تحليل امريكي / العاهل الأردني الملك عبدالله يلتقي إدارة ترامب في واشنطن
في 30 كانون الثاني/يناير، وصل العاهل الأردني الملك عبدالله إلى واشنطن لعقد لقاءات مع الإدارة الجديدة وأعضاء من الكونغرس، وربما الرئيس ترامب شخصياً. ويقوم الملك بزيارات متكررة إلى الولايات المتحدة، ولكن لم يسبق له ان التقى مع ترامب.
وفي بداية الانتخابات الرئاسية الأمريكية التمهيدية، غرّد ترامب عن "الاحترام الكبير" الذي يكنّه للعاهل الأردني؛ وكان الملك عبدالله قد تحدث معه عبر الهاتف بعد الانتخابات، ليصف لاحقاً "التفاعل والتعاون المتبادل" خلال المحادثة بـ"الجيد جداً". وهناك الكثير من المواضيع التي تود واشنطن مناقشتها مع عمّان، بدءاً بالإرهاب مروراً باللاجئين وصولاً إلى سوريا، حيث تُعد الأردن حليفاً إقليمياً يكتسي أهمية متزايدة وشريكاً في الحرب على تنظيم «الدولة الإسلامية».
وإذا اجتمع ترامب مع العاهل الأردني، ستكون المؤشرات إيجابية حتماً، غير أن القسم الأكبر من مناقشتهما سيتركز على الأرجح على النية المعلنة للإدارة نقل السفارة الأمريكية في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، وهي من المسائل النادرة الخلافية بين الولايات المتحدة والأردن.
لماذا التركيز على القدس؟
حتى الآن، تجنّب الأردن عموماً الفوضى التي يتخبط فيها الشرق الأوسط منذ بداية "الربيع العربي" في عام 2011. ويُعزى ذلك في الدرجة الأولى إلى أن المواطنين الأردنيين من أصل فلسطيني الذين تقدّر نسبتهم بنحو 60 في المائة لم يشاركوا في الاحتجاجات التي تركّزت على الفساد، أو الاقتصاد الهش، أو حتى عقد الغاز الطبيعي الموقع مع إسرائيل خلال الخريف الماضي الذي أمده خمسة عشر عاماً وقيمته 10 مليارات دولار.
لكن عمّان قلقة على ما يبدو من أن يتسبّب اقتراح إدارة ترامب بنقل السفارة إلى القدس باندلاع احتجاجات شعبية في المملكة الهاشمية. ففي 5 كانون الثاني/يناير، وصف وزير الدولة لشؤون الإعلام محمد المومني الاقتراح بـ "الخط الأحمر" وحذّر من تداعياته "الكارثية" في حال تطبيقه.
ووفقاً لـ "وكالة الأنباء والمعلومات الفلسطينية" ("وفا")، ناقش الملك المسألة مع رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس في عمّان في 22 كانون الثاني/يناير، حيث "اتفقا على أخذ مجموعة من الإجراءات في حال تمّ نقل السفارة".
ولطالما جمعت علاقة مميزة بين حكام الأردن الهاشميين - من السلالة المباشرة للنبي محمد - والقدس، ثالث أقدس المدن عند المسلمين. فقبل وصولهم إلى الأردن خلال عشرينيات القرن الماضي، كان الهاشميون خدام الحرمين الشريفين مكة المكرمة والمدينة المنورة. وفي عام 1950، ضمّ الأردن الضفة الغربية إليه وأعلن سيادته على القدس. واليوم، لا يزال الهاشميون يستقون بعضاً من شرعيتهم من وصايتهم [حفظ ورعاية] على المواقع الإسلامية في القدس.
وفي الواقع، تنص معاهدة السلام الإسرائيلية -الأردنية من عام 1994 على "أن تحترم إسرائيل الدور الحالي الخاص للملكة الأردنية الهاشمية في الأماكن المقدسة الإسلامية في القدس"، وتقضي بأن تولي إسرائيل "أولوية عالية لدور الأردن التاريخي في هذه المقدسات"، خلال محادثات الوضع النهائي مع الفلسطينيين.
أولويات أكثر إلحاحاً
في الوقت الذي قد يشدّد فيه الملك على مسألة نقل السفارة خلال وجوده في واشنطن، إلا أن بلاده تواجه مشاكل أكثر حدة في الوقت الراهن. على سبيل المثال، شهد العام الماضي زيادة ملحوظة في الحوادث الإرهابية داخل الأردن، مما أثار مخاوف بشأن زيادة التطرف المحلي. وفي كانون الأول/ديسمبر، شهدت المملكة أكبر اعتداء منذ ما يقرب من عقد من الزمن، تمثل بهجوم نفذه إرهابيون محليون في مدينة الكرك الجنوبية وأسفر عن مقتل ثلاثة عشر شخصاً وإصابة أربعة وثلاثين آخرين بجراح.
وفي وقت سابق، لقي ثلاثة جنود أمريكيين ومتعهدان أمريكيان للشؤون الدفاعية حتفهم خلال العام على يد ضباط من الجيش والشرطة الأردنيين تبنّوا التطرف بأنفسهم. وقيل إن الطريقة التي تعاملت بها القوات الخاصة، والدرك، والشرطة في المملكة مع هذه الحوادث كانت دون المستوى المطلوب، مما دفع بعمّان إلى استبدال هيئة الأركان العامة للجيش بأكملها وإقالة وزير الداخلية. ومن ناحية أخرى، يقاتل نحو 2500 أردني حالياً في سوريا إلى جانب تنظيم «الدولة الإسلامية» و«جبهة فتح الشام» الذراع المحلي لـ تنظيم «القاعدة».
