أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، اذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بالاطلاع على القوانين بالضغط هنا. كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل بالضغط هنا إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة المواضيع التي ترغب.
موضوع: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:15
(1)
فى السابعة و55 دقيقة بتوقيت جزر هاواى الأمريكية، يوم 7 ديسمبر 1941، فاجأت المقاتلات اليابانية القوات الأمريكية البحرية الموجودة فى ذلك الوقت فى القاعدة البحرية المعروفة باسم «بيرل هاربور»، ومن بين 88 سفينة حربية كانت موجودة فى القاعدة دمر اليابانيون وأغرقوا 19 سفينة وقتلوا 2300 جندى من جنود البحرية الأمريكية. وفى اليوم التالى 8 ديسمبر 1941 أعلنت الولايات المتحدة الحرب على اليابان، التى كانت قد توغلت فى شرق آسيا بهدف إنشاء إمبراطورية اليابان العظمى، وقد بدأت لتحقيق ذلك بغزو الصين والاستيلاء على بكين وشنغهاى، ومن الصين إلى المستعمرات البريطانية والفرنسية والهولندية فى شرق آسيا، فاستولت اليابان على هونج كونج ثم إندونيسيا فالملايو فسنغافورة وبورما والفلبين فى مايو 1942، وهكذا فى الوقت الذى كان هتلر فيه قد مد سيطرته على أوروبا، كانت اليابان تمد سيطرتها على شرق آسيا!
كان الزعيم الألمانى هتلر قد بدأ الحرب العالمية الثانية فى سبتمبر 1939 بالهجوم على بولندا، وعندما عرف عالم الفيزياء ألبرت آينشتاين، وهو أمريكى من أصل ألمانى (1879ـ 1955)، فإنه كتب إلى الرئيس الأمريكى روزفلت بأنه مع بعض العلماء يفكرون فى سلاح جديد له قوة تدميرية رهيبة اسمه تفجير الذرة. وبعد أسبوع واحد من رسالة آينشتاين أعطى روزفلت الأمر بتدبير الاعتمادات اللازمة لإنتاج هذا السلاح الذى أعطاه آينشتاين اسم القنبلة الذرية.
لم يكتب لروزفلت أن يشهد نتائج العمل الذى دفعه ووفر له كل الاعتمادات، فقد مات قبل أن يتم إجراء أول تجربة للسلاح الجديد، وكان ذلك يوم 16 يوليو 1945، بحضور هارى ترومان، نائب روزفلت الذى خلفه فى الرئاسة. وبعد أيام قليلة من هذه التجربة تم استخدام السلاح الجديد لأول مرة يوم 6 أغسطس 1945.
كان مقرراً أن تقصد القاذفة «ب29»، التى حملت القنبلة الذرية، هدفاً أبلغ قائد الطائرة صعوبة الرؤية فوقه بسبب سوء الأحوال الجوية، فصدر إليه الأمر بالتوجه إلى مدينة هيروشيما وإلقاء القنبلة فوقها. وبعد 43 ثانية من إلقاء القنبلة، أو «الطفل الصغير» كما كانوا يدللونها، شهد المكان أكبر كرة من اللهب لم يسبق أن شهد العالم مثيلاً لها، وقد راح لهيبها ودخانها يتصاعد حتى بلغ ارتفاع 12 ألف متر!
وفى هيروشيما توقفت الحياة بكل صورها فى الثامنة و15 دقيقة من صباح ذلك اليوم، وقتل فى الحال 78 ألف فرد بسبب الحروق والإشعاعات الذرية، فى الوقت الذى ظل الموت يلاحق الآلاف حتى وصلت حصيلة ضحايا هذه القنبلة فى نهاية عام 1945 إلى أكثر من 350 ألفاً!
ورغم هول المأساة فقد رفض اليابانيون إعلان الاستسلام، فكان أن أعطى ترومان الأمر بإلقاء قنبلة ثانية يوم 9 أغسطس- بعد ثلاثة أيام فقط- على مدينة ناجازاكى، مما اضطر إمبراطور اليابان، الذى لم يكن اليابانيون سمعوا صوته، أن يوجه أمراً إلى شعبه بالاستسلام.
وفى يوم 15 أغسطس أعلنت اليابان الاستسلام دون قيد أو شرط، وقبل ذلك فى 7 مايو كانت ألمانيا قد أعلنت استسلامها، لتنتهى فصول الحرب العالمية الثانية بأهم نتيجة وهى سلاح جديد غير عادى اسمه «القنبلة الذرية».
وقد ظلت الولايات المتحدة لعدة سنوات تحتكر امتلاك هذا السلاح، إلى أن تمكن العلماء السوفيت من التوصل إليه وقاموا بتجربته فى عام 1949 معلنين انضمام السوفيت إلى أمريكا فى امتلاك هذا السلاح. وبعد الاتحاد السوفيتى جاءت بريطانيا عام 1952 وبمعاونة أمريكا، ثم فرنسا عام 1954، فالصين عام 1964. وبذلك أصبح هناك خمس دول تكون فيما بينها نادياً خاصاً يمتلك أعضاؤه القنبلة الذرية، وهى قنبلة تطورت فيما بعد إلى ما هو أقوى، وهى القنبلة الهيدروجينية. وجاء التطور الأكبر فى اختراع الصواريخ التى طال مداها حتى أصبحت قادرة على عبور القارات والوصول إلى أبعد الأهداف حاملة رؤوس الموت والدمار إلى أى مكان فى الدنيا...
م
يتبع .....
عدل سابقا من قبل mi-17 في الثلاثاء 22 نوفمبر - 12:49 عدل 1 مرات
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:17
(2)
منذ ألقيت أول وثانى قنبلتين ذريتين على اليابان، فى أغسطس 1945، لم يشهد العالم احتمالات استخدام الأسلحة النووية سوى مرة واحدة أعطيت فيها الأوامر إلى قواعد الأسلحة الذرية فى أمريكا والاتحاد السوفيتى بالاستعداد، انتظارا لبدء أول حرب نووية يشهدها العالم، ومن حسن الحظ أن العقل تغلب وأمكن تفادى الكارثة.
كان ذلك عام 1962، عندما كشفت طائرات الاستطلاع الأمريكية أن الاتحاد السوفيتى بدأ فى إقامة قاعدة لصواريخه فى كوبا، التى كان فيديل كاسترو (من مواليد 1917 وبدأ حياته محاميا) قد نجح فى قيادة حركة نضالية حررت كوبا من حكم ديكتاتورى يقوده الجنرال باتيستا الذى تؤيده أمريكا، وفى المقابل قام الاتحاد السوفيتى بدعم كاسترو وتقديم المساعدات لبلاده حتى أصبحت أول دولة شيوعية فى أمريكا اللاتينية وعلى بعد بضعة كيلومترات من أمريكا.
