقف ومحاولة استغلال الفرص الناجحة أثره في تحقيق الاختراقات الأولية ثم إدراك خطر الموقف بسرعة عند بدء الهجوم المضاد الاسرائيلي. ولكن أداء قادة الفرق لم يكن يكفي لتحسين الأداء الاجمالي للتشكيلات التكتيكية على الأرض ولم يكن هؤلاء قادة الفرق بجهودهم أن يعوضوا تعويضاً كاملاً عن جمود وبساطة أداء معظم مرؤوسيهم من قادة ألوية وكتائب فما دون.
أما سنة 1982 فجاءت بدليل آخر على فوائد أخذ المبادرة والحرية ورد الفعل السريع والمناورة وشن الهجمات المضادة. وظهرت هذه الخصائل بشكل واضح (وإن لم يكن بالمستوى المقارن بالغرب كما يرى المؤلف) عند القوات الخاصة السوري. إذ أن هذه القوات كانت الأفضل بين جميع وحدات الجيش السوري الأخرى وقاتلت بشكل أكثر مرونة وأصابت الاسرائيليين بخسائر أكبر من باقي الوحدات السورية الأخرى, وتبين أن خيار القيادة الاستراتيجية السورية بزج هذه القوات كان أفضل خيار قامت به وربما أنقذت بهذا الخيار الوجود السوري في لبنان وضمنت نجاة الجيش السوري من التطويق. فالتقدم الاسرائيلي لم يجر كما خطط له الاسرائيليون وكان أبطأ بكثير مما كانوا يتوقعونه, وكان الفضل بشكل ليس بقليل يعود إلى القوات الخاصة السورية. إذ أن هذه القوات نصبت الكمائن مرة تلو الأخرى للقوات الاسرائيلية عند الممرات الجبلية, وكانت هذه القوات تتميز بمهارات جيدة في الاختباء واستطلاع تقدم العدو, وفي استدراجه إلى هذه الكمائن, ثم القيام بهجمات مضادة سريعة بمبادرة ذاتية. وقد أدى تعرض القوات الاسرائيلية إلى هذه الهجمات المتتالية إلى اتخاذ كثير من وحداته الحذر في تقدمها الذي بطأت سرعته ترقباً لكمائن جديدة تقوم بها القوات الخاصة السورية التي أنزلت بالاسرائيليين خسائر مفاجئة وثقيلة في بعض الأحيان. ورغم هذا فإن روح المبادرة هذه وشن الهجمات المضادة السريعة والمناورة ضد العدو لم تكن موجودة في كل وحدات القوات الخاصة ولم تظهر في كل المرات (وهذا يعطينا فكرة عما كان سيعانيه الاسرائيليون لو أن نفس هذه الروح انتشرت في جميع القوات الخاصة المستخدمة في لبنان في كل الأحيان, فضلاً عن بقية الوحدات السورية والمدرعة منها بالخصوص - ويبدو أن الشعور بالانتماء إلى قوة عسكرية متميزة عن الغير قد غذى شعور أفرادها بضرورة تمييز أنفسهم الأمر الذي أدى إلى اطلاق مواهبهم ومحاولة اتخاذ المبادرات الجيدة بأنفسهم). ويبدو بالفعل أن السوريين أدركوا هذه الفوائد ونقاط القوة هذه الموجودة في القوات الخاصة التي بين أنها الأكثر فعالية فيما يملكونه فقاموا بتوسيع هذه القوات حيث شكلوا فرقة كاملة هي الفرقة 14 قوات خاصة إضافة إلى عدة ألوية خاصة مستقلة.
مثال آخر نجده في الجيش الأردني سنة 1967 في الأداء الجيد الذي أبداه اللواء 40 المدرع على الضفة الغربية. ويرى المؤلف أن السبب في هذا الأداء لم يكن في كون اللواء نفسه أفضل من التشكيلات الأردنية الأخرى حيث قاتل هذا اللواء في مناسبات أخرى ودون فعالية كبيرة... ولكن فعالية اللواء نبعت من قائد اللواء راكان الجازي الذي اعتبره الأردنيون والاسرائيليون والامريكان ضابطاً متميزاً جداً ومختلفاً تماماً عن باقي قادة التشكيلات الأردنية, ومتميزاً بروح هجومية ومهارات تكتيكية حيث حث قواته على استخدام النار إلى جانب المناورة, وحرص حرصاً كبيراً على استخدام حرس مقدمة لاستطلاع قوات العدو كي لا يفاجأ وعمل على نشر قواته بشكل يسمح بمحاولة الاحاطة بالقوة الاسرائيلية المهاجمة, وحين تعرضت قواته لحركة التفاف عمل فوراً على التراجع لضمان عدم تطويقه. وهكذا تمكن لواؤه من صد هجوم قوة مدرعة استطلاعية اسرائيلية على تقاطع "قبطية", ثم أرسل قوته الرئيسية لصد الهجوم الاسرائيلي على جنين, وحينما أرسل الاسرائيليون قوة مدرعة لدعم قوتهم الاستطلاعية رصدت وحدات استطلاع الجازي القوة وكمنت للقوة الاسرائيلية ودمرت لها عدة مدرعات قبل اجبارها على التراجع, ثم حاولت الدبابات الاسرائيلية مرة ثانية تغيير جهة الهجوم ومرة ثانية تصدى الجازي لهم. في النهاية وبعد عملية تطويق واسعة من قبل عدة وحدات اسرائيلية إلى جانب الطيران الاسرائيلي, عمد إلى الانسحاب بدلاً من تعرضه للتطويق. كان هذا اللواء 40 المدرع أفضل الوحدات أداءاً في الجيش الأردني في تلك الحرب ويمكن مقارنة أداءها بأداء وحدات أخرى ظلت في أماكنها تتشبث بالدفاع عنها ولكن دون التحرك منها وتعديل مواقعها, ولكن هذا الأداء كان يتحسن فقط حين يتم الاشراف عليه من قبل الجازي نفسه, ففي المعارك التي خاضتها وحدات من ضمن نفس اللواء دون وجود اشراف مباشر من الجازي كانت هذه الوحدات تقدم أداءاً سيئاً, وفي النهاية لم تكن مهارة رجل واحد كافية لجعل اللواء يقاتل بالجودة المطلوبة واستخدام طاقاته الكامنة, كما لم يكن أداء جيد للواء واحد كافياً لإنقاذ جبهة بكاملها تقع تحت مسؤولية عدة وحدات عسكرية وليس وحدة عسكرية مفردة.
