بحث علمي يستند علي تحليل جينات وراثية لسكان من مختلف العالم و خصوصاً اثيوبيا و مصر، ربما يوضح سبب تشابه الجينات الوراثية بين المصريين و اهل الشام خصوصاً و اسيا و اوروبا عموماً
المصري الموجود بداخلنا جميعاً
مصر هي بوابه انتشار الانسان العاقل في العالممن المعروف أن أفريقيا هي أصل جميع التجمعات البشرية الحديثة، بعد أن تم اكتشاف أقدم جمجمة بشرية في إثيوبيا بعمر يصل إلى 160000 سنة تقريباً، وهي بذلك تعد واحدة من أقدم الجماجم البشرية للإنسان الحديث. ولكن الطريق الذي سلكه الإنسان الحديث للخروج من أفريقيا كان غير واضح، ولهذا إقترح العلماء من قبل طريقين بديلين للخروج من أفريقيا عبر مضيق باب المندب أو عبر مصر وسيناء إلى شبه الجزيرة العربية كبواباتٍ محتملةٍ في ضوء الموقع الجغرافي، والمناخ القديم، والمعلومات الأثرية، والأدلة الوراثية المتراكمة. ولقد توالت اكتشافات مماثلة أدت إلى كثير من التكهن بأن البشر انتشروا من أفريقيا إلى أسيا وأوروبا عن طريق إثيوبيا.
ولكن الصورة تغيرت مؤخرا، بعد أن أشار أحدث بحث في هذا المجال أن أول إنسان حديث يصل إلى أوروبا وآسيا هاجر إلى الشمال من مصر منذ حوالي 55000 سنة، وقد أكدت الدراسة على أن الأوروبيين والآسيويين الذين يعيشون اليوم أكثر ارتباطاً وراثياً بالمصريين المعاصرين أكثر منهُ ارتباطاً بالأثيوبيين.
:: أحدث دراسة جينومية
قام فريق دولي من عدة معاهد وجامعات عالمية بتتبع مسار أوائل البشر المعاصرين من أفريقيا من جنس "الإنسان العاقل" (Homo sapiens) وهو الوحيد الذي لم ينقرض من أشباه الحيوان، وآخرها إنسان "نياندرتال" (Neanderthal) الذي سبقه بأكثر من 300 ألف عام بالوصول إلى أوروبا، وعاش الإثنان معاً طوال 25 ألف عام، ثم انقرض إنسان "نياندرتال" قبل 24 ألف سنة لسببٍ غير واضح.
وأظهرت الدراسة أن جينات المصريين المعاصرين الوراثية شبيهة بجينات سكان أوروبا وآسيا، أكثر من جينات الإثيوبيين، وهو ما يثبت أن مصر كانت على الأرجح البوابة التى عبر منها الإنسان العاقل، وليست إثيوبيا، لينتشر في أنحاء العالم. وأثبتت نتائج البحث أن جينات أقدم المجموعات البشرية تميل للجينات المصرية أكثر من الإثيوبية. كما أكد الباحثون أن خطوط سير الهجرات البشرية التي تمت على مراحل انطلاقاً من إثيوبيا وصولاً إلى مصر، ومنها توزعت عبر طريقين، شرقًا وشمالًا بعد عبور سيناء، حيث تم الاتصال مع الإنسان "النياندرتال" الذي سبقها بهجراته إلى فلسطين وبلاد الشام حالياً.
شارك في هذا البحث الذي أفردت له دورية American Journal of Human Genetics العلمية الشهرية مكاناً بارزاً، علماء من معهد ويلكوم ترست سانجر و حرم ويلكوم ترست الجامعي للجينوم، وقسم الآثار والأنثروبولوجيا في جامعة كامبردج، وقسم علم الوراثة في جامعة كامبريدج و مجموعة هنري ستيوارت، وقسم علم الوراثة و التطور والبيئة في جامعة لندن، المملكة المتحدة؛ ومدرسة تشان للصحة العامة في بوسطن و جامعة هارفارد في الولايات المتحدة الأمريكية و قسم علوم الاحياء و الجيولوجيا و علوم البيئة جامعة بولونيا في إيطاليا، والجامعة اللبنانية الأميركية في لبنان و جامعة أديس أبابا ومركز التنوع الوراثي البشري في إثيوبيا.