وقد حاولت أمريكا التخلص من كاسترو بمساندة المعارضة الكوبية فى غزو جرى فى إبريل 1960، إلا أنه انتهى بفضيحة مدوية للمخابرات الأمريكية التى رتبت الغزو الفاشل. وهكذا فقد تصور الاتحاد السوفيتى أنه يستطيع التقدم خطوة أبعد فى كوبا ويقيم فيها قاعدة صواريخ نووية تجعل القارة الأمريكية فى قبضة موسكو بعد أن منحت الجغرافيا أمريكا حماية طبيعية جعلتها بعيدة إلى حد كبير عن خصمها السوفيتى.
فى يوم 14 أكتوبر 1962 تأكد للولايات المتحدة أن قاعدة موسكو فى كوبا قد وصلتها الصواريخ حاملة الرؤوس النووية وأصبحت مستعدة للانطلاق. وبعد اجتماعات على أعلى مستوى فى واشنطن أعلن الرئيس الأمريكى جون كنيدى، يوم 22 أكتوبر 62، فرض حصار بحرى على كوبا يمتنع على أى سفينة اختراقه. وفى نفس اليوم أعلن كنيدى قرارين خطيرين: الأول صدور أوامره إلى قواعد الصواريخ الأمريكية بالاستعداد لدخول أول حرب نووية، والقرار الثانى مطالبة الاتحاد السوفيتى بفك القاعدة التى أقامها فى كوبا فوراً.
وقد اختلف مستشارو كنيدى، فقد كان من رأى بعضهم مهاجمة موسكو بلا تردد، لكن كنيدى اختار نداء السلام والتفاوض حتى أمكن بعد أسبوع كامل، عاشه العالم على أعصابه، أن ينزع فتيل الأزمة والصواريخ المستعدة للانطلاق.
وانتهت الأزمة بحل يرضى الطرفين، فقد وافقت موسكو على فك القاعدة التى أقامتها فى كوبا، وفى الوقت نفسه وافقت واشنطن على عدم الاعتداء على كوبا رغم أنها دولة شيوعية، وبالفعل ظلت شيوعية وعلاقاتها الدبلوماسية مقطوعة مع أمريكا إلى أن أعلن الرئيس باراك أوباما مؤخراً إنهاء هذه القطيعة بين البلدين، وقام فى مارس 2016 بأول زيارة يقوم بها رئيس أمريكى إلى كوبا منذ 88 سنة.
لقد انتهت بسلام الأزمة النووية التى واجهها العالم فى أكتوبر 1962، إلا أنها فى جانب آخر كشفت للقوتين الأعظم (أمريكا والاتحاد السوفيتى) خطورة انتشار الأسلحة النووية واستخدامها، بعد أن أصبحت تملكها بعض الدول، ويمكن أن تتسرب إلى أخرى مما يقتضى حماية العالم من الأخطار الكارثية التى يمكن أن تحدث بسبب هذا السلاح الرهيب.
وكان الأكثر قلقاً الدول الكثيرة التى لا تملك هذا السلاح النووى ومحاولتها امتلاكه، وكان من أهم ما توصلت إليه الجهود صدور قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة فى أول دور انعقاد لها فى 24 يناير 1964 إنشاء لجنة الأمم المتحدة للطاقة الذرية. وهكذا فإن المواجهة النووية بين القوتين أرشدتهما إلى ضرورة حماية العالم من السلاح النووى... وللحديث بقية.
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:19
(3)
منذ ظهر حجم الدمار الذى تسببه الأسلحة النووية والمحاولات تتوالى لحماية العالم من انتشار هذه الأسلحة، وهو ما تم التوصل إليه عام 1968، من خلال اتفاقية أخذت اسم «معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية» بدأ سريانها عام 1970. وقد استثنى العالم خمس دول أعطاها شرعية امتلاك الأسلحة النووية لسبق تمكنها من تصنيعها. وهذه الدول هى نفسها الدول الخمس دائمة العضوية فى مجلس الأمن، والتى منحها ميثاق المنظمة حق (الفيتو) إذا أرادت الاعتراض على أى قرار من مجلس الأمن.
وبمقتضى هذه المعاهدة، التى تتكون من 11 مادة، تتعهد كل الدول النووية بألا تنقل بطريق مباشر أو غير مباشر إلى أى طرف آخر، أيا كان، أسلحة نووية أو أجهزة أخرى للتفجير النووى (مادة أولى)، وأن تتعهد الدول غير النووية بعدم قبول أسلحة نووية أو تصنيع هذه الأسلحة أو مساعدة فى صنعها (مادة 2)، وأن تخضع هذه الدول لإجراءات التفتيش للتأكد من تنفيذ الاتفاقية.
كان واضحا أن الاتفاقية لا تضمن بصورة حاسمة أمن الدول غير النووية، وأنه فى الوقت الذى أكدت على الدول غير النووية عدم السعى لامتلاك الأسلحة النووية، فإنها لم تطلب من الدول مالكة هذا السلاح اتخاذ الخطوات التى تحد من إنتاجها له، بل ميزت هذه الدول المالكة وأضفت الشرعية على احتكارها هذا السلاح وجعلتها وصية على الغالبية الكثيرة التى لا تملكه!!.
لعبت مصر دورا إيجابيا فى التوصل إلى هذه الاتفاقية، وإلى درجة التوسط بين واشنطن وموسكو لإتمامها، إلا أن هزيمة يونيو 67 وما أعقبها من قطع مصر علاقاتها مع الولايات المتحدة، واعتمادها على الاتحاد السوفيتى، قللت كثيرا من حماس مصر لهذه المعاهدة. ولذلك اكتفت مصر بتوقيع الاتفاقية فى يونيو 1968، ولكن دون عرضها على مجلس الشعب للتصديق عليها، مما يعنى عدم التزام مصر بها. وظل هذا موقف مصر تجاه الاتفاقية إلى يوم 16 فبراير 1981، عندما دعت مجلس الشعب للتصديق على المعاهدة التى وقعتها قبل 13 سنة، مما اقتضى أن توضح مصر سبب قبولها هذا التصديق بعد أن ظلت تربطه بتصديق إسرائيل لخضوع نشاطها النووى للتفتيش الدولى، وهو ما جعل إسرائيل حتى اليوم لا تصدق على الاتفاقية.