ولكن الأداء التكتيكي الأفضل على الإطلاق في التاريخ العسكري العربي من وجهة نظر بولاك هو أداء الفيلق العربي (الأردني) في سنة 1948. إذ امتاز ضباط الفيلق هؤلاء بكل الصفات المطلوبة وقدموا أداءاً جيداً هو الأفضل بين ضباط الجيوش العربية الأخرى من اقتناص فرص وإعطاء الأهمية للمناورة ومزج جهود صنوف الأسلحة المختلفة والتنسيق فيما بين سلاح المدفعية وهجمات المشاة والمدرعات (سيارات مدرعة في الغالب وليس دبابات), وكان ذلك في مواجهة هجمات اسرائيلية غير كفؤة ومكلفة في الأرواح وتعاني من نفس الأخطاء التي عانت منها الجيوش العربية, وبالتالي كان هناك اختلاف بين المهارات التكتيكية لضباط الفيلق العربي (ممزوجة بالمهارات الفردية العالية للجنود الاردنيين) وبين تلك الاسرائيلية [وهذه أمور نسبية فالمهارات التكتكيكية الاسرائيلية اقل من تلك الاردنية بشكل عام ولكنها مساوية وربما أفضل من جيوش عربية أخرى في تلك الحرب, كما أنه لم تكن كل التشكيلات الاسرائيلية بنفس المستوى من الجودة او السوء وكان بينها تشكيلات عالية المهارات]. وفي معارك القدس طور الفيلق اسلوباً ممتازاً في استدراج الاسرائيليين الذين كانوا يحالون فك الحصار عن الحي اليهودي ثم مباغتتهم بالنيران من كل ناحية وانزال خسائر فادحة بهم وصد الهجمات الاسرائيلية المتكررة الواحدة تلو الأخرى, بل حين تعرض الفيلق لهجوم مفاجئ غير متوقع عمد بسرعة إلى شن هجوم مضاد هزم فيه الاسرائيليين واعاد اغلاق المدينة القديمة وعزلها عن القطاع الذي يسيطر عليه الاسرائيليون. وكان احد ابرز معارك الفيلق بعد احتلال اللطرون ثم محاولة الاسرائيليين شن هجوم مضاد لاستعادته وكان هجوماً جبهياً سيء الاعداد في مقابل دفاع أردني ممتاز صد الهجوم الاسرائيلي مرتين منزلاً خسائر هائلة بالاسرائيليين بلغت في الهجوم الأول الذي بدأ ليلة 24-25 مايو ألفين قتيل في يوم واحد. وكان لدور الضباط الأردنيين الميدانيين [برز في معارك اللطرون الأداء الجيد لقائد الكتيبة الرابعة مشاة الكولونيل المجالي] واتخاذهم قرارات الهجوم والدفاع بإدراك جيد للوضع العام وأين يجب أن ينصب الجهد التكتيكي لدعم الوضع الأعم وبمبادرة شخصية, الأثر الفعال في هذه الخسائر الفادحة وفي هذا الأداء لجيش عربي اعتبره كينيث بولاك الأفضل في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي. أما كيف حصل ذلك؟ فقد استفاد الفيلق العربي من وجود الضباط البريطانيين فيه والذين أدى وجودهم وطريقة عملهم على خلق جو مشجع يدفع ويحث الضباط على أخذ المبادرة بأنفسهم وعلى إعطاء صلاحيات أكبر وهامش حركة لصغار المراتب لاتخاذ القرارات المناسبة والتي تخدم الهدف الأعم, وفي هذا الجو تمكن ضباط الفيلق الأردنيون من إخراج مهاراتهم وكفاءاتهم وجعل قيادة القوات تُسند لمن يبدي هذه المهارات وهذه المبادرات. والمؤلف يقارن بين هذا الأداء وسلاح الضباط ذاك وبين الأداء التالي وسلاح الضباط التالي للجيش الأردني في عدة اشتباكات لاحقة مع الاسرائيليين في الفترة التي تلت اخراج الضباط البريطانيين من الخدمة, وهي الخطوة التي ظن الأردنيون أنها ستكون مناسبة لمستقبل الجيش الاردني, لكنها ربما كانت أكبر خطأ ارتكبه الأردنيون في تاريخهم العسكري.[في المقابل كان وجود الضباط البريطانيين يتبعه شروط من جانب الحكومة البريطانية بعدم الاندفاع اكثر من اللازم في تهديد وجود الدولة اليهودية] وأثر على أدائهم التكتيكي اللاحق في مقابل ارتفاع المستوى التكتيكي للاسرائيليين على مر السنين.
العامل الاستراتيجي ودور القيادة العليا:
لا يمكن أبداً التخفيف من أهمية امتلاك استراتيجية وقيادة استراتيجية جيدة [هناك امثلة كثيرة في التاريخ عن قادة عباقرة في التكتيكات ولكنهم خسروا لأنهم لم يمتلكوا استراتيجية ناجحة]
الأداء الاستراتيجي العربي تراوح بين الجيد والسيء وبين وجود خطط جيدة وبين عدم وجود خطط بالمرة, ولكن استنتاج المؤلف أن الأداء الاستراتيجي العربي لم يكن شديد التأثير من حيث كونه العامل الحاسم في النتائج العسكرية العربية, فوجود استراتيجيات جيدة لم يكن ليعوض عن عجز التشكيلات التكتيكية عن تنفيذ هذه الاستراتيجيات, وكل ما استطاعت القيادات الاستراتيجية فعله هو إما مفاقمة الأداء السيء اساساً للتشكيلات التكتيكية او في أفضل الأحوال تخفيف الضرر الناتج عن ضعف أداء هذه التشكيلات, وفي الحالات التي تم فيها تحقيق نجاحات عسكرية فقد كان الأمر يتطلب جهوداً خارقة وجبارة من هيئات الأركان العربية وتخطيطاً دقيقاً لتحقيق نجاحات بسيطة على الأرض.
