تمثل فرقة الحشاشين الدينية-السياسية لمؤسسها حسن الصباح، أو (شيخ الجبل)، محطة خصبة للخيال في التاريخ العربي والغربي. واستَلهمت منها المخيلة العربية والغربية والاستشراقية الكثير من الحكايات. فتحولت الفرقة إلى أسطورة شرقية غنيّة بالسحر والغرائبية والغموض، من قبل الغرب، حين تدوين/ تأريخ أخبارها، إلى جانب كونها محطاً لحملات السُباب وتشويه السمعة من قبل الغالبية بوصفها أقلية "ملحدة".
فرقة الحشاشين التابعة للإسماعيليّة، أو فرقة النزاريّة حسب التسمية التاريخية الصحيحة التي انتشرت في سوريا وفي فارس، نَشطت بين القرن 11 و13 ميلادي بوصفها فرقة دينيّة-سياسيّة معارضة للدولتين الفاطمية والعباسية، اللتين ناصبتاها العداء إثر انفصالها عنهما. واشتهرت بالقلاع، التي استقر فيها أتباع الفرقة، وحوّلوها إلى أشبه بمعسكرات مغلقة لهم. إلى جانب تاريخ طويل للفرقة مع العرب والصليبيين، وبلدان أوروبا، لتكون هذه الفرقة الأشهر وموطن عداء الكثيرين.
تعرض الحشاشون لحملة تشويه، إلى جانب تحويلهم إلى متخيل أسطوري مرتبط بجانبين. الأول متعلق بالحملة السنية ضدهم وضد الاسماعيلية بوصفهم "ملحدين"، وقد ألف في الرد عليهم وعلى "خرافاتهم" الإمام الغزالي كتابه "فضائح الباطنية"، إلى جانب الخرافات التي اختلقها عنهم المستشرقون من مختلف العصور، وبعضهم من المشاهير كالرحالة ماركو بولو (1254-1324م)، وبرنارد لويس (1916- الآن) إلى جانب كتاب المؤرخ الفارسي الجويني (1028-1058م).
أخبار الحشاشين
هناك العديد من المراجع المرتبطة بالحشاشين، والتي يختلف حول مدى صدقيتها الكثيرون. بعض هذه الأخبار تتنوع بين باحثين ومؤرخين، عملوا على البحث والتحقيق في ما صنف عنهم كـ"خرافات الحشاشين و أساطير الإسماعيليين"، لفرهاد الدفتري. لكن المثير أن غالبية هذه الدراسات تعتمد على الأبحاث الغربية وأخبار الرحالة والصليبيين. أما تلك التي ألفها المعاصرون، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو عرب أو فرس، فتتناقض مع تلك المذكورة في المراجع الغربية، بل تختلف جذرياً عنها، لأن غالبها مكتوب بدوافع دينيّة أو سياسيّة.
الرحّالة ماركو بولو يذكر في رحلته "1237م" وصفة إحدى قلاعهم (من الممكن أن تكون ألمُت)، ويستدعي لويس قوله هذا في كتابه "الحشاشون فرقة ثورية في تاريخ الإسلام" لتمحيصه. يذكر الأول أنها قلعة فيها فواكه ونساء وغلمان ومسرّات بوصفها الجنة، وأن "شيخ الجبل" يقنع أتباعه بأنها الفردوس الموعود، الذي تحدث عنه محمد بن عبد الله. ثم يدخل إليها فدائييه أو حشاشيه لـ"ينعموا بها"، ثم يخرجهم منها بعد أن "يُغشى عليهم" بتأثير مسحوق أو عقار ما.
شيخ الجبل يختار فدائييه من الأطفال والشبان الصغار، ليربيهم في ذلك "الفردوس" ثم يستخدمهم في مهمات الاغتيال بعد إخراجهم من "جناته"، ووعيده لهم بالعودة إليها بعد تنفيذ المهمة. لكن حقيقة القصة هذه، التي يرويها ماركو بولو، لا تبدو منطقية، لا لما تحويه فقط من متخيل عن طبيعة القلعة التي يتحدث عنها، بل ببساطة لأن ماركو بولو لم يكن قد ولد بعد عند تدمير قلعة ألموت عام 1256.