وفى شرحه أمام مجلس الشعب فى ذلك الوقت قال الفريق كمال حسن على، وزير الخارجية، إن هناك أسبابا واعتبارات جدت تقضى تصديق مصر، أهمها حاجة مصر الملحة للاستثمار فى الطاقة النووية لمواجهة احتياجاتها من الكهرباء فى نهاية القرن العشرين، وهو ما لا تستطيع مصر تحقيقه فى الظروف الدولية الحالية دون التصديق على معاهدة حظر الأسلحة النووية، وعلى أساس أن يكون استخدام مصر للطاقة النووية فى إطار سلمى. وقد أيد المجلس طلب التصديق، بينما اعترض عليه المهندس إبراهيم شكرى، رئيس حزب العمل، الذى قال إن مصر ليست فى حاجة عاجلة للطاقة الكهربائية، فلدينا السد العالى، وأيضا خزان أسوان، كما شاركه فى الاعتراض العضو ممتاز نصار (مستقل)، الذى قال إن المعاهدة المطروحة ليس الآن وقتها ويمكن إرجاؤها. ورد وزير الخارجية فأشار إلى تزايد حاجتنا من الكهرباء وضرورة إقامة المحطة النووية التى ستنتج لمصر كهرباء يتكلف إنتاج الكيلو منها 15 مليماً فى مقابل 35 مليماً من محطة تدار بالفحم و33 مليماً من محطة تدار بالبترول.
وانتهت المناقشة إلى تأييد المجلس التصديق على الاتفاقية، باستثناء إبراهيم شكرى وممتاز نصار. وبعد أسبوع واحد يوم 22 فبراير 1981 وقع الرئيس أنور السادات قرارا جمهوريا بتصديق مصر على معاهدة منع انتشار النووى، وبذلك أصبحت المعاهدة سارية بالنسبة لمصر، وأصبح الطريق إلى محطة نووية تنتج الكهرباء بـ15 مليما للكيلووات مفتوحا... وللحديث بقية.
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:22
(4)
بدأت فكرة إقامة محطة نووية فى مصر لأول مرة فى عام 1964 إلا أنها كانت محطة صغيرة قدرتها 150 ميجاوات فقط طرحت مصر تنفيذها فى مناقصة عالمية على أساس أن تقام فى سيدى كرير غرب الإسكندرية، وعلى أساس أن تتضمن وحدة لتحلية ماء البحر ومركزاً للتدريب ومصنعاً للوقود النووى. وفى خلال بحث إنشاء المحطة جاءت حرب 67 بظروفها السياسية والاقتصادية والدولية التى أدت إلى قطع مصر علاقاتها مع الولايات المتحدة فتوقف المشروع.
وبعد حرب أكتوبر 73 واتفاقية السلام مع إسرائيل وعودة علاقات مصر وتحسنها مع الولايات المتحدة ومع الغرب بصورة عامة، وكان استهلاك الكهرباء قد شهد زيادة كبيرة فى الوقت الذى ارتفعت فيه أسعار البترول زيادة ضخمة، عاد التفكير جدياً إلى إقامة محطة نووية وتوفير ما ننتجه من البترول للتصدير للاستفادة بإيراداته المرتفعة بدلاً من استخدامه فى إدارة المحطات الكهربائية. وكان هذا فى الواقع سبب قيام مصر بالتصديق على اتفاقية حظر انتشار السلاح النووى فى فبراير 81 بعد أن كانت أهملت التوقيع على هذه الاتفاقية، وعلى أساس ألا توقع عليها إلا إذا وقعت عليها إسرائيل. ولكن مصر غيرت رأيها لتصبح قادرة على تنفيذ مشروعها النووى وصدقت على اتفاقية حظر استخدام السلاح النووى، وقد وجدت تعاوناً كبيراً من الدول مكَّنها من عقد اتفاقيات تعاون نووى أولاً مع فرنسا فى يونيو 81 ثم اتفاقية ثانية مع الولايات المتحدة فى نوفمبر 81 (بعد رحيل أنور السادات) واتفاقية ثالثة مع ألمانيا الغربية ورابعة مع بريطانيا وخامسة مع السويد وسادسة مع كندا، مما جعل مصر بموجب هذه الاتفاقيات على أبواب تحقيق مشروعها النووى.
وفى ضوء دراسات جديدة جرت تم اختيار منطقة الضبعة على مسافة 170 كيلومتراً غرب الإسكندرية لإقامة المحطة النووية الجديدة، وبلغ الحماس وقتها من حسنى مبارك لإنشاء هذه المحطة إلى درجة طرح مناقصة عالمية لإقامة مشروع يتم تنفيذه على مرحلتين مدة الأولى 7 سنوات وتتضمن إقامة مفاعلين لإنتاج 2000 ميجاوات وتستغرق المرحلة الثانية 8 سنوات لإقامة مفاعلين آخرين بنفس الطاقة، مما يعنى أن المشروع المقترح من مصر فى ذلك عام 1983 كان يهدف إلى إقامة 4 مفاعلات قوتها الإجمالية 4000 ميجاوات.
وإثباتاً للجدية أقر مجلس الشعب قانوناً يقضى بتجنيب جزء من عائدات البترول فى ذلك الوقت يخصص لتمويل مشروع المحطة النووية فى الوقت الذى تم فيه تحديد يوم 26 نوفمبر 1983 (قبل 33 سنة) آخرَ موعدٍ تتلقى فيه مصر عروض الشركات. وفى هذا اليوم كانت هناك خمسة عروض بالمشروع تلقتها مصر مقدمة من شركة بكتل (من الولايات المتحدة) وشركة وستنجهاوس (أمريكية) وشركة كرافتورك يونيو (ألمانيا الغربية) وشركة براون بوفيرى (ألمانية ـ سويسرية) والعرض الخامس من شركتى فراماتوم واستوم أتلانتيك (من فرنسا).
وعند فتح العروض المقدمة وجدت مصر أنه ليس لديها الخبرة اللازمة لبحثها وفحصها فتعاقدت مع بيت الخبرة السويسرى (فوتوكولمبس) ليكون استشارياً للمشروع فى الوقت الذى تم فيه تشكيل ثلاث لجان تبحث مع مكتب الاستشارة السويسرى أفضل العروض، إلا أن اللجان لم تستطع عند فحص العروض اختيار الأفضل بسبب الاختلاف فى التنفيذ. فالشركة الألمانية السويسرية عرضت تنفيذ قلب المفاعل النووى مما يقتضى وجود شريك يستكمل المشروع، وتضمن العرض الفرنسى برنامجاً لإعداد الفنيين والكوادر اللازمة، بينما تضمن العرض الأمريكى التنفيذ من خلال عدد من شركات الباطن من مختلف الجنسيات فى الوقت الذى واجه فيه تمويل المشروع الذى قدرت تكلفته بـ1500 مليون دولار عدة صعوبات.
وإزاء الموقف الذى واجهته مصر قررت الحكومة تأجيل البت فى العروض المقدمة لإعطاء نفسها فترة كافية فى الدراسة، خاصة بعد أن ظهر «لوبى» يعارض إقامة مشروع المحطة النووية.
