سالم أقنان، يكشف أسرار اجتماعات المعارضة الليبية سنة 1993
أقنان: الجزائر دعمت مخططا للتخلص من القذافي ردّا على مؤامراته في الجنوب
في أكتوبر سنة 1993، وفي مرحلة جد حساسة واجهت فيها الجزائر أزمة سياسية وأمنية خطيرة، بعد وقف المسار الانتخابي، تزامنت مع ظروف اقتصادية خانقة، تلقت المعارضة الليبية في الخارج اتصالات من المسؤولين الجزائريين يعرضون عليها تقديم الدعم المادي والسياسي الذي تحتاجه لتنظيم نفسها وتوحيد وتركيز جهودها للإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي، العرض الذي جاء مفاجئا، قبلته المعارضة ورحبت به، وأعقبته عدة لقاءات وجلسات عمل في الجزائر وخارجها، وتنقل وفد من كبار رموز المعارضة الليبية بتشكيلاتها الأساسية، إلى الجزائر، لغرض وضع الترتيبات اللازمة لتنفيذ المشروع.
المعارض الليبي سالم أقنان، الذي اختاره رفاقه ليكون أمين سر مؤتمر المعارضة الموحد الذي كان سيعقد في الجزائر، يتحدث لـ»الشروق« عن كواليس وأسرار اللقاءات التي جمعت المسؤولين الجزائريين بالمعارضة الليبية قبل 18 سنة، وعن فحوى ومصير آخر مشروع جدي لها للإطاحة بحكم العقيد، ما قبل ثورة 17 فيفري الماضي.
يقول سالم أقنان إن الرحلة الأولى لقادة المعارضة الليبية إلى الجزائر تمت من 1 إلى 5 أكتوبر 1993، بترتيب من المسؤولين الجزائريين، وإضافة إليه ضمّ الوفد أيضا وزير الخارجية الليبي الأسبق منصور الكيخيا الذي انشق عن القذافي وأسس التحالف الوطني الليبي، وكانت تلك أولى لقاءاته بالجزائريين بصفته معارضا، والدبلوماسي محمد يوسف المقريف، سفير ليبيا الأسبق في الهند، وكان حينها يشغل منصب أمين عام أقوى وأكبر تيارات المعارضة، الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، ونائبه محمود دخيل، وانضمت إليهم في الرحلة الثانية ما بين 14 و18 أكتوبر 1993، شخصية من الوزن الثقيل، هو الرائد عبد المنعم الهوني، أحد الضباط الذين قادوا مع القذافي حركة الفاتح من سبتمبر 1969، التي أطاحت بحكم الملك إدريس السنوسي، وجاء إلى لقاءات الجزائر ممثلاً لهيئة التنسيق للقوى الوطنية الديمقراطية الليبية، وشارك الوفد في لقاءات رسمية مع المسؤولين الجزائريين.
خلفيات تحوّل الموقف الجزائري
من الجهة الجزائرية كان المهندس الأول لهذه الخطوة هو اللواء فضيل سعيدي، الذي كان يقود حينها جهاز الأمن الخارجي. ويؤكد سالم أقنان، أن كل اتصالاتهم ولقاءاتهم "كانت حصريا مع اللواء سعيدي ومعاونيه، ولم نلتق أيّا من المسؤولين السياسيين في الدولة" حتى وإن كان اللواء يحظى بدعم كامل من السلطة السياسية لتنفيذ مشروعه، خاصة أن الدعم الجزائري للمعارضة شكل نقطة تحول جذرية ومفاجئة، باعتبار التحسّن الكبير الذي عرفته علاقات الجزائر مع القذافي في السنوات الأخيرة التي سبقت هذا التحول.
فبعد أن بلغت تلك العلاقات مستوى كبيرا من التوتر في النصف الأول من الثمانينيات، وصل إلى حد حشد قوات كبيرة على حدود البلدين، وتبادل الاتهامات بالتآمر على الآخر، والتهديد بشن حرب، بدأت العلاقات تميل إلى التحسن بمطلع سنة 1986 في جو من التعاطف مع ليبيا، في أعقاب الغارات الجوية الأمريكية عليها، وطرح مشروع وحدة جديد تعبيرا عن تحسن العلاقات، ولعب بعدها المسئولون الجزائريون، على أعلى مستوى، دورا كبيرا في تسهيل اتصالات القذافي مع بعض رموز المعارضة لإنهاء خلافهم معه وإقناعهم بالعودة إلى ليبيا.