سياسة الاغتيالات التي اتبعتها الفرقة أكسبتهم شهرة واسعة، خصوصاً اغتيالهم الماركيز كونراد من مونفيراتو Conrad of Montferrat ملك بيت المقدس، بينما كان في صور.
لكن الحوادث الأشهر هي تلك المرتبطة بمحاولتهم اغتيال القائد صلاح الدين، والتي تكررت مرات عدة. أشهرها تلك التي ذكرها برنار لويس واستعادها الروائي اللبناني الفرنسي أمين معلوف في روايته "سمرقند"، فأرسل أميرهم لصلاح الدين أحد رسله للحديث معه، ليكتشف الأخير بعد أن أخلى القاعة للحديث مع الرسول حسب طلبه، بأن حارسيه الشخصيين هما من الحشاشين.
من بعض الأخبار المرتبطة بهم وأشهرها خرافة "القفز إلى الحتف"، إذ كان الصباح ليرهب أعداءه، يأمر أحد فدائييه بالقفز من أعلى السور نحو الهاوية، دليل على تفاني فدائييه وإطاعتهم المطلقة لأوامره. وهذا ما لم يذكره ماركو بولو في حديثه عنهم، لكن حتى هذه القصة أيضاً غير موثوق بها وهي نتاج المخيلة.
الحشاشون لغوياً
الكثير من الأقاويل التي لا تستند للعلم والمنهج التاريخي هي الأشهر، والتي تدّعي أن كلمة حشاشين مشتقة من الحشيش، بوصفه المادة المخدرة التي كان يتعاطاها فدائيو حسن الصباح لينفذوا ما يريده، وليخلق عندهم التخيّل بأنهم في الفردوس. لكن الكثير من الوثائق العربية المكتوبة في تلك الفترة، تشير إلى عدم صحة هذه المعلومة. فلم تذكر كلمة الحشاشين سوى مرتين، وبصورة لا تمتلك المعنى الحالي. الكلمة ناتجة عن المتخيلة الاستشراقية، فاختلاط الأخبار واللهجات واللغات، جعل كلمة Assassin تدخل اللغة الأوروبية نحو القرن 14 ميلادي، على أساس أنها تصف الذين قاموا بتنفيذ الاغتيالات. كما انتشرت التفسيرات الأخرى، التي لا تستند للوثائق، كافتراض أن أصل الكلمة قادم من "حساسين"، نسبة لحسن الصباح، أو العَسس، لكن لا تتجاوز هذه التفسيرات كونها حذلقات لغوية. بل حتى من الممكن حسب تعبير الباحث فرهاد دفتري، أن "حشاشين" كانت تطلق على طبقة الرعاع المنحطة أو الملحدين المنبوذين اجتماعياً لوصف النزاريين من قبل مكفريهم، لكنها لا تحيل إلى تعاطي مادة الحشيش.
عناصر التخيل
فرقة الحشاشين وما يدور حولها من حكايات وأساطير، ترتبط بعدد من العوامل التي تشكلّ حضورها التاريخي. فهناك المفهوم السحري المرتبط بالحشيش، والمتخيل المرتبط بالنعيم و"الفردوس"، الذي يقدمه القائد/ الشيخ، إلى جانب العامل السياسي. لكن يلعب عامل الخيال الدور الأكبر في صياغة حكاياتهم والأخبار المرتبطة بهم، فتجربة هذه الفرقة تقدم نسخة متخيّلة عن دعوة جديدة، مرجعيتها ليس المقدس الديني وتفسيره التاريخي كالدعوة المحمديّة، بل المقدس المتخيل (الشرقي والاستشراقي) لدعوة لم تكتمل. هي المعادل لمتخيل الخوف الغربي من الشرق الذي لا يقتصر فقط على جوانب سحرية وعجائبية بل جوانب انتقامية ومرعبة.
مصدر