ففي عام 1948 كان العراقيون بالكاد يمتلكون استراتيجية ولم تتابع القيادة العليا العمليات في فلسطين [وهو التفسير الطبيعي لـ "ماكو أوامر" الشهيرة]. في حرب الشمال في بداية الستينات لم يكن العراقيون يمتلكون استراتيجية جيدة, ومع مرور الوقت بدأوا بتطبيق استراتيجيات أفضل ولكن ضعف التشكيلات التكتيكية خانهم ثانية. في بداية الحرب على ايران كان صدام معتمداً على قادة كبار كان الولاء السياسي هو المعيار الاساسي لاختيارهم وكنتيجة لذلك دخل الجيش العراقي الحرب بدون خطة واضحة, ولكن بمرور الوقت والأداء الفاشل للجيش العراقي استبدل صدام شيئاً فشيئاً قادته الكبار بقادة ألوية وهيئة أركان أكفاء جداً (يذكر المؤلف ماهر عبد الرشيد - هشام صباح الفخري - سعدي طعمة الجبوري - صلاح عبد محمود - اياد الراوي - حسين محمد رشيد التكريتي) وهم قادة ميدانيين كبار واعضاء في هيئة الاركان العليا اتخذوا ردود الفعل المناسبة والصحيحة على الهجمات والاختراقات الايرانية.
بل يرى كينيث بولاك أن الأداء الاستراتيجي لهيئة الأركان العراقية لم يكن سيئاً بل اتُخذت قرارات مناسبة (طبعاً كان قرار الدخول في الحرب ضد قوة متفوقة ليس فقط تكنولوجياً بل في الفعالية والكفاءة التكتيكية لتشكيلاتها قراراً خطأ ولكنه كان قراراً سياسياً ولا دخل لأداء هيئة الأركان فيه) إذ حاولت القيادة العسكرية العراقية تعجيل المعركة البرية عبر الهجوم على الخفجي (وهو الأمر الذي لم يكن يريده الحلفاء ليسمحوا بأكبر ضرر يحققه الطيران) وحين لم يفد ذلك ألغي الهجوم, وحين بدأت الحرب البرية أبقت القيادة الاستراتيجية على قوة الحرس في الخلف لصد اتجاه الاختراق الامريكي, وحين تبين أن الاختراق يتم من على الغرب تم تحريك هجوم مضاد لصده, وحين فشل هذا الهجوم تم اصدار الأمر بسحب الوحدات الضاربة وتوزيعها لحماية الطريق الى بغداد والمدن الرئيسية ثم تمت التضحية بفرقة توكلنا للحرس الجمهوري من أجل حماية انسحاب اكبر قسم ممكن من القوات من الكويت وضمان عدم تتطويقها (يذهب إلى المؤلف إلى أن هذا القرار الذي اتخذته هيئة الأركان ودفع فرقة توكلنا لتعطيل التقدم الامريكي كان هو السبب في تمكن صدام اللاحق من قمع الانتفاضتين الشيعية والكردية في أعقاب نجاحه بانقاذ قسم كبير من قوات الحرس بسبب هذا القرار العسكري الصحيح من جانب هيئة الأركان العراقية).
بل يذهب المؤلف إلى أن هيئة الأركان العراقية التي نشأت في الفترة اللاحقة من الثمانينات كانت إلى جانب هيئة الأركان المصرية في أوائل السبعينات أفضل هيئتي أركان شهدهما التاريخ العسكري العربي. ولكن المشكلة كانت دائماً في أداء التشكيلات التكتكية وأداء صغار القادة والضباط الذين لم تكن تؤهلهم مهاراتهم [أو ربما روح المركزية الشديدة في القيادة التي لا تسمح بظهور هذه المبادرات الشخصية والمهارات] لتنفيذ هذه الخطط وتطبيق هذه الاستراتيجيات على الأرض.
ومثل ذلك الأداء الاستراتيجي السوري المتواضع في 1967 والذي تحسن بكثير سنة 1973 وكان مسؤولاً بالدرجة الأولى عن النجاحات الأولية التي تحققت في تلك الحرب. بل يرى المؤلف في الأداء السوري 1982 مثالاً جيداً على أداء استراتيجي جيد تمثل باستخدام الممرات الجبلية لتعويق التقدم الاسرائيلي واستخدام القوات الخاصة الاكثر كفاءة في الجيش السوري لنصب سلسلة من الكمائن للعدو, وإشراك الطيران السوري لعزل الطيران الاسرائيلي عن المعركة على البر وكلها كانت قرارات صائبة, ولكن مع ذلك خسر الجيش السوري المعركة في لبنان (رغم أنها لم تكن هزيمة حاسمة) لأن تشكيلاته التكتيكية لم تكن قادرة على مواكبة حرب الحركة السريعة والتي تطلب الاسراع في رد الفعل وأخذ القرارات والمناورة.
وفي مقابل الأداء السيء للقيادة المصرية العليا سنة 1967 الذي فاقم من وضع عسكري سيء بالأساس كان هناك أداء استراتيجي وقرارات جيدة على مستوى القيادة العسكرية العليا سنة 1956 [بين 1956 و1967 كان التغير الذي حصل هو أن الاسرائيليين طوروا ليس مهاراتهم الاستراتيجية بل التكتيكية لصغار ضباطهم]. وفي حرب الاستنزاف وفي أعقاب الاصلاحات التي اجراها عبد الناصر في الجيش وجعله أكثر احترافاً وبعيداً عن السياسة برز جيل جديد من القادة الكبار الممتازين أداروا حرب الاستنزاف بشكل جيد معتمدين فيها على نقاط القوة الموجودة في الجيش المصري وتجنب خوض حرب تتطلب ذلك النوع من المهارات التكتيكية والمبادرة لدى صغار القادة والضباط والتي كان الجيش المصري (كغيره من الجيوش العربية) يعاني منها. وفي حرب 1973 أدت هيئة الأركان المصرية أفضل أداء لها على مستوى التاريخ العسكري العربي (إلى جانب هيئة الأركان العراقية) وأقدمت على عملية تخطيط دقيقة للعبور يقارنها المؤلف بالجهود التي بذلتها هيئة أركان الحلفاء لغزو أوربا في 1944, مع الفارق أن هيئة الأركان المصرية كان عليها أن تعتمد على جهدها الخاص لتحقيق نجاح على الأرض لأن أداء التشكيلات التكتيكية لم يكن بالمستوى الذي يؤهلها لتحقيق نجاح يشابه ذلك الذي حققه الحلفاء سنة 1944 رغم الجهود الجبارة والممتازة جداً لهيئة الأركان هذه. وفي رد الفعل على الاختراق الاسرائيلي في الدرفسوار انقسمت القيادة العليا بين رأيين كان أحدهما يدعو لسحب قوات مصرية من الضفة الشرقية إلى الغربية, في حين رأى القسم الآخر عدم سحب القوات والمراهنة على وقف اطلاق النار. ويعتبر المؤلف أن للقرارين ميزات وبشكل عام هما قراران صحيحان ومعقولان مع أنه يميل إلى أن القرار الثاني بعدم سحب قوات إلى الضفة الغربية كان ربما القرار الأفضل بسبب معرفة اسماعيل علي الجيدة بقواته وقدراتها وتقديره أن هجوماً مضاداً على الاسرائيليين لم يكن لينجح في حين كانت الضفة الشرقية سيضعف مركزها بسبب سحب المدرعات.
