أعلنت منظمة الصحة العالمية، العام الماضي، أن العمر المتوقع للبشر عموماً زاد بمعدل خمس سنوات، عما كان عليه عام 2000. مؤكدة أنه أكبر ارتفاع في متوسط الأعمار شهدته البشرية منذ ستينيات القرن الماضي. ولكن...ما أن نلقي نظرة عن قرب على العمر المتوقع للبشر في كل دولة، حتى نشعر بالغبن. إذ نكتشف أن حظوظ كل منا بالحياة تتوقف على المكان الذي ولد فيه.33 عاماً هي الفرق بين متوسط أعمار البشر، الذين يعيشون على الأرض اليوم. ففي حين يتوقع سكان معظم الدول الأفريقية أن يموتوا في مقتبل العقد الخامس، يُتوقع أن يعيش الياباني حتى عمر 83 عاماً، ويُتوقع أن يموت العربي في سن السبعين.هل يمكن التنبؤ بأعمارنا؟مفهوم العمر المتوقع هو دراسة إحصائية تصدرها منظمة الصحة العالمية كل خمس سنوات، تعتمد فيها على جمع بيانات دقيقة للوفيات سنوياً من جميع دول العالم، وتتوقع بناءً عليها متوسط الأعمار في كل دولة، وفقاً للظروف الراهنة، وهو ما يسمى العمر المتوقع للأفراد.يوضح الدكتور عبد الله المكتبي، طبيب مختص بالصحة العامة في بريطانيا: "بالطبع لا يمكن لأحد أن يعرف متى سيموت، لذا يسمى بالعمر المتوقع، لكنه يستند إلى إحصائيات ووقائع طبية. ويضيف: "الواقع أن العرب اليوم لن يعيشوا حتماً كحياة اليابانيين أو الكنديين، لكنه واقع يمكن تغييره، وهذا هدف مؤشر الأعمار المتوقعة.عمرك المتوقع حسب جنسيتكفلنلقِ نظرة على الأعمار المتوقعة في منطقتنا العربية، وفقاً لآخر دراسة نشرتها منظمة الصحة العالمية عام 2016.
ما الذي يصنع هذه الفروق بين الدول؟ ولماذا لا نحظى نحن الذين نعيش في الدول العربية بأعمار مماثلة لأعمار اليابانيين (83.7 عاماً)، أو الإسرائيليين الذين يعيشون في قلب منطقتنا العربية؟
غياب التأمين الصحي
أبرز الفروق بين الدول، التي يتمتع سكانها بأعمار طويلة، وتلك التي يتمتع سكانها بأعمار منخفضة، هو التأمين الصحي الشامل. ففي حين وصل عدد من الدول إلى نظام تأمين صحي شامل لجميع مواطنيها، اعتبرت الأمم المتحدة أن كلاً من دول الشرق الأوسط والدول الأفريقية لا تزال بعيدة عن تحقيق التغطية الصحية الشاملة لسكانها.
وليس خفياً على أحد أن عبء النفقات الصحية من أكبر الأعباء التي يتحملها العرب في حياتهم. تقول رؤى (35 عاماً)، التي تعيش في الأردن: "حين اضطر والدي لإجراء عملية قلب ووالدتي لجلسات غسيل كِلى، بعنا المنزل الذي يعيشان فيه، وهو كل ما استطاعا شراءه في حياتهما".
حوادث السيارات
في الوقت الذي نتسابق فيه لامتلاك أول سيارة، ولا يجد الكثيرون حرجاً من حيازة شهادة قيادة بالرشوة أو الواسطة، ينمو استخدام السيارات بشكل مُطرد في العالم العربي. وتتحول فيه هذه السيارات إلى أحد أكثر أسباب إنهاء حياتنا. وفقاً للدراسة الأخيرة، تعد حوادث السيارات، إحدى أكثر مسببات القتل، بما فيها الوفيات المبكرة في العديد من الدول العربية ذات الدخل المرتفع، التي يتمتع معظم سكانها بامتلاك سيارات خاصة.
يقول ياسر الحموي، وهو سائق سيارة شحن سوري: "عملت أكثر من عشر سنوات في نقل البضائع بين سوريا ولبنان والأردن، لا أعرف سائقاً في البلدان الثلاثة نال شهادة القيادة بعد تدريب أو فحص، أرى الكثير من الحماقات في الطرقات. وشهدت عشرات حوادث السير في حياتي، معظم ضحاياها من الشباب، ومعظمها مميتة. يتعامل الناس مع قيادة السيارة كأنها لعبة أو تسلية".
