(الجزء الأول): تحديد تحدي التسوية
"هذه المقالة هي الجزء الأول من المرصد السياسي المكوّن من جزئين الذي يحلل «تقرير "اللجنة الرباعية"» الدولية حول الشرق الأوسط الذي صدر في 1 تموز/يوليو. ويركز هذا الجزء على المستوطنات والتحديات الإسرائيلية الأخرى؛ وسوف يركز الجزءالثاني على التحديات الفلسطينية المتعلقة بالعنف والتحريض، ومأزق غزة، والوحدة الداخلية".
في نهاية الشهر الماضي، نشر وزراء خارجية يمثلون عدة دول تقريراً طال انتظاره يحدد العقبات التي تحول دون حل الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني، ويقدم توصيات بشأن السياسات المتعلقة بها. وقد حذر التقرير، الصادر عن "اللجنة الرباعية" للشرق الأوسط، وهي عبارة عن منتدى تنسيق يضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والأمين العام للأمم المتحدة، من أن الآمال المعلّقة على حل الدولتين أصبحت "بعيدة على نحو متزايد"، وأنه لا بد من اتخاذ خطوات "لمنع ترسيخ واقع الاحتلال والصراع الدائمين في إطار الدولة الواحدة".
نقد متوازن بشكل عام
كان نص التقرير أكثر توازناً مما خشيت إسرائيل أن يكون، محملاً الطرفين مسؤولية المأزق الحالي بدلاً من التركيز فقط على المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية. وقد أكّد التقرير، في جوهره، على أن ثلاثة عوامل شاملة تعيق حل الدولتين: النشاط الاستيطاني الإسرائيلي، والتحريض الفلسطيني على الإرهاب (بما في ذلك الفشل في إدانة الهجمات ضد الإسرائيليين)، وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على فرض سيطرتها على قطاع غزة (مما أدى إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي في القطاع في ظل حكم حركة «حماس»).
ومن جهتها، سارعت القيادة الفلسطينية إلى الاعتراض على هذا التوازن، لأنها توقعت أن يلقي التقرير المسؤولية بكاملها على إسرائيل. وقد ذكر الأمين العام لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" صائب عريقات أن التقرير "لا يلبي توقعاتنا" لأنه "يحاول المساواة في المسؤوليات بين شعب يعيش تحت الاحتلال وبين المحتل العسكري الأجنبي". ودعا رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس مجلس الأمن الدولي إلى رفض التقرير.
والجدير بالذكر أن "اللجنة الرباعية" لم تدعُ لاستئناف فوري للمحادثات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية، واختارت التسوية على المبدأ العام القائل بأن "النتيجة القائمة على [حل] الدولتين والتي يتم التفاوض عليها هي السبيل الوحيد لتحقيق سلام دائم". وكانت التقارير السابقة لـ "اللجنة الرباعية" قد دعت بشكل روتيني إلى التجديد الفوري وغير المشروط للمحادثات.
المستوطنات و "المنطقة (ج)"
أعاد التقرير التأكيد على موضوع ورد في خلال بيانات "اللجنة الرباعية" الدولية منذ الخريف الماضي، وهو تحسين التعاون الثنائي في "المنطقة (ج)"، وهي القسم من الضفة الغربية الذي يقع تحت السيطرة الإسرائيلية الرسمية، من خلال نقل بعض المسؤوليات غير العسكرية إلى السلطة الفلسطينية، مثل السكن والمياه والطاقة والزراعة والتخطيط والعمران. ولم يدعُ التقرير إلى إعادة تصنيف رسمي لـ "المنطقة (ج)" (التي تشكل 60 في المائة من الضفة الغربية) إلى "منطقتيْ (أ) أو (ب)". وحالياً، تتألف نحو خمس أراضي المنطقة من مناطق حضرية فلسطينية حيث السيطرة الأمنية للسلطة الفلسطينية أكثر وضوحاً ["المنطقة (أ)"]، في حين يشمل الخمس الآخر ضواحي المدينة/الضواحي الريفية حيث تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة الأمنية العامة وتتولى إسرائيل السيطرة الأمنية الشاملة ["المنطقة (ب)"]. ويعيش عدد قليل نسبياً من الفلسطينيين في "المنطقة (ج)"، التي تشمل أماكن مثل وادي الأردن، مع الإشارة إلى أن الأرقام الدقيقة لهذا العدد غير متوافق عليها.