ولم يكن هيئة الأركان الأردنية هو الآخر سيئاً في حرب 1967 و1968 في معركة الكرامة. فكان التنبؤ بمحاور التقدم الاسرائيلي الرئيسي صحيحاً وردود الفعل التي اتخذتها القيادة العليا على المستوى الاستراتيجي والعملياتي كان جيداً هو الآخر. والخطأ الذي ارتكبته القيادة العليا بإرسال المدرعات الأردنية في سنة 1967 إلى الداخل للالتقاء بالقوة المصرية المزعومة لم يكن قراراً سيئاً بل صحيحاً وكل ما هنالك أنه لم يكن مبنياً على معلومة صادقة.
إذن كما نرى فإن ارتفاع او انخفاض مستوى القيادات الاستراتيجية العربية كان له تأثير محدود جداً في تحسين مستوى القتال ولم يكن قادراً على جعل جيوشها تستفيد من طاقاتها وامكاناتها الكامنة, وتطلب الأمر تحسناً كبيراً في أداء قادة الفيالق وهيئات الأركان لتحقيق تقدم متواضع على الأرض..... إذ لا يمكن توقع نتائج عالية بالاعتماد فقط على جهود القيادات العليا, ومهما أتت عقولها بخطط عبقرية وردود فعل صحيحة فإنه لا يمكن أن تترجم بنجاح على الأرض إذا لم يكن يعرف من هم في المستويات الأدنى في السلم القيادة كيفية ترجمتها في ميدان المعركة. إذ لا يمكن لهيئات الأركان أن تتدخل في كل تفصيل لعمل كل لواء وكتيبة وسرية وفصيل وإفهامها كيف عليها أن تعمل وأين تناور وكيف تنسق جهود صنوف الأسلحة المختلفة.
على مرور السنين حاولت القيادات العسكرية العليا في الدول العربية بين فترة وأخرى محاولة تشجيع روح المبادرة وإعطاء المجال لظهور مرونة عند صغار القادة وتشجيع صنوف الأسلحة المختلفة (مشاة - مدفعية - مدرعات) على التدرب سوية والتشجيع على إعطاء تقارير صحيحة ودقيقة عن الأوضاع....لكن معظم هذه الجهود لم تنفع, وفي أوائل السبعينات حين احتاج السوريون, والمصريون بشكل أخص في 1973 والعراقيون في أواخر الثمانينات انتزاع نصر عسكري بأي ثمن بدأوا شيئاً فشيئاً يصلون إلى استنتاج أنه لا يمكن الاعتماد على القدارت الذاتية لتشكيلاتهم التكتيكية وصغار ضباطهم, وأنه إذا أرادوا شيئاً من الأداء التكتيكي الصحيح فإن على هيئات الأركان العربية تلك أن تجد حلاً يستفيد من تلك السيئات التي تمتاز بها التشكيلات التكتيكية العربية وصغار ضباطها وتحويلها إلى ورقة رابحة لصالحها. في 1973 كان المصريون قد وجدوا الحل, وتلاهم العراقيون في 1988.
وجدتها !!! كيف حل المصريون والعراقيون هذه المشكلة:
ربما أخذ العراقيون الحل من المصريين في حين يصر العراقيون أنهم أخذوا الحل بأنفسهم وفي كل الأحوال فقد كان حل مناسباً لمشاكلهم التكتيكية وتطلب جهداً جباراً من جانب هيئتي الأركان العراقية والمصرية.
قررت هيئتي أركان البلدين إذن أنه إذا لم تشأ وحداتها التكتيكية وضباطها الميدانيين, أخذ المبادرة وشن هجمات سريعة وخاطفة, وإذ لم تشأ إجراء حرب حركة ومناورات وإذا رفض مشاتها ودباباتها ومدافعها أن تعمل سوية في جهد منسق, وإذ رفضت أن ترد على مناورات العدو بهجمات مضادة دون بطء وتأخير وانتظار وصول أوامر من الأعلى, فإن هيئة الأركان ستقوم بكل ذلك بدلاً عن هذه التشكيلات وهؤلاء والضباط وستقوم برسم هذه الحركات و"المبادرات" حرفياً وإعطائها لهذه القوات وكل ما على هذه القوات إذن هو التدرب عليه وتنفيذه كما هو.
المسألة يمكن تشبيهها تماماً ودون مبالغة بالسيناريو المعطى للممثل, حيث على الممثل أن يقول العبارة كذا في اللحظة كذا ويأتي بالحركة تلك في اللحظة تلك. رسمت هيئة الأركان المصرية لقواتها المسلحة سيناريو عبور قناة السويس ثم التقدم الذي يجري بعده وصد الهجمات الاسرائيلية المتوقعة. كذلك هيئة الأركان العراقية في بداية 1988. رسمت هيئة الأركان لكل لواء وكتيبة وسرية وأحياناً حتى فصيل أين يتمركز ومن أين ينطلق وما هي المسافة التي سيقطعها وفي اي ساعة واي دقيقة عليه ان يعبر النقطة كذا ومتى يلتفت إلى اليمين ومتى إلى اليسار, ومتى في اللحظة كذا تتجمع المشاة إلى جانب الدبابات والمدفعية بحيث يكون عملها منسقاً مع بعضها البعض, كما وضعت سيناريو طوارئ لكل الاحتمالات الممكن تخيلها, فإذا لم يأت هجوم العدو من اليمين فكيف يمكن صده من اليسار, وتدربت القوات على هذه الخطط عشرات المرات!! ولفترات طويلة على نماذج بالحجم الاصلي لتحصينات العدو وعلى أرض مشابهة, بحيث أصبح كل ضابط وكل جندي قد حفظ عن ظهر قلب كل خطوة وكل متر يقطعه وأين يتوقف ومتى يطلق النار, بل ويعرف مسبقاً ما هو رد فعل العدو وكيف عليه أن يتصرف.
