خمس سفن حربية، وما لا يقل عن ألف دبابة، فضلاً عن مدمرة كاملة، وملايين الدولارات، سطت عليها إسرائيل عبر عمليات عسكرية واستخباراتية من الجيوش العربية والأوروبية. هذا ما يؤكده تقرير مطول نشرته القناة الثانية الإسرائيلية على موقعها الإلكتروني.
في مستهل التقرير، قالت الفضائية الإسرائيلية إن الحديث لا يدور حول مافيا أو عصابات للسطو على السلاح أو الأموال، وإنما يخص نشاط موثق منذ عشرات السنين، قامت به الأجهزة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية، للاستيلاء على منظومات قتالية مختلفة لـ"العدو" (وفق تعبير التقرير) من دون إذن.
وعند الحاجة عرف قادة جهاز الاستخبارات (الموساد) كيفية الحصول من دون إذن أيضاً على معدات عسكرية من دول صديقة.
عملية الماس وطائرة الميغ العراقية
ووفقاً للتقرير الإسرائيلي، كان لتلك العمليات بالغ الأثر في مساعدة الجيش الإسرائيلي على تحقيق انتصارات في مختلف المعارك، إذ تشير إحدى القصص الشهيرة والمعروفة بـ"عملية الماس" إلى أنه في عام 1965 طلب قائد سلاح الجو الإسرائيلي في حينه عيزر فايتسمان من رئيس الموساد مئير عاميت طائرة حربية من طراز "ميغ 21"، وكان فايتسمان يرغب في أن يتعرف الطيارون الإسرائيليون على المقاتلة التي كانت تعد في حينه من أفضل الطائرات الحربية لدى أسلحة جو الدول العربية.
عندئذ قام عنصر من الموساد يُدعى يوسف شيمش بتعقب الطيار الحربي العراقي منير روفا، وهو طيار محترف، يقود إحدى الطائرات العراقية من طراز "ميغ 21". ورغم مهارته القتالية، كان مبعداً عن الصفوف الأولى لسلاح الجو العراقي على خلفية ديانته المسيحية.
بعد عمليات "تأهيل" قام بها شيمش، أصبح ردفا على استعداد للهرب إلى إسرائيل. وفي 16 أغسطس 1966، وصل روفا بالفعل إلى إسرائيل، ومعه قطعة الماس (مقاتلة حربية متطورة من طراز ميغ 21)، التي حصلت عليها إسرائيل من دون إذن سلاح الجو العراقي.
وفي إسرائيل لم يهدروا الوقت، فبدأ طيارو سلاح الجو الإسرائيلي في التعرف على المقاتلة، وخوض التدريبات التي تمكنهم من مجابهتها في المعارك، فوقفوا على مميزاتها وعيوبها. وحينما اندلعت حرب الأيام الستة عام 1967، كان الإسرائيليون متمرسين في التعامل مع هذا النوع من الطائرات الحربية، ولم يصلوا إلى هذا المستوى إلا من خلال "عملية الماس"، التي تعد فقط نموذجاً أولياً على النجاح في نقل ملكية سلاح "العدو" إلى إسرائيل، بحسب تعبير القناة الثانية الإسرائيلية.
المدمرة المصرية "حيفا"
12 عاماً خدمت المدمرة حيفا في سلاح البحر الإسرائيلي، وخلال حرب الأيام الستة، رصد طاقمها غواصة مصرية، ونجح في إلحاق الضرر بها، ما أجبرها على الهرب من الجبهة.
لا يعرف الكثيرون أن المدمرة حيفا كانت في الأساس سفينة حربية مصرية قبل التحاقها بالخدمة في سلاح البحر الإسرائيلي. ففي ليلة 31 أكتوبر 1956، وخلال الحرب الثلاثية على مصر، انطلقت المدمرة المصرية "إبراهيم الأول" لقصف حيفا، لكن الضرر الذي لحق بالميناء لم يكن جاداً، وأحبط رد فعل سفينة فرنسية كانت ترسو في الميناء عملية القصف المصرية، وأجبر قائد المدمرة الرائد رشدي طمزان على الانسحاب.
لكن المدمرة تعرضت بعد ذلك لهجوم من سفن سلاح البحر الإسرائيلي، تبعه انطلاق مقاتلتين إسرائيليتين، يقودهما يعقوب أجسي وديفيد كيشون، فأطلقتا قذائفهما ونيران المدفعية على المدمرة المصرية، ما حدا قائدها على رفع الراية البيضاء، وشرع في مغادرة السفينة.