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:23
(5)
لم تكن مشكلة التمويل فقط التى واجهت مشروع إقامة المحطة النووية، الذى كانت تكلفته فى حدود 1500 مليون دولار عام 83، ففجأة شهدت مصر معارضة كبيرة كان أقواها الاستجواب الذى تقدم به النائب الوفدى علوى حافظ إلى مجلس الشعب، وقد حددت له جلسة يوم 3 ديسمبر 1984. ومع الاستجواب كان هناك طلب إحاطة و11 سؤالا للحكومة فى نفس الموضوع. لكن الذى كان لافتا أن 8 أسئلة منها مقدمة من أعضاء فى الحزب الوطنى (حزب الحكومة) وثلاثة من المعارضة.
وقد استغرقت المناقشة ست ساعات عُقدت على جلستين، الأولى صباحية، وفيها تحدث العضو علوى حافظ، مقدم الاستجواب، مدة ساعتين ونصف، والأخرى مسائية وتحدث فيها وزير الكهرباء ماهر أباظة نحو 3 ساعات. ومن المفارقات أن كثيرا من الذى قيل فى ذلك الوقت عام 84 فى معارضة مشروع المحطة النووية هو نفسه ما يتكرر قوله اليوم بعد 32 سنة.
وأوجز ما قاله علوى حافظ فيما يلى:
1ـ إنه لا يوجه اتهاما لوزير الكهرباء، فهو يقر بأنه عالم جدير بالاحترام والثقة، ولكن مشروعا بهذا الحجم وبهذه التكلفة لا يمكن أن يبت فيه فرد واحد أو الحكومة وحدها.
2ـ إن الدول الأخرى مثلنا التى دخلت «الفخ النووى»، كما أطلق عليه، دخلته دون دراسة وأخذ الرأى المعارض
3ـ إن المحطة النووية مثل أنبوبة البوتاجاز يمكن أن تتعرض للتسرب، وإذا تسرب منها إشعاع فهذا خطر مدمر للأجيال القادمة كلها، بما يؤدى إليه من أمراض وتشوهات.
4ـ هناك خطر النفايات النووية التى تخرج من المحطة، وهذه مشكلة كبرى فى حد ذاتها.
5ـ تعمل المحطة باليورانيوم، وهو مادة مشعة وغير موجودة فى مصر، وتحتكرها شركات محددة تتحكم فيها بعض الدول الكبرى، مما يؤدى إلى الخضوع لسيطرة هذه الدول.
6ـ وقعت 22 كارثة من المحطات النووية فى الولايات المتحدة، ما جعلها تتوقف عن إنشاء مفاعلات جديدة، ولكنها راحت تعمل على تسويقها (يلاحظ أن هذه أرقام عام 1984).
وأنهى النائب الوفدى علوى حافظ كلامه قائلا: إننى أقترح إجراء دراسة مستفيضة، لأننى أشك فيما جرى من دراسات فى وزارة الكهرباء، وهذا الشك فى مصلحة الشعب، وأقترح إحالة كل المناقشات إلى لجنة يحضرها العلماء المصريون.
كان هذا ما قاله علوى حافظ فى جلسة استغرق حديثه فيها كل الوقت، وتم تحديد الجلسة المسائية ليتولى وزير الكهرباء ماهر أباظة الرد، وأوجز دون إخلال ما قاله فيما يلى:
1ـ إن الطاقة الكهربائية بصورة عامة هى الركيزة الأساسية لجميع خطط التنمية ونتيجة لمشروعات التنمية، فقد زاد معدل استهلاك الكهرباء فى مصر خلال السنوات الخمس الأخيرة بمعدل وصل إلى 15% فى السنة، بينما معدل الزيادة فى الدول فى حدود 2%، وفى الدول النامية مثل الصين والهند فإن هذا المعدل يتراوح بين 5 و6%.
2ـ حسب تقدير احتياجاتنا من الكهرباء فنحن فى حاجة سنة 2000 إلى 100 مليار كيلووات/ ساعة (حوالى 17 ألف ميجاوات، فى الوقت الذى وصل فيه إنتاجنا اليوم سنة 2016 إلى 37 ألف ميجاوات)، وأضاف ماهر أباظة: لقد استنفدنا استغلال كل ما أنعم به الله علينا من مصادر مائية، وما هو متاح من الغاز الطبيعى، ولم يبق أمامنا إلا البترول إن شئنا أحرقناه، وقد لا يكفى لإنتاج الطاقة الكهربائية المطلوبة، ولابد أن ندخر جزءا منه لمتطلباتنا الاقتصادية الملحة ونبحث عن بديل آخر.
3ـ طبقا لأحدث البيانات التى أصدرتها الوكالة الدولية للطاقة النووية فى إبريل 84، قال ماهر أباظة إن عدد الدول التى بها محطات نووية 34 دولة، يوجد بها 317 محطة تعمل غير 9 محطات تحت الإنشاء.
4ـ ما يقال عن أن الولايات المتحدة أوقفت استخدام المحطات النووية فى توليد الكهرباء فإن ذلك ليس صحيحا، فالولايات المتحدة بها 80 محطة نووية تعمل، وحوالى 60 محطة نووية تحت الإنشاء.
5ـ أكدت الدراسات التى جرت حول اقتصاديات توليد الكهرباء أن تكلفة الكيلووات/ ساعة بالفحم 6.33 سنت، وبالبترول: 6.50 سنت، وبالنووى: 4.19 سنت، ومعنى ذلك- قال المهندس ماهر أباظة- أنه على امتداد ثلاثين سنة العمر الافتراضى للمحطة النووية قدرة ألف ميجاوات يكون الوفر حوالى 5 مليارات دولار فى حالة المقارنة بالبترول (ملاحظة: حاليا تضاعف العمر الافتراضى للمحطة إلى 60 سنة، ويقال إنها يمكن أن تزيد إلى 80 سنة).
6ـ اتخذت الحكومة خطوات لتوفير اليورانيوم اللازم لتشغيل المحطة أساسها الحصول عليه من أكثر من جهة، بما يكسر عملية احتكار توريده لمصر.
7ـ لم يعد استخدام الطاقة النووية فى الأغراض السلمية يمثل أى خطورة.
8ـ بالنسبة للنفايات مرتفعة المستوى الإشعاعى، وهى التى تتخلف عن إعادة معالجة وحدات الوقود النووى بعد احتراقه،
فإنها لا تمثل مشكلة، فمن المخطط عدم معالجة الوقود المحترق، وإنما تخزينه فى أحواض تحت الماء فى موقع المحطة، ويمكن بمثل هذه الطريقة استمرار التخزين عشرات السنين بطريقة آمنة لا تنطوى على أى مخاطر، وهى الطريقة التى تتبعها عدد من الدول صاحبة المحطات النووية.
