لم تكن مظاهرات 17 أكتوبر وليدة الصدفة، بل كانت تعبيرا صادقا على مدى الوعي الذي وصل أليه الشعب الجزائري في ظل الهيمنة الاستعمارية التي حاولت بكل ما أوتيت من قوة طمس مقوماته و إخماد وطنيته ، لكنها لم تفلح في ذلك ، نظرا لأمان هذا الشعب بقضيته العادلة التي كانت تتطلب منه نضالا مستميتا و شجاعة نادرة ، فكانت مظاهرات 17 أكتوبر 1961 التعبير الحقيقي لنضجه السياسي
. لقد هزت هذه المظاهرات فرنسا من الداخل وكانت إحدى الحلقات المهمة في تاريخ الثورة التحريرية حيث أنه وبحلول عام 1961 وبالتحديد في 17 من أكتوبر ، كانت الهمجية الفرنسية قد وصلت ذروتها في معاملتها لأبناء الجالية الجزائرية في فرنسا ، فالعديد منهم زج بهم في غياهب السجون و المحتشدات و منهم من استشهد و هناك من نقل إلى السجون و المحتشدات بالجزائر لا لشيء إلآ لكون الجزائري هذا ساند ثورته بماله ، و ما يملك .
كان الهدف من هذه العمليات المسلحة داخل التراب الفرنسي هو الضغط علي السلطات الفرنسية حتى تتوقف عن عملية تدعيم تواجدها العسري داخل الجزائر الذي أثر سلبا على المجاهدين ، و بالتالي التخفيف من الضغط العسكري المتزايد . لذا رأت فدرالية جبهة التحرير الوطني أنه من الضروري القيام بمسيرة سلمية تعبيرا عن الوضعية المزرية التي آلت إليها الجالية الجزائرية من جراء المعاملات اللاإنسانية ، و بسبب الظلم و الإضطهاد اليومي الذي كانت تتعرض له وقد جعلت من باريس العاصمة الفرنسية نقطة إنطلاق للمظاهرات التي شملت فئات عديدة كان علي رأسها العمال و الطلبة ، و حتى النساء و الأطفال، ليتسع لهيبها في جل المناطق الستة حيث التواجد الجزائري بكثافة و كذالك حيث السيطرة الفعلية للفدرالية و بالتالي انضم إلى هذه المسيرة بعض الفرنسيين المحبين للسلام.
من أشهر المحتشدات التي خصصتها السلطات الفرنسية للجزائريين داخل التراب الفرنسي نذكر منها : سان موريس لوزاك - لردواز إلخ . و ما أن بدأت الشعارات و الصيحات تدوي في شوارع باريس و ضواحيها حتى واجهتها السلطات بكل قسوة رغم سلميتها ، مستعملة كل أنواع الردع بما فيها الذخيرة الحية ، و قد سالت دماء الجزائريين غزيرة من أجل كلمت حق لا أكثر ، و بعد تفريق المتظاهرين ، بدأت الاعتقالات بين صفوفهم و محاكمتهم محاكمات غير عادلة ، هذا إن لم نقل محاكمات جائرة و بدأت الشرطة السرية في مداهمة المهاجرين محاولة منها كشف المنظمة السرية و تفكيكها ، و بالتالي ضرب جبهة التحرير الوطني في الصميم .
لقد كانت مظاهرات 17 أكتوبر منظمة ومعدة من طرف فدرالية جبهة التحرير الوطني ، و كانت كذلك بمثابة دفع قوي للثورة خارج حدودها الإقليمية ، و برهنت علي مدي قوة الترابط العفوي بين أبناء الجزائر في الداخل و الخارج . و بالتالي فإنها حلقة من حلقات نضال هذا الشعب الأبدي عبر مراحل كفاحه التحريري ، و عكست مدي وعي و نضج الجالية الجزائرية المهاجرة بمصير وطنها ، و أن المطالبة بالاستقلال و العمل علي تحقيقه بكل الطرق ، السلمية منها أو العسكرية و ما هذه المظاهرات في حد ذاتها إلاّ تعبير صادق عن قوة و إيمان الجالية المهاجرة بحتمية ثورة نوفمبر و تحديا كبيرا لأعتى قوة استعمارية و تحسيسها بأن إرادة الشعوب لا تقهر .
http://www.elbilad.net/article/detail?id=21780