في التقرير الذي أصدره موقع «Sudan Tribune» في 17 أبريل/نيسان الماضي، على لسان منظمة عفار الأحمر الديمقراطية، RSADO، المُعارضة للنظام الإريتري، زعمت دخول الحكومة المصرية في مفاوضات مع حكومة أسمرة لبناء قاعدة عسكرية مصرية في البلاد، فيما أشار موقع «ذا ناشيونال» الصومالي إلى دخول مصر في مفاوضات مع جمهورية الصومال وجيبوتي بشأن قاعدة عسكرية مصرية، بيد أنها لم تلق نجاحًا خلال العامين الماضيين، وزعمت المعارضة الإثيوبية أن الحكومة الإريترية قد منحت مصر الضوء الأخضر لبناء القاعدة في مقاطعة «نورا – Nora» بجزيرة دهلك الإريترية لفترة غير محدودة، والتي تُعد ثاني أكبر الجزر في أرخبيل دهلك بمساحة تقدر بـ 105 كيلومتر مربع.
وأنه من المقرر نشر ما بين 20 إلى 30 ألف جندي مصري في القاعدة المزعومة، بحيث تكون هذه هي القاعدة المصرية الأولى خارج البلاد وفي منطقة القرن الأفريقي ذات الأهمية الجيوستراتيجية. كما زعمت المصادر بأن وفدًا عسكريًا مصريًا قام بزيارة إلى إريتريا في أوائل أبريل/نيسان الماضي للاتفاق على تمركز 2000-3000 عنصر من عناصر البحرية المصرية في القاعدة البحرية.
وذلك على الرغم من النفي المتكرر خلال السنوات القليلة الماضية من قبل الحكومة الإريترية حول وجود أية قواعد عسكرية أجنبية على أراضيها، وهو ما يثير الشكوك حول اختراق واستغلال المخابرات الإثيوبية لبعض المواقع الإخبارية في عدد من دول المنطقة ومنها ذلك الموقع الإخباري السوداني، لترويج الشائعات وإثارة القلاقل في المنطقة بما يخدم مصالحها الإقليمية، علاوة على إخافة عدد من الدول الإقليمية التي لا تقبل أي عودة للدور المصري في المنطقة، لا سيما دولة السودان، وبالتالي تضمن التنسيق معها.
كما يفتح التقرير المجال أمام تساؤل مهم، حول كيفية التعاطي الإثيوبي مع إنشاء قواعد عسكرية لقوى إقليمية ومنها مصر. هل توافق إثيوبيا على إنشاء قاعدة عسكرية مصرية في منطقة القرن الأفريقي؟.
الدور الإثيوبي والتفاعلات الإقليمية
تعتبر منطقة القرن الأفريقي إحدى أهم الدوائر في السياسة الخارجية الإثيوبية؛ كونها تمثل الفناء الخلفي لإثيوبيا، وترتبط ارتباطًا مباشرًا بالدور الإقليمي الطموح لإثيوبيا في المنطقة، والتي تسعى من خلاله زعامة في القرن الأفريقي.
وتسعى إثيوبيا في سبيل ذلك إلى تحقيق طفرة اقتصادية في البلاد خلال السنوات القادمة، للدخول في مصاف الدول ذات الدخل المتوسط بحلول عام 2025، علاوة على فتح المجال أمام الاستثمارات الأجنبية في أديس أبابا بُغية تعزيز الاقتصاد الإثيوبي وتحقيق الاستفادة القصوى له، بالإضافة إلى البدء في إنشاء مشروع سد النهضة الإثيوبي في أبريل/نيسان 2011 كأحد أهم المشروعات الإقليمية في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، والذي من شأنه أن يجعل إثيوبيا مرتكزًا إقليميًا لتوزيع الكهرباء في المنطقة، ما يضفي عليها مزيدًا من القوة والسيطرة في منطقة القرن الأفريقي ويُميل موازين القوى في صالحها.
وعلى الصعيد السياسي، تلعب إثيوبيا دورًا رئيسيًا في «منظمة إيجاد»، الأمر الذي ساهم في تصدرها للمشهد الإقليمي من خلال جهود الوساطة الإقليمية في العديد من النزاعات الأفريقية ومنها النزاع في جنوب السودان، كما أن وجود مقر منظمة الاتحاد الأفريقي في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا يضفي عليها مزيدًا من الثقل السياسي.
