تحت عنوان "علامة فارقة.. الحرب العربية الإسرائيلية عام 1973" أورد الموقع الرسمي لـ "مكتب المؤرخ" Office of the Historian التابع للخارجية الأمريكية تقريرا مفصلا يؤرخ الفترة بين 1969- 1976 من منظور الولايات المتحدة.
وإلى النص الكامل :
كانت حرب 1973 بين العرب وإسرائيل نقطة تحول بالنسبة للسياسة الخارجية الأمريكية تجاه الشرق الأوسط، حيث أجبرت إدارة نيكسون على إدراك أن الإحباط العربي بسبب ممانعة إسرائيل الانسحاب من المناطق التي احتلها في حرب 1967، قد يكون له تداعيات إستراتيجية كبرى على الولايات المتحدة.
وهكذا مهدت أكتوبر" حرب أكتوبر " الطريق لـ "الدبلوماسية المكوكية" لوزير الخارجية الأمريكي هنري كيسنجر، التي أدت في نهاية المطاف إلى إبرام معاهدة السلام عام 1979.
إدارة نيكسون والصراع العربي الإسرائيلي، 1969-1973
اقتنع الرئيس نيكسون أن المواجهة العربية الإسرائيلية حول مصير الأراضي المحتلة قد تؤدي إلى الإضرار بالوضع الأمريكي في العالم العربي، وتقوض تطلعات حدوث انفراج بين السوفييت والولايات المتحدة.
وفي محاولة لكسر الجمود، أمر نيكسون وزير الخارجية آنذاك ويليام روجرز بالتفاوض مع السوفييت على معالم تسوية شرق أوسطية، بهدف الوصول إلى اتفاق تستطيع كل من القوتين العظميين بيعه لعملائهما الإقليميين.
وبحلول ديسمبر 1969، رفض الاتحاد السوفيتي ومصر وإسرائيل ما يسمى بـ "خطة روجرز"، التي دعت الإسرائيليين إلى الانسحاب لحدود ما أبرمته هدنة 1949، مع تعديلات هامشية مقابل السلام.
فشل خطة روجرز جعل نيكسون يوقف جهود الوصول إلى تسوية مع السوفييت، واقتنع بحجة مستشار الأمن القومي آنذاك هنري كيسنجر، الذي لم يكن تولى بعد حقيبة الخارجية، من أن الولايات المتحدة لا يجب أن تدفع إسرائيل لتقديم تنازلات طالما استمرت مصر، الدولة العربية القائدة، في انحيازها للسوفييت.
وفي صيف 1970، انشق نيكسون عن آراء كيسنجر وسمح لروجرز بتقديم مبادرة أكثر محدودية لوقف حرب الاستنزاف الإسرائيلية المصرية على امتداد قناة السويس، التي أصبح للسوفييت ارتباطا عسكريا بها.
مبادرة "روجرز 2” التي دعت إسرائيل ومصر للاتفاق على وقف إطلاق نار لمدة 3 شهور، وإجراء مفاوضات تحت رعاية الوسيط الأممي جونار يارنج حظيت بقبول كلا الطرفين اللذين توقفا عن القتال في السابع من أغسطس 1970.
ومع ذلك، تضاءلت شهية نيكسون الدبلوماسية، جراء الجهود المصرية والسوفيتية لتحريك صواريخ مضادة للطائرات بالقرب من القناة، وكذلك بسبب التدخل السوري في الحرب الأهلية الأردنية.
وحتى فبراير 1971، كان موقف كيسنجر المناهض لمكافأة عملاء السوفييت هو المسيطر.
وبالرغم من ذلك، فقد شهد عام 1971 تقديم الرئيس المصري آنذاك أنور السادات فرصة جديدة لادارة نيكسون لإبرام سلام عربي إسرائيلي.
واقترح السادات إعادة فتح مصر لقناة السويس إذا انسحبت قوات الدفاع الإسرائيلية من الضفة الشرقية للقناة، ووضع جدول زمني لمزيد من الانسحابات.
