الأسلحة الذاتية الحركة وذات القدرة على اتخاذ القرارات حسب مجريات المعركة، لم تعد مجرد خيال علمي كما في الأفلام الهوليوودية، بل بدأت بالدخول تدريجاً إلى حقول التجربة والاختبار، وستدخل الخدمة الفعلية في جيوش العالم الأساسية تدريجاً في خلال السنوات القليلة المقبلة. هذه المعدات التكنولوجية المتطورة، منها ما يتصرف تلقائياً مع الأهداف المحتملة دون العودة إلى قرار السلطة الأعلى، ومنها نوع آخر يُسيَّر عن بعد بواسطة مختصين يوجدون في مقارّ آمنة على بعد مئات أو آلاف الكيلومترات
التجارب على الأسلحة الذكية آخذة في التوسع المطّرد، وستصبح النمط السائد في الجيوش المستقبلية، وتحديداً لدى الجيوش الكبرى الثلاثة.
فالولايات المتحدة تحاول اليوم، وسط الصعود الروسي والصيني في مجالات التكنولوجيا العسكرية والتطبيقات المدنية المرتبطة بها، أن تأخذ خطوة إلى الأمام، من خلال الاستثمار الكبير على مدى السنوات الماضية والقادمة في الروبوتات العسكرية. وهي في هذا المجال تتقدم على نظيراتها، وقد بدأت عملية تحويل قطاعات كبيرة من قواتها العسكرية، ومن المتوقع أن يبلغ عدد الوحدات المقاتلة الآلية (military robots) أكثر من عدد الجنود والضباط عام 2025 حسب المخططات المعلنة. لكن الدول الأخرى لا تقف ساكنة في هذا المجال، بل تضع الخطط لتثمير كل إمكاناتها العلمية والتكنولوجية لردم هذه الهوة وتحديث جيوشها وتعزيزها بالمقاتلات الآلية أيضاً في البر والبحر والجو، وفي تقنيات المراقبة والتنصت. لذلك، وضعت كل من روسيا والصين برامجهما الآلية، وانتقلتا إلى تصنيع الطائرات من دون طيار كمرحلة أولى على هذا الطريق الطويل، وبدأت باختبار نماذج تجريبية من الأسلحة الأكثر تعقيداً.
تقنيات علمية أساسية
تعتمد هذه الأسلحة على مروحة واسعة من التقنيات العلمية المتطورة، منها المجسات (sensors) التي تعمل عبر الأشعة ما دون الحمراء أو الليزر أو الموجات الرادارية لتحسس الأجسام القريبة والبعيدة، وعلى تقنيات التصوير الدقيق، وكذلك على أنظمة اتصالات مشفرة ونظم معلوماتية وبرمجية قادرة على استيعاب دفق هائل من المعلومات وتحليل البيانات المرتبطة بها، وأخذ القرارات أو الخلاصات حولها في فترات زمنية قصيرة. كذلك تحتاج إلى الربط مع أنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية (GPS) وتقنياتها، بالإضافة إلى خصائص ميكانيكية وحركية ومواد جديدة صلبة وخفيفة.
عقود من التطوير
كانت البدايات الأولى للمعدات العسكرية الروبوتية في الحرب العالمية الثانية مع الجيش الألماني والجيش السوفياتي من خلال بعض أنواع الدبابات المسيرة عن بعد، إلا أنها كانت أدوات بدائية نتيجة تخلف التكنولوجيا المرتبطة بها في حينه. وخلال العقود التي تلت، تطور الكثير من الأسلحة، وتحديداً مدافع أوتوماتيكية تطلق النار مع استشعار الحركة القريبة، وانتشرت لدى العديد من الجيوش، ومنها مدافع دبابات "ميركافا" التي خصصها جيش العدو الصهيوني في أماكن مطلة لرصد حركة المقاومين واستهدافهم فورياً. وبلغت ذروة التطور الروبوتي مع تصنيع الطائرات الصغيرة من دون طيار المخصصة للتصوير والتجسس، ثم لاحقاً تلك التي تستطيع إطلاق صواريخ صغيرة على أهداف تحت المراقبة بأمر من مراكز التحكم. وتوجد هذه التقنيات اليوم في العشرات من جيوش العالم، وتشكل نزراً يسيراً مما سيصبح عليه الواقع في المستقبل القريب.