وعلى صعيد التحالفات الإقليمية والدولية، تُعد إثيوبيا الحليف والشريك الإستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة، فهي بمثابة الشرطي الأمريكي فيها، وهو ما يمنحها مساحة كبيرة للتحرك في منطقة القرن الأفريقي، بما يجعلها تقلل من الطموحات الإقليمية لعدد من الدول المنافسة لها في المنطقة مثل أوغندا وكينيا. ويتصاعد دور إثيوبيا في منطقة القرن الأفريقي في ظل تراجع الدور الإقليمي لبعض القوى الرئيسية في المنطقة، لاسيما مصر، خلال العقود الماضية، ما سمح لإثيوبيا بملء الفراغ الذي خلفته تلك القوى، بما يحقق لها النفوذ والهيمنة.
أما عسكريًا، فتسعى إثيوبيا إلى مزيد من التفوق العسكري في المنطقة، بما يمنحها القوة العسكرية اللازمة لتعزيز مكانتها الإقليمية، علاوة على الحفاظ على أمنها القومي في منطقة القرن الأفريقي، والتي تعد إحدى أبرز البؤر التي تعج بالصراعات والنزاعات في العالم، ناهيك عن التهديدات الإقليمية المتمثلة في ضعف بعض دول الجوار، وبروز بعض الجماعات الإرهابية مثل حركة الشباب المجاهدين في الصومال، وتدهور العلاقات مع بعض الدول الإقليمية مثل إريتريا. وبالتالي يمنح التفوق العسكري لإثيوبيا فرصة للعب دور محوري ومهم في المنطقة، بحيث تقدم نفسها للولايات المتحدة الأمريكية والقوى الغربية على أنها البديل الكفء القادر على حماية المصالح الأمريكية والغربية في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي.
ويأتي الدور الإقليمي الإثيوبي في إطار تفاعلات وتشابكات إقليمية ودولية تشهدها منطقة القرن الأفريقي، حيث تشهد المنطقة خلال الفترة الأخيرة إعادة صياغة وهندسة للأدوار الإقليمية وموازين القوى فيها، ومحاولات إقليمية مُقابلة ليكون أصحابها جزءًا من المعادلة الإقليمية في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، خاصة في ظل طبيعة التغيرات الإقليمية التي تشهدها المنطقة، ومع اشتداد التدافع والتكالب الإقليمي والدولي في القرن الأفريقي، الأمر الذي يجعلها ساحة كبيرة للتنافس الإقليمي على الزعامة الإقليمية والموارد والنفوذ والسيطرة، خاصة وأن المنطقة تتمتع بأهمية جيوسياسية وجيوستراتيجية كبرى.
التواجد العسكري الإقليمي والدولي في المنطقة
تلعب الأهمية الجيوبوليتيكية لمنطقة القرن الأفريقي دورًا مهمًا في تصاعد التنافس الإقليمي والدولي على المنطقة، بحيث لم تقتصر فقط على التنافس الاقتصادي أو السياسي، وإنما تخطته إلى التنافس على التواجد الأمني والعسكري، والذي تمثل في مسارعة العديد من القوى الإقليمية والدولية إلى إنشاء قواعد عسكرية وتجارية في دول المنطقة، بحيث تعددت أغراض وأهداف إنشائها؛ كحماية المصالح الحيوية لتلك الدول، وتأمين مضيق باب المندب على الساحل الشرقي الأفريقي الذي يمثل أحد أهم المضايق المائية في العالم، ناهيك عن تعزيز النفوذ والسيطرة، في تلك المنطقة المهمة إستراتيجيًا.
وتمثل دولة جيبوتي موطئ قدم للقوى الإقليمية والدولية لإنشاء قواعد عسكرية في منطقة القرن الأفريقي، حيث يتمركز فيها عدد من القواعد العسكرية التقليدية، والتي تتمثل في القاعدة الأمريكية «ليمونييه»، والتي تم افتتاحها منذ عام 2002، وتُعد أكبر القواعد العسكرية الأمريكية في أفريقيا، بالإضافة إلى القاعدة العسكرية الفرنسية، التي تعد أقدم القواعد العسكرية في المنطقة، علاوة على القاعدة العسكرية اليابانية التي تم افتتاحها في عام 2011، إضافة إلى القاعدة الألمانية والإيطالية.