وقام العماء بإجراء فك تتابعات كامل الجينوم لـ 225 جينوماً بشرياً من الاثيوبيين والمصريين من ستة تجمعات سكانية حديثة في شمال شرق أفريقيا، لمصريين وخمسة تجمعات سكانية لأثيوبيين يمثل كل منها بـ 25 فرداً، وبإجمالى 100 جينوم للمصريين. وقام العلماء بحجب المكونات الوراثية الأوربية الأسيوية، وتمت مقارنة الأنماط الفَرْدانِيّة الأفريقية المتبقية بمجموعة من الجينومات الأفريقية وغير الأفريقية الواقعة جنوب الصحراء الكبرى.
وأظهر الباحثون أن الأنماط الفَرْدانِيّة من شمال شرق أفريقيا عموما ًكانت أكثر شبها بالأنماط الفَرْدانِيّة غير الأفريقية وكانت أكثر وجودا بشكل متكرر خارج أفريقيا في كثير من الأحيان أكثر من أي مجموعة من الأنماط الفَرْدانِيّة المستمدة من سكان غرب أفريقيا. وعلاوة على ذلك، أظهرت الأنماط الفَرْدانِيّة المصرية المحجوبة هذه الخصائص بشكل ملحوظ أكثر من الأنماط الفَرْدانِيّة الاثيوبية المحجوبة، مما يشير إلى أن مصر هي البوابة الأرجح والأكثر احتمالاً للهجرة الجماعية إلى بقية أنحاء العالم.
وعن طريق استخدام خمسة جينومات اثيوبية وثلاثة جينومات مصرية عالية الحجب وباتباع نهج الإتحاد الماركوفي المتعدد بشكل تسلسليMSMC) )، قدر العلماء زمن الانشقاق الجيني للمصريين وللأثيوبيين من التجمعات السكانية غير الأفريقية منذ حوالي 55000 و 65000 عاماً على التوالي، في حين أنهم قدروا زمن الانشقاق الجينى للتجمعات البشرية من غرب أفريقيا منذ حوالي 75000 عاماً.
وبالتالي فإن كل التحليلات المستخدمة في هذه الدراسة تشير إلى أن الطريق الذي سلكهُ الإنسان الحديث للخروج من أفريقيا هو الطريق الشمالي عبر مصر. وتشير أيضا إلى أن أولى مجموعات الإنسان الحديث "وصلت إلى أوروبا وآسيا عبر مصر التي جاءتها عبر هجرات من إثيوبيا نحو الشمال". ويحدد تحليل بيانات فك تتابعات كامل الجينوم الإثيوبي والمصري أن الأنماط الفردانية للمصري الحديث هي الأنماط الوراثية الأفريقية التى تشبه بشكل وثيق جينومات التجمعات البشرية غير الأفريقية.
وتشير هذه النتائج إلى الطريق الشمالي كان هو الاتجاه المفضل للخروج من أفريقيا، نظراً لوجود مكونات جينومية إفريقية في المصريين تختلف عن تلك التي في التجمعات السكانية لشرق ولغرب أفريقيا، مما يدعم بدرجة طفيفة استمرارية التجمعات السكانية من مصر منذ التشتت.
وبهذا حل العلماء ألغاز أوجه التشابه الأثرية واختلاط النيانديرتال، والتي يتم استيعابها من قبل النموذج الشمالي للخروج من أفريقيا، و لا يفسرها المخرج الجنوبي، وينسجم بشكل جيد مع الاكتشاف الأخير للبقايا البشرية المكتشفة في أرض فلسطين والتي قدر عمرها بحوالي 55000 سنة (على مقربة من الطريق الشمالي).