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:25
(6)
بدءاً من عام 1985 شهد مشروع المحطة النووية المصرية تطورا مفاجئا. فبعد أن جرى تحديد الضبعة مكانا للمحطة وطُرحت مناقصة إنشائها، التى تقدم لها خمسة عروض، وشنت المعارضة فى البرلمان هجوما قويا على المشروع، فى الوقت الذى كان الرئيس حسنى مبارك فى بالغ الحماس لتنفيذه، فجأة تراجع هذا الحماس من مبارك بعد أن لفت اهتمامه، كما قال لنا فيما بعد، كثرة الرسائل التى تلقاها من بعض الذين لهم علاقة بهذا المجال، وهم يرجونه فى رسائلهم التمهل فى اتخاذ القرار النهائى الخاص بتنفيذ هذا المشروع فى مصر.
وكان أهم هذه الرسائل التى تلقاها مبارك تقريرا من مصرى عاصر تجربة الفلبين فى إنشاء محطتها النووية، وأنه بعد سنوات من بدء تنفيذ المشروع فى الفلبين فإن الرقم الذى تعاقدوا عليه لتنفيذ المشروع تضاعف إلى أربعة أضعاف، وهو ما كان بسبب التحايلات التى مارستها الشركة المنفذة.
ومن المكسيك كان هناك تقرير آخر مماثل عن مشروع تعاقدت عليه المكسيك، ثم بعد ذلك خلال مراحل التنفيذ وجدوا أنفسهم مضطرين لزيادة المبالغ المطلوبة ودفع أضعاف قيمة المبلغ الذى تعاقدوا عليه.
كما كان من اللافت للنظر اكتشاف نقص الكوادر المتخصصة فى الإشراف على تشغيل مثل هذه المحطات، ما جعل مصر تبحث عن التعاقد مع خبير سويسرى طلب راتبا فى ذلك الوقت، قبل 30 سنة، ربع مليون دولار فى الشهر الواحد.
كذلك كان للمعارضة الجادة القوية التى ذكرها النائب الوفدى علوى الجزار فى البرلمان عن المشروع (انظر الحلقة السابقة الثلاثاء 12 يوليو) أثرها لدى حسنى مبارك، جعلته يدعو إلى اجتماع ضم الخبرات المصرية المختلفة لتعبر عن رأيها، وقد انقسم الرأى فى الاجتماع بين مؤيدين رأوا ضرورة المشروع النووى لحاجة مصر المتزايدة إلى الكهرباء، ومعارضين ركزوا على توفير الاستثمارات الضخمة المطلوبة وأعبائها على الاقتصاد. كما أبرزوا احتمالات تعرض المحطة، سواء أثناء أو بعد تنفيذها، لمخاطر الهجوم، وما يؤدى إليه ذلك من ضياع الأموال الضخمة التى أُنفقت عليها، وما قد ينجم من مخاطر من مواد مشعة إذا تعرضت لهجوم أو عمل تخريبى!
وفى أثناء هذا الجدل بين الخبراء المصريين جاءت المفاجأة التى حدثت فى سوق البترول عام 85، عندما تدهور السعر من 30 دولارا إلى ستة دولارات، ثم زاد حتى بدا أنه استقر عند 14 دولارا. وقد أدى هذا الانخفاض إلى عدم تمكن قطاع البترول من احتجاز المبلغ الذى كان قد قرر احتجازه من تصدير البترول بالأسعار المرتفعة ليساهم فى مشروع المحطة النووية فى الوقت الذى سقطت فيه حجة المؤيدين لإقامة المحطة على أساس أن إنتاج الكهرباء نوويا أرخص من إنتاجها بتروليا.
لكن الذى حسم الموقف كارثة محطة تشيرنوبيل، التى هزت العالم يوم 26 إبريل 1986. وتقع هذه المحطة فى إحدى مدن أوكرانيا التى كانت من دول الاتحاد السوفيتى، وفى ذلك اليوم تعرضت المحطة نتيجة لأخطاء بشرية لانفجارات وتسرب إشعاعات أدت لما وصف بأكبر كارثة نووية شهدها العالم، إذ تعرض للموت والمرض بسبب الإشعاعات نحو 100 ألف شخص ومئات الآلاف من الأفدنة التى أصاب الإشعاع زراعاتها. وكان الأسوأ أن الاتحاد السوفيتى تكتم الحادث وقت وقوعه إلى أن اكتشفت السويد الإشعاع المتسرب الذى وصلها فشاع الحادث وتبين عجز الاتحاد السوفيتى عن السيطرة على ما تعرضت له محطة تشيرنوبيل ما جعلهم يطلبون مساعدات الدول الغربية.
■ ■ ■ ■
جاء حادث تشرنوبيل حاسما بالنسبة لقرار إنشاء المفاعل المصرى، ولم تكن مصر وحدها التى أغلقت ملف محطة الضبعة بعد كارثة تشيرنوبيل، ففى مختلف دول العالم جرت مراجعة المشروعات النووية التى تقيمها، مما كانت نتيجته إيقاف الفلبين مشروعها بعد أن تحملت أكثر من ألفى مليون دولار، وكذلك فعلت المكسيك التى قبلت دفع 500 مليون دولار للشركات التى تعاقدت معها، وألقت الدول النامية وراء ظهرها مشروعات المحطات التى كانت تفكر فيها، وهو ما فعلته مصر، ولكن لفترة بدت فيها السنوات وكأنها دفنت تشيرنوبيل، وكأن التطور التكنولوجى قد أصبح يجعل هذه المحطات أكثر أمانا فعاد الحديث عن محطة الضبعة، ولكن بعد أن تحول الاهتمام إلى معاهدة حظر الأسلحة النووية وعدم توقيع إسرائيل عليها...
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:27
(7)
منذ عام 1986 عقب كارثة محطة تشيرنوبل فى الاتحاد السوفيتى توقف الحديث فى مصر عن مشروع الضبعة الذى كان الحماس له بالغا ووصل إلى طرح المشروع فى مناقصة وتلقى خمسة عروض أجنبية حسب التفاصيل التى شرحتها فى الحلقات السابقة.
ولما كانت معاهدة حظر الأسلحة النووية التى تسمح للدول بالاستخدام السلمى للنووى قد بدأ تنفيذها عام 1970 ولمدة 25 سنة يتم بعد ذلك تجديدها، فمع اقتراب سنة التجديد بدأ الحديث فى مصر وفى دول عربية أخرى حول الامتياز الذى تنفرد به إسرائيل فى المنطقة من عدم توقيع معاهدة حظر الأسلحة النووية، فى الوقت الذى قامت فيه جميع الدول العربية بتوقيع المعاهدة.