ووفقاً للتقرير، فإن "استمرار سياسة الاستيطان والتوسع وتخصيص الأراضي للاستخدام الإسرائيلي الحصري، والحرمان من التنمية الفلسطينية كلها عوامل تؤدي بثبات إلى إلحاق الضرر بجدوى حل الدولتين". كما أشار إلى أن "نحو 70 في المائة من "المنطقة (ج)" خصصت من جانب واحد للاستخدام الإسرائيلي الحصري، غالبيتها من خلال إدراجها في حدود مجالس المستوطنات المحلية والإقليمية أو ضمن "أراضي الدولة". إن كل نسبة الـ 30 في المائة تقريباً المتبقية من "المنطقة (ج)"، والتي بغالبيتها عبارة عن ملكية فلسطينية خاصة، هي في الواقع خارج حدود التنمية الفلسطينية لأنها تتطلب تصاريح من السلطات العسكرية الإسرائيلية، وهي تصاريح لم يتم منحها أبداً تقريباً". وبالفعل، أغلقت إسرائيل جزءاً كبيراً من "المنطقة (ج)" باعتباره منطقة عسكرية.
وقد أضفت السلطات الإسرائيلية، أو أنها في طور إضفاء، الشرعية على 32 من أصل 100 بؤرة استيطانية غير قانونية، على الرغم من الوعود الماضية بتفكيك المستوطنات التي تعتبر غير قانونية بموجب القانون الإسرائيلي. ويُعتقد أن الأغلبية الساحقة من البؤر الاستيطانية موضع البحث تقع وراء الحاجز الأمني. بالإضافة إلى ذلك، يشير التقرير إلى أن إسرائيل لم تعطِ الفلسطينيين إمكانية الوصول الاقتصادي إلى "المنطقة (ج)"، التي تعتقد "اللجنة الرباعية" أنه المفتاح لإقامة حل الدولتين.
إن النتيجة التي يمكن استخلاصها من التقرير هي أن الخطوات التي تتخذها إسرائيل تتفق مع الرأي القائل بأنه يجب ضم 60 في المائة من الضفة الغربية كجزء من اتفاق للوضع النهائي فيما تحافظ السلطة الفلسطينية على الأراضي التي تسيطر عليها الآن ["منطقتيْ (أ) و (ب)"]. وقد أعربت شخصيات سياسية مؤثرة، مثل وزير التعليم نفتالي بينيت، عن هذا الرأي علناً. ويميل مستشارو رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى إضفاء طابع خيري أكثر على منهجيتهم فيقولون إن إسرائيل تركز أكثر على التفاوض على التكتيكات: فهي تريد التمسك بأكبر عدد ممكن من البطاقات الإقليمية في أي اتفاق على الوضع النهائي، لذا فإنها لا ترى أي حافز يدفعها إلى تقديم تنازلات في "المنطقة (ج)" في الوقت الحالي. ولكن بينما لا تلوح أي محادثات في الأفق، هناك عدد قليل من المراقبين الذين هم على استعداد للاقتناع بهذا التفسير، في الوقت الذي يعتقد فيه عدد أكبر أن إسرائيل تريد الحفاظ على سيطرة غير محددة على "المنطقة (ج)" حتى لو أنها لا تقوم رسمياً بضم تلك الأراضي. وعلى هذا النحو، يبدو أن "اللجنة الرباعية" تعتقد أن السياسة الإسرائيلية قريبة من وجهة نظر بينيت وإن لم تكن مطابقة لها.
إن هذه التصورات قد حفزت الجهود لتدويل العملية، مع اقتناع العديد من الجهات الفاعلة بأن الطرفين غير مستعدين للتحرك بمبادرتهما. وقد رحب «تقرير "اللجنة الرباعية"» بمؤتمر السلام الذي عقد في حزيران/ يونيو في باريس، والذي توقع البعض أن يشكل مقدمة لمعايير الوضع النهائي التي ستُفرض في مجلس الأمن الدولي في خريف هذا العام. وفي هذه المرحلة، يعتقد رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس أن حل الدولتين المفروض دولياً سيكون أقل تكلفة وأكبر فائدة من أي قرار آخر يمكن أن ينتج عن المفاوضات المباشرة مع إسرائيل.
ولحسن الحظ، يتميز «تقرير "اللجنة الرباعية"» بالذهاب إلى أبعد من البيانات السابقة في تحديد المناطق التي يقيم فيها المستوطنون الإسرائيليون على وجه التحديد. وفي حين أنه لا يأتي على ذكر الحاجز الأمني بحد ذاته (في إطار الحساسيات الفلسطينية التي تعارض النشاط الاستيطاني في أي مكان)، يلمّح التقرير بوضوح إلى الواقع الذي خلقه الحاجز من خلال تكرار استخدام عبارة "في عمق الضفة الغربية" لوصف المناطق التي يعيش فيها 85 ألف من أصل 370 ألف من المستوطنين في الضفة الغربية، وليس من ضمنهم أولئك الذين يعيشون في القدس الشرقية. وبعبارة أخرى، يقيم 23 في المائة فقط من المستوطنين "في عمق الضفة الغربية،" أي في تلك المناطق على الجانب الفلسطيني من الحاجز التي تشكل 92 في المائة من مساحة الضفة الغربية. أما نسبة 77 في المائة الآخرين فيقيمون في الكتل المجاورة إلى حد كبير لخط ما قبل عام 1967 والتي تشكل حوالي 8 في المائة من مساحة الضفة الغربية.