الذكاء الاصطناعي
لا شك في أن تزويد هذه المعدات الآلية بالبرامج التي تمكنها من اتخاذ القرارات المناسبة حسب الظروف التي تواجهها تعتبر قفزة كبيرة في التكنولوجيا العسكرية، إلا أن العمل اليوم ينصبّ على ربط كل هذه الروبوتات بأنظمة إدارة مركزية مؤتمتة أيضاً، وتستطيع اتخاذ القرارات تلقائياً عبر تحليل المعطيات الواردة من كافة القطع، وتقوم هذه "العقول" المركزية الروبوتية بتوجيه الوحدات عبر أوامر غير قابلة للاختراق. وهذا يعني أن الدور البشري سيتراجع أيضاً حتى في مجال توجيه الأوامر للوحدات لمصلحة برامج شديدة التطور. ورغم أن هذا الواقع سيزيد من تعقيد البرمجيات، إلا أنها تبقى بعيدة جداً عن مرحلة "الذكاء الاصطناعي" (artificial intelligence AI) الذي يقوم على مبدأ تعلم الأدوات والبرمجيات من أخطائها السابقة والبناء عليها لتصحيح برامجها تلقائياً. وهذه المرحلة هي القصوى في مسار التطور المعلوماتي، إلا أنها تطرح الكثير من الهواجس التي قد تؤدي إلى سيطرة الآلات على الحياة المدنية والعسكرية كلها مستقبلاً كما يتخيل الكثير من العلماء، كما المخرجون السينمائيون.
إلى أين؟
لا شك في أن تطور العلوم ينعكس تلقائياً في التكنولوجيا العسكرية، وستوفر الأتمتة والروبوتات حياة الكثير من الجنود، وستتحول الكثير من الخسائر الحربية إلى خسائر مادية. إلا أن المشكلة الكبرى هي أن ذلك سيشجع الدول الأقوى على خوض المزيد من الحروب ضد الدول الأضعف، بظل تراجع أعداد الأكفان العائدة إلى بلدانها. وسيكون هناك المزيد من الضحايا المدنيين، لأن هذه الأجهزة المبرمجة والمؤتمتة لن تكون قادرة على التمييز بين هدف عسكري وهدف مدني، ستكون أكثر اندفاعاً وعدوانيةً من المقاتلين البشريين، لأنها لا تخشى الموت والإصابة. أي إنها ستزيد من اللاتكافؤ بين الأطراف لمصلحة الجيوش الكبرى. على الجانب الآخر، توجد فرصة أمام الدول الصاعدة علمياً وتكنولوجياً لأن تحقق نوعاً من التوازن مع الدول الأقوى إذا واكبت تلك الثورة التقنية الصاعدة. على صعيد الكلفة المادية، سترفع هذه الصناعات الروبوتية من أكلاف الصناعة العسكرية، وقد تكون لها أكلاف سياسية لناحية استنهاض التيارات المناهضة للحروب في الدول الكبرى، التي تتساءل عن جدوى هذا الإنفاق الهائل بدل استثماره في المجالات العلمية المدنية التي تعود بالفائدة على كل فئات المجتمع. "الروبوتات" ستنخرط في الجيوش بدلاً من الجنود والضباط، وستثير حولها الكثير من النقاش والشكوك والاعتراضات، إلا أنها ستشكل عماد جيوش المستقبل.