يوم 6 اكتوبر حقق المصريون عبوراً ناجحاً ومفاجئاً للقناة دون تمكن الاسرائيليين من ايقافهم, ثم نزلوا على الضفة الشرقية ليبدأوا زحفهم شرقاً. وفور أن سمع الاسرائيليون النبأ أسرعت مدرعاتهم باتجاه الغرب ظناً منها أنها ما تزال تجابه نفس القديم, وكما هو متوقع تماماً من قبل هيئة الأركان هاجم الاسرائيليون يوم 7 عبر مواقع المشاة المصرية المزودة بالقاذفات الصاروخية, وبقيت هذه المشاة جالسة في مكانها وقد موهت نفسها ثم لتقوم بضرب الدبابات الاسرائيلية من الخلف وتعاونها المدرعات المصرية من الأمام.... ثم كرر الاسرائيليون الهجوم في اليوم التالي ليصابوا بفشل بائس مشابه, وكانت النتيجة مذبحة فقد فيها الاسرائيليون مئات الدبابات, اصابة الاسرائيليين بالذهول لمواجهة خصم قد غير تكتيكاته وصار قادراً على المناورة وتنسيق عمل اسلحته في جهد واحد.
بين 17 ابريل و12 يوليو 1988 تمكن الجيش العراقي أخيراً في عمليات خاطفة بالفاو وبحيرة السمك ومهران وجزر مجنون ودهلوران من تحقيق ما عجز عنه طوال الفترة السابقة ودفع في سبيله آلاف الضحايا. والفاو التي استعصت على الهجمات الضخمة العراقية والتي استخدم فيها حتى السلاح الكيمياوي دون فائدة سقطت بسرعة عجيبة, والوحدات العراقية البطيئة عادة والتي ترفض التزحزح والمناورة ومزج جهود اسلحتها المختلفة صارت تعمل بشكل مختلف تماماً عن سنوات الحرب السابقة, ونجحت في هذه الفترة من خمس هجمات سريعة في تدمير القوة الايرانية المقاتلة واخراجها من المعركة. وكان هذا النجاح نتييجة تطبيق نفس الوصفة, وتدربت قوات الحرس الجمهوري على هذه الهجمات لعشرات المرات لفترة طويلة على نماذج شبيهة بالعوائق التي كان عليهم ان يجابهوها وأخذوا اوامر رُسم فيها كل ردود فعل العدو المحتملة وكيف يمكن ان يتم الاستجابة لها.
ولكن كان هذا هو أقصى ما تستطيع القوات المصرية والعراقية تحقيقه (السوريين لجأوا إلى نفس العلاج ولكن ليس بنفصل التفصيل والتدقيق الممل كالمصريين وربما كان محدودية نجاحهم مقارنة بالمصريين يعود إلى ذلك).
كان يوجد في هذا الحل عيب كبير للغاية, وهو أن الامور ستبقى تسير على ما يرام طالما ان الاحداث المتنبأ بها ستحدث بالضبط كما هي, وطالما تم أخذ العدو على حين غرة وطالما دامت العمليات فترة قصيرة جداً.
فالخلل في هذا الحل أنه لا يمكن الاعتماد على سير العمليات بالصورة المتنبأ لها لأكثر من ايام قليلة. فبعد مرور هذه الايام لا يمكن توقع سير الاحداث كما تتوقع هيئة الأركان لها أن تقع, ولهذا إن دامت العمليات أكثر من هذه الفترة المحدودة فستعود الامور لتسير بشكل سيء. والعيب الآخر هو أنه حتى أثناء تنفيذ العمليات الممتازة حين تسير بعض الامور الصغيرة بشكل غير متوقع في الخطة فإن الوحدات المصرية والعراقية تعود إلى جمودها وتصلبها والاصرار على تنفيذ التعليمات الحرفية دون اهتمام بالواقع الجاري.
لقد كانت المشكلة الأكبر أن القوات العربية التي تدربت على هذه الخطط ونفذتها لم تكن قادرة على العمل بنفس الكفاءة والفعالية خارج إطار الخطة. إن القوات العراقية والمصرية التي نفذت هذه الخطط الممتازة وحققت نتائج جيدة لم تتعلم المناورة ولم تتعلم رد الفعل السريع على الأحداث الطارئة, ولم تتعلم مزج مشاتها ودباباتها ومدفعيتها... كل ما فعلته أنها قامت بنفس ما تعودت القيام به دائماً وهو التطبيق الحرفي لهذه الخطط, انها لم تتعلم فوائد ما جاء في هذه الخطط وتستفيد مما جاء فيها وتدخلها في نظامها وممارساتها, كل ما هنالك أن الأوامر هذه المرة جاءت بشكل أكثر دقة وحرفية وطبقتها هذه القوات بنفس الحرفية التي تعودت بها تطبيق الاوامر الأخرى.
طبعاً لنجاح هذه الخطط حدود, إذ لا يمكنها أن تنجح إلا حينما يتخذ الجيش المبادرة في الهجوم وبشكل مفاجئ ويجبر العدو على حركات متوقعة (مصر - اسرائيل) , أو حين يكون العدو ضعيفاً ومنهكاً ولا يملك ما يجابه به سرعة الحركة للجيش العربي الذي ينفذ هذه الخطة (العراق - ايران). أما إذا أخذ العدو زمام المبادرة وكان يتصرف بطريقة مفاجئة غير خاضعة للتوقع المسبق (امريكا - العراق) او أفاق من المفاجأة وبدأ يستعيد زمام المبادرة (اسرائيل - مصر) فإن مستوى التشكيلات العربية سيعود للانحدار مرة ثانية وستبدي نفس هذه التشكيلات التي أدت اداءاً ممتازاً في السابق أداءاً سيئاً في وقت لاحق.
لهذا بالضبط اقتصرت الهجمات العراقية في معظم الاحيان على عمليات سريعة خاطفة يتم التقدم فيها عدة كيلومترات إلى داخل الاراضي الايرانية وتنفيذ العمليات وتدمير العدو قبل العودة الى الانسحاب عبر الحدود لأن الاستمرار طويلاً كان سيعني الاضطرار الى خوض عمليات جديدة غير خاضعة لهذا النوع من التخطيط المفصل والدقيق للغاية وبالتالي سيؤدي إلى ظهور نفس المشاكل.