ورغم أنه حاول إغراقها، فقد فشل. وبعد وقت وجيز، داهم المدمرة طاقم من سفن حربية إسرائيلية وسيطر عليها، وتعامل الطاقم بعناية مع الأسرى وقدم لهم الطعام. عندئذ تم جر المدمرة المصرية إلى ميناء حيفا، وهناك لم تكن عملية نقل ملكية المدمرة المصرية إلى سلاح البحر الإسرائيلي واضحة، بحسب تعبير شي ليفي معد تقرير القناة الإسرائيلية.
الرادار وعملية أفلام السينما
أما عملية "الديك 53"، فتعد حتى اليوم، وفق التقرير العبري، إحدى أهم العمليات التي قام بها الجيش الإسرائيلي. فخلال حرب الاستنزاف، وضع المصريون راداراً روسياً متطوراً من طراز P- 12، لرصد طائرات سلاح الجو الإسرائيلي، ووجه ضدها المقاتلات وصواريخ الدفاع الجوي المصرية، وحاول سلاح الجو الإسرائيلي غير مرة تدمير الرادار لكنه فشل في المهمة. فقررت إسرائيل في نهاية المطاف سرقة الرادار.
اختار الإسرائيليون لقيادة العملية الضابط في سلاح المشاة رفائيل إيتان، الذي كلف بدوره فرقة من المظليين بمعاونته. استطاع السلاح تنفيذ المهمة في غضون 48 ساعة مستخدماً مروحيات من طراز "يسعور"، التي دخلت الخدمة قبل العملية بفترة وجيزة.في ليلة 27 ديسمبر 1969، شق المظليون طريقهم باتجاه الرادار المصري على متن مروحيات، تحت هجوم تضليلي لطائرات "سكاي هوك". وبعد أن هبطت القوات من المروحيات، زحفت لمسافة تصل إلى نصف الطريق، وسرق المظليون محطة الرادار المصرية، بعدما أنهوا جميع الإجراءات، وحققوا مع أحد الأسرى المصريين.لكن المروحية التي كان يقودها نحميا داجان سقطت قبل الوصول إلى إسرائيل نتيجة حملها وزناً زائداً، بحسب معلومات التقرير العبري.وجرت تلك العملية بعد أيام من سرقة إسرائيل للسفن الخمس من فرنسا. وفي حين اعترفت إسرائيل بالواقعة الأخيرة، فرضت تعتيماً على قصة الرادار المصري، ولم تكشفها كما هو معتاد إلا وسائل إعلام أجنبية.في 3 يناير عام 1970، وصفت إحدى وسائل الإعلام الأجنبية سرقة الرادار بـ"عملية أفلام السينما". وبعد أن فحص سلاح الجو الإسرائيلي الرادار المصري، سلمه إلى الولايات المتحدة، كغيره من المنظومات التي سرقتها إسرائيل لصالح واشنطن، إلا أنه من الممكن مشاهدة الرادار المصري حالياً في متحف سلاح الجو الإسرائيلي.أسلحة مسروقة للفرقة 440
وللجيش الإسرائيلي بحسب الفضائية الإسرائيلية الثانية هواية يعرفها الجميع، وهي جمع الأسلحة من ساحة القتال، وعبر هذه الهواية حصلت "المجموعة القتالية 13" على بنادق كلاشينكوف، وتلقت الوحدات الإسرائيلية الخاصة "أجوز" مدافع الـPK، بالإضافة إلى دبابات وآليات نقل عسكرية مدرعة.
وفي عام 1973 قرر الجيش الإسرائيلي تدشين "الفرقة 440"، لتصبح مهمتها مواجهة الجيش المصري حال اندلاع الحرب، وكان من المقرر أن تتسلح الفرقة بمئات الدبابات من طراز "تيران 4"، و"تيران 5"، التي كانت في الأساس دبابات روسية من طراز "T-54"، و"T-55"، حصل الجيش الإسرائيلي على المئات منها كغنائم، وضمها إلى الخدمة في صفوفه.
إلى ذلك كانت هناك حاملة الجنود المدرعة من طراز "BTR"، وغيرها من الآليات القتالية التي غنمتها إسرائيل وضمتها إلى الخدمة في الفرقة ووحدات أخرى من جيشها. ورفعت حرب يوم الغفران في 1973 رصيد الغنائم الإسرائيلية من الدبابات إلى ما يقارب 1000 دبابة، ومنحت إسرائيل دبابة جديدة هي "تيران 6"، التي هي في الأساس "T-62".
