رأي تركي : شراء صواريخ إس 400 لن يغير طبيعة العلاقات الهشة بين تركيا وروسيا
في الآونة الأخيرة أبدى مسؤولون أتراك رفيعو المستوى اهتماما رسميا بشراء منظومة الدفاع الصاورخي المتقدمة إس 400 من روسيا. ليست جهود تركيا لتعزيز قدراتها العسكرية الاستراتيجية الدفاعية بالأمر الجديد، فقد سعت منذ بضع سنوات إلى امتلاك نظامها الخاص للدفاع الصاروخي بعيد المدى، حيث إنها تعتمد حاليا على الصواريخ الباليستية التي ينشرها حلف الناتو.
في عام 2013، منحت أنقرة مناقصة لشركة صينية لشراء أنظمة الدفاع الصاروخي، الأمر الذي أثار رد فعل عنيفا من حلفائها في حلف شمال الأطلسي، ما اضطرها إلى إلغاء الصفقة التي بلغت قيمتها 3.4 مليار دولار. وكان من بين مقدمي العروض الآخرين في ذلك الوقت الولايات المتحدة الأمريكية بأنظمة باتريوت، وشركة إم بي دي إيه الفرنسية الإيطالية بمنظومة أسترا بلوك 30 . ومن المعروف أن روسيا أبدت اهتماما بالمناقصة، لكنها لم تسجل فيها.
أما في هذه المرة، وفي خضم العلاقات التركية الأوروبية المتوترة، والخطة الأمريكية غير الواضحة حتى الآن فيما يتعلق بسوريا، فيبدو من المرجح أن تتوجه أنقرة إلى صفقة لشراء سلاح من موسكو.
كيف ستستفيد تركيا
إن شراء منظومة صواريخ إس 400 تعني أكثر من مجرد شراء دبابة قتالية أو مروحية ذات نفع، فصواريخ إس 400 هي أولا وقبل كل شيء نظام أسلحة استراتيجية دفاعية، وبعبارة أخرى فإن الهدف الرئيس من شرائها هو السيطرة على المجال الجوي التركي، وحتى فرض الردع الجوي فيما وراء الحدود التركية، فضلا عن حماية البنية التحتية الوطنية الحساسة والمرافق الاقتصادية والحكومية ذات الأهمية القصوى من التهديدات الجوية والصاروخية.
وعلاوة على ذلك، ففي حالة نقل التكنولوجيا الشاملة لهذه المنظومة، ستكتسب أنقرة خبرة مهمة في تنويع الصواريخ، التي كانت قد سعت إلى الحصول عليها في مناقصة عام 2013. وبالإضافة إلى ذلك يمكن أن تعزز هذه الصفقة التعاون الدفاعي التركي الروسي.
وعلى النقيض من الصفقة غير الناجحة لشراء منظومة الدفاع الصيني بعيد المدى إتش كيو 9 ، يبدو المسؤولون الأتراك هذه المرة أكثر واقعية، علما أنه إذا سارت الصفقة مع روسيا كما هو مخطط لها،فإن صواريخ إس 400 لن تدمج في منظومة الدفاع الصاروخي في حلف شمال الأطلسي، وهي رؤية واقعية ؛ لأن مثل هذا الاندماج لن يكون مجرد مسألة عسكرية - تقنية، بل قرار سياسي وأمني. يعرف صناع القرار الأتراك أن هذا قد يُمكن موسكو من الحصول على معلومات قيمة عن قدرات الناتو الحساسة.
ويبدو أن أنقرة تتبع استراتيجية تخطيط دفاع مزدوج المسار، وذلك بالإبقءا على دورها الرئيس في جهود الدفاع الصاروخي الباليستية في منظمة حلف شمال الأطلسي من خلال وجود رادار إكس باند في مدينة كوريجيك التركية،وفي الوقت نفسه تدير أجندة وطنية بخيارات أكثر مرونة لنقل التكنولوجيا . وعلى الرغم من أن هذا المنظور يمكن أن يتحقق، فإن ذلك سيكون عبئا كبيرا على الدبلوماسية التركية واقتصاد الدفاع.
من الناحية الفنية، لا توجد قاعدة داخل معاهدة الناتو تمنع الدول الأعضاء من شراء الأسلحة الروسية، وهناك دول داخل الحلف تملك أسلحة روسية. وعلى الرغم من أن وجود الأسلحة الاستراتيجية الروسية في ترسانات الدول الأعضاء في حلف الناتو يبدو إشكاليا بالنسبة لتماسك الحلف، فإنه غير مريح لروسيا أيضا.