كما يشرح التقرير أنماط النمو الاستيطاني. أولاً، يشير إلى زيادة عدد المستوطنين الإجمالي بـ 80 ألف شخص بين عامي 2009 و2014، ويضيف أن عملية "تطوير الخطط وإصدار العطاءات" للبناء خضعت لـ"تباطؤ ملحوظ" بعد منتصف عام 2014. وبعد ذلك يبين التقرير أن 16 ألفاً (أو 20 في المائة) من هؤلاء المستوطنين الجدد يقيمون "في عمق الضفة الغربية"، في حين يقيم الـ 64 ألف آخرين (80 في المائة) في الكتل بالقرب من الحاجز الأمني. بعبارة أخرى، إن نسبة نمو المستوطنين بالقرب من الحاجز مقابل نسبة نموهم في مكان آخر هي 80 في المائة مقابل 20 في المائة. ويقيناً أن نمو عدد المستوطنين لا يرتبط دائماً بشكل مباشر مع عدد الوحدات السكنية الاستيطانية المبنية حديثاً، بيد أنه من الواضح وجود صلة ما، ومن المرجح أن يستشهد الإسرائيليون بالتقرير ليثبتوا أن نمو معظم المستوطنات يحدث بالقرب من الحاجز، وليس على مسافة بعيدة خارجه. ومن ثم مرة أخرى، سيطالب البعض الآخر بمبررات عن سبب بناء أي مستوطنات خارج الحاجز [الأمني] على الإطلاق.
وأخيراً، يشير التقرير إلى أنه تم البدء ببناء 9000 وحدة سكنية استيطانية في الضفة الغربية ما بين عامي 2009 و2014، لكنه لا يحدد أماكن بناءها. وقد تم إدراج جميع المستوطنات ضمن "المنطقة (ج)"، سواء كانت متاخمة للقدس (على سبيل المثال، غوش عتصيون) أو واقعة شرقاً أقصى الجدار (على سبيل المثال، إيلون موريه). وهنا لكان من المفيد القيام بالتمييز نفسه الذي تم في مناقشة عدد المستوطنين. ويحدد التقرير ايضاً أن إسرائيل أضافت 3000 وحدة أخرى في القدس الشرقية.
المحصلة
يلمّح «تقرير "اللجنة الرباعية"» أن هناك ما يكفي من اللوم لتوزيعه بين الإسرائيليين والفلسطينيين فيما يخصّ المأزق الراهن، ويتخذ خطوة أولى أساسية في تحديد الأماكن التي يحصل فيها النشاط الاستيطاني أم لا يحصل. وبالطبع، يمكن للمرء أن يجادل بأن البناء في أي مستوطنة، بما في ذلك في الكتل بالقرب من الحاجز الأمني، يأتي بنتائج عكسية لأن بعض المناطق داخل هذه الكتل تطرح إشكالية خاصة (على سبيل المثال، أريئيل). ولكن بحد ذاتها، لا تثبت أحدث بيانات "اللجنة الرباعية" أن حل الدولتين مستحيل، لا سيما إذا كان التقرير صحيحاً حول "تباطؤ ملحوظ" في النشاط الاستيطاني الجديد منذ عام 2014.
وفي الوقت نفسه، يشير التقرير بوضوح إلى المشقات التي تواجه الطرفين حول قضية المستوطنات، وإلى الحاجة إلى تجنب واقع الدولة الواحدة. فبالنسبة إلى إسرائيل، من المرجح أن تكون استراتيجية البناء خارج الكتل بالقرب من الحاجز الأمني كورقة مساومة في المفاوضات المستقبلية التي لم تلح في الأفق بعد أكثر تكلفة بكثير من الفوائد المحتملة. وفي الوقت الحالي، فإن أي سياسة استيطان مماثلة ستحد من الأساس المنطقي للتوصل إلى حل الدولتين الذي لا يزال يشكل رغبة إسرائيل المعلنة.
وبهذا المعنى، يؤكد التقرير على الحاجة لسياسة استيطان إسرائيلية أكثر وضوحاً. وبينما يفضل الفلسطينيون عملية التدويل، يعارضها الإسرائيليون، لذا يجب أن تولي إسرائيل اهتماماً كبيراً لاتخاذ خطوات لتجنب المزيد من التدخل الخارجي. وفي الواقع، لدى إسرائيل عوامل كثيرة معرضة للخطر لدرجة أنها قد تحتاج إلى النظر في إطلاق مبادرة دبلوماسية خاصة بها تكون مستندة على فكرة الإعلان عن أنها لن تقوم بعد الآن بتوسيع المستوطنات خارج الحاجز الأمني.
-------------
ديفيد ماكوفسكي هو زميل "زيغلر" المميز ومدير مشروع عملية السلام في الشرق الأوسط في معهد واشنطن. مصدر