كما جاء الموقف الجزائري بدعم المعارضة الليبية سنة 1993، في مرحلة حساسة، كانت فيه الجزائر أحوج من أيّ وقت مضى إلى تفادي أي خطوة من شأنها أن توتر علاقاتها مع جيرانها، لذلك فهمت المعارضة الليبية عندما تلقت أول اتصال في الموضوع أن دافعا قويا طرأ، كان وراء هذه الخطوة وحرك موجة العداء الراكدة بين الجزائريين والقذافي، وهو ما يوضحه سالم أقان وهو ينقل نص الحديث الذي دار ما بين اللواء سعيدي والوفد الليبي عند لقائه الأول بهم "عندما بدأنا الحديث إلى اللواء سعيدي، بادره منصور الكيخيا بالسؤال: نريد أن نعرف بوضوح ما هو مقصدكم من دعمنا، هل هو مسعى جدي يذهب إلى نهاياته لتحقيق هدفنا، أم تريدون منه ضجة إعلامية أو حركة محدودة فقط للاستغلال السياسي الظرفي؟ فأجابه اللواء سعيدي بكلمات واضحة قائلا، إن القذافي أظهر أنه لم يقلع عن مؤامراته القديمة، وعاد ليشكل خطرا حقيقيا ودائما على الجميع، ولم يعد بالإمكان الثقة فيه، وعرض علينا أدلة موثقة لديهم تثبت مساعي القذافي لضرب استقرار الجنوب الجزائري ودول الساحل الأفريقي، من خلال دعم تمرد التوارق المسلح في المنطقة" عن طريق ما يعرف بالفيلق الإسلامي، في معسكرات التدريب التي فتحها القذافي في جنوب ليبيا، واستعملها سابقا في حربه مع تشاد.، ويضيف سالم أقنان، أن اللواء سعيدي "كان غاضبا جدا من العراقيل التي اتهم القذافي بوضعها لإفشال مساعي الجزائر لتوقيع ووضع حيز التنفيذ اتفاق السلام الذي أوقف حرب التوارق مع حكومتي مالي والنيجر، وقال لنا إنه بالرغم من كل الأدلة التي واجهناه بها لإثبات كلامنا، لازال يمارس الكذب، وأرسل القذافي أكثر من مرة مسؤول المخابرات الخارجية، عبد الله سنوسي، لينفي تورّطه، غير أن الأحداث كانت في كل مرة تثبت أنه كاذب".
تصفية الكيخيا ووأد المشروع
ما الذي جرى الاتفاق عليه في لقاءات الجزائر؟، يجيب سالم أقنان أن المشروع الذي جرى بحثه واعتماده، "نص على شقين يسري التحضير لهما في نفس الوقت، الأول سياسي يبدأ من عقد مؤتمر شامل لكل قوى المعارضة الليبية في الجزائر، بكل تياراتها، حدد له تاريخ 21 نوفمير 1993، كما حدد جدول أعماله وقوائم المشاركين فيه، ومشاريع اللوائح والقرارات التي ستصدر عنه لزيادة الضغط السياسي والإعلامي على نظام القذافي، وكان المخطط له أن يكون منصور الكيخيا رئيس المؤتمر والناطق الرسمي باسمه.
أما الشق الثاني فكان عسكريا ومكمّلا للأول عن طريق فتح معسكرات تدريب لعناصر المعارضة الليبية على الحدود والتحضير لعملية مفاجئة تتزامن مع تحرك ضباط من الجيش الليبي في الداخل وإعلانهم الانشقاق عن العقيد". وأدخل ذلك النظام في حالة ارتباك كبيرة، وأطلق عدة عمليات تصفية ضد رموز المعارضة، "مستعملا أساليب قذرة وغادرة" بحسب سالم أقنان، كان أول ضحاياها وزير الخارجية الأسبق منصور الكيخيا، الذي دعي للتفاوض معه مع مسؤولين في النظام، في بيت السفير الليبي في القاهرة.
وهناك أعطي مخدرا وحمل إلى ليبيا، ولم يظهر له أثر تماما منذ ذلك الوقت، ونجح القذافي في شق صف المعارضة، بالترهيب والترغيب، ثم أقنع عبد المنعم الهوني ومعارضين آخرين بالتصالح معه وعيّنهم في مناصب مسؤولية كبيرة في الأجهزة الدبلوماسية والاقتصادية للدولة، ومن جهة علاقته بالجزائر انتقل إلى دعم عناصر إرهابية من الجماعة الإسلامية المسلحة بالمال والسلاح، وقدم أول شحنة سلاح خارجية تأتي للجماعات المسلحة في الجزائر، رصدتها مصالح الأمن الجزائرية في حينه، قبل أن يعقد مع الرئيس زروال قمة ثنائية في إليزي، انتهت إلى تصفية الأجواء ما بين البلدين وسحب الجزائر مشروعها لدعم المعارضة الليبية مقابل وقف القذافي لكل مخططاته لعرقلة مسار السلام في منطقة الساحل، وتسليح الجماعات الإرهابية الجزائرية.
http://74.200.236.115/~echorouk/ara/national/77867.html