خلال تدريبات التحالف في الماضي، كان الناتو يستخدم صواريخ إس 300 الروسية المصنوعة في سلوفاكيا، واختبرت اليونان إطلاق صواريخ إس 300 في قاعدة الناتو في جزيرة كريت منذ بضع سنوات. ومن ثم فإذا قررت تركيا تقديم صواريخ إس 400 والرادارات المرتبطة به في تدريبات الناتو، فسيكون ذلك مشكلة كبيرة بالنسبة إلى موسكو؛ لأنه سيمنح التحالف إمكانية معرفة تكنولوجيا عمل هذه المنظومة.
مشكلة للناتو
على أن بعض اتفاقيات التعاون الدفاعي بين الدول الأعضاء في الناتو وموسكو قد أجهضت بعد الأزمة الأوكرانية وضم شبه جزيرة القرم. وكان أبرز تطور هو إلغاء اتفاق بين فرنسا وروسيا لبيع حاملات طائرات من نوع ميسترال تبلغ قيمتها أكثر من مليار دولار.
لو كانت صفقة بيع الميسترال قد نفذت، لكانت موسكو قد اكتسبت قدرات برمائية كبيرة في إسقاط الأهداف الجوية، ولكنا قد تحدثنا اليوم عن حاملات ميسترال الروسية المتمركزة قبالة السواحل السورية في اللاذقية، بيد أن باريس بعد أن أدركت ردود فعل حلفاء الناتو ألغت الصفقة، واشترت مصر الحاملات الفرنسية.
من الناحية الجيوسياسية، فإن إقدام أي دولة في حلف شمال الأطلسي على شراء نظام استراتيجي متطور للأسلحة الروسية سيعد مشكلة. وإذا كانت الدولة العضو في الناتو في هذه الحالة هي تركيا التي تقع على الحدود مع الشرق الأوسط والقوقاز والبحر الأسود والبحر المتوسط،وتقود حملة لمكافحة الإرهاب عبر الحدود في سوريا، فإنها ستكون قضية أكثر خطورة بسبب دورها الخاص كدولة مستقلة في محور العديد من التحديات الأمنية المعاصرة.
أما من الناحية السياسية ، فالصفقة نبأ غير سار للحلف بالتأكيد، يضاف إلى ذلك أن دونالد ترامب وصف الناتو بأنه حلف "عفا عليه الزمن". وعلاوة على ذلك، لم يلب أصدقاء تركيا في الناتو مطالبها، حيث لم يتضمن عرض باتريوت الأمريكي نقل التكنولوجيا، ولم يتطابق عرض بيع صواريخ أسترا بلوك 30 الأوروبي مع توقعات تركيا بنقل التكنولوجيا والإنتاج المشترك.
مستقبل العلاقات التركية الروسية
وعند هذه النقطة فإن أهم قيد على التعاون الدفاعي بين تركيا وروسيا لن يكون اعتراضات الناتو، ولكن الاختلافات الجيوسياسية الطبيعية بين أنقرة وموسكو.
ومن الواضح أن تركيا وروسيا مقيدتان بحتمياتهما الجيوسياسية التي لم تكن متوافقة على مر التاريخ. وقد ظهرت هذه الحقيقة المريرة أخيرا في علاقات موسكو الوثيقة مع مجموعات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردستاني/ وحدات حماية الشعب في سوريا، وهي جماعات تشكل تهديدا كبيرا للأمن القومي لتركيا بسبب انتمائها إلى منظمة حزب العمال الكردستاني الإرهابية.
وبالمثل فإن موجة أخرى من التصعيد العسكري بين أذربيجان وأرمينيا يمكن أن تجر أنقرة وموسكو بسهولة إلى الصراع، أو في حال حاول النظام البعثي السوري التقدم إلى الرقة مع عناصر وحدات حماية الشعب بدعم الروسي، فإن مثل هذا التحرك قد يؤدي إلى توترات جديدة.
وخلاصة القول أن التقارب التركي الروسي ينطلق من علاقات أنقرة المتوترة مع الغرب. وحتى لو تم التوصل إلى اتفاق لشراء صواريخ إس 400، فإن العلاقات التركية الروسية لن تتحسن تحسنا كبيرا ، ذلك أن جذور التنافس الجيوسياسي العميقة بينهما كافية بحيث لن يغير الاتفاق العسكري من طبيعة العلاقات الهشة الحالية بين البلدين.
http://www.turkpress.co/node/32425