وفيما يتخطى المخاوف الأمنية، أثقلت الحرب في سوريا وتدفق أكثر من مليون لاجئ كاهل الاقتصاد الأردني الهش أساساً. فاليوم تصل معدلات البطالة إلى 15 في المائة تقريباً، في حين شهد "الناتج المحلي الإجمالي" ركوداً في ما يزيد قليلاً على 2 في المائة. والأسوأ من ذلك أن دين الأردن العام بلغ 95 في المائة من "الناتج المحلي الإجمالي" في عام 2016، رغم مناقشة النواب مسألة خفض عجز الميزانية بنسبة 25 في المائة خلال عام 2017.
وإذا ما استثنينا المساعدات العسكرية والاقتصادية الأمريكية، من المتوقّع أن تقدّم الدول المانحة الأجنبية نحو 1.1 مليار دولار إلى المملكة الهاشمية خلال العام القادم، ومع ذلك، يمثّل هذا الرقم السخي تراجعاً بنسبة 10 في المائة عن العام الماضي.
إن الوضع الاقتصادي سيئ لدرجة أنه خلال خطبة متلفزة بُثّت في 20 كانون الثاني/يناير، طالب رئيس القضاة الشرعيين في الأردن أحمد هليل بمساعدة مالية إضافية من الخليج لإنقاذ البلاد من الانهيار المالي. وفي اليوم التالي، قدّم استقالته أو أقيل.
الدبلوماسية الأردنية
في الفترة السابقة كان المسؤولون الأردنيون منشغلين بزيارة الملك عبدالله إلى واشنطن. وبعد فترة وجيزة من خطبة هليل، شارك وزير الخطيط والتعاون الدولي عماد فاخوري في "المنتدى الاقتصادي العالمي" في دافوس، حيث دعا الدول الأخرى إلى زيادة دعمها للأردن. وخلال تواجده في المؤتمر، ضمن التزاماً من الاتحاد الأوروبي بتوفير دعم للميزانية بمقدار 77 مليون دولار.
وخلال الأسبوع الماضي، اجتمع الملك عبدالله مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في موسكو لمناقشة التعاون الإقليمي لمكافحة الإرهاب، ومؤتمر السلام حول سوريا في الأستانة، والتجارة الثنائية. وبعد ذلك، أعلن الملك أن ما يجمع بين الأردن وروسيا ليست "الصداقة" فحسب، بل "الرؤية نفسها لتحقيق الاستقرار في منطقتنا". ومن غير الواضح ما هي القضايا الأخرى التي تمّت مناقشتها في موسكو.
عبدالله وترامب
نظراً إلى أن مسألة نقل السفارة الأمريكية تشكّل مبعث قلق محتمل للمملكة، لا شكّ في أنها ستتصدر جدول أعمال الملك في واشنطن. غير أن الاقتصاد المتعثّر والتداعيات الفوضوية للحرب السورية لا تقلّ إلحاحاً بالنسبة للمملكة الهاشمية.
من جانبها، تحتاج إدارة ترامب - التي وضعت دحر تنظيم «الدولة الإسلامية» على رأس سلّم أولوياتها - إلى الاستقرار في الأردن وإلى علاقات إستراتيجية وطيدة مع عمّان. فالمملكة تمثّل قاعدة رئيسية ومهمة للعمليات الجوية الأمريكية في حملتها في سوريا، كما أنها شريك أساسي في مشاركة المعلومات الاستخباراتية، وكذلك حليف عربي ريادي في معركة الأفكار الرامية إلى محاربة الإسلام المتطرف.
وانطلاقاً من هذه الأهمية التي تشكّلها المملكة، زوّدت الولايات المتحدة الأردن بمساعدات عسكرية واقتصادية ناهزت قيمتها 1.6 مليار دولار في العام الماضي - وهو رقم مثّل أكثر من 10 في المائة من ميزانية المملكة السنوية وجعلها ثاني أكبر دولة من حيث تلقي مساعدات أمريكية أجنبية بالدولار في العالم.
وبالتالي، في حين قد يحث الملك الرئيس ترامب على عدم نقل السفارة إلى القدس، إلا أنه قد يرضخ للفكرة على مضض إذا تمسّكت بها الولايات المتحدة بحزم - ربما مقابل الحصول على دعم أمريكي إضافي للمملكة الهاشمية.
وأياً كان الأمر، على الإدارة طمأنته بأن واشنطن تقدّر دور الأردن حيال الأماكن الإسلامية المقدسة في القدس. كما يتوجب عليها الالتزام علناً بالحفاظ على حزمة المساعدات الأمريكية السخية، والإشارة إلى رغبتها واستعدادها لمناقشة تعزيز التدابير العسكرية والاقتصادية لدعم المملكة المتعثّرة، بما في ذلك التسليم المحتمل للطائرات المتقدمة بدون طيار التي تقول عمّان إنها تحتاج إليها في حربها ضد الإرهاب. ونظراً إلى الاضطرابات التي تعمّ دولاً أخرى في المنطقة، ستُعتبر أي مساهمات أمريكية إضافية للحفاظ على الأردن مستقر في حالة سلام مع إسرائيل بمثابة استثمار سليم وصائب.
ديفيد شينكر هو زميل "أوفزين" ومدير برنامج السياسة العربية في معهد واشنطن.
http://www.washingtoninstitute.org/ar/policy-analysis/view/jordans-king-abdullah-visits-trumps-washington