ابن حميدو، من منا لا يعرف هذا الاسم؟ شخصية كوميدية لبحار ساذج لا يعرف حتى العوم، هذا ما أظهره لنا الفيلم السينمائي وهذا ما أراده صانعو السينما بالعالم خاصة أمريكاـ فإلى من زيفوا التاريخ ليس الأمر كما ذكرتم، وليس الطرح كما طرحتم فالحقيقة باقية، والتاريخ له رجال.
أرادت أن تمحوا أمريكا من ذاكرة الدنيا اسم وشخصية ذاك البحار العظيم الذي أجبرها على دفع الجزية صاغرين، إنه البحار المجاهد (ابن حميدو) فمن هو ابن حميدو؟
هو محمد بن علي الملقب بحميدو. ولد في حي القصبة (الجزائر العاصمة) سنة 1770، وقيل (1773م)، كان أبوه خياطًا بسيطًا ومعروفًا عند أهل القصبة، وهو من عائلة جزائرية تعود جذورها إلى مدينة يسر. ويسر هي عاصمة إمارة الثعالبة في القرن الرابع عشر الميلادي، والثعالبة قبيلة عربية تعود في نسبها إلى بني ثعلبة بن بكر بن وائل إحدى قبائل ربيعة بن نزار.
لم يكن الطفل حميدو مهتمًّا بحرفة أبيه بل كان معجبًا بالقصص والحكايات التي يسمعها عن رياس البحر في ذلك الوقت ويومًا قال لأبيه: “سأصبح رئيسًا للبحر عندما أكبر …” لكن والده أجابه بأنه لا يستطيع أن يصبح قائد أسطول لأنه جزائري وليس تركي (حيث كان الشائع منذ وطأت أقدام “آل بربروس العظام” أن الأتراك هم الذين يتولون المناصب الهامة في البحرية). عشق (حميدو) البحر وتوجه إليه منذ صغره فكان يتردد على السفن ويشارك البحارة في رحلاتهم مثل الرايس شلبي الذي أعجب بشجاعته وبحنكته الفريدة.
قدر عدد البحارة الجزائريين في عهد الرايس حميدو أشهر قادة البحرية الجزائرية إلى أكثر من 130 ألف بحار، ومن أشهر السفن الحربية الجزائرية وقتها (رعب البحار، مفتاح الجهاد، المحروسة ) وغيرها. سطع نجم البحرية الإسلامية الجزائرية في ذلك الوقت وتمكن الأسطول الجزائري من الوصول بعملياته إلى إسكتلندا والمحيط الأطلسي، حيث قتل الرايس حميدو سنة 1815 في معركة مع البحرية البرتغالية والأمريكية.
الريس حميدو أميرًا للبحر
في سن الخامسة والعشرين أصبح حميدو رايسًا وترقى من بحّار إلى ضابط، ثم إلى أمير للبحر وأصبح يقود أسطولاً في مياه مرسى وهران، كان صعود الرايس حميدو وتسيّده على إمارة البحرية الجزائرية يتوافق مع قيام الثورة الفرنسية ومجيء نابليون للحكم، وما أعقبه من فوضى عارمة في أوروبا، تمكن خلالها الرايس حميدو من انتهاز هذه الفرصة لتقوية الأسطول الجزائري، في إحدى معاركه البحرية استطاع أن يستولي على واحدة من أكبر سفن الأسطول البرتغالي وهي سفينة «البورتقيزية» المزودة بـ 44 مدفعًا وعلى متنها 282 بحارًا، ثم أضاف إليها سفينة أمريكية هي «أمريكانا» هذا بالإضافة إلى سفينته الخاصة، وأصبح أسطوله الخاص هذه السفن الثلاث، ومن أربعة وأربعين مدفعًا فرضت سيادتها على البحر لأكثر من ربع قرن.