وفي الوقت الذي يسعى فيه عدد من القوى الإقليمية والدولية لتدشين قواعد عسكرية جديدة لها في المنطقة، أعلنت الصين عن إنشاء قاعدة عسكرية تجارية لها في جيبوتي، والمقرر افتتاحها قبل انتهاء عام 2017 الجاري، بغرض المساهمة في مكافحة القرصنة في البحر الأحمر، وحماية الجاليات الصينية في المنطقة، والتي يتجاوز عددها المليون نسمة، وإن كان الغرض الحقيقي يكمن في تصاعد التنافس الصيني الأمريكي في منطقة القرن الأفريقي، والرغبة في تعزيز النفوذ الصيني في المنطقة.
كما قامت تركيا بافتتاح قاعدة عسكرية في الصومال تهدف -حسب المسئولين الحكوميين في الجانبين- إلى تدريب القوات الصومالية، إلا أن الهدف الحقيقي من التواجد التركي في المنطقة هو حماية المصالح التركية في شرق أفريقيا من جهة، وإيجاد موطئ قدم في منطقة القرن الأفريقي لتعزيز النفوذ الإقليمي لتركيا من جهة ثانية.
ومع التوجه الخليجي الملفت للأنظار في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي على الصعيد السياسي والاقتصادي والإستراتيجي، ومع طبيعة المتغيرات التي تشهدها المنطقة منذ اندلاع ما يُعرف بثورات الربيع العربي في عام 2011، والأحداث التي تشهدها اليمن بعد انقلاب جماعة الحوثي على الشرعية السياسية في البلاد، والتي شكلت تهديدًا للأمن القومي السعودي، بالإضافة إلى التهديد الإيراني لدول الخليج وامتداداته في المنطقة، ما أعطى أهمية إستراتيجية لمنطقة القرن الأفريقي باعتبارها امتدادًا إستراتيجيًا للأمن القومي الخليجي، وهو ما دفع بعض الدول الخليجية للسعي نحو إنشاء قواعد عسكرية في المنطقة.
ومع ترحيب دولة جيبوتي بالتواجد العربي على أراضيها لا سيما التواجد السعودي، تتابعت الوفود العسكرية السعودية خلال الفترة الأخيرة إلى جيبوتي، في إشارة إلى إمكانية إقامة قاعدة عسكرية سعودية في جيبوتي. في الوقت نفسه قامت دولة الإمارات العربية المتحدة بتأجير ميناء عصب في إريتريا لمدة 30 عامًا من خلال شركة موانئ دبي العالمية التي تمثل إحدى أدوات القوة الناعمة الإماراتية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، واستئناف العمل في ميناء جيبوتي بموجب حكم المحكمة البريطانية لصالح موانئ دبي العالمية.
كما يأتي التواجد الإماراتي في ميناء بربرة الصومالي ليعبر عن حقيقة الاهتمام الخليجي لا سيما السعودي والإماراتي بمنطقة القرن الأفريقي؛ لما لها من أهمية على كافة الأصعدة السياسية والاقتصادية والإستراتيجية والأمنية والعسكرية.
المصالح المصرية في منطقة القرن الأفريقي
تأتي الجهود المصرية الأخيرة لمحاولة ملء الفراغ الذي خلفته حكومات مصر المتعاقبة خلال العقود الماضية لصالح قوى إقليمية منافسة ومناوئة للدور المصري في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي. أحد أبرز التحديات التي تواجه مصر في المنطقة، خاصة في ظل المتغيرات والتطورات التي تعيشها المنطقة، وتسعى السياسة المصرية إلى أن تكون جزءًا مهمًا من المعادلة الإقليمية في هذه المنطقة.
وتتعدد المصالح المصرية في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي، وتتمثل أبرز تلك المصالح في مياه النيل، حيث تحصل مصر على حوالي 55.5 مليار متر مكعب، هي مقدار حصتها التاريخية من مياه نهر النيل بموجب الاتفاقيات التي وقعتها مع دول حوض النيل، لا سيما اتفاقيتي 1929 و 1959، إلا أنها تواجه خطرًا داهمًا بعد شروع إثيوبيا في تدشين سد النهضة الإثيوبي منذ أبريل/نيسان 2011، والتي أثبتت الدراسات الفنية خطورته وتأثيراته السلبية على دول الحوض لا سيما نقص حصة مصر من المياه.
كما يأتي أمن البحر الأحمر ضمن المصالح الحيوية للدولة المصرية، باعتباره امتدادًا إستراتيجيًا لمصر، وأن أي تهديد لتلك المنطقة يمثل تهديدًا للملاحة البحرية والتي بدورها تؤثر سلبًا على الملاحة في قناة السويس. بالإضافة إلى قضية الإرهاب في منطقة القرن الأفريقي التي تهدد المصالح المصرية، والفناء الخلفي للأمن القومي المصري.