وأشار الرئيس السادات كذلك إلى استعداده للتخلي عن أي ممارسات قتالية مع إسرئيل إذا انسحب جيشها إلى الحدود الدولية.
جهود روجرز باستثمار تصريحات السادات من خلال العمل تجاه تسوية مؤقتة، وجدت معارضة من الإسرائيليين، ولم تلق إلا القليل من الدعم سواء من كيسنجر أو نيكسون.
واعتقد كيسنجر أن الاقتراحات المصرية لتسوية مؤقتة، بجانب خطة السلام السوفيتية في سبتمبر 1971 سوف تلقى رفضا من الإسرائيليين، ولم يشأ أن يتسبب الخلاف على الشرق الأوسط في تقويض حدوث انفراج بين القوتين العظميين قبل قمة موسكو في مايو 1972.
وبالنسبة لنيكسون، تعزز هذا المنطق برغبة في تفادي حدوث أزمة في العلاقات الأمريكية الإسرائيلية قبل الانتخابات الرئاسية عام 1972.
وفي أعقاب قمة موسكو، التي تجنب فيها الأمريكيون والسوفييت عمدا مناقشة أوضاع الشرق الأوسط، اتخذ السادات خطوتين متزايدتين لدفع إدرة نيكسون إلى كسر الجمود العربي الإسرائيلي.
وفي يوليو 1972، قرر السادات طرد المستشارين العسكريين السوفييت من مصر، وفتح قناة اتصال خلفية مع كاسينجر من خلال حافظ إسماعيل مستشاره في الأمن القومي.
وفي فبراير 1973، التقى إسماعيل مع كيسنجر، مخبرا إياه أن مصر ستضحى مستعدة للتوقيع على اتفاق سلام منفصل مع إسرائيل قد يشمل نزع أسلحة الجانبين على الحدود الدولية، ونشر قوات حفظ سلام في مواقع حساسة مثل شرم الشيخ، على أن يكون تطبيع العلاقات بعد انسحاب إسرائيل من كافة المناطق التي غزتها عام 1967.
رد الفعل الإسرائيلي تجاه العرض المصري اتسم بالتردد، كما لم يبذل نيكسون وكيسنجر إلا القليل من الجهود لتغيير فكرهما.
ورغم الإحباط العام الذي اتسم به أداء السادات في تلك الفترة، وكذلك تحذيرات العاهل الأردني الملك حسين وليونيد بريجنيف الزعيم السوفيتي، ، اعتقد نيكسون وكيسنجر أن مصر وسوريا لا تقويان على مهاجمة إسرائيل نظرا لفارق ميزان القوى، وهي الرؤية التي كانت تحظى بدعم من معظم مجتمع الاستخبارات الأمريكي.
وفي خريف 1973، استقر الرئيس نيكسون وهنري كيسنجر على أن أي مبادرة دبلوماسية أمريكية ينبغي أن تنتظر لما بعد الانتخابات الإسرائيلية في أكتوبر.
الحرب وتداعياتها
في 6 أكتوبر، 1973، هاجمت مصر وسوريا القوات الإسرائيلية في شبه جزيرة سيناء وهضبة الجولان.
ورغم النكسات الأولية التي منيت بها إسرائيل، اعتقد كيسنجر ، الذي أصبح في ذلك الوقت يشغل حقيبة الخارجية، بالإضافة إلى دوره كمستشار الأمن القومي، أن إسرائيل ما زال بإمكانها تحقيق نصر سريع.
بيد أن كيسنجر كان يخشى من أن هذا المسار الذي يتخذه العرب قد يغري السوفييت بالتدخل لرفع أسهمهم في العالم العربي، وبالتالي يضر ذلك بالانفراج بين القوتين العظميين.
ولذلك، اقترح كيسنجر دعوة الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي إلى نهاية للقتال بين مصر وإسرائيل، والعودة إلى حدود وقف إطلاق النار عام 1967.