:: "المصري الموجود بداخلنا جميعاً"
عَلَقَ العديد من الباحثين والكتاب على نتائج هذه الدراسة التي تؤكد أن أوائل البشر المعاصرين من الذين انتشروا عبر أفريقيا ثم إلى أوروبا وآسيا، خرجوا بداية من مصر منذ نحو 55 ألف عام، وأن مصر هي بوابة انتشار الإنسان العاقل في العالم. ويقول لوقا باجاني، أستاذ علم الوراثة في جامعة كامبريدج والناشط مع معهد "ولكام تراست سانجر" البريطاني، وأحد المشاركين في البحث، إن: "تحليل جينات الأحياء المعاصرين وأحماضهم النووية سمح لنا باستكشاف أحداثٍ قديمةٍ تعود إلى 60 ألف سنة مضت".
وأكد الدكتور توماس كيفيسيد، أستاذ "علم الإنسان" بجامعة كامبريدج البريطانية، على أن نتائج الدراسة تؤكد أن الإنسان اتجه شمالاً من إثيوبيا، لا جنوباً ليعبر باب المندب إلى شبه الجزيرة العربية وأن الهجرات على مراحل تمت انطلاقاً من إثيوبيا وصولا إلى مصر، ومنها توزعت عبر طريقين، شرقاً وشمالاً بعد عبور سيناء، حيث تم الاتصال مع الإنسان "النياندرتال" الذي سبقها بهجراته إلى حيث هي بلاد الشام حالياً. وذكر في الدورية أن الأكثر إثارة وأهمية فيما توصل إليه البحث هو كشف ما كان مخفياً بحجاب عن تاريخ "أوراسيا" ومن فيها، وأدى إلى فهم أكثر "للتطور الذي حدث لمليارات من السكان".
ولقد كشف تحليل كامل الجينوم الوراثي المأخوذة عيناته من225 شخصاً في مصر وإثيوبيا أن خارطة المصريين الوراثية شبيهة لسكان عاشوا خارج إفريقيا، أكثر من شبهها بخارطة الإثيوبيين، ومنها جينات سكان أوروبا وآسيا التي استمدت طفراتها من أسلاف عاشوا قبل 55 ألف عام، في حين تقاسم أولئك الأسلاف مع نظرائهم بإثيوبيا التتابعات الوراثية الجينومية نفسها قبل 65 ألف سنة، ثم حدث انشقاق بعد 10 آلاف عام، وهو ما أثبت أن مصر كانت على الأرجح البوابة التي عبر منها الإنسان العاقل لينتشر في العالم حتى أصبح أكثر من 7 مليارات الآن.
وعلقت عدة صحف أجنبية على نتائج هذا البحث بعبارة "المصري موجود بداخلنا جميعا"، بعد تأكيد هذه الدراسة على أن المصري هو أصل الأوروبيين، والجد الأكبر أيضًا للآسيويين، حيث انتشرت جذور جينات المصريين في القارتين منذ 60 ألف عام. ونقلت عدة صحف مصرية وعربية هذا الخبر العلمي مؤكدة على أنه إثبات وراثي لتحقيق المقولة الشهيرة بأن: "مصر أم الدنيا".
وعلى الرغم من أن البيانات التي حصل عليها الفريق البحثي توفر أفضل مصدر لنماذج المعلومات الديموجرافية الصريحة مكانياً، لكن في الوقت نفسه فإن تحليلات العلماء لا تعالج الخلافات حول التوقيتات والتعقيدات المحتملة للتوسع خارج أفريقيا ولكنها تسلط الضوء على الحاجة إلى إجراء المزيد من التحليلات، التي تشمل الحمض النووي القديم، وجينومات الشرق الأدنى والجينومات الاسترالية للتوسع الساحلي المبكر، لمواصلة حل هذه القضايا.
https://phys.org/news/2015-05-humans-migrated-north-south-main.html
http://www.arsco.org/detailed/f80ac4b1-623c-4512-b3fc-6e8cef3f587a#