أمريكا تدفع الضريبة لدولة الخلافة العثمانية “يا لعزة الإسلام”
في زمن قيادته للبحرية الجزائرية فرض الرايس حميدو ضريبة على الولايات المتحدة. فبعد أن نالت أمريكا استقلالها عن بريطانيا بدأت السفن الأمريكية ترفع أعلامها لأول مرة اعتبارًا من سنة 1783م، وأخذت تجوب البحار والمحيطات. وقد تعرض البحارة الجزائريون لسفن الولايات المتحدة، فاستولوا في يوليو 1785م على إحدى سفنها في مياه (قادش)، بعد ذلك استولوا على إحدى عشرة سفينة أخرى تابعة للولايات المتحدة الأمريكية وساقوها إلى السواحل الجزائرية.
ونظرًا لحداثة استقلال الولايات المتحدة ولعدم امتلاكها قوة بحرية رادعة، فقد كانت عاجزة عن استرداد سفنها بالقوة العسكرية، لذا فقد اضطرت إلى الصلح وتوقيع معاهدة مع الجزائر في 5 سبتمبر 1795م ، تدفع بموجبها واشنطن مبلغ (62 ألف دولار ذهبًا) للجزائر لقاء حرية المرور والحماية لسفنها في البحر المتوسط، وتضمنت هذه المعاهدة 22 مادة مكتوبة باللغة التركية.
تعد هذه الوثيقة من الوثائق النادرة والفريدة، فهي تعد المعاهدة الوحيدة التي كتبت بلغة غير الإنكليزية التي وقعت عليها الولايات المتحدة الأمريكية منذ تأسيسها حتى اليوم، وفي الوقت نفسه تعد هي المعاهدة الوحيدة التي تعهدت فيها الولايات المتحدة بدفع ضريبة سنوية لدولة أجنبية، وبمقتضاها استردت الولايات المتحدة أسراها، وضمنت عدم تعرض البحارة الجزائريين لسفنها.
لكن عندما جاء الرئيس جيفرسون إلى الحكم رفض دفع الضريبة المقررة، لذا فقد قامت البحرية الجزائرية بالرد والاستيلاء على السفن الأمريكية العابرة للبحر المتوسط، على إثر ذلك أرسلت الولايات المتحدة الأمريكية قطعة بحرية إلى البحر المتوسط لأجل الانتقام للهجمات التي تعرضت لها سفنها في سنة 1812، وكانت هذه القطعة بقيادة (كومودور دوكاتور)، وكان من المهام المكلف بها هذا القائد إجبار الجزائريين على تقديم اعتذار للولايات المتحدة واسترجاع الأسرى الأمريكيين وإنهاء دفع الضريبة المفروضة على السفن الأمريكية في البحر المتوسط والسماح لها بحقوق الزيارة.
من أجل ذلك أرسل الرئيس الأمريكي بعض سفنه للقضاء على الرايس الكبير الذي أذل أمريكا وأخضعها لقوانين بلاده، ونشبت معركة كبرى بين قطع الأسطول الأمريكي تسانده بعض قطع الأسطول البرتغالي على قول بعض المصادر ضد الأسطول الإسلامي. وبالرغم من تفوق السفن الجزائرية، فإن قذيفة مدفع قوية أصابت الرايس حميدو مما أدى إلى مصرعه. وكان ذلك في يوم (16 يونيو 1815)، وأمّ حاكم البلاد حينها الداي (عمر باشا) شخصيًّا صلاة الغائب التي أداها الجزائريون على روح بطلهم الرايس حميدو، وأعلن الحداد في كل أنحاء الجزائر لمدة ثلاثة أيام.
عاش عظيمًا ومات مجاهدًا مرابطًا في سبيل الله
وفي قلب العاصمة الجزائرية ، وتحديدا في ساحة الشهداء ينتصب تمثال شامخ لواحد من أشهر ربابنة البحر الجزائريين .. إنه الريس حميدو بن علي.
وتقديرًا لهذا المجاهد الكبير قام السلاح البحري الجزائري بإطلاق اسمه على إحدى الفرقاطات البحرية الهامة في سلاح البحر الجزائري، والمسلحة بـ 16 صاروخًا، ويسيّرها 60 ضابطًا وبحارًا.
وهناك ضاحية في غرب العاصمة الجزائرية تحمل اسمه.
وقد أورد المؤرخ الفرنسي ليون فالبير قائمة بالمبالغ التي كانت تدفعها دول أوروبا إلى الجزائر لحماية سفنها في البحر المتوسط.
http://www.sasapost.com/opinion/america-4/