أسلحة روبوتية مستقبلية
طائرات مقاتلة غير مأهولة:
تنصبّ اليوم جهود كبيرة على تطوير طائرات حربية مقاتلة من دون طيار، بنفس مواصفات طائرات الجيل الرابع والخامس السائدة حالياً. تنظر الجيوش بكثير من التفاؤل إلى هذه الطائرات، لأنها توفر الكثير من الأمور الأساسية، أولها الخسائر البشرية من الطيارين، وثانيها توفير الجهد والوقت والكلفة اللازمة لتدريب الطيارين المختصين. وثالثها إمكانية تمتع هذه الطائرات بإمكانات مراوغة جوية ومرونة حركة أكبر بكثير من الطائرات المأهولة التي لا تملك هذه الإمكانات بسبب عدم قدرة الجسم البشري على تحمل معدلات تسارع جاذبية لمثل هذه المراوغات، وهو ما لا تخشاه الطائرات غير المأهولة. إلا أن الثغرة الأساسية تبقى في قدرة هذه الطائرات على التعاطي مع الأوضاع المستجدة وغير المتوقعة، التي يمكن الطيار أن يتعاطى ويتأقلم معها في الأوضاع العادية.
سفن حربية غير مأهولة:
تستطيع هذه السفن أن تبحر آلاف الكيلومترات من خلال مسارات محددة مسبقاً ومربوطة بأنظمة تحديد المواقع عبر الأقمار الاصطناعية، ومن خلال توجيهات من غرف التحكم. ومن الممكن تطبيق هذه التقنيات على السفن التجارية المخصصة للنقل والتبادل التجاري أو على السفن الحربية المزودة بكافة الأسلحة اللازمة للدفاع عن نفسها ضد السفن الأخرى والطائرات المعادية، أي ما يعني "أتمتة" (automization) كاملة لأنظمة الرصد والاسشعار والتتبع، ثم قرار إطلاق النار عند تقدير وجود خطر داهم تلقائياً. كذلك تستطيع هذه البوارج القيام بكل مهمات القصف ضد أهداف برية أو بحرية ثابتة وفق نظام تحديد المواقع. كذلك يجري العمل على غواصات غير مأهولة مجهزة بالتقنيات نفسها، وذات قدرة ذاتية على إدارة وتنفيذ مهماتها بشكل مستقل، بالإضافة إلى قاتلات الغواصات والمركبات البحرية الدفاعية.
أجهزة المراقبة والتنصت خلف خطوط العدو:
مع تطور تقنيات التصوير والبث عبر الإنترنت والأقمار الاصطناعية، أصبح بالمتناول الآن تصنيع معدات طائرة صغيرة بحجم حشرة مع قدرة على التصوير والتسجيل الصوتي واختراق أنظمة الاتصال وبثها بنحو مباشر أو مسجل من خلف خطوط العدو إلى مراكزها. وهذه التقنيات قريبة من دخول الخدمة بشكل واسع بعد دخولها تجريبياً، وقد تكون موضوعة في الخدمة عند بعض الجيوش. وهذه الأدوات ذات أهمية كبيرة لأنها قادرة على تلقي أوامر والتحرك من مكان إلى آخر عبر الربط مع الأقمار الاصطناعية وحماية نفسها لمرونتها وصغر حجمها. كذلك يمكن برمجتها كي تقوم بالتصرف التلقائي في أوضاع معينة، ما يعطيها "ذكاءً اصطناعياً" دون الحاجة إلى متابعة أو إدارة متواصلة. تعطي هذه المعدات التقنية اليد العليا لمشغليها، وتعتبر من أبرز الأدوات الأمنية الحديثة.
عربات مقاتلة:
دخلت العربات المقاتلة الروبوتية عدة جيوش في السنوات الأخيرة، وتستعمل تقنيات تشبه تلك المستعملة في المدافع ذاتية الحركة وإطلاق النار، ولكنها أيضاً قادرة على التحرك والتسلق والتخفي وتغيير الشكل وتذخير نفسها من المخزن والعودة إلى القواعد تلقائياً، ومزودة بأحدث وسائل الاتصال والتشويش. وهذه العربات تحديداً تحل مكان الجندي المقاتل في الوضعية الدفاعية أساساً، وربما في وضعية الهجوم مستقبلاً. وهي رغم وجودها اليوم، إلا أن أعدادها ما زالت تجريبية وستغير طبيعة الحروب بعد دخولها حيز التصنيع الواسع.
مصدر