حاربت الفرقة الإسرائيلية 440 على الجبهة المصرية في حرب يوم الغفران، لكنها تفككت في منتصف ثمانينيات القرن الماضي، واستخدم الجيش الإسرائيلي الدبابات وبقية الآليات القتالية في عدة عمليات، من بينها "عملية رفيف"، التي بحث خلالها جنود المدرعات الإسرائيلية من "الفرقة 8"، ونظراؤهم من فصائل استطلاع المظليين عن جنود مصريين.
كان الجنود الإسرائيليون مسلحين بدبابات وحاملات جنود مدرعة، غنمتها إسرائيل من الجيوش العربية، وداهموا بها مواقع خلف الخطوط المصرية. وفي عملية هي الأولى من نوعها استمرت 10 ساعات، دمرت القوات الإسرائيلية عشرات حاملات الجنود والآليات العسكرية المصرية، وقتلت أكثر من 150 من الجنود المصريين، بما في ذلك قائد القطاع، وضابط روسي، كان مستشاراً للجيش المصري.
أما الآلية الأخرى التي اقتنصها الجيش الإسرائيلي في ميدان المعارك، فكانت المروحية الثقيلة من طراز "مي- 8" التابعة لسلاح الجو المصري، والتي هبطت اضطرارياً في حرب يوم الغفران. وتعقب سلاح الجو الإسرائيلي تلك المروحية، وحملها إلى إسرائيل.
تُعرض المسرحية حتى اليوم في متحف سلاح الجو الإسرائيلي، وإلى جانبها مروحية أخرى من طراز "غازيل"، إذ غنم سلاح الجو الإسرائيلي مروحيتين من هذا الطراز خلال حرب لبنان الأولى عام 1982، بعد أن تركهما الطيارون السوريون في ميدان القتال.
اختفاء السفن الخمس
في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، كانت علاقات إسرائيل مع فرنسا تضاهي علاقات الدولة العبرية مع الولايات المتحدة حالياً، فالفرنسيون كانوا حلفاء إسرائيل، وابتاعت منهم الأخيرة دبابات ومقاتلات، ومعدات حربية أخرى.
إلا أنه حينما توترت العلاقات بين البلدين عقب حرب الأيام الستة، أمر الرئيس الفرنسي في حينه شارل ديغول بفرض حظر على تصدير السلاح الفرنسي إلى إسرائيل، وحدث ذلك حينما كانت فرنسا تبني خمس سفن لإطلاق الصواريخ من طراز "ساعر 3" لصالح سلاح البحر الإسرائيلي.
ورغم الحظر، فإن عملية بناء السفن الخمس لم تتوقف، وقررت إسرائيل أنها لن تتنازل عن الصفقة، ولكن كيف؟ عن طريق "عملية التضليل" التي استهدفت مغادرة السفن من الميناء الفرنسي.
في البداية، أبرمت إسرائيل صفقة مزيفة لبيع السفن الخمس إلى طرف ثالث، وحولت صنف الصفقة إلى "سفن مدنية" لصالح إحدى شركات النفط. وبعد تخدير الفرنسيين، رتب سلاح الجو الإسرائيلي مغادرة السفن الخمس من الميناء الفرنسي، من دون إذن بالطبع، وإبحارها لمسافة طويلة، تخللتها عملية إمداد السفن بالوقود في عرض البحر.
درست وزارة الدفاع وسلاح البحر الإسرائيليين كل تفصيل في العملية جيداً، حتى أنهما أوعزا إلى طاقم السفن الخمسة بعدم وداع الشركاء الفرنسيين، في إشارة إلى أن هذا التعاون لن يكون الأخير مع باريس.
العملية التي يدور الحديث عنها جرت في ليلة 25 ديسمبر عام 1969، حينما غادرت السفن الحربية الخمس الميناء الفرنسي في مسارين متوازيين لرحلة بلغ طولها ثلاثة آلاف ميل بحري (5.500 كيلومتر).