الثورات والحروب
تكشف الوقائع الحالية والتاريخية أن من يعيش في عالمنا العربي معرض بشكل أكبر للأعمال العدائية، التي يمكن أن تحدث في أي مكان وأي زمان.
وتتسبب الحروب التي تشهدها بعض الدول العربية بإنقاص نصيب سكانها من الحياة. فالأعمار المتوقعة لكل من سكان العراق وسوريا واليمن والسودان، خلال السنوات الماضية، تتذيل قائمة الأعمار المتوقعة في الدول العربية. أما أكبر انخفاض، فتسببت به الحرب في سوريا، فتناقص العمر المتوقع للسوري نحو 12 عاماً، خلال خمس سنوات. أما العراق الذي يشهد صراعات مستمرة منذ سنوات، فبقي معدل الأعمار فيه منخفضاً طوال السنوات العشر الماضية.
يقول مكتبي: "لا يمكن أن نفصل بين عمر الإنسان والبيئة التي يعيش فيها. لا يتعلق الأمر بالجنسية بالطبع، إنما بمكان وجوده، إن كنت عربياً وتعيش في بلد يوفر لك الخدمات الصحية وتتمتع بقدر جيد من الوعي الصحي ولديك نمط حياة جيد، فستكون فرصتك أقل بالأمراض وأطول بالحياة".
تناولت دراسة نشرت عام 2014، علاقة العمر المتوقع للعرب بالحالة السياسية للبلدان العربية. وبيّنت أن العديد من سكان البلدان العربية دفعوا ثمن الثورات العربية ومطالبهم، كما انعكست حالة عدم الاستقرار التي عاشتها المنطقة على الصحة البدنية والنفسية للسكان، وتوفير الموارد الطبية، وتشغيل الطاقم الطبي.
وأوضحت الدراسة أن تأثير الحروب لا يقتصر فقط على الاستهدافات المباشرة التي تتعرض لها الطواقم الطبية أو المستشفيات، إنما على القدرة للوصول إلى العلاج. فالعزلة الاجتماعية والخطر، يفقدان الناس القدرة على التعامل مع الأمراض النفسية والجسدية، كما تفقدهم القدرة الاقتصادية على التعامل مع المشكلات الصحية.
انخفاض الوعي الصحي
يقول حسن الهيثم، طبيب سوري مختص بأمراض القلب: "عملت 4 سنوات في السعودية، و11 عاماً في حلب، وبدأت منذ 3 سنوات العمل في فرنسا، يمكن أن ألخص عملي طوال هذه السنوات في الدول العربية بأنه سلسلة من محاولات إقناع المرضى بتغيير عاداتهم الغذائية. فهي عادات قاتلة، وكأطباء نرى ضحايا هذه العادات كل يوم، للأسف هناك فرق كبير جداً بين العادات الغذائية في الدول العربية والأوروبية".
وهو ما يؤكده مكتبي قائلاً: "من أجل صحتنا علينا أن نتفاخر بأننا نذهب إلى عملنا بالدراجة أو مشياً، وأن نخرج أيام العطلة للتنزه أو السباحة، بدل الخروج للشواء. أن نعلم المراهقين أن يلعبوا كرة قدم، أو يرقصوا أو يرسموا، أو يعزفوا الموسيقى. هذا سيطيل أعمارنا، لأن معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة كالسكري وأمراض القلب وارتفاع الكوليسترول سستتهاوى، وسيجعلنا أكثر سعادة مما نحن عليه".
تعلم أكثر لتعيش أطول
تتعدد عوامل الخطر التي تؤثر على صحتنا، وتتسبب بانقاص سنين حياتنا، لكن إدراكنا لها وتجنبها يرتبطان بعامل واحد، التعلم، إذ تُربط السنوات التي نقضيها بالتعلم بشكل وثيق بصحتنا وأعمارنا. علماً أن متوسط عدد سنوات التعلم هو مؤشر اجتماعي على الصحة العامة في البلاد.
مثلاً في المتوسط، يقضي كل من اليابانيين والكنديين والسويديين والأستراليين أكثر من 14 عاماً في التعلم، ويتمتعون بالمقابل بعمر متوقع يفوق 79 عاماً. على مستوى الوطن العربي يقضي كل من الكويتيين والإماراتيين نحو 12 عاماً، ويتمتعون بعمر متوقع أطول من غيرهم من العرب.
أما في الصومال، التي لا يتجاوز متوسط عدد سنوات التعليم فيها 5 أعوام، فلا يتجاوز العمر المتوقع لسكانها الـ55 عاماً.
يفسر مكتبي الأمر بأن "للتعليم تأثيراً إيجابياً على متوسط العمر المتوقع لأنه يوفر المعرفة بعادات الحياة الصحية".
مصدر