والمعروف أنه فى ضوء سريان المعاهدة أصبح العالم يضم بالنسبة للأسلحة النووية ثلاث مجموعات: الأولى، وتضم الدول الخمس الكبرى التى تمتلك بصورة مشروعة الأسلحة النووية ولا تخضع لأى تفتيش على نشاطها النووى، وهذه الدول هى: الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى (حاليا روسيا) وبريطانيا وفرنسا والصين، والمجموعة الثانية التى تضم غالبية دول العالم التى وقعت على اتفاقية الحظر (حاليا 189 دولة)، وتلتزم بعدم إنتاج الأسلحة النووية أو نقلها أو اقتنائها أو طلب المساعدة لصنعها، أما المجموعة الثالثة فهى التى لم توقع على الاتفاقية لأنها تمكنت بصورة غير مشروعة من امتلاك السلاح النووى ولا تريد التفتيش على نشاطها، وتضم الهند وباكستان وإسرائيل، وهذه الأخيرة رغم أنها لم تصرح يوما بامتلاكها السلاح النووى إلا أن الدلائل تؤكد امتلاكها له بمساعدة فرنسا. (فى عام 2003 أعلنت كوريا الشمالية انسحابها من الاتفاقية، وبعد ذلك أعلنت إجراء تجارب تؤكد امتلاكها الأسلحة النووية).
فى 28 و29 ديسمبر 1994 شهدت الإسكندرية مؤتمر قمة ثلاثية ضم الرئيس مبارك والملك فهد والرئيس السورى حافظ الأسد. وكان الجديد فى البيان الذى صدر عن الاجتماع «مطالبة القادة الثلاثة بإنشاء منطقة خالية فى الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، وفى مقدمتها الأسلحة النووية».
وفى يوم 3 يناير 1995- بعد أقل من أسبوع- زار مصر شيمون بيريز، وزير خارجية إسرائيل فى ذلك الوقت، وكالعادة عقد الرئيس وضيفه فى نهاية الزيارة مؤتمرا صحفيا، كان آخر سؤال فيه من صحفى إسرائيلى لـ«مبارك» حول فتور العلاقات المصرية- الإسرائيلية بسبب موضوع التوقيع على اتفاق حظر انتشار الأسلحة النووية. ولم يرد مبارك بطريقة دبلوماسية، بل قال بصراحة: إذا لم توقع إسرائيل هذه الاتفاقية فإن مصر لن توقعها.
وفى اليوم التالى مباشرة إذا بالصحف الإسرائيلية تنشر تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلى إسحق رابين أعلن فيها «استعداد بلاده لخوض حرب شاملة فى المديين الطويل والمتوسط». وفى نفس الأسبوع قال شيمون بيريز، فى دافوس: «إن إسرائيل لن توقع الاتفاقية النووية».
ولم تسكت القاهرة، ففى لقائه المعتاد مع الكُتاب والمثقفين، فى افتتاح معرض الكتاب يوم 11 يناير قال مبارك: إن التلويح بالحرب أمر خطير، وهو ما يجعلنا نشعر بالقلق تجاه التوقيع على الاتفاقية النووية، لأن الرأى العام فى مصر سيتساءل إلى أين نذهب إذا تم التوقيع، فلابد أن يشمل التوقيع الجميع، لأنه من الصعب أن أتقبل كمواطن مصرى أن أوقع على هذه الاتفاقية ولا توقعها إسرائيل.
وجاء الرد من إسحق رابين بقوله- أمام الكنيست الإسرائيلى- إن القمة الثلاثية (التى عُقدت فى الإسكندرية بين مبارك وفهد والأسد) استهدفت عرقلة عمليات التطبيع بين الدول العربية والإسلامية وبين إسرائيل، وإن مصر سعت لعدم عودة العلاقات بين تنزانيا وإسرائيل، وإن وزارة الخارجية المصرية- ووزيرها عمرو موسى- تنتج خطا معاديا لإسرائيل.
وجاء الرد من مبارك، فى حديث أدلى به إلى «الشرق الأوسط» يوم 16 فبراير 1995 كان من أوضح ما قاله:
1ـ لا أدرى لماذا تصدر عن إسرائيل هذه الأيام مثل هذه التصريحات الغريبة؟ هل كلما اختلفنا على أمر يعنى أننا ننتهج خطا معاديا؟
2ـ إن وزارة الخارجية المصرية ليست دولة مستقلة داخل مصر، وإنما هى وزارة تنفذ سياسة الحكومة المصرية، وإذا كنا سنسير على أن وزارة الخارجية المصرية تنتهج خطا معاديا لإسرائيل فإن المسائل سوف تتعقد.
3ـ إننى لا أتصور أن يقول رئيس وزراء إسرائيل هذا الكلام عن تحريضنا تنزانيا على عدم إقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل، فإذا كان يتحدث عن معلومات فليقل لنا مصدر معلوماته، ثم لماذا لم يسألنا، ولو كان قد حدث كنا سنقول له إنه حدث لأننا لا نكذب.
4ـ أريد أن أقول بكل صراحة إن كل ما نريده هو أن توقع إسرائيل على معاهدة حظر انتشار الأسلحة النووية، لأن إسرائيل دولة مجاورة لنا، وأى شىء فيها يهدد الأمن القومى لبلدنا، وإننى هنا لا أتحدث باسم الدول العربية ولكننى أتحدث عن مصر. ونحن فى مصر لا نشعر بالأمن فى وجود هذه الترسانة النووية فى إسرائيل دون وجود أى تفتيش من المجتمع الدولى.
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:30
(8)
أثار تصريح حسنى مبارك فى فبراير 1995 بأن مصر لن توقع اتفاقية حظر الأسلحة النووية المعروض تمديدها على الأمم المتحدة إلا إذا وقعتها إسرائيل- ردود فعل قوية، كان منها تسليط الضوء على النشاط النووى الذى تمارسه إسرائيل. وهذا النشاط يضم أربعة مفاعلات نووية أهمها «مفاعل ديمونة» الذى قامت فرنسا بمساعدة إسرائيل فى إقامته مقابل حصول فرنسا على حق استخدام اختراع جديد لإنتاج الماء الثقيل تمكن العلماء الإسرائيليون من التوصل إليه. وقد بدأ مفاعل ديمونة عام 1957 بقدرة 25 ميجاوات زادت إلى 70 ميجاوات فى السبعينيات، وحاليا تتجاوز المائة ميجاوات.
وأساس تشغيل المفاعلات النووية معدن «اليورانيوم»، وهو معدن موجود فى الأرض، ذو لون فضى ورمادى، وصلب فى صلابة الصلب. ولكن على الطبيعة لا يصلح اليورانيوم للاستخدام فى أى مفاعل إلا إذا تم ما يسمى «تخصيبه».
ولا يصلح كل اليورانيوم الموجود فى العالم للتخصيب، بل لا تتجاوز نسبة الصالح لهذا التخصيب سوى سبعة من عشرة فى المائة (7. 0%) من كل اليورانيوم الموجود فى العالم. ويوجد النوع القابل للاستخدام فى شكل واحد يسمى «اليورانيوم 235» (نسبة إلى عدد كتله الذرية). وحتى يمكن استخدامه فى أغراض الطاقة وتوليد الكهرباء يتم تركيز اليورانيوم 235 (أى تخصيبه) إلى ما بين ثلاثة وخمسة فى المائة. أما فى حالة استخدامه فى أغراض عسكرية فيتعين زيادة نسبة التخصيب إلى أعلى من 80 فى المائة.