ووافق الاتحاد السوفيتي، الذي لم يكن متحمسا للتدخل من أجل عملائه بالشرق الأوسط، لكن المصريين رفضوا اقتراح وقف إطلاق النار.
وبدافع الرغبة في تفادي كل من هزيمة العرب والتدخل العسكري، بدأ السوفيت إعادة تزويد مصر وسوريا بالأسلحة.
وفي 9 أكتوبر 1973، في أعقاب فشل جيش الدفاع الإسرائيلي في شن هجوم مضاد، طلب الإسرائيليون من الولايات المتحدة فعل نفس الشيء من أجلهم.
وانطلاقا من عدم الرغبة في رؤية إسرائيل مهزومة، وافق نيكسون، وبدأت الطائرات الأمريكية المحملة بالسلاح في الوصول إلى إسرائيل في 14 أكتوبر 1973.
ومع استمرار الجسر الجوي الأمريكي الإسرائيلي، انقلب مسار القتال ضد العرب.
وفي 16 أكتوبر 1973، عبرت قوات الجيش الإسرائيلي قناة السويس، وبدأ السادات في إظهار الاهتمام بوقف إطلاق النار، ما دفع بريجنيف إلى دعوة كيسنجر لزيارة موسكو للتفاوض على اتفاقية.
وتفتق ذلك عن اقتراح أمريكي- سوفيتي لوقف إطلاق النار يعقبه محادثات سلام، صدق عليه مجلس الأمن الدولي يوم 22 أكتوبر 1973 في القرار 338.
وبعد ذلك، طار كيسنجر إلى تل أبيب حيث أخبر الإسرائيليين عدم ممانعة الولايات المتحدة إذا رغب الجيش الإسرائيلي في التقدم.
وعندما عاد كيسنجر إلى الولايات المتحدة، وافق على الطلب السوفيتي بالبحث عن قرار آخر لوقف إطلاق النار، وهو ما تبناه مجلس الأمن في 23 أكتوبر 1973.
ومع ذلك، رفض الإسرائيليون التوقف.
وفي 24 أكتوبر 1973، بعث بريجنيف برسالة على الخط الساخن إلى نيكسون اقترح فيها إرسال الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي قوات إلى مصر لتنفيذ وقت إطلاق النار.
وهدد بريجنيف نيكسون إذا رفض الاقتراح قائلا: “سنكون في مواجهة الحاجة الملحة إلى دراسة مسألة اتخاذ قرار ملائم بشكل أحادي".
وتمثل رد فعل الولايات المتحدة في وضع قواها النووية في حالة تأهب في 25 أكتوبر 1973.
وبنهاية اليوم المذكور ، هدأت الأزمة عندما تبنى مجلس الأمن القرار 340، والذي دعا إلى وقف إطلاق النار، وسحب كافة القوات إلى وضعها التي كانت عليه في 22 أكتوبر، ووضع مراقبين أمميين وقوات حفظ سلام لمراقبة وقف إطلاق النار.
وفي هذه المرة، وافق الإسرائيليون على القرار.
وهكذا، انتهت حرب 1973 بانتصار إسرائيلي، لكن بتكلفة كبيرة على الولايات المتحدة.
ولم تحبط الحرب الانفراج الأمريكي السوفيتي، لكنها جعلت الولايات المتحدة في مواجهة نووية أقرب مع الاتحاد السوفيتي أكثر من أي وقت منذ أزمة الصاروخ الكوبي.
الجسر الأمريكي الجوي مع إسرائيل جعل الدول العربية تحظر تصدير النفط إلى الولايات المتحدة وبعض الأقطار الغربية الأوروبية، وهو ما تسبب في اضطراب اقتصادي دولي.
وكان المسرح مهيئا لكيسنجر لبذل جهود كبيرة في السلام العربي الإسرائيلي.
مصدر