نشر معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي تقريراً إستراتيجياً جديداً، أعده الخبيران العسكريان يفتاح شابير وكشيش فارفياني حول عملية التسليح التي تمر بها القوات المسلحة المصرية.
وقال التقييم الإستراتيجي إن الجيش المصري منذ وصول الرئيس عبدالفتاح السيسي إلى سدة الحكم في مصر، بدأ مسيرة من إعادة التسلح بأسلحة متطورة.
وأضاف التقييم أنه على الرغم من أن القاهرة تستفيد من المعونة الأمريكية في الشق العسكري، إلا أنها تلقت مساعدات كبيرة من الدول الخليجية من أجل تنويع مصادر سلاحها، ووقعت على صفقات أسلحة كبيرة جداً مع فرنسا وروسيا.
وأضاف الباحثان الإسرائيليان أن السفينتين حاملتي الطائرات المروحية من طراز الميسترال، جمال عبد الناصر والسادات، اللتين دخلتا إلى الخدمة في البحرية المصرية تشيران إلى دخول مصر مرحلة جديدة من التسليح العسكري المتطور والشامل خلال الفترة الماضية، كما تشير إلى مرحلة مهمة في المحاولات المصرية لتنويع مصادر التسليح، والتحرر من التبعية الحصرية للولايات المتحدة الأمريكية.
وأوضح التقرير أنه حتى عام 2015 قدمت الولايات المتحدة مساعدات لمصر بقيمة 76 مليار دولار تقريباً، تشمل 1.3 مليار دولار مساعدات عسكرية سنوية لمصر ابتداء من عام 1987. وفتح توقيع اتفاقية السلام بين مصر وإسرائيل عام 1979 عهداً جديداً من الدعم المالي الأمريكي للسلام بين إسرائيل وجيرانها.
وبحسب تقرير حكومي أمريكي صادر عام 2006، فقد شكلت المساعدات الأمريكية نحو 80% من قيمة مشتريات السلاح المصرية، فيما قالت دراسة صادرة عن قسم الأبحاث بالكونغرس الأمريكي إن المساعدات تشكل نحو ثلث موازنة الأمن المصرية.
وبيّن التقرير الإستراتيجي أنه مع نهاية 2012، أطلقت مصر برنامجاً شاملاً لإعادة التسليح، وعلى الفور بعد وصول الجنرال عبدالفتاح السيسي إلى منصب وزير الدفاع، أعلنت مصر أن ألمانيا وافقت على بيع غواصتين من طراز "209" لمصر في الوقت الذي كانت المساعدات الأمريكية لا تزال تأتي إلى القاهرة، بل تم تنفيذ عقود تسليح اُتّفق عليها منذ وقت طويل مضى، ومن بينها 20 طائرة من طراز F16C/D و10 طائرات مروحية من طراز أباتشي ونحو 125 قطعة دبابة من طراز Abrams M1A1 سيتم تجميعها في القاهرة.
في فبراير 2014 اختار الرئيس السيسي أن تكون روسيا هدفه في أول زيارة خارجية له لدولة غير عربية، وأثارت الأنباء حول الزيارة تكهنات حول صفقة أسلحة روسية لمصر تقدر بنحو ملياري دولار، وتشمل ما يلي من 46 - 50 طائرة مقاتلة من طراز ميج Mig-29M/M2 وأنظمة دفاع جوي بعيدة المدى من طراز "S-300VM"، و50 مروحية حربية من طراز Ka-52 وسفينتي صواريخ مضادة للسفن من طراز "مولنيا" أو "R-32”.
وأشار الموقع إلى أنه بعكس المفاوضات الطويلة مع الجانب الروسي، فوجىء العالم بسلسلة من صفقات السلاح الكبيرة التي جرى توقيعها بين مصر وفرنسا، والتي تمت بسرعة كبيرة، ومن بينها صفقة قدرت بنحو مليار يورو وأبرمت في مارس 2014، اشترت بموجبها مصر نحو 4 سفن حربية من طراز Gowind-2500.
وفي فبراير 2015 أعلن الجانبان، المصري والفرنسي، عن صفقة أسلحة أخرى بلغت قيمتها نحو 5.2 مليار يورو، شملت شراء طائرات مقاتلة من طراز "رافال" بالإضافة إلى قنابل ذكية من طراز AASM وصواريخ جو – جو من طراز MICA، من بين أسلحة أخرى،
وفي اكتوبر 2015، أعلن الجانبان المصري والفرنسي، عن شراء مصر حاملتي طائرات "ميسترال " من فرنسا مقابل 950 مليون يورو، وأعلنت روسيا أنها ستبيع لمصر نحو 50 مروحية من طراز Ka-52 ليتم وضعها على متن حاملتي الطائرات.
وفي أبريل 2016، أعلنت مصر وفرنسا عن اتمام صفقة بقيمة ملياري يورو وشملت قمراً صناعياً، و2 كورفيت من طراز Gowind-2500، وسفينتي استطلاع من طراز Adroit، وبحسب الدراسة، هناك تقارير إعلامية أشارت إلى أن مصر سوف تشتري نحو 12 طائرة نقل إيرباص من طراز A-400.
وطرح التقرير الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي تساؤلات حول قدرة مصر على دفع تكاليف هذه المشتريات من السلاح على الرغم من حالة التدهور التي أصابت اقتصادها خلال السنوات الماضية.