■ ■ ■
لم يكن موقف حسنى مبارك الذى أعلنه من إسرائيل عام 95 بمناسبة مد العمل باتفاقية حظر الأسلحة النووية، جديدا، ففى نوفمبر 89 قدمت مصر إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة مشروع قرار وافقت عليه الجمعية العامة «بإعلان الشرق الأوسط منطقة خالية من الأسلحة النووية»، إلا أن المشروع لم يجد آلية تنفيذه بسبب رفض إسرائيل.
وفى إبريل 1990 أعلن مبارك مبادرة جديدة بجعل منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل النووية والكيماوية والجرثومية، (وبالتالى أصبح موضوع المبادرة الجديدة أوسع كثيرا من الأولى التى كانت مقصورة على الأسلحة النووية)، إلا أنه من المفارقات أن هذه المبادرة التى لم تر النور سبقت غزو صدام حسين للكويت، وما نجم عنه من امتلاك صدام أسلحة كيماوية.
وفى يناير 1993 كانت هناك اتفاقية دولية خاصة بحظر الأسلحة الكيماوية رفضت مصر توقيعها إلا إذا شمل التوقيع جميع دول المنطقة، ومنها إسرائيل، ورغم ضغوط تعرضت لها مصر إلا أنها رفضت التوقيع فى الوقت الذى وقعتها بعض الدول العربية. وأكدت مصر فى ذلك موقفها بأن حيازة أى دولة فى المنطقة أسلحة الدمار الشامل، بمختلف أنواعها النووية أو الكيماوية أو البيولوجية، كفيل بتهديد استقرار وأمن المنطقة كلها، وإشاعة مناخ التوتر مما لا يقبله أو يرضى به من التزم التزاما حقيقيا صادقا بالسلام الشامل والدائم.
وأكثر من ذلك أعلنت مصر أنها لا تطالب إسرائيل بالانضمام الفورى لاتفاقية الحظر النووى أو إزالة منشآتها فورا، بل طلبت أن تعلن إسرائيل جدولا زمنيا تنضم بعده إلى الاتفاقية.
■ ■ ■
كانت اتفاقية حظر الأسلحة النووية قد بدأ سريانها عام 1970 ولمدة 25 سنة، ثم عُرضت بعد ذلك للحوار، وهكذا فإن مصر وجدت فى تحديد جلسة الأمم المتحدة يوم 17 إبريل 1995 فرصة لإثارة موضوع الاتفاقية وإسرائيل، ما جعل مبارك يدعو الخبراء والمتخصصين ليناقشهم فى تحديد موقف مصر القانونى. وكان من بين الآراء التى أخذ بها عرض الموضوع على جامعة الدول العربية، خاصة فى مناسبة مرور 50 سنة على إنشاء الجامعة العربية، (صادف يوم 12 مارس 1995)، وعلى أمل أن تتخذ الدول العربية موقفا موحدا من الاتفاقية تذهب به إلى اجتماع الجمعية العامة فى مؤتمرها من 17 إبريل إلى 21 مايو 1995، فى الوقت الذى ساد فيه فى مصر نداء عدم تمديد الاتفاقية إلا إذا وقعتها إسرائيل.
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:36
(9)
حددت الأمم المتحدة الفترة ما بين 17 إبريل و21 مايو 1995 موعداً لمناقشة تمديد اتفاقية حظر الأسلحة النووية ليكون أبدياً حسب اقتراح الدول النووية الكبرى (أمريكا وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين) ورأت مصر فى ذلك الوقت انتهاز الفرصة والتلويح بعدم الموافقة على المعاهدة، إلا إذا وقعتها إسرائيل. ووصل الأمر إلى حد إطلاق التهديدات بالحرب (راجع الحلقات السابقة). وحتى تذهب جميع الدول العربية إلى الأمم المتحدة بموقف موحد رأت مصر عرض الموضوع على الجامعة العربية التى كانت تحتفل بمرور 50 عاما على إنشائها. وفى 22 مارس 1995 انتهت الجامعة من نظر الموضوع وأصدرت البيان التالى الذى يعد وثيقة تاريخية. يقول البيان:
إن مجلس الجامعة بعد اطلاعه على مذكرة الأمانة العامة، وعلى توصيات لجنة الأمانة العامة. خارج نظام الانتشار.. واتصالا بقراراته السابقة حول تنسيق المواقف العربية فى شأن تمديد معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط، وبعد أن تدارس مواقف المجموعات الإقليمية إزاء تمديد المعاهدة وآثاره على الأمن والسلم الدوليين.. وبعد أن ناقش موضوع وجود برنامج نووى إسرائيلى خارج نظام منع الانتشار.. يقرر:
1ـ إن الأمن والاستقرار فى الشرق الأوسط يتطلبان إزالة كافة أسلحة الدمار الشامل من خلال جعل الشرق الأوسط منطقة خالية من هذه الأسلحة نووية وبيولوجية وكيماوية؛ تماشياً مع قرار مجلس الأمن رقم 687 لعام 1991 وبيان قمة مجلس الأمن بتاريخ 31 يناير 1992.
2ـ إن استمرار البرنامج النووى الإسرائيلى خارج النظام الدولى لمنع الانتشار النووى، ورفضها الانضمام إلى معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وإخضاع منشآتها النووية لنظام الضمانات الشاملة- يشكلان تهديدا للأمن الإقليمى وينالان من مصداقية عدم الانتشار وعالميتها.
3ـ تؤيد الدول العربية معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية وأهدافها وتحقيق عالميتها من دون استثناءات باعتبارها الركيزة الأساسية للنظام الدولى لعدم انتشار الأسلحة النووية. وكذلك زيادة فعاليتها فى إطار نظام الضمانات الخاص بالوكالة الدولية للطاقة الذرية والاستفادة من الخبرة التى اكتسبتها الأسرة الدولية فى هذا الصدد.
4ـ إن الدول العربية تؤيد مواقف دول عدم الانحياز فى أن تحقيق أهداف المعاهدة ومقاصدها يتطلب سرعة التوصل إلى اتفاق للحظر الشامل للتجارب النووية واتخاذ الدول النووية فى إطار زمنى محدد وقيامها بتشجيع ودعم الجهود الرامية لإنشاء مناطق خالية من السلاح النووى، بالإضافة إلى توفير ضمانات أمن فعالة وشاملة للدول غير النووية ضد استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها.
5ـ مطالبة مجلس الأمن بحكم مسؤولياته عن حفظ الأمن والسلم الدوليين، بضمان عالمية تطبيق كل الأحكام المتعلقة بمنع انتشار الأسلحة النووية من دون ازدواجية فى المعايير، وباتخاذ الإجراءات الكفيلة بتحقيق هذا الهدف بموجب أحكام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وكذلك توفير ضمانات أمن فعالة وشاملة للدول غير النووية ضد استخدام الأسلحة النووية أو التهديد باستخدامها.