ومن ثم تسعى مصر إلى تعزيز التواجد في منطقة شرق أفريقيا والقرن الأفريقي من خلال إعادة هندسة العلاقات مع دول المنطقة، بما يساهم في إعادة التوازنات الإقليمية وموازين القوى في المنطقة لصالح مصر، من أجل التأثير في عدد من الملفات الضاغطة على الدولة المصرية وعلى رأسها ملف مياه النيل.
التخوفات الإثيوبية من التحركات المصرية والإقليمية
أدت التحركات المصرية المتتابعة مؤخرًا في شرق أفريقيا والقرن الأفريقي إلى إثارة القلق والمخاوف لدى الجانب الإثيوبي من عودة للدور المصري في المنطقة، الأمر الذي قوبل بتحركات إثيوبية مضادة من أجل تحجيم الدور والتحرك المصري في المنطقة. وبرز التقارب الإثيوبي السوداني خلال الفترة الأخيرة، حيث أكد الرئيس السوداني في لقائه برئيس الوزراء الإثيوبي هيلا ماريام ديسالين في 4 أبريل/نيسان الماضي، بأنه لا سقف للتعاون بين الدولتين في المجال الأمني، وأن إثيوبيا هو أمن السودان، كما نشطت إثيوبيا في محاولة التأثير فيما يتعلق بأزمة جنوب السودان من خلال لقاءاتها بالرئيس سلفاكير وتوقيع عدد من الاتفاقيات للتعاون المشترك بين البلدين، إضافة إلى محاولة إثيوبيا جذب الإدارة الجديدة الصومالية بعد انتخاب الرئيس محمد عبد الله فرماجو رئيسًا للبلاد، وتصريحات مسئوليها بالحرص الإثيوبي على مساعدة فرماجو في تحقيق الاستقرار في الصومال.
وفي حال إقامة قاعدة عسكرية مصرية في المنطقة، فإن ذلك سيمثل بالطبع مخاوف كبيرة لدى الجانب الإثيوبي، حيث تتخوف إثيوبيا من محاصرة مصرية لسد النهضة الإثيوبي، وتحريض دول وجهات مناوئة لإثيوبيا لا سيما إريتريا وحركة الشباب المجاهدين الصومالية، كما أن وجود قاعدة عسكرية مصرية في المنطقة يعني اقتراب مصر من الأراضي الإثيوبية، ما يجعل التهديدات المصرية لإثيوبيا أكثر مصداقية.
وتجدر الإشارة إلى أن الإدارة الإثيوبية قد اعتادت إثارة المخاوف من مصر لدى الرأي العام الإثيوبي وفي منطقة القرن الأفريقي، وهو ما ظهر في الاتهامات الإثيوبية للجانب المصري بالضلوع في الأحداث التي شهدتها إثيوبيا من انتفاضة بعض القوميات الإثيوبية منذ عام 2015 وعلى رأسها قومية الأورومو ذات الأغلبية في دولة إثيوبيا ضد النظام الإثيوبي الذي تسيطر عليه قومية تيجراي.
وبرغم التواجد الخليجي في المنطقة من خلال الاستثمارات الخليجية الكبرى في القرن الأفريقي، لا سيما الاستثمارات السعودية والإماراتية في إثيوبيا، إلا أن إثيوبيا قد حذرت من التواجد العسكري للدول الخليجية في منطقة القرن الأفريقي لا سيما في إريتريا، كما يثير التواجد الإماراتي في المنطقة التخوف الإثيوبي منه، خاصة مع التقارب المصري الإماراتي، والذي تعتبره من الممكن أن يشكل تهديدًا ضدها.
فهناك دائما توجس إثيوبي من التواجد المصري والعربي في منطقة القرن الأفريقي، وهو نابع من التخوف الإثيوبي من التطويق العربي والإسلامي لها، ما يهدد استقرارها الداخلي، فالنظام في إثيوبيا يخشى أن يصبح جزيرة مسيحية وسط محيط إسلامي، وهو ما دفعه إلى إثارة القلاقل وعدم الاستقرار في الصومال، إضافة إلى شعوره الدائم بالقلق تجاه أية تحركات مصرية أو عربية في المنطقة، لا سيما التحركات الأمنية والعسكرية.
مصدر