ولهذا السبب اقتصرت الجهود التخطيطية المصرية (الممتازة جداً بالمناسبة) للقادة الألمعيين اسماعيل علي والشاذلي والجمسي على نقل الجيش من الضفة الغربية الى الضفة الشرقية وتأسيس رؤوس جسور ثم صد الهجمات الاسرائيلية المتوقعة والبقاء في مواقعها, لسبب واحد انهم كانوا يعرفون ان المهارات التكتيكية لقواتهم لم تكن تسمح بعمليات اوسع من ذلك بما يعني ذلك من دخول عمليات غير مخططة لها نفس هذا التخطيط الدقيق الذي يتطلب وقتاً طويلاً, ودخول عمليات يكون فيه رد فعل العدو غير متوقع بما يتطلب ذلك من مهارات صغار القادة وبذل جهد ذاتي في اتخاذ المبادرة وتحقيق تنسيق الاسلحة المختلفة وهي المشكلة التي لم يمكن حلها في القوات المصرية برغم من جهود التدريب الطويلة. ولهذا رفض اسماعيل علي القيام بالهجوم يوم 14 اكتوبر لتخفيف الضغط عن سوريا, لأن الفرصة للتخطيط لمثل هذا الهجوم لم تكن متوافرة, والتشكيلات التكتيكية لم تكن قادرة على تنفيذ هذه المهمة بجهدها الذاتي. وأصر السادات على موقفه وفشل الهجوم الذي تحول الى كارثة خسرت خلالها مصر 256 دبابة في يوم واحد بسبب نفس المشاكل التكتيكية التي نوقشت في الحلقة الماضية على صفحة ايلاف (الحلقة الثالثة). كما أدى الجيش المصري اداءاً سيئاً على الضفة الغربية من القناة لأن مواجهة اختراق اسرائيلي عبر الدرفسوار لم يكن أمراً داخلاً في حسابات الخطط, ولم تكن القوات المصرية قادرة على القضاء على الهجوم الاسرائيلي (في رأي المؤلف) دون نفس النوع من التخطيط الدقيق المفصل والذي بكل الأحوال لم يكن لينجح لأن مثل هذا التخطيط يعتمد على مباغتة العدو وليس في مناخ يتخذ فيه العدو المبادرة.
وبنفس الطريقة لم يكن الجيش العراقي ان ينفذ ضد الامريكان والبريطانيين والفرنسيين نفس ما كان نجح فيه ضد الايرانيين بسبب سرعة الحلفاء ومهاراتهم التكتيكية الأعلى مقارنة بالايرانيين [الذين كانوا في مواجهتهم مع العراق يعانون ايضاً من مشكلة عتاد ومركبات كانت لا تجعلهم قادرين على مواكبة سرعة الهجمات العراقية].
إذن الحل الذي توصل اليه العراقيون والمصريون وبشكل جزئي السوريون نجح في حل مشاكل في ظروف معينة ولكن لم تسمح لهم أبداً في حل هذه المشاكل بشكل يضمن لهم أداءاً جيداً دائماً في حرب نظامية تتطلب الحركة السريعة واتخاذ المبادرة.
لقد كانت هيئات الأركان العراقية والمصرية صاحبة الفضل الأول [وربما الوحيد] في نجاحات 1973 و1988.
كيف حلت مشكلة المعلومات:
حل العراقيون والمصريون مثلاً مشكلة معلوماتهم الناتجة عن عدم جدية التشكيلات الدنيا في الاستطلاع وجمع المعلومات بطرق أخرى اعتمدت على الجهود الخاصة لهيئة الأركان في جمع المعلومات وكذلك الحصول على المعلومات من اطراف ثالثة.
ففي الحالة العراقية اعتمدت هيئة الأركان على جهود خاصة بها في اعطاء أوامر معينة ومتابعة اجراء الاستطلاعات بشكل شخصي من جانب اعضاء هيئة الاركان عشية كل هجوم بحيث ان جمع المعلومات صار ممكناً فقط بعد وصول اوامر محددة للتشكيلات الميدانية باستطلاع قاطع معين. ولكن المصدر الأهم للمعلومات كانت تلك المعلومات الاستراتيجية التي تم تزويده بها من قبل الأقمار الصناعية الامريكية التي كانت تراقب تحركات القطعات الايرانية وترصد مواقعها ونقاط تحشدها وبالتالي تعطي العراقيين فكرة محاور الهجوم الايراني. طبعاً مثل هذه المصادر للمعلومات لم تعد متاحة في 1991 كون المزود السابق اصبح عدو اليوم وكون الاتحاد السوفييتي اتخذ موقفاً محايداً [وربما اكثر ميلاً ضد العراق منه محايداً] وبالتالي لم يكن من الممكن الاعتماد على هذا ايضاً, وفي غياب اي جهود استطلاع بسيطة ميدانية كان الجيش العراقي يعيش في ظلمة مطبقة.
المصريون حلوا المسألة كما قلنا بسبب نجاحاتهم الاولية حيث لم تعد هناك حاجة للمستويات الدنيا الى المبالغة وتشويه الحقائق. ولكن مصدراً آخر هام جداً للمعلومات كان الاسرائيليين انفسهم, إذ كان المصريون قد اقاموا محطة استماع تتنصت على المحادثات اللاسلكية للقيادات الميدانية الاسرائيلية وبالتالي امكن معرفة التحركات الاسرائيلية بشكل جيد ودقيق [ولا غرابة إذ انها معلومات من الدرجة الاولى] وخاصة أن الاسرائيليين كانوا يجرون هذه المحادثات اللاسلكية دون ابداء الحذر المناسب. واستمرت الامور اذن تسير بشكل جيد حتى يوم 14 اكتوبر حيث نزلت قوة كوماندوس اسرائيلية قامت بتدمير محطة الاستماع ففقد المصريون هذا المصدر الهام, في حين عادت قواتهم إلى عدم الدقة والتهويل اوالتهوين في تقاريرها عن الاوضاع على الميدان وخاصة في اعقاب الاختراق الاسرائيلي الشهير (الدرفسوار), بشكل لم تعد فيه القيادة المصرية لفترة من الوقت عارفة بحقيقة مجريات الأمور.
وهكذا فإن هذه الحلول أيضاً جاءت بنتائج جيدة واحياناً ممتازة ولكنها كانت حلول لا تعتمد على الامكانية الذاتية بل على طرف ثالث يقدم هذه المعلومات طوعاً لأغراض سياسية وقتية (امريكا في حرب العراق وايران) او دون وعي منه (اسرائيل), ورأينا في الحالتين أن هذه الحلول كانت جزئية مؤقتة كانت بطبيعتها غير قادرة على اجراء تحسين دائم في الأداء العسكري العربي في هذا المجال وبالتالي كان لا بد أن تنتشر روح من الشفافية وادراك اهمية تبادل المعلومات على سلم القيادة والصراحة والدقة في ابلاغ التقارير.