6ـ ضرورة تنفيذ ما نصت عليه اتفاقية عدم انتشار الأسلحة النووية من تمكين الدول غير النووية من الحصول على التكنولوجيا النووية للاستخدامات السلمية للطاقة الذرية فى إطار نظام الضمانات التابع للوكالة الدولية للطاقة الذرية.
7ـ إن تكريس الأمر الواقع بإلزام دول الشرق الأوسط فيما عدا إسرائيل بنظام منع الانتشار يشكل خللاً خطيراً يهدد أمن المنطقة واستقرارها لا يمكن قبوله.
8ـ إن الموقف العربى من تمديد الاتفاقية يتشكل ويستند إلى كل ما تقدم من مبادئ وعناصر، خاصة مدى تحقق عالمية تطبيقها، مع تكثيف التشاور وإحكام التنسيق مع دول حركة عدم الانحياز.
■ ■ ■
وبهذا البيان أمسك العرب بالعصا النووية من الوسط دون ممارسة أى تهديد، فهم اعترفوا باحترام اتفاقية الحظر النووى، لكنهم استنكروا الموقف المميز لإسرائيل فى عدم خضوعها للاتفاقية، وفى الوقت نفسه طالبوا مجلس الأمن بإجبار إسرائيل على الخضوع للاتفاقية حتى لو وصل الأمر إلى استخدام الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة والذى يجيز استخدام القوة المسلحة، وغير ذلك لم يلوح العرب بأى تهديد أو وعيد وإنما علقوا الأمر على شماعة مجلس الأمن المنحاز والمؤيد لإسرائيل!
موضوع: رد: النووية من هيروشيما إلى الضبعة الخميس 20 أكتوبر - 23:39
(10)
استمر الموقف الذى اتخذته مصر عند عرض اتفاقية حظر الأسلحة النووية للتمديد فى الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1995 بإعلان حسنى مبارك ربط موافقة مصر على التمديد وتوقيع إسرائيل على الاتفاقية.. إلا أن الجمعية العامة للأمم المتحدة رأت اعتبار الاتفاقية ممتدة مع عقد مؤتمرات دورية كل خمس سنوات تجرى فيها مراجعة تطبيق أحكام الاتفاقية والإجراءات التى يمكن اتخاذها. ونتيجة لذلك أصبحت مصر تعلن فى كل مؤتمر يعقد ربط موافقتها بإعلان منطقة الشرق الأوسط منطقة خالية من جميع أسلحة الدمار الشامل.
وقد ساد الهدوء فترة بالنسبة لمحاولة إقامة المحطة النووية فى الضبعة، وبدا أن المشروع قد تم صرف النظر عنه بعد ما حدث فى مفاعل تشيرنوبل فى أوكرانيا، إلى أن حدث أن فاجأ حسنى مبارك المصريين فى خطابه الذى ألقاه فى افتتاح الدورة البرلمانية لمجلس الشعب فى 29 أكتوبر 2006، وأعلن فيه «أن مصر قررت استئناف برنامجها النووى السلمى الذى كان قد توقف منذ أكثر من عشرين عاما، وذلك ببناء عدد من المحطات النووية لتوليد الكهرباء». وعلى الفور، دب الحماس فى الموضوع فى الوقت الذى ارتفع فيه صوت المعارضين للمشروع من حيث موقع إقامته، على أساس أن الساحل الشمالى أصبح مكدساً بالمنتجعات التى يهددهاووجود مشروع نووى فى الضبعة، وسواء كان هذا هو السبب أم أن هناك أسباباً أخرى، فقد خفت الحديث عن مشروع الضبعة تماما حتى بدا أنه دخل أرشيف النسيان.
ولكن مرة ثالثة، فاجأ حسنى مبارك المصريين فى آخر خطاب ألقاه فى افتتاح البرلمان، الذى استحوذ فيه الحزب الوطنى على كل مقاعده تقريبا، فاجأ مبارك المصريين بالحديث فى أكتوبر 2010 عن مشروع الضبعة وبعث الحياة فيه. وكما أن الله يحمى مصر من إقامة هذا المشروع أو أنه يريد إقامته فى صورة جديدة، فقد قامت ثورة يناير 2011 ومعها اختفى الحديث عن الضبعة، إلى أن عاد مجدداً هذا العام بعد أن أعلن الرئيس السيسى أنه سيتم المشروع بالاتفاق مع روسيا. وبالفعل، أجرى المهندس محمد شاكر، وزير الكهرباء، مفاوضات يجرى التكتيم عليها حاليا تشير إلى احتمال إنهاء الاتفاق، الذى على أساسه يقام المشروع فى الضبعة من خلال أربع محطات، قوة كل محطة 1200 ميجا، وعلى أساس أن يتم سداد تكلفة المشروع من إيرادات بيع الكهرباء التى ينتجها بعد تشغيله.. إلا أن الواضح أن الغموض مازال يحيط بالمشروع وربما تنزل عليه مرة رابعة ستائر النسيان إلى أن يعود ويجد من يرفعها!
■ ■ ■ ■
ولا أستطيع أن أنهى هذه السلسلة دون الإشارة إلى أن مصر بدأت برنامجها النووى فى نفس الوقت الذى بدأت فيه الهند مشروعا مماثلا. وكان المشروعان المصرى والهندى بمثابة توأمين ترعاهما علاقة وثيقة ربطت بين جمال عبدالناصر وزعيم الهند فى ذلك الوقت نهرو. إلا أنه فى الوقت الذى أكملت فيه الهند برنامجها ووصلت إلى قدرتها على تصنيع محطة نووية بأكملها دون حاجة إلى خبرة من الخارج، كما تملك حاليا نحو 30 قنبلة نووية، فإن مصر تعرضت لحرب شرسة من إسرائيل، تعقبت فيها العلماء والخبراء الذين يعملون فى المشروع، وقُتل عدد منهم بوسائل حقيرة مثل عبوات متفجرة تصل على عناوين بعضهم، فى الوقت الذى أدت فيه هزيمة حرب 67 إلى تجميد المشروع النووى ومشروعات أخرى كانت مصر قد بدأتها لإنتاج طائرات حربية.
هل يعود مشروع الضبعة النووى ليرى النور؟ هناك- كما قلت- مفاوضات تجرى مع روسيا، توقف منذ نحو شهر الحديث عن سيرها، وبالتالى يمكن أن يمتد السكوت الذى نشهده، كما يمكن أن نصحو ونفاجأ بإعلان البلدين توقيع الاتفاق وإطلاق إشارة البدء فوراً، وكلا الأمرين وارد!
م
وحدث الامر ووقعت مصر عقد لبناء محطات نوويه حديثه بالتعاون مع روسيا في الضبعه