وفي 27 من الشهر ذاته جرى الإبلاغ عن اختفاء السفن الإسرائيلية الخمس من الميناء، وفي البداية حاول الفرنسيون التشبث بقصة الغطاء (الصفقة المزيفة)، ومفادها أن السفن في طريقها إلى إحدى شركات النفط النرويجية، إلا أنه بعد عدة ساعات، أبلغ ربان سفينة يونانية بأنه شاهد السفن المختفية في مضيق جبل طارق.
بعد أن حلقت طائرة استطلاع فرنسية فوق السفن في اليوم التالي، كان واضحاً أن الفرنسيين تفهموا ما جرى، لكن ذلك جاء في وقت متأخر، إذ وصلت السفن الخمس إلى إسرائيل ودخلت الخدمة في سلاح البحر.
السفن شاركت في حرب السادس من أكتوبر عام 1973 (حرب يوم الغفران)، ولم تغادر الخدمة إلا نهاية ثمانينيات وبداية تسعينيات القرن الماضي، وحينئذ ابتاع سلاح البحر التشيلي ثلاثاً من تلك السفن، أما الاثنتان المتبقيتان، فوضعتهما إسرائيل في مواقع للغوص.
سرقة تقنيات الميراج
حينئذ، ووفقاً لمعلومات التقرير العبري، نشرت وسائل الإعلام في مختلف دول العالم العديد من التقارير عن العملية الإسرائيلية "الجريئة"، وأطلقت عليها أكثرية وسائل الإعلام اسم "عملية جيمس بوند"، بينما قال صاحب مطعم في مدينة شاربورج يعتاد الإسرائيليون ارتياده: "بالأمس تناول الإسرائيليون الذين خطفوا السفن الخمس وجبة العشاء في مطعمي".
لكن ما لم تعرفه وسائل الإعلام، هو أن الإسرائيليين قاموا في حينه بعملية أخرى، لا تقل أهمية عن الأولى، وهي: سرقة تقنيات لبناء طائرة حربية طلبوا الحصول عليها من الفرنسيين.
الطائرة التي طلبتها إسرائيل من فرنسا كانت من طراز "ميراج 5"، وهي مقاتلة بناها الفرنسيون بمواصفات خاصة طلبتها إسرائيل. إجمالاً، طلبت إسرائيل وبنت فرنسا 50 طائرة من الطراز ذاته لسلاح الجو الإسرائيلي، لكن الحظر الفرنسي المفروض على تصدير السلاح لإسرائيل حال دون الحصول على الصفقة.
وفي مرحلة معينة، طالب الطيارون الإسرائيليون بنقل الطائرات من المصنع الفرنسي إلى جزيرة "كورسيكا" الفرنسية بداعي أن ذلك سيسهل عليهم التدرب على الطائرات. لكن الفرنسيين وعلى النقيض من الواقعة الماهرة مع سلاح البحر، رفضوا الطلب الإسرائيلي، واشتبهوا في أن الإسرائيليين يعتزمون تهريب الطائرات. وفي نهاية المطاف، ألغيت الصفقة، وأعيدت الأموال إلى إسرائيل.
ما لم يعرفه أحد على طول السنين هو أن الموساد الإسرائيلي وضع يده على تقنيات بناء الطائرة الفرنسية، إذ فتحت كوادر الموساد قنوات اتصال مع مهندس سويسري يدعى ألفريد براونكنخت كان يعمل بمصنع سويسري وحصل على ترخيص لإنتاج محركات طراز الطائرة ذاتها لصالح سلاح الجو السويسري.
المهندس نقل رسومات وبرامج أدرجها في 200 ألف وثيقة، وأرسلها في عدة مظروفات من المصنع إلى إسرائيل، ويبدو أن كوادر الموساد نجحوا في التعامل مع جهات أخرى، وربما مع مدير المصنع الفرنسي عينه مارسيل داسو، لا سيما أنه كان يهودياً، وأحد الناجين من المحرقة النازية.
وبعد وقت وجيز من عملية السرقة الإسرائيلية، وُلدت الطائرة الحربية "نسر" التي ضاهت إلى حد مذهل كفاءة المقاتلة الفرنسية "ميراج 5"، واعتمد سلاح الجو الإسرائيلي عليها في حرب يوم الغفران عام 1973، وجاءت بعدها المقاتلة "كافير".
إلا أن المهندس السويسري براونكنخت، بحسب القناة الإسرائيلية الثانية، ألقي القبض عليه، وأودع السجن لمدة أربعة أعوام ونصف العام، بموجب حكم قضائي.
مصدر
مصدر 2