وأجاب عن السؤال بأن هناك مصدرين على الأقل لتسديد ثمن الأسلحة، الأول هو دول الخليج ممثلة في السعودية والإمارات والكويت، من خلال الدعم المالي الذي قدموه لمصر السيسي وبلغ نحو 35 مليار دولار، سواء في صورة ودائع بالبنوك أو إمدادات نفط، على الرغم من انعدام أي تأكيدات رسمية خليجية أو مصرية تقول إن هذه الأموال استخدمت لشراء الأسلحة من فرنسا وروسيا، أما المصدر الثاني فهو دافعو الضرائب الفرنسيون، وذلك من خلال حصول مصر على قرض بقيمة 3.3 مليار يورو بضمان وكالة التأمين الفرنسية الحكومية.
ما وراء إعادة التسليح
ويشير التقرير الإستراتيجي الصادر عن معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إلى أن كل مشتريات الأسلحة الهائلة التي قامت بها مصر خلال السنوات الماضية، كانت بدعوى مواجهة التحديات الأمنية مثل الإرهاب في سيناء، لكنه طرح التساؤل، هل مصر التي تمتلك نحو نحو 320 طائرة من طراز إف – 16 لا يمكنها التعامل مع هذه التحديات، فتضيف إليها طائرات فرنسية من طراز "رافال"، وطائرات روسية أيضا؟ الأمر الذي يجعل فكرة مواجهة التحديات الأمنية الداخلية القائمة فكرة غير مقبولة.
وتوضح الدراسة أن الخطوة المصرية بتنويع مصادر التسليح والتوجه إلى فرنسا وروسيا، كان المقصود به توجيه رسالة وصفعة مصرية للولايات المتحدة، خاصة عندما دخل دول مجلس التعاون الخليجي في المعادلة.
وتابعت الدراسة أن مصر لديها تحديات أمنية في شبه جزيرة سيناء، وعلى الحدود مع ليبيا، لكن تلك الجماعات التي تهدد الأمن المصري في تلك المناطق، تتسلح بأسلحة خفيفة، وليست في حاجة إلى هذا التسليح المتطور، كما أن مصر لديها بعض العداء مع السودان، وهو ما يعني أن التحديات الأمنية التي تواجهها لا تشتمل على قوة عسكرية قوية يمكنها أن تشكل تهديداً على القاهرة، الأمر الذي يجعل السؤال مطروحاً عن أسباب هذه المشتريات من السلاح.
وأوضح التقرير أنه يجب النظر إلى مشتريات السلاح المصرية من منظور أوسع يتسق مع رؤية الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لمصر، التي تؤكد على ضرورة استعادة مصر مكانتها الإقليمية وتأكيد وجودها كقوة عسكرية فاعلة في الشرق الأوسط.
انعكاسات على التوازن العسكري الإقليمي
يذهب التقرير إلى أن مشتريات مصر من الأسلحة، لها انعكاسات كبيرة على التوازن العسكري في منطقة الشرق الأوسط، وأوضح أن حاملتي الطائرات المروحية "ميسترال" تمكنا مصر من نقل قوات مدعومة بالدبابات والطائرات المروحية إلى أماكن بعيدة عند مضيق باب المندب، أو الذهاب بعيداً حتى إيران، وتابع أن تلك الأسلحة التي اشترتها مصر عززت موقفها كقوة عسكرية تسمح لها باستعراض ونشر قوتها العسكرية في منطقة الشرق الأوسط كلها.
حذر إسرائيلي
واشار التقييم إلى أن إعادة تسليح الجيش المصري سوف يقلق إسرائيل، على المدى الطويل، ولذلك يجب على تل أبيب أن تراقب ذلك بعين حذرة، لأن إسرائيل لا يمكنها غض الطرف عن عملية تسلح بمثل هذا الحجم، كما أن شراء طائرات متقدمة من طراز رافال وميج 29 من شأنها أن تحطم فكرة التفوق النوعي لسلاح الجو الإسرائيلي، بالإضافة إلى أن سلاح البحرية المصري أقوى وأكبر بكثير من البحرية الإسرائيلية في الوقت الحالي (البحرية المصرية ترتيبها السابع عالمياً فيما البحرية الإسرائيلية ترتيبها 36)، لكن عندما تدخل بقية السفن الخدمة في البحرية المصرية، ستكون إسرائيل أمام سلاح بحري يشكل تهديداً حقيقياً.
أما الأمر الثاني الذي تخشاه إسرائيل من إعادة التسليح المصري، بحسب الدراسة الإسرائيلية، فهو صواريخ أرض – جو من طراز "أنتي 2500" التي من شأنها التأثير على حركة القوات الجوية الإسرائيلية حتى في المجال الجوي لإسرائيل، وكذلك الأمر بالنسبة لصواريخ "P-270" الموجودة على متن السفن الصاروخية من طراز "مولنيا"، والتي من شأنها التأثير الكبير على حرية عمل البحرية الإسرائيلية.
الخلاصة
خلص التقييم الإستراتيجي الإسرائيلي إلى أن مشتريات الأسلحة المصرية جزء من خطة السيسي الطموحة لجعل مصر قوة إقليمية رائدة في الشرق الأوسط، مشيراً إلى أن إسرائيل عليها أن تنتظر لترى ما ستسفر عنه السنوات القادمة في ظل المشروعات الطموحة التي تقيمها مصر. وعلى الرغم من الأزمات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، فإن التقرير شدد على أن لمصر سابقاً تاريخياً كبيراً يثبت قدرتها على الخروج من الأزمات مهما كانت معقدة، لكنها في حاجة إلى تنمية اقتصادية وثقافية. أما فكرة تحول مصر إلى قوة عسكرية إقليمية، فهذا أمر واقع، ويجب على إسرائيل أن تراقبه بشكل جيد وتأخذه في الحسبان.
مصدر