ملاحظة جانبية: لم تأت دراسة كينيث بولاك على عوامل هامة كان لها دور كبير في عدة من الحروب, كما كان الحال في شحنات الاسلحة التي تدفقت على اسرائيل في 1948 والجسر الجوي الطارئ في 1973 الذي مكن اسرائيل من تعويض خسائرها بسرعة للتحول إلى هجوم مضاد. لكن في المقابل يمكن الرد على هذا أن هذه الامدادات رغم اهميتها فإنه لم يكن لتفيد في أي شيء لو ان الاسرائيليين لم يمتلكوا المهارات التكتيكية التي تؤهلهم للاستفادة منها. في المقابل فإنه في المناسبات التي امتلك فيها العرب تفوقاً في السلاح (ليبيا - تشاد او العراق- ايران) لم يتمكنوا من الاستفادة منها ومن طاقات هذه الأسلحة وتفوقهم فيها.
استنتاج المؤلف:
إذن الجيوش العربية أبدت نقاط قوة كبيرة من ناحية الشجاعة وتماسك الوحدات واعمال التموين, كما انها كانت تقاتل بشكل كفوء حين يكون القتال قتالاً ساكناً كالدفاع عبر استخدام الخطوط الدفاعية والتحصينات (العراقيين في مواجهة الهجمات الايرانية 1982-1986) او في الدفاع عن المدن (كما في حالة الدفاع العراقي الناجح عن جنين 1948 او الدفاع المصري الناجح عن مدينتي الاسماعيلية والسويس في 1973 والقتال الاردني الشرس داخل القدس الشرقية في 1967), وفي شن هجمات يتوفر لها هامش جيد من الوقت للتخطيط لها والتنسيق بشرط ان يتم الإشراف عليها من القادة الكبار (بعض النجاحات السورية في 1948 الهجمات العراقية 1988 والنجاح السوري والمصري الاولي في 1973. أما في حروب الحركة السريعة التي توجب أخذ المبادرة من جانب صغار الضباط والوحدات والتنسيق فيما بينها والدقة في نقل التقارير, فقد أبدت الجيوش العربية بشكل عام ضعفاً فيها واضح كان هو العامل الرئيسي في أداءها السيئ. ولم يكن لعامل درجة تسييس الجيوش العربية او احترافها أثر كبير في الأداء العسكري العربي في غياب الفعالية التكتيكية. فالجيش الأردني مثلاً سنة 1967 وهو جيش محترف غير مسيّس لم يقاتل بشكل أفضل بكثير من جيوش سورية ومصر 1967 التي كان التسييس ينهش فيها. كما أن درجة الاحتراف المهني ارتفعت في جيوش مصر وسوريا في 1973 ولم تؤد إلى تحسين كبير في أداء التشكيلات التكتيكية وكان التحسن هو في الأداء الاستراتيجي. والجيش السوري الذي كان مسيساً في 1982 بدرجة أكبر من 1973 قاتل رغم ذلك في لبنان بشكل أفضل مما كان الحال عليه في الجولان. والجيش العراقي تعرض لاصلاحات كثيرة اثناء الثمانينات أعطت للجانب الحرفي دوراً أكبر مما كان في السابق ولم يؤثر ذلك كثيراً في الأداء التكتيكي وإن كانت القيادة الاستراتيجية العراقية قد حسنت أداءها بشكل أكبر بكثير.
أما إلى أين يسير مستقبل الجيوش العربية إذا استمرت مشاكلها على هذا النمط, فمرهون بالتحولات التي تجري على نمط الصراع العسكري الذي يجري الآن وسيستمر لعدة سنوات قادمة قبل اتخاذ شكلها الواضح. فالمؤلف يرى أنه في كل عصر تسيطر قيم وفضائل عسكرية مختلفة وربما يأتي يوم يأتي فيه نوع من الحرب تكون فيه ممارسات وخصائل العرب و[ربما نقاط ضعفهم] نقاط قوة جديدة تعيد لهم نفس الأمجاد التي رافقت جيوشهم عند اندفاعها من جزيرة العرب قبل 1400 سنة. وفي المقابل يمكن أن تكون الحرب القادمة حرباً تعتمد أكثر على نفس الخصائل التي تشكل نقطة ضعف الجيوش العربية وبالتالي سيزيد الفارق النسبي بين أداء الجيوش العربية ومثيلاتها من جيوش العالم.
كيف لنا نحن أن ننظر إلى هذه المشكلة وما هو الحل؟
إلى هنا إذن ينتهي كلام الخبير العسكري كينيث بولاك, وربما لنا الآن أن نعلق بعض الشيء على ما جاء في كتابه Arabs at War. ربما لنضع بعض النقاط على الحروف ونبدأ بآخر جملتين في الفقرة السابقة فيما يتعلق بمستقبل الحرب, فلا بأس أن نؤكد أن العقائد العسكرية يبدو أنها تتجه في مجال القيادة إلى المزيد من التأكيد والاعتماد على اللامركزية في القيادة وازدياد الحاجة في المستقبل (بسبب تسارع وتيرة العمليات العسكرية المستقبلية) إلى الاعتماد على المبادرة الذاتية لصغار الضباط وحريتهم في اتخاذ القرارات واتخاذ ردود الفعل في إطار الخطة والأهداف العامة. على الأقل هذا ما استطيع أن استشفه أنا من اطلاعي على العقيدة العسكرية الرسمية للقوات البرية الهولندية (في منشورها الرسمي Militaire Doctrine) التي تشكل جزءاً من الناتو والتي يتم توليف عقيدتها العسكرية للتتناغم مع تلك الموجودة في الدول الأعضاء الرئيسية في الحلف, بل إن هذه العقيدة العسكرية الهولندية تؤكد أنه يجب تدريجياً أن يكون هذا المبدأ في إعطاء هامش للحركة لصغار القادة والاعتماد على خصالهم وامكاناتهم ومبادراتهم الخاصة مبدأ إلزامياً. وبالتالي نستطيع توقع ازدياد فارق الأداء التكتيكي بين الجيوش الغربية وتلك العربية اذا ظلت الجيوش العربية ضعيفة في هذا المجال. كما أن هذا مبدأ تحض عليه دراسات عسكرية حديثة أخرى (ربما من أفضلها Phantom Soldier) رأت في هذه النقطة بالتحديد عاملاً رئيسياً ومهماً تمكنت به جيوش آسيوية في القرن العشرين كالجيش الياباني في الحرب العالمية الثانية, والجيش الصيني في حرب كوريا, والفييتنامي في حرب الهند الصينية الاولى والثانية, اقول تمكنت به من مجابهة ومواكبة التفوق الناري الهائل الغير مسبوق الذي امتلكته قوى غربية وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعلى هذا فإن مستقبل القتال العسكري التقليدي العربي سيبقى موضع قلق طالما لم يتم تشريب هذه المبادئ داخل الجيوش العربية.
