وفقاً لمنظمة الصحة العالمية فإن الحكومات العربية لا تخصص للصحة سوى 7.8% من مجمل الإنفاق الحكومي. إذ يبلغ الإنفاق العالمي على الرعاية الصحية أكثر من 5800 مليار دولار منهم 92 مليار دولار في منطقة الشرق الأوسط، حيث أن إنفاق المنطقة يعادل 1.6% من النسبة العالمية، مع أن سكانها يشكلون 8% من سكان العالم.
وفي غالبية البلدان منخفضة الدخل، يتكفل المواطنون بدفع 60% من الإنفاق الصحي من أموالهم الخاصة، وقد يصل هذا الرقم إلى 80% في بعض البلدان. ويعد هذا الإنفاق من المال الخاص سبباً رئيسياً في تكاليف كارثية تتحملها الأسر وتدفع بها إلى هاوية الفقر.
لكن الوضع في الدول العربية ليس واحداً حيث توجد العديد من الفوارق بينها في الأوضاع العامة للصحة وفي حجم الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية للمواطنين، إذ يمكن وصف الفارق بين الوضع في دول الخليج وفي دول عربية منخفضة الدخل بالفجوة العميقة.
وعلى الرغم من أن الوضع قد تحسن على ما كان عليه سابقاً، فقد ارتفعت نسبة إنفاق الدول العربية على الرعاية الصحية من إجمالي الناتج المحلي من 3.7% سنة 1995 إلى 4.9% سنة 2014، وفقاً لأرقام البنك الدولي، لكنها تبقى أقل بكثير من الدول المتقدمة والتي تتجاوز فيها النسبة 12%.
وقد شهدت العديد من الدول العربية تراجعاً كبيراً في معدلات الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية. فلبنان مثلاً كان ينفق حوالي 12.6% من الناتج الإجمالي على الرعاية الصحية سنة 1995 لكن النسبة انخفضت إلى 6.4% سنة 2014.
وكذلك الشأن بالنسبة إلى سوريا التي كانت تنفق 5.5% من الناتج الإجمالي سنوياً على القطاع الصحي في 1995 وباتت في 2014 لا تنفق سوى 3.3%. كما سجلت كل من موريتانيا والكويت والأردن تراجعاً في هذا المجال.
في المقابل حققت بقية الدول العربية تقدماً في نسب الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية وبعضها حقق قفزة نوعية، كما هو الحال في جيبوتي التي ارتفعت فيها النسبة من 4% سنة 1995 إلى 10.6% سنة 2014. وكذلك السودان من 4% 1995 إلى 8.4% سنة 2014.
نصيب الفرد
لا تعكس نسب الإنفاق الحكومي على الرعاية الصحية من الناتج الإجمالي الوطني مدى تمتع المواطنين في الدول العربية بهذه الرعاية. ويعود ذلك لاعتبارات تخص حجم الناتج الإجمالي لكل دولة وعدد السكان.
إذ يختلف نصيب الفرد من مجموع الإنفاق على الرعاية الصحية من دولة إلى أخرى. ويمكن تقسيم المنطقة العربية إلى ثلاث مجموعات وفقاً لنصيب الفرد. مع الإشارة إلى أن المعدل العربي وصل إلى 356 دولارا سنوياً سنة 2014 بعد أن كان لا يتجاوز 86 دولارا في عام 1995، وفقاً لأرقام البنك الدولي من خلال قاعدة بيانات الحسابات القومية التابعة لمنظمة الصحة العالمية.
المجموعة الأولى تضم الدول التي يحظى فيها الفرد بنصيب سنوي من الإنفاق يفوق الألف دولار تضم دول الخليج باستثناء عمان. ويعود ذلك إلى ارتفاع قيمة الناتج الإجمالي لهذه الدول خاصة من المداخيل المالية الهائلة المتأتية من تصدير النفط والغاز وانخفاض عدد السكان.
أما المجموعة الثانية فتضم دولا متوسطة يتراوح فيها نصيب الفرد بين ألف و300 دولار على الرغم من أن بعضها من الدول المصدرة للطاقة وتحقق مداخيل مالية كبيرة مثل ليبيا والجزائر والعراق، لكن الاضطرابات السياسية والأمنية التي تعيشها وتنامي معدلات الفساد وضعف الحوكمة تؤثر على حظوظ الأفراد في نصيب محترم من حجم الإنفاق على الخدمات الصحية.
ومجموعة ثالثة ينخفض فيها نصيب الفرد إلى أقل من 200 دولار، أغلبها يعيش حروباً كسوريا واليمن والصومال وبعضها مشاكل سياسية واقتصادية وكذلك ارتفاع عدد السكان مثل مصر والمغرب وموريتانيا.
عقبات أمام الإصلاح
تعاني الدول العربية، كغيرها من الدول النامية في العالم، من ثلاث عقبات تقف في طريق رفع نصيب الفرد من الرعاية الصحية والمضي نحو التغطية الشاملة. الأولى هي عدم توفر الموارد المالية في أغلب الدول، فباستثناء الدول النفطية فإن البقية تعاني ميزانيتها عجزاً متواصلاً وبعضها يعيش أزمةً اقتصادية حادة كما هو الحال في مصر.
أما العقبة الثانية فهي عدم الكفاءة في الاستفادة من الموارد المتوفرة وارتفاع معدلات الهدر بسبب الفساد وضعف الحوكمة الرشيدة في السياسات الحكومية المتعلقة بتمويل قطاع الصحة. إذ تعتبر الخدمات الصحية في القطاع العام والمستشفيات من أكثر الخدمات التي يدفع من أجلها الأفراد في الدول العربية الرشوة.
في مصر يدفع بين 31 و45% من متلقي خدمات الصحة في القطاع العام رشوة للحصول على الخدمة والنسبة ذاتها تسجل في المغرب، فيما ترتفع في اليمن إلى أكثر من 50%، بحسب ما جاء في تقرير لمنظمة الشفافية الدولية بعنوان "الناس والفساد: دراسة مسحية للشرق الأوسط وشمال إفريقيا 2016".
وتشكل التحديات السياسية والأمنية التي تعيشها الكثير من الدول العربية العقبة الثالثة في طريق إصلاح القطاع الصحي ورفع معدل الإنفاق على الرعاية الصحية. إذ تعيش سوريا واليمن وليبيا حروبا أهلية فيما تغرق دول كمصر والعراق وتونس في أزمات سياسية وتحديات أمنية بسبب التهديدات الإرهابية.
ويؤثر ذلك على مداخيل الدولة وبالتالي على حجم الإنفاق على الرعاية الصحية. كما يصرف الموارد المالية للدول نحو شراء السلاح ومواجهات التحديات الأمنية والعسكرية بدلاً من توفير رعاية صحية للمواطنين.
فقد ارتفعت فاتورة السلاح في الدول العربية بأرقام ضخمة قياساً للصحة، حيث أكّد تقرير معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي للعام 2016، وهو تقرير سنوي خاص بسوق الأسلحة الثقيلة حول العالم، أنّ دول الشرق الأوسط ضاعفت وارداتها من الأسلحة الثقيلة خلال السنوات الخمس الماضية.
فالجزائر التي لا يتجاوز فيها نصيب الفرد من مجموع الإنفاق على الرعاية 362 دولار سنوياً تعتبر خامس أكبر مستورد للأسلحة الثقيلة في العالم مع 3.7% وأكبر مستورد في القارة الإفريقية، وشكّلت حصتها 46% من مجموع الأسلحة المستوردة في إفريقيا.
مصدر