تعتمد السياسة العربية لفرنسا، التي جرى وضع أسسها في مرحلة حكم الجنرال ديغول، على جملة من المبادئ العامة التي توّجه سياستها الخارجية، وتجعلها تتسم بنوع من التميز والاختلاف مقارنة بسياسات الدول الغربية الأخرى، التي يميّزها الانحياز الكامل ل«إسرائيل».
بيد أن فرنسا التي تسعى دوماً إلى تقمّص دور القوة العظمى من أجل الدفاع عن مصالحها الحيوية، تحرص حرصاً بالغاً على بلورة استراتيجية تأخذ في الحسبان متطلبات النمو الاقتصادي الداخلي المعتمد على جملة من الصناعات الاستراتيجية وفي مقدمتها الصناعة العسكرية، التي تسهم بقسط وافر في دعم الموازنة العامة للدولة الفرنسية. وبالتالي فإن الرهان المتعلق بموضوع السلاح الفرنسي، يرتبط ارتباطاً وثيقاً بالتطور الهائل والمطرد الذي بات يشهده حجم الصادرات الفرنسية المتعلقة بتجارة الأسلحة، وبخاصة في هذه المرحلة التي تؤكد فيها مجمل التقارير الدولية على ضراوة المنافسة القائمة حالياً بين فرنسا وروسيا، من أجل احتلال المرتبة الثانية على مستوى سوق السلاح العالمي.
ويشير الكثير من المتابعين للشأن الفرنسي إلى أن تراجع القدرة التنافسية للصناعات الفرنسية خلال العقود الماضية، مقارنة بالجار الألماني وبالدول الآسيوية الكبرى وفي مقدمتها الصين، جعل صناع القرار في الإليزيه يتعاملون مع صادرات السلاح بوصفها تشكل جزءاً من الأمن القومي الفرنسي. وقد ترتب عن هذه الرؤية الجديدة، تحوّل جانب كبير من مهام الدبلوماسية الفرنسية نحو الترويج لمنتجات المركب الصناعي - العسكري، وفي طليعتها صناعة الطائرات؛ ويمكننا أن نذكر في هذا السياق المجهود الكبير الذي بذل منذ الرئيس نيكولا ساركوزي من أجل بيع طائرات «الرافال» التي شهدت نوعاً من الكساد مع بداية المراحل الأولى لتصنيعها. لكن هذا التعثر المرحلي والمؤقت، جرى تجاوزه بسرعة وبدأت الإحصائيات تؤكد أن صادرات السلاح الفرنسي تضاعفت 4 مرات خلال الفترة الممتدة من سنة 2012 - 2016، وتجاوز حجم مبيعات الأسلحة خلال السنة الماضية (2016) 20 مليار يورو، ومن المنتظر أن يتواصل هذا المنحنى في التصاعد خلال السنوات القليلة المقبلة.
ويمكننا أن نسجل أنه بشأن مصر التي كانت تعتمد بشكل شبه حصري على الأسلحة الأمريكية منذ بداية حكم الرئيس السادات، فقد قررت القاهرة مع مجيء الرئيس عبد الفتاح السيسي تنويع مصادر تسليح جيشها، من خلال الانفتاح على الصناعات العسكرية الفرنسية والروسية، حيث قامت مصر بشراء سفن وزوارق حربية فرنسية، إضافة إلى مجموعة من طائرات «رافال» وأسلحة دفاعية أخرى. وتعمل باريس في السياق نفسه، على المحافظة على حصتها من صادرات الأسلحة نحو دول عربية أخرى تربطها بها علاقات سياسية وثيقة، من أجل كسر الاحتكار الذي تمارسه الولايات المتحدة على سوق السلاح في أغلب الدول العربية.
وبموازاة هذا النجاح النسبي لصادرات السلاح الفرنسي نحو المنطقة العربية، إلا أن باريس عرفت بعض الإخفاقات في مساعيها الهادفة إلى دعم صادرتها من الأسلحة، حيث إنه وبالرغم من استقبال ساركوزي للزعيم الليبي السابق معمر القذافي بحفاوة بالغة في عاصمة الأنوار سنة 2007، من أجل إبرام صفقة لبيع طائرات «رافال» لطرابلس، إلا أن المساعي الفرنسية باءت بالفشل؛ والشيء نفسه يمكن أن يقال بالنسبة للمفاوضات الفرنسية - الجزائرية من أجل بيع هذا الطراز، التي استمرت لأكثر من أربع سنوات، وانتهت بتخلي الجانب الجزائري عن الصفقة بشكل كامل.
وقامت الجزائر في موضوع متصل، بإلغاء صفقة سلاح أخرى، تتعلق بشراء سفن حربية فرنسية، بعد أن اكتشفت أن هذه السفن تحتوي على قطع غيار مصنعة في «إسرائيل»، الأمر الذي يتعارض مع الشروط الجزائرية المتعلقة بعدم اقتناء أسلحة تتكون من قطع غيار مصنوعة خارج بلد المنشأ.
ونستطيع أن نزعم في هذه العجالة، أن الاندفاع الكبير الذي يميّز السياسة الفرنسية المتعلقة بتصدير السلاح، يعود إلى غياب سوق مستقرة لصادرات السلاح الفرنسي في الوطن العربي، لأن السلاح الفرنسي ما زال ينظر إليه كمكمل لمنظومات التسليح المعتمدة إما على السلاح الأمريكي أو السلاح الروسي في المقام الأول. وبالتالي فإن باريس وباستثناء دول إفريقية قليلة مثل السنغال وساحل العاج، لا تحتل مكان الصدارة في خريطة السلاح العالمي، لاسيما بالمنطقة العربية التي تشهد تنافساً كبيراً ما بين روسيا وأمريكا، اللتان تراهنان بشكل لافت على مناطق نفوذهما في الشرق الأوسط؛ الأمر الذي يدفع المسؤولين الفرنسيين في أحايين كثيرة، إلى اعتماد أساليب الضغط السياسي من أجل التأثير في بعض الأطراف العربية فيما يتعلق بمشاريع تصدير السلاح، وبخاصة في هذه الفترة التي يشهد فيها الاقتصاد العالمي تباطؤاً كبيراً في معدلات النمو.
مصدر