النقطة الثانية الملفتة في هذه الدراسة هي ما تطرحه من تحاليل ومفاهيم غالباً ما تكون بالضد من التفسيرات التقليدية العربية للهزائم العسكرية التي عانت منها جيوش العرب في الخمسين سنة الأخيرة. وغالباً ما تذهب هذه إلى إلقاء اللوم بكامله على القيادات العليا فهي تارة قيادات تتسم بالخيانة او بعدم الجدية في افضل الأحوال او بعدم الكفاءة العسكرية. وألقي اللوم في هزائم العرب كلياً على افراد معينين هم كبعد الناصر والمشير عامر وصدام حسين والملك حسين الخ الخ. على كل لا يمكن تبرئة هؤلاء من مسؤولياتهم سواء في ادارة العمليات العسكرية والتدخل في شؤونها بلا كفاءة واحياناً بلا مؤهل (كما في حالة صدام) او الارتباك واتخاذ القرارات المتضاربة (المشير عامر).
لكن كينيث بولاك رغم تحليله للاخطاء الاستراتيجية للقادة الكبار لم يخرج الا بنتيجة لا تعجب الغالبية منا بالتأكيد, وهي أن الخلل الأساسي ليس في القيادات العليا بل في المستويات الدنيا من الضباط.(والوحيدين الذين يبرئهم كينيث من الأخطاء على مر التاريخ العسكري العربي هم الجنود الذين أدوا ما كان متوقعاً منهم). وهو استنتاج بالتأكيد لا يعجب الغالبية منا (وحتى انا) ليس فقط لأنه يلقي باللوم على أغلبية بدلاً من أقلية صغيرة, بل لأن القبول بهذا الاستنتاج يعني أن اصلاح الأداء العسكري العربي سيكون مهمة أصعب من مجرد اختفاء الشخصيات القيادية العليا التي ارتبط اسمها تقليدياً بالمسؤولية الكاملة عن الهزيمة, وسيتعداها إلى مسيرة معقدة تحاول تغيير نظام عسكري كامل والروح والثقافة التي تسود فيها وتسود المجتمع الذي يخرج هذه المؤسسة العسكرية.
قبل عدة سنوات هنا [ربما كان ذلك في سنة 2000 ان لم يخب ظني] في هولندة (مدينة دوردريخت) حضرت ندوة لعدد من العسكريين العراقيين ناقشوا فيها تاريخ الجيش العراقي وطرحوا مسألة المركزية الشديدة في القيادة وعدم إعطاء فسحة مجال لصغار القادة باتخاذ مبادراتهم الخاصة دون الرجوع إلى القيادة العسكرية العليا, وبالتالي القوا بالمسؤولية عن هذا العيب الخطير على المركزية الشديدة في القوات المسلحة والمسؤولة عنها القيادة العليا بشكل عام. وهذا صحيح إلى حد كبير وتذهب الدراسة المعروضة هنا نفس المذهب جزئياً فقط, ولكن المشكلة ذات أطراف متعددة, والمسؤولية مشتركة وحينما يرفض طيارون مصريون طلب الخبراء السوفييت سنة 1967 انقاذ عدة طائرات قبل ان يتم القضاء عليها بحجة عدم وجود اوامر بذلك, او ترفض المدافع السورية توجيه نيرانها نحو القوات الاسرائيلية المتسلقة للهضبة وتضرب بدلاً من ذلك المستوطنات الاسرائيلية في وادي الحولة وهو تصرف لا قيمة عسكرية له اطلاقاً رغم مناشدات القادة السوريين والمستشارين السوفييت, وحينما يرفض قائد لواء عراقي سنة 1991 انجاد فرقة عراقية بل لا يطلب من قائده الإذن بذلك ولا حتى يوصل خبراً بالأمر فهذه تصرفات غير مبررة اطلاقاً ولا يمكن إلقاء اللوم بها على القيادات العليا. إن هذا العرض يظهر انه كانت هناك مشاكل كبيرة جداً في الجيوش العربية هي مشاكل تحسنت على المستويات العليا وبقيت في مجملها في المستويات الدنيا, وهي مسائل تدعو للعجب وإلى ضرورة البحث عن تفسير اجتماعي لهذا. [لم يأت المؤلف على هذه الناحية من محاولة تفسير الخلفية الاجتماعية لهذه المشاكل إلا اللهم تلميحاً سريعاً للمشاكل المتعلقة بصيانة الاسلحة واستيعاب السلاح الحديث كما جاء في الحلقة الثانية].
مسألة عدم الدقة وربما عدم الصدق في نقل التقارير واحتكار المعلومات مسألة تعتبر غريبة بعض الشيء في مجتمع تحض ثقافته الدينية نظرياً على الأقل على الصدق بل ترى أن المؤمن يمكن أن يكون أي شيء إلا أن يكون كاذباً. لكن في المقابل الانتشار الغير ضئيل لمشاعر الخجل من الفشل والاعتراف بالأداء السيء والاهتمام بالدفاع عن سمعة ادائك بأي ثمن لا شك تدفع إلى هذه المبالغات في نقل التقارير وأحياناً الكذب كي يتم تبرير وتقبل فشل الأداء العسكري. على كل من الصعب قياس ذلك كماً وتحديد مدى انتشار مثل هذه القيم والمشاعر ومدى فعاليتها وبالتالي الدور الذي تلعبه في الأداء العسكري العربي ولكن نذكرها هنا فقط لأخذها في الحسبان. وازعم أن هناك تفضيلاً في مجتمعاتنا العربية على تجنب أن يكون المرء ناقلاً للأخبار السيئة أو على الاقل حين ينقلها فهو يعمل ما وسعه على التدرج بها وتجزئتها وعدم نقل الصدمة مرة واحدة [والدوافع لهذا التصرف يمكن وصفها بأنها دوافع انسانية جيدة ومحمودة] ومن قبيل ذلك على سبيل المثال حين أسمع بعض الناس من المعارف يعلقون مثلاً بسلبية على قيام طبيب هولندي او طبيب غربي بشكل عام, بنقله للمريض خبر اصابته بمرض عضال او انه على وشك الموت او غير ذلك, مرة واحدة ود